استنكر المُنصفون واستنكرت معهم ما تعرَّض له السيد عمار الحكيم - رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وابن السيد عبد العزيز الحكيم الراحل الذي قال عبارته المشهورة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن: «إننا بحاجة إلى حمايتكم، لا تتخلوا عنا»- من إساءة غير مبررة من بعض مراهقي الفوتوشوب، حيث تم إظهاره وكأنه يُقبِّل يد كلب حقيقي في احدى الطرقات.
وفي الحقيقة، كادت هذه الكذبة أن تنطلي عليَّ لأول وهلة، لأسباب سيأتي ذكرها في هذا المقال، لولا استحضاري لإمكانية أن تكون هذه الصورة الملفقة، من جُملة الصور المزيفة، من نتاج الجهاد الالكتروني الشامخ، بما فيه من تزييف وأكاذيب وتراشق للتهم، وهو جهاد لم يعرفه الأولون، ولكن يعرفه ويثير غباره صبيان السنة والشيعة، على شبكة الانترنت أو في برامج التواصل الاجتماعي.
كم هي بائسة تلك الثقافة التي يستحل أربابها لأجل ترسيخها والانتصار لها هذه الدونية في الخطاب، والتي يُمكن وصفها بـ(الباطوس) وهو بئر القذارة، كلما نزعت منه رأيت قذراً، ودونك فيه قذرٌ لا ينتهي.
إنَّ أخلاق الإسلام تفرض على المسلم الواعي والملتزم بتعاليم دينه أن لا تبلغ به خصومته العقدية أو المذهبية أو الفكرية هذا المبلغ من الفجور والانحدار.
وقد عدَّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف صفات المنافق وذكر من أبرزها أنه (إذا خاصم فجر)، فنعوذ بالله تعالى أن تبلغ خصومتنا لأي أحدٍ من الناس، مهما بلغ في الإجرام أو العمالة أو الضلال، أن يُنسب إليه ما لم يفعله عن قصدٍ وبهتان.
قد يُقال: إنَّ آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي- زعيم الحوزة العلمية في النجف، كان أحد روَّاد إطلاق الأكاذيب على الخصوم بحجة صرف الأنظار عنهم، وإسقاطهم أمام العامة، كما في فتواه الشهيرة وقد سُئِل: (هل يجوز الكذب على المبتدع أو مروّج الضلال في مقام الاحتجاج عليه إذا كان الكذب يدحض حجته ويبطل دعاويه الباطلة؟ فأجاب: إذا توقف رد باطله عليه جاز) ([1]).
فإنه إذا كان مخالفي يتدَّين بالكذب عليَّ وعلى رموزي من الصحب والآل ومن يليهم، فإنه لا يجوز لي شرعاً ولا خُلقاً أن أقابله بالكذب والبهتان أو أن أتقبَّل نسبة ما أعلمه كذبه إليه.
ومع هذا كله، كدت أنا شخصياً أن أقع في الفخ، لعدم استبعادي صدور مثل هذا الفِعل عن الحكيم أو غيره من أرباب الطائفة، إذ أنَّ للمسألة أبعاداً تعبدية قد لا يدركها مثلي ومثلك من بسطاء الخلق.
الكثيرون منا قد رأوا المستبصر محمد التيجاني السماوي في قناة المستقلة وهو يبتسم مفتخراً واصفاً نفسه بأنه (كلب أهل البيت)! وأنَّ أهل البيت -على حد قوله-: لا يتخلون عن كلبهم([2])!
وكأنّ أهل البيت – برأهم الله من هذه السفاهات – بحاجة إلى مثل هذه المفاهيم السقيمة التي تُنبئ عن مستوى فهم وإدراك أصحابها لمعنى حب أهل البيت وتذكّرِ حقهم.
لقد رأينا التيجاني وهو يتمثل بقول الزمخشري:
كثر الشك والخلاف وكلٌ يدّعي الفوز بالصراط السوي
فاعتصامي بلا إله سواه ثم حبي لأحمد وعلي
فاز كلبٌ بحب أصحاب كهف فكيف أشقى بحب آل النبي
لكن قراءتي ولّدت لي قناعة مفادها أنّ التيجاني لم يأتِ بشيء من عنده .. بل إنما هو ناقل لأمر سار عليه علماء من الإمامية قديماً وحديثاً للأسف الشديد.
وأنّ كلب رجل من أهل الذمة عض اثنين من الصحابة فشكيا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بقتله.
فمن المعاصرين (آية الله العظمى وحيد خراساني)، نزيل (قم) الإيرانية، وهو من أبرز مراجع التقليد لدى الإمامية اليوم.
يذكر (وحيد) علاقته بأهل البيت في احدى محاضراته المدونة فيقول: (فلسنا حتى في مقام كلب مدّ على أعتاب دارهم ذراعيه وهزّ أمامهم ذنَبه! كلا .. فنحن أقل من كلب وأسوأ)!
هو الذي يصف نفسه بهذا الكلام وليس مخالفوه!
ثم يقول: (وأكرر بأنني لا أستطيع أن أدّعي بأنّ لي مقام كلبهم ، وعلى هذا أقر وأمضي ، لأنها دعوى توجب علي وتلزمني الاستغفار، ولن أقع في هذا الخطأ فأدّعي بأنني كلب هذا البيت) ([3])!!
