المسجد الأقصى أم هيكل اليهود؟
المسجد الأقصى أم هيكل اليهود؟
بقلم: محمد علي دولة
منعهد آدم عليه السلام، ومن تاريخ موغل في القِدَم، أقيم للناس أولُ بيت لعبادة الله عز وجل في مكَّة المكرمة، وأُطلق على هذا اسمُ المسجد الحرام، كما أسماه الله عز وجل في كتابه الكريم.
وبعد أربعين سنة من ذلك التاريخ أُقيم للناس بيتٌ آخر لعبادة الله سبحانه، في أرض أُطلق عليها منذ القديم ولا يزال اسمُ (الأرض المقدسة)، و(الأرض المباركة) بسبب هذا المسجد كما أُطلق عليها منذ ما يزيد على أربعة آلاف سنة اسم (أرض كنعان)، ثم أُطلق عليها اسمُ (أرض فلسطين).
وقد سمَّى الله عز وجل هذا المسجد الثاني في كتابه الكريم باسم (المسجد الأقصى). ومَضَت عليه وعلى المسجد الحرام ألوف السنين وهما أعظم مساجد الأرض، ثم أضيف إليهما مسجدٌ ثالث هو المسجد النبويّ في المدينة المنورة، وأصبح ترتيبها بالفضل هكذا: المسجد الحرام – المسجد النبوي – المسجد الأقصى.
وقد أمَّ المسجد الثاني القديم أنبياءُ الله ورسله الكرام، وأَمَّه الصالحون من عباده، فنَسَكوا فيه، وعبدوا الله وذكروه ذكراً كثيراً.
وخلال ألوف السنين أتَتْ على هذا المسجد الثاني القديم عاديات الدهر، فهُدم مراراً، وجُدّد بناؤه مراراً، وكان آخر مرة جدَّد بناءه قبل الإسلام النبيُّ المَلِك (سليمان) عليه السلام، وذلك بعد أن أُورث بنو إسرائيل الأرض المقدَّسة قديماً.
وعبدوا جميع أنواع أصنام الأقوام التي جاورتهم، وتركوا حكم التوراة، وأعرضوا عن هَدي الأنبياء، وطَغََوا في الأرض كثيراً، وارتكبوا المنكرات والفواحش، ولم يرعَوا حرمةً للمسجد العظيم القديم الذي جدّد سليمان بناءه.
لقد غيّروا اسمه من المسجد و«بيت الربّ» إلى إسم الهيكل، كما كان الوثنيون يسمّون بيوت عباداتهم!! وزعموا أنَّ الله – حاشاه - يسكن معهم في أحد أقسام هيكلهم، في غرفة سمّوها «قُدْس الأقداس»، وكأن سليمان عليه السلام لم يَقُلْ أمام آبائهم حين أتم بناء البيت مخاطباً ربّه: إنّ السمواتِ وسماواتِ السموات لا تسعك، فكيف يسعك هذا البيت الذي بنيته؟!»!!
تركوا الركوع والسجود لله، وتركوا التضرُّع والدعاء له سبحانه، جعلوا البيت مذبحاً للخِراف والأبقار، حتى يشبعَ الكهنةُ من لحومها، حوّلوا هذا المكان الطاهر إلى مكان للصيرفة واكتساب المال ولارتكاب الخطايا مع بعض النساء اللواتي يأتين إلى هذا البيت!!
وبعث الله عليهم بختنصّر البابلي، فهدم هذا الهيكل الذي سمّاه سليمان والأنبياء من قبله «المسجد».
وبعد عودتهم من السبي أعادوا بناءه بإذنٍ من الفرس الذين حكموهم بعد السَّبي. وأخيراً سلّط الله عليهم الرومان، فدمَّروا عليهم هيكلهم ومدينتهم، وطردوا مَن بقي منهم من فلسطين.
