المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجواد المغربي
اشتغلت قديما ولا زلت؛ على موضوع أسباب التدخين؛ فوصلت إلى النتائج التالية؛ وهي غير ما يدعى ويقال؛ أذكره لإخواني موجزاً:
سلطة التجربة
دراسة نموذج: لماذا تدخن؟ لماذا لا تدخن؟
السبب الرئيس للتدخين هو كونه تجربة من التجارب، لا أقل ولا أكثر من ذلك. أما ما يسرد في إطار تعليل التجربة فبعيد كل البعد عن الحقيقة والموضوعية...
فالتجربة تفرض وجودها على كل موجود في الوجود.
اتفق أن التجربة سبب من اسباب الوقوع في أي أمر
ولكنه ليس من الأسباب الرئيسة للإستمرار في كل أمر ،،
أنا على يقين أن عددا كبيرا من الذين لا يدخنون الآن، قد سبق لهم أن فعلوا سرا أو علانية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة / حقيقة أو مجازا؛ والعدد الناجي من قبضة التجربة - الحديدية - قليل وقليل جداً. وأتحدى من قال: لا، وأرميه بالكذاب.
غير صحيح أخي الكريم ،
ووسأمثل عن نفسي
الدخان
لحداثة سني دخنت تبعية للناس و الكبار وبعض الأقران من الأقارب عندما اراهم يلتقطون اعقاب السجائر خلسة ، وكنت اسألهم عن سر ذلك فلا اظفر بجواب مما حداني الى التجربة التي دافعها بسبب نقص في المعرفة ومجاراة للمجتمع وضعف في التمييز لحداثة السن ، ولكن كان يكفي من عقب تلك السيجارة مصة واحدة فقط لأعرف مدى خبثه ولم اعد اليه بعدها ،،
ولكن هناك تجارب كثيرة اخي الكريم لم اقع فيها مع انها كانت بين يدي يوماً من الأيام ولو شئت لحصلت عليها لآن ، واعرف غيري كذلك ممن لم تقدهم التجربة الى التجربة ، والعوامل قد تتداخل فهناك الجهل وهناك التقليد والتبعية وهناك حب الإستطلاع وغير ذلك
كما أن التجربة قد تكون علة للوقوع لا الإستمرار والمداومة ،،
تحدي التجربة ليس من المسائل السهلة. استدع الآن كل التجارب التي تعرف تجدك مارستها، إلا التي لم تتح لك الفرصة لتجربها،
كثر من لم يشرب الخمر ، من لم يزني ويمارس الفواحش ، من لم يرتشي ، من لم يعذب بدافع تجربة السلطة ، من لم يتعمد أن يظلم غيره ، من لم يتعالى على غيره ، من لم يختلس ، من لم يقتل ، من لم يعتنق ديناً آخراً بدافع التجربة أو يترك عقيدته لأجل التجربة ، من لم يفحط بالسيارة ، من لم يسافر للمحرمات أو يدخل المراقص ، وغير ذلك كثير مما يتاح للناس ولا يفعلونه بدافع التجربة ،،
أو كان اللقاح التربوي الذي حقنته فعالا للغاية- وقليل قليل جدا من يصنعه- أو كانت التجربة صعبة كالانتحار.
اللقاح التربوي أنواع فمنه الفعَّال القوي وغير القوي ومنه غير المؤثر. لكن قوة المؤثر منه تتوقف على قوة التأثير المجتمعي؛ فالجراثيم التي ينفث بها المجتمع تكون أقوى في كثير الأحيان فتبتلع المضادات التربوية.
أما التجارب التي تنزع إليها الفطرة فحدث عنها ولا تحرج.
تجربة التدخين فريدة من نوعها يتدخل فيها عامل الإدمان؛ فليس من السهل لمرتاد التجربة أن يخلص نفسه من قبضتها بسهولة؛ دع عنك إن تقادمت ورسخ قدمه فيها.
لا يتمكن الإدمان في التدخين من غير العادة ، و الناس يختلفون ويتفاوتون في مدة التعود و الإدمان سواء على التدخين أو غيره مما يسبب الإدمان ،
ومن الأخطار التصورية في تجربة التدخين تخيل بعضهم أنه يستحيل التخلي عنه بسبب الإدمان؛ يوهم نفسه بالاستحالة المطلقة، فتضعف قواه الداخلية وتفتر فلا يجرأ على عقد إيمان قوي يدفعه للترك. إن هذا التردد يوهن ويضعف، بل يميت...
صدقت هذه احد مشكلات بعض الإخوة المدخنين ،،
الإشكال إذن إشكال الوجود؛ وجود المثير/ وجود التجربة.
لهذا نجد أن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص:
على استئصال الشر من جذوره الأولـــــــــى ؛
على تحريم كل ما يؤدي إلى الفساد؛ وتوسيع الدائرة التحريمية لتشمل ما يمكن أن يكون سببا للوقوع في المحذور. من أمثلة ذلك: تحريم الخمر، فإن التحريم شمل شرذمة كثيرة من شارب وعاصر وبائع ومتوسط وناظر وعامل... بلغت الدائرة التحريمية عشرة.
