سؤالات الإمام مسلم لشيخه البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، أما بعد:
فلعل من أشهر تلاميذ الإمام البخاري رحمه الله هو الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، فقد تتلمذ عليه وأفاد من علمه، ونافح عنه.
وللإمام مسلم رحمه الله عدد من السؤالات لشيخه أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، وهذه السؤالات توجد متناثرة في عدد من الكتب، ولم أر من جمعها في مكان واحد، فأحببت جمعها للفائدة، وبالله التوفيق.

الحديث الأول: حديث كفارة المجلس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق - ( 5 / 428)
فقد قرأت على عبد الله بن محمد المقدسي أنبأكم أحمد بن نعمة شفاها عن جعفر بن علي أن السلفي أخبرهم أنا أبو الفتح الماكي القاضي أنا الخليل بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد المخلدي في كتابه أنا أبو حامد الأعمش الحافظ قال كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيدالله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا أبو عبيدة الحديث بطوله فقال البخاري حدثنا ابن أبي أويس ثنا أخي عن سليمان بن بلال عن عبيدالله وذكر الحديث بتمامه قال فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كفارة المجلس واللغو إذا قام العبد أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا فقال محمد بن إسماعيل إلا أنه معلول قال مسلم لا إله إلا الله وارتعد أخبرني به قال استر ما ستر الله هذا حديث جليل رواه الناس عن حجاج عن ابن جريج فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي فقال أكتب إن كان لا بد ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة عن عون ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة المجلس فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك قلت إسناد هذه الحكاية صحيح.
وقد رواها الحاكم في تاريخ نيسابور عن أبي محمد المخلدي وقد رويت على لفظ آخر فقرأت على أبي محمد بن قدامة بصالحية دمشق عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء أن الحافظ أبا علي البكري أخبره أنا القاسم بن عبد الله بن عمر أنا وجيه ابن طاهر أنا أحمد بن علي بن خلف ح وأنبئت عن أبي نصر الشيرازي عن جده أن الحافظ أبا القاسم بن عساكر أخبره أنا أبو المعالي الفارسي أنا أبو بكر البيهقي قالا أنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الوراق يقول سمعت أحمد بن حمدون القصار يقول:
سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث وعلله حدثك محمد بن سلام ثنا مخلد بن يزيد الحراني أنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس إلى هنا اتفقا وزاد البيهقي في روايته فقال محمد بن إسماعيل وحدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك ربنا وبحمدك.
فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا سهيل عن عون بن عبد الله .

قوله قال محمد بن إسماعيل هذا أولى ولا يذكر لموسى بن عقبة مسندا عن سهيل هذا لفظ رواية البيهقي وفي رواية الآخر فقال محمد بن إسماعيل لا أعلم في الباب غير هذا الحديث الواحد كذا وقع في علوم الحديث للحاكم وهو وهم لا يتصور وقوعه من مثل البخاري لأن في الباب جملة أحاديث من غير هذا الوجه.انتهى.

الحديث الثاني: عالم المدينة.
قال ابن ناصر الدين الدمشقي في إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك ص 65
بعد أن ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا(يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدوا أعلم من عالم المدينة)

قال الحافظ أبو عبدالله محمد بن الذهبي فيما وجدته بخطه : وقال لي أبو الحجاج المزي أن مسلما سأل البخاري عن هذا الحديث فقال له: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير
فقام مسلم وقبله. انتهى.

وقال الدميري في حياة الحيوان الكبرى -
تتمة: قال شيخ الإسلام النووي: روينا بالإسناد الصحيح، في جامع الترمذي وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم، فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة " . قال الترمذي: حديث حسن. قال: وقد روي عن سفيان ابن عيينة أنه قال: هو مالك بن أنس انتهى.
والحديث المذكور رواه النسائي والحاكم، في أوائل المستدرك من حديث ابن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوشك أن تضربوا أكباد الإبل فلا تجدوا عالماً أعلم من عالم المدينة " ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه انتهى.
قلت: إنما لم يخرجه مسلم لأنه سأل البخاري عنه فقال: له علة وهي أن أبا الزبير، لم يسمع من أبي صالح.

والله تعالى أعلم.

وكتب:
عبدالرحمن بن عمر الفقيه
مكة بلد الله الحرام.