وقد سبقه إلى هذا القول من القدماء (المولى نصير الدين الطوسي) الذي ذكره آية الله العظمى خميني في (الحكومة الإسلامية): (ويشعر الناس بالخسارة أيضًا بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأمثاله ممَّن قدموا خدمات جليلة للإسلام) ([4]).
ولن أقف عند مُفردة لطالما وقف عندها أهل السنة، وهي ثناء الخميني على رجل مثل نصير الدين الطوسي، كان أحد معاوني ومستشاري هولاكو الذي سفك دماء المسلمين، فهذه الكل يعرفها، وقد قُتِلت نشراً وبحثاً، ولكني أمام تصريح لهذا العَلَم الكبير يُصرِّح فيه بتصريح لا يقل خطورة عن تصريح (وحيد خراساني) فيقول: (يا حسرة على عمرٍ أفنيناه ولم نبلغ الفهم والإدراك ما يفهمه الكلب!) ([5]).
ويبدو أنَّ المعرفة بالكلاب وشؤونهم باتت عند بعض أعلام الإمامية من طرق الاستدلال على نباهة المرء وفطنته وذكاءه، تذكر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بـ(قم) في تحقيقها لكتاب (الانتصار) للشريف المرتضى، أنَّ للمرتضى مجلس ذكر أنه دخل عليه فيه أبو العلاء المعري فعثر برجل أحمق، فقال لأبي العلاء: من هذا الكلب؟ فقال له أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً، وسمعه المرتضى واستدناه واختبره فوجده عالماً مشبعاً بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالاً كثيراً ([6]).
وفي روايات الإمامية ما يصلح شاهداً على أنَّ (الكلب) يُمكن أن يكون موالياً لأهل البيت، ومنافحاً عنهم، حرباً على النواصب، وسِلماً على المشايعين.
فقد روى الطبري الشيعي (القرن الرابع) في (نوادر المعجزات) وابن شاذان القمي (نحو 606هـ) في (الروضة في فضائل أمير المؤمنين) أنّ كلب رجل من أهل الذمة عض اثنين من الصحابة فشكيا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بقتله.
تقول الرواية: (ثم قام صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه حتى أتى منزل الرجل، فبادر أنس فدق الباب فقال: من بالباب؟ فقال أنس: النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببابكم، قال: فأقبل الرجل مبادراً ففتح بابه وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما الذي جاء بك إليّ ولست على دينك؟ ألا كنت وجهت إليّ كنت أجيبك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لحاجة إلينا أخرج كلبك فإنه عقور وقد وجب قتله، فقد خرق ثياب فلان وخدش ساقه وكذا فعل اليوم بفلان، فبادر الرجل إلى كلبه وطرح في عنقه حبلاً وجره إليه وأوقفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما نظر الكلب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال بلسان فصيح بإذن الله تعالى: السلام عليك يا رسول الله، ما الذي جاء بك ولِمَ تريد قتلي؟ قال: خرقت ثياب فلان وفلان وخدشت ساقيهما، قال: يا رسول الله، إنّ القوم الذين ذكرتهم منافقون نواصب يبغضون ابن عمك علي بن أبي طالب ولولا أنهم كذلك ما تعرضت لهم ولكنهم جازوا يرفضون علياً ويسبونه فأخذتني الحمية الأبية والنخوة العربية ففعلت بهم)(3).
فدونك كلب يؤمن بالولاية! وله نخوة عربية! وهو مُسخَّر ليهودي يحترم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف النواصب الأوغاد!
واليهودي -على كفره- يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله!
فلا تعجب، فإنَّ الهدف من اختلاق هذه الرواية هو جعل الكلب واليهودي خيرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين استولوا على الخلافة بغير حق.
ولكن يبقى التساؤل قائماً: ومن يمثل دور هذا الكلب؟!
لعلي أستشف من فعل (الحسين بن الحجاج) صاحب القصيدة المشهورة (يا صاحب القبة البيضاء بالنجف) الإجابة، فقد أوصى هذا الشاعر الموالي قبل مماته أن يدفن بالقرب من الإمام موسى بن جعفر الكاظم وأن يُكتب على لوح قبره قول الله تعالى {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}([7])!
قال الشيخ الأميني في موسوعته (الغدير): (وحُمل – أي الحسين بن الحجاج - إلى مشهد الإمام الطاهر [الكاظمية] ودُفن فيه وكان أوصى أن يُدفن هناك بحذاء رجلي الإمام عليه السلام ويكتب على قبره: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد})([8]).