وبعدما دخل الرومان في النصرانية كان من القُربات عند هؤلاء أن يُلقوا الأوساخ والأقذار في مكان الهيكل، حتى أنَّ المرأة الرومانية كانت تُرسل بخِرَق حَيْضهاً لإلقائها في مكان الهيكل البائد حقداً على اليهود الذين حرَّضوا على قَتْل المسيح ابن مريم، وانتقاماً منهم على تبجُّحهم الدائم بأنهم قد قتلوا المسيح!!
جدَّد النبيُّ سليمانُ عليه السلام بناء مسجد النَّبيين والمرسلين حوالي سنة (960) قبل الميلاد، وبناه على الوجه الأكمل والأفخم في بضع سنوات، وسمَّاه «بيت الرب»، ولمَّا أتم بناءه سأل ربَّه خلالاً ثلاثاً: سأله حكماً يُصادف حكمه: فأوتيه، وسألهُ مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده: فأوتيه، وسأله أنْ لا يأتي أحدٌ هذا المسجد ليصليَ فيه؛ إلاَّ خرج من خطيئته كيوم ولدته أمُّه».
ثم إنَّ سليمان عليه السلام جمع بني إسرائيل، وبسط يديه نحو السماء وقال: «أيُّها الربُّ ليس إله مثلك في السماء من فوق، ولا في الأرض من أسفل، لتكن عيناك مفتوحتين على هذا البيت الليلَ والنهار، واستجب تضرُّع عبدك وشعبك إذا صلُّوا نحو هذا البيت».
وجاء الجواب إلى سليمان من الله عز وجل: بأنَّ الله قد قدَّس هذا البيت، وأنّ بني إسرائيل إنْ آمنوا بتوحيد الله ثم استقاموا، فسوف يكون الله معهم معيناً وناصراً، وسوف يتوالى عليهم فََضْلُه وكرمُه وعطاؤُه. وإنْ ارتدّوا عن توحيد الله، وعبدوا الأصنام التي تعكف عليها أمم الأرض، فسوف يقرضهم الله عن وجه هذه الأرض المقدّسة، ويشتتهم في أركان الأرض الأربعة. وسوف يرسل عليهم من عباده الأشدّاء، مَن يقوِّض عليهم هذا البيت ويزيله، ثم يكونون حديثاً وسخريةً بين الشعوب كلِّها.
لكن بني إسرائيل على الرغم من هذا الإنذار البليغ، ارتدّ أكثرهم - بعد موت سليمان بقليل - عن توحيد الله عز وجل، وآن الأوان لتجديد مسجد النَّبيين والمرسلين، وبعث الله رسوله محمداً خاتماً لجميع الأنبياء من قبله، وجعل ميراث النبوَّة كلِّها في كتابه الذي أنزله عليه، وفي رسالته التي كلَّفه بها، كما أورثه الأرض المقدسة فلسطين فيما أورثه من الأرَضَين. ثم كان الفتح الإسلامي العظيم، ودخل المسلمون مدينة القدس، وجدّد خلفاء المسلمين بناء المسجد فيها، وانصرفت عناية الملوك والخلفاء المسلمين إلى ذلك المسجد طيلة قرون كثيرة، وعاد إلى طبيعته: بيتَ عبادة وتضرُّع، وبيت علم وتدبُّر وذكر ولا يزال بإذن الله.
وقامت في العام 1948 مملكة إسرائيل الثالثة على أرض فلسطين، وعاد اليهود من جديد ليفسدوا في الأرض المقدّسة إفسادهم الثالث، وليَنفُذَ فيهم قَدَر إلهيُّ جديد.. وأفسدوا في أرض فلسطين إفساداً ما بعده من إفساد – ولا يزالون – هدموا وطناً اسمه فلسطين، وأنشأوا وطناً اسمه إسرائيل، فعلوا بسكان البلد الأفاعيل، وطال شرهم جميع الدول المجاورة لهم.
تطلّعوا إلى مسجد النبيّين والمرسلين بحقد شديد ومكر عظيم، قرّروا أن يهدموه وأن يقيموا مكانه هيكلهم البائد الذي لم يبقَ منه حجر على حجر، ولم يكتشفوا مكانه حتى الآن!!
