الأدب المقارن
موطن التلاقي بين آداب الشعوب..
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
altayih@hotmail.com
الأدب المقارن بتعريف بسيط «العلم الذي يحاول أن يتخطى الحدود القومية ليعرف ما عند الآخرين، ما هو أصيل من آدابهم، وما أخذوه عن غيرهم». وبتعريف أشمل هو «دراسة الصلات الأدبية ومواطن التلاقي بين الآداب العالمية في ماضيها وحاضرها، ومعرفة ما تظهره هذه العلاقات من مظاهر تاريخية التي تعتبر من المؤشرات الدالة على ظاهرة التأثير والتأثر في ما يتعلق بالأجناس والمذاهب الأدبية والتيارات الفكرية أو الأصول العامة والفنية للأدب، وبالتالي دراسة المظاهر الأدبية المتعلقة بالموضوعات والمواقف، والشخصيات التي تعالج وتحاكي الأدب، ومن ثم دراسة الصلات والروابط الحضارية التي تربط الشعوب والأمم تاريخياً، وفكرياً، وجغرافياً، واجتماعياً من خلال ما يعكسه الأدب عن أحوال تلك الشعوب والأمم». والحقيقة التي يجب ألا نجشم أنفسنا في عناء تعليلها أن«الحدود الفاصلة بين أدب وآخر في مجال الدراسة المقارنة هي اللغات، فاختلاف اللغات شرط لقيام الدراسة الأدبية المقارنة. والآثار الأدبية التي تكتب بلغة واحدة تخرج عن مجال درس الأدب المقارن وإن تأثر بعضها ببعض. والموازنة بين أديب وأديب من أبناء اللغة الواحدة لا تدخل في درس الأدب المقارن». وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نجزم بيقين تام لا يخالجه شك أو تنازعه ريبة، أن الموازنات التي تنشر العيوب والمآخذ وتذيع المحاسن والجمال والتي ألفت في نواحٍ شتى من نواحي المعمورة بين شعراء عرب راضوا الشعر وصاغوا القريض، لا تمت إلى الأدب المقارن بصلة، ولا تمت إليه بسبب، فالموازنة بين أبي تمام والبحتري وبين حافظ وشوقي لا تعد ضرباً من ضروب الأدب المقارن، لأنها صيغت من لغة واحدة وهي اللغة العربية، وكذلك الموازنة بين مقامات بديع الزمان الهمذاني ومقامات الحريري لوحدة اللغة، ولكن يختلف الأمر إذا اختلفت اللغة وتفاوت الأدب، مثل مقامات خميدي التي ألفت في حدود عام 550 هـ وتأثر فيها مؤلفها بمقامات الهمذاني والحريري، و «ينطبق الأمر كذلك على الأساطير، فشاهنامة الفردوسي وما تضمنته من أساطير الفرس، والحديث عن أبطالهم الأسطوريين لا تصلح هي الأخرى مادة للأدب المقارن مع تلك الشاهنامات التي قلدتها وحاكتها. لأنها جميعاً كتبت بلغة واحدة مشتركة بينها. ولكن المقارنة تصح إذا تأثرت الآداب الأوروبية بهذه الشاهنامة. وقد حدث هذا فعلاً، فكانت الشاهنامة مصدراً خصباً لأدباء أوروبا من شعراء وكتاب، إذ قاموا بترجمتها وتلخيصها ومحاكاة قصصها. ويرجع الفضل إلى وليم جونز في لفت نظر أوروبا بما نشره من مقتطفات منها في كتابه الذي أصدره سنة 1774م بعنوان تعليقات على الآشعار الآسيوية Commentaries on Asiatic Poetry
وقد قام هذا الكتاب بدور كبير في تعريف الأوروبيين بالأدبين العربي والفارسي، وكذلك لا يدخل في دائرة الأدب المقارن تلك الدراسات التي تعقد بين أدباء لم يثبت بالدليل القاطع صلة بينهم تتيح القول بأن أحدهم تأثر بالآخر. وإذا فرضنا أن شاعراً في الصين عرض لفكرة من الأفكار عرض لها شاعر آخر في ألمانيا ولم يثبت التاريخ أن أحدهما وقف على فكرة الآخر على أي وجه من أوجه الاتصال يرجح أوجه التأثر والمحاكاة، فإن هذا لا يدخل في دائرة الأدب المقارن».