تجدر الإشارة إلى أن حرص الشاه عباس على الظهور بمظهر التفاني في موالاة أئمة أهل البيت دفعه إلى تلقيب نفسه بكلب عتبة علي أو كلب عتبة الولاية ونقش هذا اللقب على خاتمه لكي يستعمله في المراسلات الرسمية فضلا عن حرصه على أن يظهر نفسه خادماً متفانياً للمزارات المقدسة وللزائرين حيث كان يقوم بكنس المقام وتقديم الطعام للزائرين بنفسه.
وفي (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) لأغا بزرك طهراني، الذي استقصى فيه هذا العالم الفذ كل ما وقف عليه من تصانيف الشيعة عبر العصور، إلى زمانه، يطالعك طهراني بكتاب اسمه (الإبريق في غسل الدم بالريق ) للعالم الجليل السيد كلب باقر بن السيد كلب حسين النقوي الجايسي الهندي الحائري المتوفى بها سنة 1329هـ، وهي رسالة فقهية توجد عند ولده السيد كلب مهدي([9]).
كذا ساق آغا بزرك طهراني نسب هذا العالم الإمامي الجليل، المسلسل بكلاب أهل البيت!
ويذكر في موضع آخر ديوان شعر باسم (ديوان آشفتهء أيرواني) اسم مؤلفه: (كلب حسين بيك)، وقد كان مكرماً عند شاهزاده ظل السلطان بن فتح علي شاه([10]).
وأخيراً، وليس آخراً، يأتي آية الله محمد جميل حمَّود العاملي ليختم كتابه البائس الحقير (خيانة عائشة بين الاستحالة والواقع) بوصفه نفسه بأنه كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد، والفقير إليهم.
ولست أفهم استماتة علماء الإمامية في تشبيه أنفسهم بالكلاب، مع أنهم لا يجدون في رواياتهم شراً منه لتشبيه خصومهم من النواصب به!
ولذا جاءت الروايات الشيعية لتساوي بين الناصبي والكلب! حيث لا يوجد في قاموس الشتائم والأوصاف أقبح من هذا التشبيه.
وفي هذا يقول آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي في كتابه (مصباح الفقاهة): (وفي جملة من الروايات: الناصب لنا أهل البيت شر من اليهود والنصارى، وأهون من الكلب، وأنه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وأنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه) ([11]).
وقد روى الحر العاملي في (وسائل الشيعة) عن العباس ، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة ، والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب؟ فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ([12]).
وروى كذلك عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ الله لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ([13]).
وقد روى الكشي في رجاله عدة روايات عن الرضا والعسكري في شأن (الواقفة)، وهو الذي وقفوا على إمامة موسى الكاظم، حيث وصفتهم الروايات بالكلاب الممطورة.
وفي التعليق على هذه التسمية قال محمد تقي المجلسي في (روضة المتقين): (كما يظهر من دأبهم -أي الثقات الإماميين- أنهم يسمون الفطحية والواقفية والزيدية وأمثالهم بالكلاب الممطورة) ([14]).
وقال الشيخ البهائي العاملي في (مشرق الشمسين): (المستفاد من تصفح كتب علمائنا، المؤلفة في السير والجرح والتعديل أنَّ أصحابنا الإمامية كان اجتنابهم لمن كان من الشيعة على الحق أولاً، ثم أنكر إمامة بعض الأئمة عليهم السلام في أقصى المراتب، بل كانوا يحترزون عن مجالستهم ، والتكلم معهم فضلاً عن أخذ الحديث عنهم.
بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة، فإنهم كانوا يتاقون العامة، ويجالسونهم وينقلون عنهم، ويظهرون لهم أنهم منهم، خوفاً من شوكتهم، لأنَّ حكام الضلال منهم.
وأما هؤلاء المخذولون : فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال، وخصوصاً: الواقفة، فإنَّ الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم، والتباعد عنهم، حتى أنهم كانوا يسمونهم (الممطورة) أي الكلاب التي أصابها المطر.
وأئمتنا عليهم السلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة، ويقولون: إنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شر من النواصب وأن من خالطهم فهو منهم. وكتب أصحابنا مملوءة بذلك، كما يظهر لمن تصفح كتاب (الكشي ) وغيره) ([15]).