أجمعوا كلُّهم على هَدْم المسجد: المتديِّنون والعلمانيــــون ، الشرقـيــــــون والغربيــون، المعتدلــــون والمتطرفون، اليمينيون واليساريون. تألفت العصابات لهذه الغاية وأُعدت المخطَّطات، وحفرت الأنفاق، وأحضرت حجارة الهيكل وكثرت التصريحات والتعدّيات، أحرقوا المسجد في العام 1969م، ودخل كبير أشرارهم (شارون) المسجد في العام 2000م، مع أكثر من ثلاث آلاف معظمهم من رجال جيش العدوان الإسرائيلي.
قرّر معظم اليهود الذين يغتصبون أرض فلسطين، ويقيمون خارجها هَدْم المسجد الأقصى، وهم ماضون قُدُماً في هذا المسعى الخطير، لا يردُّهم شيء!!
وأريد أن أقول هذا الأمر الآتي:
1. إنَّ اليهود سوف يُقدمون على هذه الجريمة الكبرى، ويتوِّجون بها جرائمهم السابقة في فلسطين، فهم - كما قال لهم نبيهم (إرميا) على لسان الربِّ عز وجل -: «من شرٍّ إلى شرٍّ يذهبون»، وكما قال لهم هذا النبي أيضاً: «هل يغيِّر الحبش جلده، والنَّمِر رَقَطه، وأنتم فهل تقدرون أن تصنعوا الخير وأنتم معتادون الشر»؟! إنّ اليهود حَمْقى أغبياء؛ لم يستفيدوا من ماضيهم، ولا يعتبرون بالمستقبل، ذكاؤهم منصرفٌ إلى فعل الشرِّ والفساد في الأرض، إنَّهم يسوقون أنفسهم إلى مصارعهم، ونحن لا نتمنى لهم ذلك، بل نرجو أن يستبصروا ويهتدوا سواء السبيل.
2. إنَّ المسلمين لم يهدموا لهم هيكلهم، ولا بيتاً من بيوت عباداتهم التي أقيمت في كل المدن الإسلامية، ونحن لن نرضى أبدأً أن يبنوا هيكلهم على أنقاض مسجدنا العظيم.
3. إنَّ اليهود حين يقدمون على هدم الأقصى إنما يهدمون المسجد الذي أعدّ لبنائه مَلِكهُم داودُ، وبناه ملكهم سليمانُ، وهما من أنبياء الله الكرام الذين عبدوا الله فيه، ومرّغوا وجوههم بأرضه المباركة.
4. إنَّ قادة اليهود – لا سيما زعماء العصابات من الحاخامات، يمشون على خُطا أبرهة الحبشي الذي دمّره الله قديماً ودمّر أصحابه، وجعل كيدهم في تضليل.
5. إنَّ اليهود أولاً وآخراً هم الخاسرون؛ فمسجد الأنبياء والمرسلين سوف يبقى إلى يوم الدين، أما مسجد الضِّرار (الهيكل) الذي دمّره الله قديماً، فسيأتي عليه المصير المحتوم.
6. إنِّي أبشِّر اليهود المعتدين المستكبرين بقول الله عز وجل: )ومَن أظلم ممن منع مساجدَ اللهِ أن يُذكرَ فيها اسمُه وسعى في خرابِها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، لهم في الدنيا خِزيٌ، ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيم(... إني أبشرهم بأن الله عز وجل سوف يَقْرضهم عن هذه الأرض المقدَّسة، ويدمرهم هم وهيكَل ضِرارهم. وهو قد توعّدهم قديماً بأن يبعث عليهم عباداً له أولي بأسٍ شديد: يُذِلّونهم ويطردونهم، ويفضحون كَذبهم على الله في دَعواهم أنه جعلهم شعبَه المختار، وأورثهم الأرض المقدَّسة إلى يوم الدين!!
7. إنها معركة شديدة طويلة بين المسجد والهيكل، وسوف يكون النصر فيها - إن شاء الله - للمسجد، لبيت الربّ، لله ورسلِه وعباده المؤمنين، ولن يكون أبداً لمن غضب الله عليهم إلى يوم الدين.