الدرس السابع والثلاثون


التوكيد

التوكيد هو: التابع الرافع لاحتمال المجاز أو السهو.
مثال: إذا قلتَ: عادَ المسافرونَ، فظاهره أنهم عادوا كلَّهم، ويحتمل أن يكون العائدونَ أكثرهم تجوزا في التعبير، فإذا قلتَ: عادَ المسافرونَ كلَّهُمْ زال الاحتمال المذكور، وهذا في التوكيد المعنوي.
وإذا قلت: جاءَ زيدٌ، فيحتمل أنك سهوت وأن الذي جاءَ هوَ خالدٌ مثلا، فإذا قلتَ: جاءَ زيدٌ زيدٌ ارتفع ذلك الاحتمال وهذا في التوكيد اللفظي.فالتوكيد قسمان: لفظي ومعنوي.

التوكيد اللفظي

هو: إعادة اللفظ الأول بعينه أو بمرادفه، فالأول كقولك: أنتَ بالخيرِ حقيقٌ حقيقٌ، والثاني كقولك: أنتَ بالخيرِ حقيقٌ جديرٌ.
واللفظي يكون بإعادة الاسم كقولك: جاءَ زيدٌ زيدٌ، والفعل كقولكَ: أَتى أتى أخوكَ، والحرف كقولكَ في جواب من قال لك هل ستذهبُ للسوقِ: نعم نعم، أو لا لا، والجملة كقولكَ: جاءَ زيدٌ جاءَ زيدٌ، وكثيرا ما تقترن الجملة المؤكِّدَة بحرف عطف كقوله تعالى: ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) وقوله: ( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ).
مسألة: في قوله تعالى: ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) هل هما من باب التوكيد أو لا ؟
والجواب: الحاكم هو المعنى فقد قال بعض العلماء: إن المعنى هو دكت الأرض دكا بعد دك أي أن الدك قد تكرر على الأرض حتى سحقت الجبال وصارت الأرض مستوية فلا يكون من باب التوكيد، فدكا دكا: حال منصوب، والكلمتان بمنزلة كلمة واحدة والمعنى هو كلا إذا دكت الأرض حال كونها مدكوكة دكا بعد دك، كما يقال: علمته الحساب بابًا بابًا.
وقال بعضهم: إن المعنى هو دكت دكة واحدة كقوله تعالى: ( وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) فدكا الأول: مفعول مطلق، ودكا الثاني: توكيد له.
وأما قوله تعالى صفًّا صفّا فهو من باب الحال؛ لأن المعنى هو أنه يجيئون مصطفين صفا بعد صف لا أن الملائكة جميعا يصطفون في صف واحد.
والخلاصة هي: أنه إن أريد باللفظ الثاني عين ما أريد باللفظ الأول فهو من التوكيد وإلا فلا.