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أنّ ذكر (الكلب) قد ورد في شهادة هامة للشلمغاني ، وهو يحكي الصراع الذي كان دار بينه وبين الحسين بن روح – أحد نواب القائم المنتظر- على أموال الخمس ، موضحاً الاستغلال الحقيقي لأموال بسطاء الشيعة باسم حب أهل البيت وإعطاءهم حقوقهم، حيث يقول: (ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في هذا الأمر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه ، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف) ([16]).
إنّ الله تعالى لم يجعل الكلب مثلاً لبني آدم في كتابه الكريم إلا في آية واحدة يقول فيها عز من قائل {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}([17]).
فهذا مثل ضربه الله تعالى لمن انسلخ من آيات الله واتبع هواه ... وعبّر عنه بالكلب توهيناً لمن كان على هذه الصفة ، وكفى بقوله تعالى {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} حجة.
وفي هذا يقول الطبرسي – وهو من علماء الإمامية– ( قيل: إنما شبهه بالكلب في الخسة، وقصور الهمة، وسقوط المنزلة ، ثم وصف الكلب باللهث على عادة العرب في تشبيههم الشيء بالشيء، ثم يأخذون في وصف المشبه به ، وإن لم يكن ذلك الوصف في المشبه، وذلك يكثر في كلامهم ، عن أبي مسلم. وقيل: شبهه بالكلب إذا أخرج لسانه لإيذائه الناس بلهاثه. حملت عليه، أو تركته ، يقال لمن آذى الناس بلسانه: فلان أخرج لسانه من الفم مثل الكلب ، ولهثه في هذا الموضع: صياحه ونباحه) ([18]).
وقديماً قال حكيم المعتزلة (الجاحظ): (وما بلغ من قدر الكلب مع لؤم أصله، وخبث طبعه، وسقوط قدره، ومهانة نفسه، ومع قلّة خيره وكثرة شره، واجتماع الأمم كلّها على استسقاطه، واستسفاله، ومع ضربهم المثل في ذلك كلّه به، ومع حاله التي يعرف بها، ومن العجز عن صولة السّباع واقتدارها، وعن تمنّعها وتشرّفها، وتوحّشها وقلة إسماحها، وعن مسالمة البهائم وموادعتها، والتمكين من إقامة مصلحتها والانتفاع بها، إذ لم يكن في طبعها دفع السباع عن أنفسها، ولا الاحتيال لمعاشها، ولا المعرفة بالمواضع الحريزة من المواضع المخوفة، ولأنّ الكلب ليس بسبع تام، ولا بهيمة تامة، حتى كأنه من الخلق المركّب والطبائع الملفّقة، والأخلاط المجتلبة، كالبغل المتلوّن في أخلاقه، الكثير العيوب المتولّدة عن مزاجه)([19]).
ويظهر لي أنَّ وصف الغلاة أنفسهم بالكلاب هو آية من آيات الله تبارك وتعالى التي لا يُتنبه لها إلا بشيء من التدبر.
فالكلب نجس .. وأهل البيت مطهرون ... فهم أبعد الناس عن الغلاة الذين يدَّعون الانتساب إليهم.
والكلب لعابه الذي يسيل من فمه نجس .. ويكفيك ما تراه وتسمعه من شتم ولعن وتجاسر على الطعن في أعراض الصحابة، من أولئك الذين يصفون أنفسهم بكلاب أهل البيت، فإنَّ لعاب هذه الكلاب نجس، وما يسيل منها من تُهم جائرة، ولعنات متتالية، هي من جنس النجاسة التي تُعرف بالكلاب.
وأكبر من هذا كله هو أن يتدبر المرء: كيف ينتقم الله تبارك وتعالى لأصحابه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الأخيار؟ وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، فكيف بمن عادى خير الناس بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؟!
إذا كان الله تعالى قد قال في نبيه صلى الله عليه وآله وسلم {إنا كفيناك المستهزئين} فكفاه الله تعالى الذين استهزأوا به بعقوبة دنيوية عاجلة ، فإنّ لأولئك الذين نصروا هذا النبي الكريم وجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم نصيب من هذه الكفاية – قلّت أو كثُرت.
فإنّ الله تعالى قد كفاهم شر المستهزئين بأنّ جعل هؤلاء المستهزئين الشاتمين لأصحاب رسول الله يشتمون أنفسهم بأنفسهم، ويختارون لأنفسهم أحط وأنجس وأسوأ الأمثلة والتشبيهات من دون أن يشعروا بالمهانة التي تلحقهم من هذه التشبيهات ، عقوبة دنيوية لهم من رب العالمين {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} إن لم يتدارك أحدهم نفسه بتوبة يغسل بها درنه وبذاءاته.
نعم ... هكذا ينتقم الله عز وجل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أولئك الذين شتموهم ولعنوهم واستباحوا الكلام في أعراضهم .. وسخّروا أنفسهم للتشكيك فيهم وفي أعراضهم!
لكن من ذا الذي يُفكر ويتأمل ويعتبر؟