وبالمقابل وسعت الدائرة المصلحية فاستقبلت ورحبت بالسلوكات والأفعال والأقوال والمشاعر والوسائل... التي تؤدي إلى المصلحة إما مباشرة أو بالواسطة. إنها، على سبيل المثال، وسعت دائرة الجوار لتشمل الجار القريب والبعيد والصاحب بالجنب، ووسعتها كذلك لتشمل الذين يبعدون عنك بسبعين دار أو خمسينا دارا، كما ورد ذلك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. كما أعطت الأولوية للأخوة العقدية، لتشمل كل من يشهد بالله ربا وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا للعالمين، ويلتزم الإسلام شريعة وعقيدة.
وجود التجربة / وجود شيء ا سمه السجائر مثلا/ بمثابة سلطة قوية مرهبة مهددة. ويزداد التأثير ويتضاعف المفعول إذا سيقت التجربة في سياقات إشهارية احتفالية. فيزداد الإقبال ويشتد التهافت نحوها، وكلما كثر المقبلون عليها تضخمت السلطة وكانت قوتها الضاغطة كبيرة.
هنا يتدخل عامل المجاراة والتقليد كما ذركتم
وجذور تعليم الإنسان التقليد ،،
لا يتخلص من هذه السلطة إلاَّ القلة القليلة من الذين طُعِّموا بمضادَّات حيوية فعالةٍ أو طَعَّموا ذواتهم من الخطر بالإيمان والوعي.
إن لي من اليقين ما يكفي للقول: إن سلطة المجتمع أعظم السُّلط، فهو يصنع ويبني ويهدم من خلال أقطاب معينين تجمعهم فلسفة واحدة- وإن كانوا يختلفون في جزئيات كثيرة، ومع ذلك فأبوهم واحد- يقودون القطيع إلى المراعي التي يرغبون ليحققوا المرامي التي يريدون.
المجتمع يتأثر بعوامل كثيرة سياسية واقتصاديه والعلة الأولى في الفرد نفسه الذي هو اللبنة للمجتمع ،
لا يجب أن يفهم من كلامي ذا أن الإقلاع عن التدخين مستحيل أو بعيد المنال. يمكن أن يتحقق ذلك بالإيمان القوي والرغبة الكلية النابعة من أحبار المجتمع ومن صانعي العقول؛ أن يصدر ذلك منهم لا على سبيل الهزل والتملص الذي يضمر في طياته الأبعاد المصلحية المادية قريبة المدى؛ بل على سبيل الحقيقة التي ألفناها كبيرة الوقع على القلوب.
إن خير الكلام الفعل ولو قلَّ؛ الفعل أولا والقول ثانيا. ومثقال فعل خير من القناطير المقنطرة من الأقوال. كيف يمكن أن نقنع بمخاطر التدخين ونحن نروج له ونربح منه ونعقد عليه آمالنا واقتصادنا ونسمح بالترويج له في أشكال كلها إثارة واستقطاب؟؟؟
خضت في بحور التربية باحثا عن ذُرَرِها فوجدتها أخيرا أمرين:
أ*) تكْرار وإيلاف:بعودك إلى نفسك تجد أن وضعك الحالي نتاج تكرار، إذ يترسب ما كررته في كيانك فيصبح إيلافاً. فتفعل/ تقول/ تشعر على نحو ما ترسب/ تقرر.
ب*) قدوة: كلنا يتصرف انطلاقا من نموذج مرسوم في كيانه. والاختلافات آيلة إلى اختلاف النماذج.
فصل
ليس من السهل التغلب على سلطة التجربة، وأقصد بها سلطة وجود شيء معين أو فكرة أو تصور أو نوع من الشعور...إن وجوده يقتضي تطبيقه وفعله، إن آجلا أو عاجلا. وأميل إلى أنه في غالب الأحيان يكون عاجلا، بصرف النظر عن نوعية المثير أو الإثارة. فقد يخطر ببال أحدهم، يعاني من مشاكل عائلية، أو أزمات نفسية لها علاقة بالقروض...أن ينتحر انحارا جديدا، لم يك متداولا من قبل، بل استقاه من تجارب الانتحاريين الجدد...ولا يهم هنا الوضع المادي، فسلطة التجربة تهزم العنصر المادي. فكما ينتحر الفقراء ينتحر كذلك الأغنياء.
أما الأسباب الكامنة وراء الفعل أي فعل؛ الانتحار، اللعب، ركوب الخيل، السباحة، التسلق، فآيلة بالأساس إلى سلطة التجربة. هي بؤرة التوتر. وهي العلة الأولى للفعل . فسبب اللعب وجوده، وسبب الزواج وجوده، وسبب الانتحار، بصورة معينة، وجودها، وسبب الإرهاب وجوده، فالتجربة تحدد مسارات الأفعال وتوجهها. هناك مثيرات أخرى تدعو إلى الفعل، لكنها تقع في الدرجة الثانية بعد سلطة التجربة.
