همساتٌ في أذن طالب العلم الربّاني ( 1/4 )
تعلّق بالحقائق والبراهين ودع عنك التعصّب للأشخاص والعناوين!
أخونا الحبيب : الدّينُ العظيمُ الذي أكرمَنا الله به قيّمٌ قائمٌ على الحقائقِ والبراهين ، لا على النِّسَبِ والعناوين ، الناسُ فيهِ سواءٌ لا فرقَ بينهم إلاّ بالتقوى التي هي وحدها الحقيقةُ الناصعةُ و البرُهانُ الساطع ، فدَع عنكَ عُبيَّةَ الجاهليّةِ وتعاظُمَها بالأشخاص و الألقاب ، و الألوان و الأجناس ، و الطرائقِ والعناوين ، على حساب الحقائقِ و البراهين :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبَيَّةَ الجاهلية وتعاظُمَهَا بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بَرٌّ تقيٌّ كَريمٌ على الله ، وفاجِرٌ شقِيٌّ هيّن على الله ، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب "(صحيح الجامع : 7867) . *

أخي الحبيب . . يا طالب العلم الرباني :
الحقائقَ . . الحقائقَ . . أيّها الحبيب ! ؛ الإسلام و المسلمون . . الإيمان والمؤمنون . . التقوى و المتقون . . الإحسانُ والمحسِنُون . . الصلاحُ والصالحون . . التوبةُ والتائبُون . . العبادةُ والعابدون . . ؛ هذه هي الألقابُ والنِّسبُ الحقيقيّةُ والعناوينُ الراسخةُ القويّة ، بها يُعرفُ الرّجال ، وتنكشفُ الدّعاوَى والأحوال ، اعرفها جيّدًا و تفقّه في معانيها ، فإنّها الألقاب التي أنزلَ اللهُ بها سلطانَهُ ، و ربطَ بها القبولَ و الثناء ، و الرّفعةَ والسّناء ، والموالاةَ والحُب ، فالزَمها في الأقوال والأعمال والأحوال في نفسِكَ ومع النّاس أجمعين . . فإنّها هي الصّراط المستقيم !

أخي الحبيب . . يا طالب العلم الرباني :
إنّكَ أكبرُ من الانخراطِ و أوسعُ من التحزُّب ، فكن رجُلَ أُمّةٍ ولا تكن رجُلَ طائفة . . أنتَ المنارَةُ التي يُهتَدَى بها في الظلمات و المُلِمّات ، و ما معكَ من البرُهانِ الساطعِ والمنهجِ الناصعِ والعلمِ الصحيحِ والفكرِ الناضجِ الصريح هو الذي يُرشِدُ الحيران ، ويسقي الضمآن ، و يعلّمُ الجاهلَ ، و يثبّتُ العارف ، و يهدي به الله من اتّبعَ رضوانه سُبُل السلام ، ويُخرجُهُم من الظلمات إلى النور بإذنه . . فكيفَ تنخرطُ أو تتحزّب .. ؟!

لا . . لا تفعل أخي:
دُر مع الحقّ حيثُما دار ، و خُذهُ على لسانِ من ظهر ، فإنَّ كلّ من قال هذا خطأٌ أو هذا صواب ، وهذا حقٌّ أو هذا باطل ؛ فإنّهُ يجبُ عليه أن يبيّنَ ذلك بما يجبُ به اتّباعه : قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - :". . . ومما يجب أن يُعلَم : أن الذي يريد أن يُنكِرَ على الناس ليس له أن ينكر إلا بحجة وبيان ، إذ ليس لأحد أن يلزِمَ أحدا بشيء ، ولا يحظر على أحد شيئا بلا حجة خاصة ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله ، الذي أوجب على الخلق طاعته فيما أدركته عقولهم ، وما لم تدركه ، وخبره مصدق فيما علمناه ، وما لم نعلمه، وأما غيره إذا قال : هذا صواب أو خطأ ، " فإنه يبين ذلك بما يجب به اتباعه " [1] .

فاحذرِ أخي الحبيب التعصّبَ للأشخاص والعناوين ، فرّ منه فراركَ من الأسد ؛ فإنّهُ يُرَبّي فيكَ : استعدادًا لسوءِ الظنّ ، و فسادِ التأويل ، و الجمودِ والجحود ، و تركِ الإنصاتِ و الاستماع ، والاستهانةِ بكلامِ المتكلّمِ قبل أن يتكلّم ! ، و يُفسِدُ فيكَ أخلاقَ التواصُل الإيجابيّ من الصدق و الأدبِ و الأمانة و الحياء و التواضع و احترام الرأي الآخر و الإقرار بالحق و الأخذ به على لسان من ظهر . . !

احذر صهاريجَ الحزبيّة الضيّقة ، ومراكزَ احتكارِ الإسلام ،فرّ منها فراركَ من الأسد ؛ فإنّها : تجعلُكَ عبدًا للشهوةِ والهوى ، وتربّي فيكَ خُلُقَ المداهنةِ و التمويهِ و التطويعِ و الدّعايةِ المذهبيّة و الخضوعِ المستكين و تركِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر . . !

احذَرها فإنّها تُفسِدُ فيكَ منهجَ التفكيرِ والتلقّي و البلاغ على السواء ، وتجعلكَ تعتقدُ أنَّ الإسلامَ العظيمَ يتمحورُ حول أشخاص لا يُرَى إلا من خلالهم ، هم المتحدثون باسم الله تعالى كما كان يعتقد رجال الكنيسة في القرون الوسطى في الأحبار والرهبان . . وهذا ضلالٌ مبين . . !

أحسبُ أيّها الحبيبُ أنّكَ فهمتَ المقصود ووَضُحت لكَ الغاية . . ، وما أحسن قولشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- : " وليس لأحَدٍ أن يعلّقَ الحمدَ والذمَّ ، والحبَّ والبغضَ ، والموالاةَ والمعاداةَ ، والصلاةَ واللعنَ بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك : مثل أسماء القبائل ، والمدائن ، والمذاهب ، والطرائق ، المضافة للأئمة والمشايخ ، ونحو ذلك مما يُرَادُ بهِ التّعرِيف . . فذِكر الأزمان والعدل بأسماء الإيثار والولاء والبلد والانتساب إلى عالم أو شيخ إنما يقصد به التعريف به ليتميز عن غيره ، فأمّا الحمدُ والذمُّ والحبُّ والبغضُ والموالاةُ والمعاداةُ فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه ، فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من أي صنف كان ،ومن كان كافرا وجبت معاداته من أي صنف كان . . . ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أعطي من الموالاة بحسب إيمانه ومن البغض بحسب فجوره ، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي كما يقوله الخوارج والمعتزلة . . . " [ مجموع الفتاوى:(28/228-229) ] .

ربّ يسّر و أعِن يا معين !

[1]- المجموع(3/245-246)،وفي الأصل:" فإن لم يبين ذلك بما يجب به اتباعه"ثم لا يرتبط المعنى بما بعده،فهذا التعبير يربط السابق باللاحق.