([1]) صراط النجاة في أجوبة الاستفتائات 1/447 سؤال رقم (1245).

([2]) لمن لم يشاهد المقطع أو لا يتذكره، فإليه هذا الرابط:

([3]) مقتطفات ولائية ص32-34

([4]) الحكومة الإسلامية ص 128

([5]) هامش: قصص العلماء للشيخ التنكابني ص405 ، 397

([6]) مقدمة الانتصار للشريف المرتضى ص39

(3) الروضة في فضائل أمير المؤمنين ص202-203 (حديث علي ولي الله) ومدينة المعاجز 1/261-262 (قصة الكلب الذي خرق ثوب الناصب لأمير المؤمنين) – رواية رقم (167) وبحار الأنوار 41/247

([7]) الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي 1/257

([8]) الغدير 4/98

([9]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/65

([10]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9/7

([11]) مصباح الفقاهة 1/324

([12]) وسائل الشيعة 1/226

([13]) وسائل الشيعة 1/227

([14]) روضة المتقين 4/443

([15]) مشرق الشمسين وإكسير السعادتين ص274

([16]) الغيبة للطوسي ص 391

([17]) سورة الأعراف آية 175-177

([18]) تفسير مجمع البيان للطبرسي 4/396

([19]) كتاب الحيوان ص69