التوكيد المعنوي

ويكون بألفاظ معينة وليس بتكرار اللفظ السابق وتلك الألفاظ هي:
1- 2 ( النفس والعين ) بشرط اتصالهما بضمير يعود على المُؤَكَّد يطابقه تذكيرا وتأنيثا.
تقول: حضرَ زيدٌ نفسُهُ أو عينُهُ، وحضرتْ هندُ نفسُها أو عينُها.
ويجوز أن يجتمعا بشرط تقديم النفس على العين، تقول: حضرَ زيدٌ نفسُهُ عينُهُ، وحضرتْ هندُ نفسُها عينُها.
وإذا أكَّدتَ المثنى أو الجمع بالنفس أو العين وجب الإتيان بالجمع أي أنفس أو أعين مع ضمير المثنى أو الجمع.
تقول: حضرَ الرجلانِ أنفسُهما أو أعينُهما، وحضرت المرأتانِ أنفسُهما أو أعينُهما، وحضرَ الرجالُ أنفسُهُم أو أعينُهمْ، وحضرت النساءُ أنفسُهنَّ أو أعينُهنَّ.
3- ( كل ) ولا يؤكد بها إلا بثلاثة شروط:
أ- أن يكون المؤَكَّدُ بها غير مثنى، وهو المفرد والجمع، فيقال: أكلتُ الرغيفَ كلَّهُ، وأكلتُ الأرغفةَ كلَّهَا، ولا يقال: أكلتُ الرغيفينِ كلَّهُما.
ب- أن يكون المؤكد بها يتجزأ بنفسه أو بعامله، مثل: حضرَ الضيوفُ كلُّهُمْ، فالجمع له أفراد فيقبل أن يتجزأ وينقسم بنفسه، ومثل أكلتُ الرغيفَ كلَّهُ، فالرغيف واحد لا تعدد فيه ولكنه باعتبار عامله وهو الأكل يتجزأ بأن يؤكل بعضه دون البعض الآخر، وما لا يتجزأ بنفسه أو عامله لا يؤكد بكل فلا يقال: نجحَ الطالبُ كلُّهُ.
ج- أن يتصل بها ضمير المتبوع، تقول: اشتريتُ الأثاثَ كلَّهُ.
4- ( كلا وكلتا ) الأولى للمثنى المذكر، والثانية للمثنى المؤنث ولا يؤكد بهما إلا بثلاثة شروط:
أ- أن يصح حلول المفرد محل الاثنين، مثل: نجح الطالبانِ كلاهما، فإن النجاح يمكن أن ينسب لواحد فيقال: نجحَ الطالبُ، فإذا لم يصح حلول الواحد فلا يجوز التوكيد بهما فلا يقال: اختصمَ الزيدانِ كلاهما؛ لأن الاختصام لا يتأتى إلا من اثنين فأكثر.
ب- أن يكون ما أسند إلى الاثنين غير مختلف المعنى، فلا يجوز أن يقال: ماتَ زيدٌ وعاشَ خالدٌ كلاهما، لاختلاف المسندين، أي مات وعاش.
ج- أن يتصل بكل منهما ضمير المتبوع.
5- ( جميع ) وهو مثل كل، تقول: عادَ الجيشُ جميعُهُ، ورحلتِ القبيلةُ جميعُها.
6- ( عامَّة ) وهي مثل كل وجميع، تقول:عادَ الجيشُ عامَّتُهُ، ورحلتِ القبيلةَ عامتُها.
7- 8 ( أجمع وجمعاء ) والغالب أن يؤكد بهما بعد كل لتقوية التوكيد، تقول: عادَ الجيشُ كلُّهُ أجمعُ، أو عادَ الجيشُ كلُّهُم أجمعونَ، ورحلتِ القبيلةُ كلُّها جمعاءُ، قال تعالى: ( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ).
ويجوز التوكيد بهما بدون كلّ، وفي القرآن الكريم على لسان إبليس ( وَلَأُغْوِيَنَّ هُمْ أَجْمَعِينَ ).


( شرح النص )

وَالتَّوكيدُ وهوَ إِمَّا لفظِيٌّ نحوُ: أَخاكَ أخاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخَا لَهُ، ونحوُ: أَتاكِ أَتاكِ اللاحقونَ احبِسِ احبسِ، ونحوُ: لا لا أَبوحُ بحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّها، وليسَ منهُ: ( دَكًّا دَكًّا ) و ( صَفًّا صَفًّا ).
أَوْ معنويٌّ وهوَ بالنفسِ والعينِ مؤخَّرَةً عَنْها إِنِ اجْتَمَعَتا، ويُجْمَعانِ على أَفْعُلٍ معَ غيرِ المفردِ، وبِكُلٍّ لغيرِ المثنى إنْ تَجزَّأَ بنفسِهِ أو بعاملِهِ، وبكلا وكلتا لهُ إِنْ صحَّ وقوعُ المفردِ موقِعَهُ، واتَّحَدَ معنى المُسْنَدِ، ويُضَفْنَ لضميرِ المؤكَّدِ، وبأجمعَ وجمعاءَ وجمعِهما غيرَ مضافةٍ.وهيَ بخلافِ النُّعُوتِ لا يجوزُ أنْ تتعاطفَ المؤَكِّدَاتُ، ولا أَنْ يتبعْنَ نكرةً، وندرَ: يا ليتَ عِدَّةَ حولٍ كلِّهِ رَجَبُ