تكون التجربة في حياتها الأولى خاصة بفئة معينة أو نوع معين أو وضعيات معينة... لكنها تتسع لتشمل مجموعات كبيرة، لم تصنع لها التجربة. وتمارسها لأنها وجدت فيها بلاغة وقوة ورموزا لم تجدها في غيرها من التجارب. فمن الصعب تفتيت تجربة ظهرت في الوجود بين عشية وضحاها. إننا نستطيع أن نقلل من قوتها أن نضبطها في حدود معينة، أما استئصالها فلست أراه ممكنا؛ فهناك تجارب قديمة قدم الإنسان، ورثت كابرا عن كابرا.
التجربة اذا ترسخت اصبحت عقيدة أو عادة ولم تعد مجرد تجربة ،
أما التجارب السلوكية فهي باقية لبقاء الغرائز واختلافها
فالقضية دافعها الغريزة وبقاء التجربة بسبب وجود الغريزة
يجب أن نفرق بين التجارب المرحب بها في المجتمع والمرفوضة، فالمرحب بها أكثر قوة وأكثر فاعلية، أما المرفوضة فتستمد قوتها من رفضها،
بل في كثير من الأحيان تستمد قوتها من قوة الغريزة في الإنسان وليس مجرد الرفض فهناك تجارب مرفوضة وقلة من يقدم عليها لأن الغريزة لا تتقبلها من الأساس
فيكون الإقبال عليها تحد وجراءة وقوة...يمكن القضاء على التجارب المرفوضة إذا لم يك لها ارتباط بالذات الفاعلة، أي إذا كانت تتطلب أمورا / وسائل لا تتوافر في الذات. بالإمكان منع الناس من التدخين، ودفعهم إلى الإقلاع عنه إذا تضافرت الجهود من هنا وهناك لحظر زراعة مواده وبيعها والاتجار فيها، ومعاقبة المخالفين العقاب الشديد. وهذا لا يضمن لنا تفكير بعضهم في تدخين أمور معينة، بعيدا عن الأنظار...ورغم ذلك فإن سلطة التجربة ستقل وتضعف إلى حد كبير. فحدود التحكم في التجارب يكون على مستوى الوسائل والمعينات والمؤيدات المادية والمعنوية القريبة والبعيدة، فضلا عن اتفاق مجتمعي؛ لا خلاف فيه. أما إذا تعلق الأمر بتجارب لا تستمد قوتها من عناصر جارجية، بل تتوقف على آليات ذاتية وقناعات داخلية مستقلة عن الخارج، أو لها ارتباط وسيلي/ غير ضروري/ تكميلي بعناصر من المحيط.
إن عقيدة احترام إنسانية الإنسان، بغض النظر عن توجهاته، هي الكفيلة بالقضاء النهائي على مشاكل العالم بما في ذلك مسألة الإرهابيين والمنتحرين. هذه العقيدة التي يحب أن نعمل جميعا على ترسيخا وبتها في كل أرجاء العالم. وليس من المعقول تثبيت هذه العقيدة ووسائل الإعلام تروج للعنف من خلال مشاهد كثيرة.
إنه هذا البرنامج شمولي يجب أن يفرض فرضا على الدول والحكومات، وأن يعاقب منتهكوه العقاب الشديد. ومن السبل التي لها الأهلية لتفعيل البرنامج وزرعه المدارس والأسر والجمعيات ووسائل الإعلام.
يتجلى فشل المناهج المدرسية، والمدرسة عموما واضحا، في انسياق المتمدرسين والحاصلين على الدرجات العالية مع تجارب ثبت بالمنقول والمعقول فشلها وقبحها وضررها، لهذا فإننا نقول: إن الشواهد المدرسية لا تحدد الوعي، ولا يجوز اعتبارها مقياسا له. إنها شواهد معملية، وليست شواهد أخلاقية، والأجدر أن تكون أخلاقية، لأن جودة المعمل والعمل لا تتحقق إلا في ضوء الأخلاق والتربية السديدة.
لا ينماز خريجو المدارس والمعاهد... عن غيرهم، يقصدون المشعوذين، يكذبون، ويزورون، ويحرفون، يأكلون السحت، يقوِّمُون الناس من خلال ما يملكون ... تأمل تدرك أن لا فرق بينهما.
الأمر يختلف باختلاف المدارس
في السعودية وبعض البلدان العربية يكون الفرق واضحاً في التعامل مع شخصية درست واخرى لم تدرس ، وهناك من لم يستفد من علمه ودراسته ،
نَعِي الوعي الكامل بالأخطار التي تهدد المدرسة والأسرة، فالإعلام اليوم مفتوح على مصراعيه طول اليوم للهدم والبناء، وليس إعلاما واحدا، بل إعلامات، تختلف توجهاتها وضروبها وأفكارها...
أمام ضعف المدرسة والأسرة طغا وحش الإعلام مستغلا الطبيعة الجغرافية البشرية الميالة للمنحدرات ومستغلا، كذلك، المجاعةَ الثقافيةَ ليكتسحَ الساحة ونسق المدرسة والأسرة، فاضطرتا إلى التخلي عن موقعهما.