.
.............................. .............................. .............................. .............................
( و ) الثاني من التوابع ( التَّوكيدُ ) والمراد به اللفظ المؤكِّد ( وهوَ إِمَّا لفظِيٌّ ) وهو إعادة اللفظ الأول بعينه أو بمرادفه، ويجري في جميع الألفاظ، فيكون في الاسم ( نحوُ ) قول الشاعر: ( أَخاكَ أخاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخَا لَهُ ) ... كَسَاعٍ إلى الْهَيْجَا بغيرِ سلاحِ، الهيجا أو الهيجاء هي الحرب، والمعنى: الزمْ أخاكَ أَخاك إنَّ مَنْ لا أخَ لهُ كمَنْ يذهب للحرب من غير سلاح، والشاهد هو قوله أخاك أخاكَ، فالثاني توكيد لفظي للاسم الأول، ( و ) يكون في الفعل ( نحوُ ) قول الشاعر: فأينَ إلى أينَ النجاةُ بِبَغْلَتِي ... ( أَتاكَ أَتاكَ اللاحقونَ احْبِسِ احبسِ ) فأينَ: اسم استفهام ظرف مكان متعلق بمحذوف يدل عليه السياق، والتقدير: فأينَ أَذهبُ، اللاحقونَ: أي الذين يلحقون به، احبسِ: أي امنع بغلتك من السير، والمعنى هو: أن الشاعر كان يسعى خلفه من يلاحقه فنظر إلى الخلف فوجدهم في أثره فقال: فأينَ أذهبُ وإلى أين أنجو ببغلتي التي تحملني في أسفاري، ثم قال مخاطبا نفسه: أتاكَ أتاكَ اللاحقون بكَ فاثبت ولا تفر فلا فائدة من الفرار، والشاهد فيه: هو توكيد الفعل في قوله: أتاك أتاكَ، وأما قوله: احبس احبس، فهو من توكيد الجملة لأن كلَّ فعل يحوي على ضمير مستتر تقديره أنت ( و ) يكون في الحرف ( نحوُ ) قول الشاعر: ( لا لا أَبوحُ بحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّها ) ... أَخَذَتْ عليَّ مواثِقًا وعُهُودا، بثنة: اسم حبيبته وأصله بثينة فتصرف فيه، والشاهد فيه قوله: لا لا فإن الثاني من هذين الحرفين توكيد لفظي للأول منهما.( وليسَ منهُ ) أي من التوكيد، قوله تعالى: كلا إذا دكت الأرض ( دَكًّا دَكًّا ) لأن الثاني لم يؤت به لتوكيد الأول فإن المعنى هو دكًّا بعد دكٍّ أي أن الدك كرر على الأرض حتى صارت هباء فمجموع المصدرين في تأويل مفرد منصوب على الحالية.( و ) ليس منه قوله تعالى: وجاءَ ربُّكَ والملكُ ( صَفًّا صَفًّا ) لأن الثاني لم يؤت به لتوكيد الأول فإن المعنى هو أن الملائكة ينزلون من السماء مصطفينَ صفًّا بعدَ صفٍّ.( أَوْ معنويٌّ ) قسيم قوله لفظي ( وهوَ بالنفسِ والعينِ ) نحو جاءَ زيدٌ نفسُهُ أو عينُهُ، وتكون العين ( مؤخَّرَةً عَنْها ) أي عن النفس وجوبا ( إِنِ اجْتَمَعَتا ) في اللفظ كجاءَ زيدٌ نفسُهُ عينُهُ ( ويُجْمَعانِ ) أي النفس والعين (على أَفْعُلٍ ) فيقال أنفس وأعين ( معَ غيرِ المفردِ ) من اثنين أو جماعة تقول: جاءَ الزيدانِ أنفسُهما أو أعينُهما، وجاءَ الزيدونَ أنفسُهم أو أعينُهم. ( وبِكُلٍّ لغيرِ المثنى ) من مفرد أو جمع، ولكن إنما يؤكد بها ( إنْ تَجزَّأَ ) الغير أي كان ذا أجزاء إمّا ( بنفسِهِ ) كجاءَ القومُ كلُّهم، فإن القوم ذوو أجزاء أي أفراد ويمكن أن يتصف بعضهم بالمجيء دون بعض فلأجل دفع توهم إرادة البعض نأتي بكل ( أو بعاملِهِ ) كأكلتُ الرغيفَ كلَّه فإن الرغيف يتجزأ باعتبار عامله وهو الأكل.( وبكلا وكلتا لهُ ) أي للمثنى ( إِنْ صحَّ وقوعُ المفردِ موقِعَهُ ) أي موقع المثنى فلا يقال: اختصم الزيدانِ كلاهما، لأن المفرد لا يصح حلوله محل المثنى إذ الاختصام لا يقع من شخص واحد ( واتَّحَدَ معنى المُسْنَدِ ) فلا يقال: ماتَ زيدٌ وعاشَ بكرٌ كلاهما لاختلاف المسند وهو مات وعاش ( و ) جميع هذه الألفاظ المتقدمة وهي النفس والعين وكل وكلا وكلتا ( يُضَفْنَ لضميرِ المؤَكَّدِ ) يطابقه إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا.( و ) يكون التوكيد المعنوي أيضا ( بأَجمعَ ) للمفرد المذكر نحو جاءَ القومُ أجمعُ ( وجمعاءَ ) للمفرد المؤنث نحو حضرتِ القبيلةُ جمعاءُ ( وجمعِهما ) فجمع أجمع أجمعونَ، وجمع جمعاء جمع، ولا يؤكد بهذه الألفاظ في الأكثر إلا بعد كل فلهذا كانت (غيرَ مضافةٍ ) لضمير المؤكد فتقول: جاءَ الجيشُ كلُّهُ أجمعُ ولا تقل أجمعه. ( وهيَ )أي ألفاظ التوكيد ( بخلافِ النُّعُوتِ ) المتعددة لواحد نحو جاءَ زيدٌ الفقيهُ الكاتبُ الشاعرُ، يجوز أن يؤتى بينها بحرف العطف لاختلاف معانيها فتقول: جاءَ زيدٌ الفقيهُ والكاتبُ والشاعرُ، و ( لا يجوزُ أنْ تتعاطفَ المؤَكِّدَاتُ ) إذا اجتمعن في اللفظ نحو جاءَ زيدٌ نفسُهُ عينُهُ، فلا تقول: جاءَ زيدٌ نفسُهُ وعينُهُ.( ولا أَنْ يتبعْنَ نكرةً ) أي لا يؤكد بهن نكرة فلا يقال جاءَ رجلٌ نفسُهُ، وإنما يؤكد بها المعرفة فقط، بخلاف النعت فإنه يتبع النكرة نحو جاءَ رجلٌ فاضلٌ والمعرفة نحو جاءَ الرجلُ الفاضلُ.( وندرَ )توكيد النكرة في قول الشاعر: لِكنَّهُ شَاقَهُ أَنْ قِيلَ ذا رَجَبٌ... ( يا ليتَ عِدَّةَ حولٍ كلِّهِ رَجَبُ ) شاقه: أعجبه وأثار الشوق إلى نفسه، والحول: السنة، والمعنى هو: أنه أعجبه وبعث الشوق إلى نفسه حين قيل له: هذا الشهر هو رجب، وتمنى أن السنة كلها رجب لما فيه من الأنس والسرور له، والشاهد فيه: قوله: حولٍ كلِّه، حيث أكد النكرة وهي قوله حول بكل، وهذا شاذ لا يقاس عليه.
تنبيه: ليس من شرط التوكيد أن يتصل بالمؤكد مباشرة بل يجوز الفصل نحو: جاءَ زيدٌ الذي قهرَ الأعداءَ عينُهُ.

( تدريب )

أعرب ما يلي:
1- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
2- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
3- قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ.