طاقة المستقبل
"منقول"
ايسلندا تغطي احتياجاتها الكاملة من الكهرباء والتدفئة من الطاقة المستخرجة من باطن الارض.

إذا أطلقنا الكلام على علاته فإنه يمكن القول إن البشرية لا تعاني من مشكلة في الطاقة.
إننا في الواقع نعيش فوق مصدر للطاقة لا ينفد مخزن في الماء الساخن أو الصخور. فتحت أقدامنا مباشرة تغلي الارض حيث إن الحرارة في 99 في المائة من الكوكب تتجاوزالالف درجة مئوية و تنخفض هذه الدرجة إلى أقل من مائة عند الطبقة الخارجية.
المشكلة أنه ليس من الهين استغلال هذا المصدر الحراري الواقع تحت الارض والذييشار إليه الان باسم طاقة حرارة الارض(أو الطاقة الحرارية).
وقد أوضحت أيسلندا كيفية القيام بذلك. الجزيرة تقع مباشرة أعلى خط الصدوع فيكوكب الارض. ولنقل بدقة إنه عند الخط الذي يحدث فيه الانفصال ببطء بين الرفينالقاريين الاوروبي والامريكي يمكن الحصول على الطاقة من قلب الارض مباشرة أو من حيثيمكن للجميع أن يروا الينابيع الحارة تطلق بماء يغلي في الهواء.
منذ الثلاثينات من القرن الماضي والايسلنديون يستغلون ينابيعهم الحارة حتى أنالجزيرة تغطي اليوم قرابة مائة في المائة من احتياجاتها من الكهرباء والتدفئة منالطاقة المتجددة وبالذات من طاقة الحرارة الارضية.
وألمانيا ليست مشهورة بينابيعها الحارة ومع ذلك فإنها تتمتع بوفرة في إمكاناتالحرارة الارضية.
يقول فيرنير بوسمان من جمعية الحرارة الارضية نقلا عن بيانات بحثية حكومية إن "الامكانات الكهربائية المتاحة تحت أرض ألمانيا يمكن أن تغطي احتياجاتنا 600 مرة.". لكن الامر ليس ببساطته في أيسلندا فاستغلال مصادر الحرارة الارضية في ألمانيا يتطلبحفرا لاعماق كبيرة. كما نقل موقع ميدلايست اونلاين.
يضيف بوسمان أنه مع ذلك فإن استغلال طاقة الحرارة الارضية يمضي قدما في ألمانيا. وفي الوقت الحاضر يصل إنتاج طاقة الحرارة الارضية من المنشآت الكبيرة والصغيرة إلى 700 ميجاوات.
ويتم تركيب مضخات تدفئة حرارية بعمق 400 متر لكي يمكن الوصول إلى ما يسمى مصادرالطاقة الحرارية "القريبة من السطح" لتدفئة البيوت الخاصة والمدارس والمبانيالعامة. وتعمل هذه المضخات بعكس الطريقة التي تعمل بها الثلاجات فهي تمتص حرارةالارض وتضخها في البيوت أعلاها.
وثمة أسلوب آخر يعرف باسم التدفئة "الحرارية المائية" ويقصد به الوصول إلى مصادرالماء الحار الموجودة على مسافة بعيدة من سطح الارض. ويوجد العديد من مثل هذهالمصادر في شتى مناطق ألمانيا.
ويقدر مركز بحوث الارض في بوتسدام أن بإمكان البلاد أن تغطي 29 في المائة مناحتياجاتها من التدفئة من مصادر الحرارة المائية في حين يمكن لمصادر الحرارةالارضية أن تغطي نسبة أخرى 28 في المائة.
وفي إطار أعمال البحث والتطوير الاخرى في بلدة نيشتات جيلف الشمالية الشرقيةيجرى استغلال المياه الحارة تحت الارض في إنتاج الكهرباء.
وهناك بدأت أول محطة للطاقة الحرارية الارضية في ألمانيا العمل في نهاية العامالماضي حيث يجري ضخ الماء بدرجة تبلغ 97 درجة مئوية من عمق كيلومترين لتشغيل محركتوليد يغطي احتياجات نحو 500 منزل من الكهرباء.
ويفضل المهندسون في السنوات الاخيرة تقنية أخرى تعرف باسم عملية "الصخرة الجافةالساخنة" ويتم فيها تحويل الطاقة المختزنة في صخور جافة ساخنة إلى كهرباء. وتقومالعملية على ضخ ما ء على الصخر الساخن فيؤدي إلى تسخين الماء الذي يعود بدوره إلىالسطح فيستغل في أغراض الطاقة. ويجري بناء أول محطة طاقة من هذا النوع في بادإيراتش في جنوب غربي ألمانيا.
ويذكر مؤيدو طاقة الحرارة الارضية عددا من مزاياها البيئية مقارنة بمصادر الطاقةالمتجددة الاخرى مثل طاقة الريح والطاقة الشمسية. ومن هذه المزايا أنها متاحة بشكلدائم حيث إنه لا علاقة لها بالاحوال الجوية أو ساعات اليوم.
لكن المهندسين يعترفون بأن تقنيات الاستغلال الفعال لطاقة الحرارة الارضيةمازالت في مهدها. و إذا كان من الممكن توقع حدوث مساهمة كبيرة في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ألمانيا خلال عقد أو عقدين من الزمن فإن ذلك لن يكون إلاباستمرار العمل بعزيمة وإصرار في تطوير هذه التقنيات.

طاقة المستقبل من الشمس والرياح وأمواج البحر والبراكين
ما زالت مصادر الطاقة التقليدية, أي النفط والغاز الطبيعي والفحم, تزود العالم بنحو 86 في المئة من حاجته الطاقوية. وتنتج المفاعلات النووية نحو 6,6 في المئة, والمشاريع الكهرمائية 6,7 في المئة, ولا تتعدى مساهمة مصادر الطاقة المتجددة 0,8 في المئة من طاقة العالم. وعلى رغم ارتفاع أسعار النفط أخيراً الى أرقام قياسية, ما زالت الطاقة المتجددة تفتقر الى الجدوى الاقتصادية لتفرض وجودها. هنا عرض لوضع مصادر الطاقة البديلة, بما فيها الشمس والرياح وأمواج البحر والبراكين.
اللاقطات الشمسية ستلمع على سطوح مليون بيت جديد في كاليفورنيا. بذلك سيتم توفير 2700 ميغاواط من الكهرباء كل سنة خلال ساعات الذروة, وتجنب انبعاث 50 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون, علماً أن كل ميغاواط يؤمن الحاجة الطاقوية لنحو 1000 منزل. هذا القرار, الذي أصدره الحاكم آرنولد شوارزينغر في آب (أغسطس) الماضي, هو خطوة نحو تحقيق خطة الطاقة في الولاية لتوليد 20 في المئة من كهربائها من مصادر متجددة بحلول سنة 2017.
وفي اسكوتلندا, أنزل الى البحر في شباط (فبراير) الماضي أول مولِّد تجاري للطاقة من الأمواج, أنتجته شركة "أوشن باور ديليفري" في إدنبره. وهو بطول 120 متراً وعرض 3,5 أمتار, وبقدرة 750 كيلوواط ساعي. هذا "المحوِّل البحري" قادر على إنتاج 2,7 جيغاواط (الجيغاواط 1000 كيلوواط) في السنة, ما يماثل إنتاجية توربينة رياح أرضية بقدرة ميغاواط واحد. ويؤكد علماء أن 20 - 25 في المئة من كهرباء بريطانيا يمكن إنتاجها بطاقة الأمواج, التي قدَّر مجلس الطاقة العالمي سوقها الدولية بأكثر من 900 بليون دولار. وكذلك يتم تصميم واختبار تكنولوجيات ثورية لانتاج كهرباء من تيارات المد والجزر, باعتبارها مصدراً قوياً ومضموناً للطاقة المتجددة. وهي, في اسكوتلندا وحدها, قادرة على تأمين الكهرباء لنحو 15 مليون نسمة.
وتزداد الأنظمة الحكومية على الصعيد العالمي اخضراراً. اذ وضع الاتحاد الأوروبي هدفاً لانـتاج 22 فـي المئة من كهربائه و12 في المئة من كل طاقته من مصادر متجددة بحلول سنة 2010, كما أصدر تعميماً يسري مفعوله في نهاية 2005, يقضي بأن يعرض بناؤو ومالكو وبائعو المنازل شهادة تبين مدى الاقتصاد بالطاقة في المبنى. حتى رئيس الولايات المتحدة جورج بوش, الذي تستهلك بلاده 25 في المئة من نفط العالم, أشار الى الكلفة العالية للاعتماد على النفط. وأعلن البيت الأبيض في شباط (فبراير) 2003 مبادرة برصد 1,2 بليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لتطوير تكنولوجيا خلايا الوقود الهيدروجيني.
وفي المؤتمر الدولي للطاقة المتجددة Renewables 2004 الذي عقد في مدينة بون الالمانية في حزيران (يونيو) 2004, تعهدت ألمانيا تقديم قروض ذات فائدة منخفضة بقيمة 500 مليون يورو خلال السنوات الخمس المقبلة لتنفيذ مشاريع للطاقة المتجددة في بلدان نامية. والتزم البنك الدولي زيادة قروضه لمشاريع الطاقة المتجددة بنسبة 20 في المئة على الأقل سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن السؤال الكبير للمستثمرين هو: متى تصبح الطاقة البديلة مناسبة من حيث الكلفة؟ يقول سيمون بيكر مدير صندوق البيئة في مجموعة جوبيتر انترناشونال في لندن المتفرعة عن "كومرس بنك": "العالم لا يشتري فكرة خضراء إلا اذا كانت كلفتها مساوية للأفكار الأخرى".
أسعار غير واقعية
في الأسابيع الماضية, ارتفعت أسعار النفط الى مستويات قياسية تجاوزت 52 دولاراً للبرميل, فكبدت الدول المستوردة نفقات أعلى وأثارت مخاوف من صدمة اقتصادية عالمية, قبل أن تنخفض الى حدود 42 دولاراً. الصدمات التي أحدثتها أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي دفعت الحكومات الى دعم البحوث حول أشكال بديلة للطاقة. لكن هذا الاندفاع تلاشى في الثمانينات عندما أصبح النفط رخيص الثمن من جديد. والأسعار الحالية في واقعها لا تتجاوز نصف المستوى الذي بلغه الخام العربي عام 1980 عندما بدأت الحرب الايرانية - العراقية.
إنفاق الدول الصناعية على بحوث الطاقة اتبع منحى النفط, مسجلاً أعلى ارتفاع عام 1981 عندما بلغ 16 بليون دولار, وهابطاً الى تسعة بلايين دولار بحلول 1987. وأورد تقرير لوزارة الطاقة الأميركية لسنة 2001 أن النظام الطاقوي العالمي يعتمد على الوقود الاحفوري بنسبة 86 في المئة (النفط 38,8 في المئة, الغاز الطبيعي 23,2 في المئة, الفحم 23,9 في المئة), والطاقة النووية تشكل 6,6 في المئة, والطاقة الكهرمائية 6,7 في المئة, ولا يتعدى دور مصادر الطاقة المتجددة الأخرى (الشمس والرياح والخشب وغيرها) 0,8 في المئة. وتنتج المصادر المتجددة, بما فيها المائية, 19 في المئة من كهرباء العالم, وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة لسنة 2004.
وتتطلع بلدان الاتحاد الاوروبي في شكل متزايد الى طاقة الرياح والطاقة النووية لايفاء التزاماتها بخفض انبعاثات غازات الدفيئة وفق بروتوكول كيوتو. لكن خبراء يقولون ان كثيراً من الانفاق الحكومي على البحوث ما زال منصباً على الانشطار النووي وعلى خلايا الوقود الهيدروجيني, التي قد تحتاج الى عقود قبل ترسيخ جدواها الاقتصادية. ويرى البعض أن للديزل الحيوي, المصنوع من زيوت نباتية أو ايثانول, أفضل فرص النجاح في الاقتصادات المعتمدة على النفط المستورد, لكن هذا "الوقود الأخضر" ما زال أغلى ثمناً من النفط بنحو 50 في المئة.
ولدى الصين, ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة, خطط طموحة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة تشمل زيادة طاقة توليد الكهرباء من طاقة الرياح من 570 ميغاواط حالياً الى 20 ألف ميغاواط بحلول سنة 2020 والى 50 ألف ميغاواط بحلول سنة 2030. ويكفي ميغاواط واحد لإمداد ألف منزل بالكهرباء. وستبدأ الفيليبين سنة 2005 تنفيذ مشروع أول محطة كهرباء تعتمد على السكر كوقود. وبدأت السيارات الحكومية في تموز (يوليو) الماضي استخدام خليط من الديزل ووقود مستخرج من جوز الهند.
وعلى رغم الأرباح القياسية من تصاعد أسعار النفط الخام, فان شركات نفط كبرى تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة. فشركة "بريتش بتروليوم" هي أكبر مصنعي الخلايا الفوتوفولطية في العالم. وقد أقامت مجموعة "رويال دتش / شل" قسماً للهيدروجين في العام 1999 وأعلنت عام 2002 أنها ستبني أول محطة لتعبئة الهيدروجين في العاصمة اليابانية طوكيو. وفي أيار (مايو) 2001, اشترت شركة "جنرال الكتريك" قسم طاقة الرياح في شركة "إنرون" منتشلة اياه من الافلاس, في مقابل 285 مليون دولار. وتحقق "شارب" من قسم الطاقة الشمسية التابع لها عائداً سنوياً يبلغ بليون دولار.
ولكن يؤكد محللون أن التمويل الحكومي هو المدخل الى نمو مصادر الطاقة المتجددة. وقد جاء في دراسة حديثة لمعهد وورلد ووتش: "في جميع الحالات, التقدم في مصادر الطاقة المتجددة حفزته سياسات حكومية قوية صُممت لرعاية أحدث صناعات الطاقة ولايجاد طلب على هذه التكنولوجيات, غالباً في أسواق يهيمن عليها الوقود الأحفوري والطاقة النووية المدعومان حكومياً".
خلال السنتين الماضيتين, هبطت في البورصة العالمية قيمة الشركات التي تطور مصادر طاقة متجددة من 13 بليون دولار الى 10,7 بلايين, بينما ارتفعت قيمة شركات الوقود الأحفوري الى مستويات قياسية بلغت أكثر من 1,2 تريليون دولار. فعلى رغم كل الصخب حول تغير المناخ, ما زال على الحكومات حول العالم التصديق على بروتوكول كيوتو المتعلق بخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وتقود الولايات المتحدة حملة لتخزين انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ففي العام 2003, ساعدت ادارة الرئيس جورج دبليو بوش على تأسيس "منتدى قيادة احتباس الكربون" الذي يضم مجموعة بلدان تعمل خلال عقد من الزمن على تطوير FutureGen وهي أول محطة طاقة تعمل بالوقود الأحفوري ولا تطلق أي انبعاثات في الجو. هذا المشروع سيستخدم الفحم لانتاج الطاقة, ويدفن ثاني أوكسيد الكربون الناتج منه في طبقات صخرية حاوية للماء, أو في طبقات من الفحم غير القابل للتعدين, أو في قاع المحيط, أو يباع الى شركات لاستعماله في عمليات استخراج النفط والغاز.
يقول بيئيون ان مبلغ البليون دولار المخصص لمحطة FutureGen كي تطور تقنية احتباس الكربون يمكن انفاقه على هدف أكثر جدوى, كدعم تكنولوجيات الطاقة المتجددة.
يقول ليوناردو موغري, نائب رئيس شركة "ايني" الايطالية للنفط والغاز, ان الطاقة الشمسية لم تنافس بعد الوقود الأحفوري الأرخص. ولعل طاقة الرياح والكتلة الحيوية أقرب الى المنافسة, لكن قدرتهما على انتاج كميات كبيرة من الطاقة محدودة. وحتى أحدث طواحين الهواء أثارت احتجاجات شعبية عنيفة لدواعي تشويه المنظر الطبيعي. أما الذين يظنون أن الطاقة النووية هي الجواب, فيعتمدون غالباً على تحليل مضلل لكلفتها, لأن المنتجين لا يحتسبون غالباً السعر الحقيقي للكهرباء المنتجة من الطاقة النووية. فاغلاق محطة نووية يكلف المبلغ ذاته تقريباً الذي يحتاجه بناء محطة جديدة, وهذا ما يجعل شركات الطاقة النووية تضغط الآن في أنحاء العالم لتأخير المواعيد المقررة لاغلاق المحطات. وفي ما يتعلق بالسيارات الهجينة, فان محركات الاحتراق الداخلي تتطور بسرعة هي أيضاً, وباتت محركات الديزل تضاهي تقريباً الاقتصاد بالبنزين في السيارات الهجينة, لكن بكلفة للمستهلكين أدنى بكثير, علماً أن الديزل يخفض أيضاً انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 30 الى 40 في المئة بالمقارنة مع البنزين. والخلاصة, في رأي موغري, أنه حتى مع بلوغ أسعار النفط أعلى مستوياتها منذ 20 سنة, فليس هناك من بديل ينافس الوقود الأحفوري جدياً.
طاقة الرياح: الأسرع نمواً
يتم تحويل طاقة الريح الى كهرباء بواسطة توربينات عملاقة. وهي المصدر الأسرع نمواً لتوليد الكهرباء في العالم. فقد قفزت الطاقة الانتاجية بنسبة 26 في المئة عام 2003, متجاوزة بأشواط بدائل أخرى مثل الطاقة الشمسية وطاقة المد والجزر. في ألمانيا, مثلاً, نحو 16 ألف "طاحونة هواء", وبذلك تحتل مركز الصدارة عالمياً في هذا المجال, متقدمة على اسبانيا والولايات المتحدة. ويبلغ مجموع الايرادات من قطاع طاقة الريح خمسة بلايين يورو سنوياً, وهذه الصناعة تشغل نحو 40 ألف شخص.
وطاقة الريح مهيأة لتحقيق ثلاثة أرباع هدف الحكومة البريطانية الرامي الى انتاج 10 في المئة من كهرباء البلاد من مصادر متجددة بحلول سنة 2010. وعالمياً, يتم الآن انتاج أكثر من 40 ألف ميغاواط من طاقة الريح, 75 في المئة منها في أوروبا, حيث تساعد في احتواء اعتماد القارة على الطاقة المستوردة. ومن المشاريع الطموحة في هذا الاطار التزام شركة فورد للسيارات تشغيل مصنعها الجديد لمحركات الديزل قرب لندن بطاقة تولدها ثلاثة توربينات هوائية عملاقة, بالتعاون مع شركة Ecotricity الرائدة عالمياً في انتاج الكهرباء الخضراء. هذه التوربينات تنتج 3,6 ميغاواط, أي ما يكفي لتزويد 2000 منزل بالطاقة.
لكن مع انتشار مزارع الريح في المدن والأرياف والمناطق البحرية, أخذت أصوات المعارضين تعلو. حتى في ألمانيا, التي تفخر بانتاج نصف الطاقة المولدة من الريح في أوروبا, تتزايد الاحتجاجات حول خطط الحكومة لمضاعفة عدد مزارع الريح بحلول سنة 2020, كخطوة لبلوغ هدفها الرامي الى خفض انبعاثات الكربون بنسبة 40 في المئة. وفي بريطانيا التي ينتشر على أراضيها حالياً أكثر من 1000 توربينة, بدأت المجتمعات ترفض مزارع الريح لما تحدثه من "تلوث بصري".
الطاقة الشمسية: ربع الاحتياجات
بحلول سنة 2040, يتوقع أن تغطي تكنولوجيا اللاقطات الفوتوفولطية ربع الاحتياجات العالمية من الكهرباء, خصوصاً في المناطق النائية التي لا تصلها شبكات التوزيع العمومية. في هذه اللاقطات, تحول الخلايا الشمسية ضوء النهار الى تيار مباشر يمكن أن يشحن بطارية مثلاً. والتيار المباشر يمكن تحويله الى تيار متناوب, بأن توصل الخلايا الشمسية بعضها ببعض لتشكل مجموعات وتركب على سطوح البنايات أو واجهاتها.
ثمة حرارة طبيعية مخزونة في جوف الأرض يمكن استغلالها بصرف النظر عن الفصل وعدد الأيام المشمسة. وقد أنشئت محطات للطاقة الجيوحرارية تضخ الماء الساخن الى السطح وتحوله الى حرارة وكهرباء. وفي حالات أخرى, يتم استخراج الحرارة من جوف الأرض بضخ الماء العادي نزولاً من خلال ثقب الى الطبقات الصخرية الحارة, ومنها صعوداً كتيار بالغ السخونة. وتعتبر الطاقة الجيوحرارية من أكثر المصادر انتاجية للطاقة المتجددة.
شركات الطاقة العملاقة الأميركية, مثل شيفرون ويونوكال, بدأت منذ عقدين استكشاف الامكانات الطاقوية الضخمة المحتبسة في البراكين الاندونيسية. واندونيسيا أرخبيل مؤلف من نحو 17 ألف جزيرة, ترقد على "حلقة النار" في آسيا والمحيط الهادئ, وفيها أعلى كثافة براكين في العالم, نحو 500 بركان, منها 128 ما زالت ناشطة. هذه البراكين تجعل اندونيسيا الدولة الوحيدة في العالم التي لديها امكان توليد 100 في المئة من كهربائها من مخزونات "نظيفة" لا نهاية لها من الطاقة الجيولوجية. وقد طلبت اعتمادات لتوسعة بقيمة 100 مليون دولار لعمليات التوليد القائمة في بركان داراجات في جاوه الغربية, مما يزيد انتاجها البالغ 330 ميغاواط بأكثر من الضعفين, أي ما يكفي لتزويد مدينة متوسطة الحجم بالطاقة. وهذه الكمية ليست كبيرة, لكن ستشكل خطوة نحو احياء خطة متوقفة لتطوير 11 محطة جيوحرارية تنتج 3417 ميغاواط.
وحصاد البركان يعني حفر آبار تصل الى البخار الحار الذي يولده جريان الحمم تحت الأرض. والمخاطر كبيرة, لكن فترة المردود طويلة.
الطاقة الكهرمائية والحيوية
بخلاف الطاقة الجيوحرارية, تعتبر الطاقة الكهرمائية من أقدم مصادر الطاقة التي استخدمها الانسان. فقد كانت النواعير معروفة في الصين منذ القرن الثالث قبل الميلاد. ومن ثم انتشرت في أنحاء العالم مطاحن ومناشير ومطارق تشغلها المياه الساقطة من الشلالات والسدود أو الجارية على سطح الأرض. ومنذ نحو مئة سنة شغلت توربينات الماء مولدات لانتاج الكهرباء.
-->
الطاقة المائية تولد حالياً قرابة خُمس الكهرباء في العالم ونحو نصف الكهرباء في 66 بلداً. وثمة اتجاه لتحديث المحطات القائمة لزيادة انتاجها بدل إنشاء محطات اضافية. والامكانات كبيرة في البلدان النامية. وقد أظهرت دراسة للأمم المتحدة انه لم يتم تطوير سوى ثلث المواقع المحتملة لمحطات الطاقة الكهرمائية حول العالم.
ومن أكثر المصادر المتجددة تنوعاً الكتلة الحيوية biomass. وهي متوافرة على الدوام, ويزرع كل سنة في أنحاء العالم نحو 80 بليون طن من الكتلة الحيوية الاضافية. ومستغلّوها يستخدمون طريقة مختلفة لتوليد الكهرباء, أساسها المادة العضوية, خصوصاً الحطب والقش والزيت النباتي والديزل الحيوي والغاز الحيوي لتوليد الكهرباء والحرارة أو كوقود. في ألمانيا, مثلاً, 1700 محطة للغاز الحيوي, تولد الكهرباء والحرارة من غاز التخمير الناتج من محطات تنقية مياه الصرف, ومن غاز المناجم, وغاز مطامر النفايات, والروث السـائل الناتج من مزارع الماشية.
شبكات التوزيع المستقبلية لن تعتمد فقط على محطات الطاقة البعيدة, اذ سيصبح بعض المستهلكين منتجين, يولّدون حاجتهم الطاقوية من الشمس والريح والهيدروجين, بل ربما يغذون شبكة التوزيع بالفائض. فعلى سبيل المثال, تبنت الحكومة اليابانية عام 1993 خطة لتشجيع الطاقة الشمسية, وهناك نحو 170 ألف منزل في البلاد تغذي الشبكة التابعة لشركة الطاقة. وفي اسكوتلندا شركة تصنع طواحين هواء صغيرة تركب على سطوح المنازل ويمكن ان تولد 4000 كيلوواط ساعي من الكهرباء سنوياً (العائلة المتوسطة تستهلك 10 - 15 ألف كيلوواط ساعي). ومنتجو السكر الهنود, الذين ضاقوا ذرعاً بذبذبات الطاقة المحلية, بدأوا توليد كهربائهم الخاصة من ثفل قصب السكر. وفي مدينة واتسونفيل بولاية كاليفورنيا 257 منزلاً مكتفية ذاتياً في مشروع "صفر طاقة" Zero Energy Homes, تم بناؤها وفق مقاييس مقتصدة بالطاقة وجهزت بمولدات شمسية. وهذا المشروع واحد من عشرات المشاريع المماثلة.
اقتصاد "هجين" للمستقبل
الطاقة موضع أساسي في الانتخابات الأميركية. وبينما يتفق المرشحان جون كيري وجورج بوش على العمل نحو "استقلال أميركا في مجال الطاقة", يختلفان على سبل تحقيق هذه "الاستقلالية". فكيري, المرشح الديموقراطي, يدعو الى بلوغ الاستقلالية الطاقوية من طريق التوسع في استخدام الفحم الحجري بأساليب نظيفة, واستخراج الغاز من آلاسكا, وتطوير الكحول البيولوجي من مصادر زراعية, وتحسين الكفاءة في استخدام الطاقة. أما الرئيس جورج بوش فيركز في برنامجه على تطوير إنتاج النفط محلياً وتأمين مصادر خارجية متنوعة تخفف الاعتماد على دول الخليج. لكن لي رايموند, رئيس شركة إكسون موبيل وهي أكبر شركة نفط عالمية, يعتبر أن الاستقلال الطاقوي الأميركي فكرة غير قابلة للتطبيق, ويدعو في المقابل الى التعاون الدولي. فالولايات المتحدة, التي تستهلك 20 مليون برميل نفط يومياً, تنتج ربع هذه الكمية فقط محلياً وتستورد البقية. وتبتلع وسائل النقل ثلثي استهلاك أميركا من النفط.
الحوافز التشجيعية واعانات الدعم لانتاج مصادر طاقة بديلة تراجعت في أنحاء العالم المتقدم, مع استثناءات قليلة هي اليابان وألمانيا والدنمارك وبضعة بلدان أخرى. لذلك, ربما, يصدّر معظم تجهيزات الطاقة الشمسية المصنوعة في الولايات المتحدة الى ألمانيا واليابان.
في الولايات المتحدة, يبلغ معدل الضريبة الاجمالية على الغاز 25 في المئة, بالمقارنة مع 50 في المئة في اليابان وأكثر من 70 في المئة في أوروبا الغربية. وهذا يفسر لماذا يستهلك الفرد الأميركي ضعفي الطاقة التي يستهلكها الفرد الأوروبي. وضرائب البنزين العالية في أوروبا تشجع على الاقتصاد بالطاقة, لكنها أيضاً ثالث أو رابع أكبر مصدر عائدات لمعظم الحكومات الأوروبية. وهذا حافز للحفاظ على الوضع الراهن للوقود الأحفوري, لأن تحولاً الى بدائل أنظف سيخفض الدخل الضريبي ويزيد الانفاق على دعم التحول.
أما اذا كان السياسيون جديين في تقليل الاعتماد على النفط, فان ثمة حلولاً في متناول اليد: خليط من الزيادات الضريبية على المنتجات النفطية, ومقاييس للمسافات والانبعاثات أكثر تشدداً تفرض على مصنعي السيارات, وحوافز تشجيعية للتخلي عن السيارات القديمة وشراء سيارات جديدة أنظف. فقطاع النقل أمر حاسم, اذ سيكون مسؤولاً عن قرابة 80 في المئة من نمو الاستهلاك النفطي العالمي خلال السنوات الـ25 المقبلة.
ويبين التاريخ أن صانعي السياسة يضعون السعر والوفرة قبل المخاوف الاجتماعية والبيئية. والمؤشرات كثيرة حول العودة الحماسية الى مصادر الطاقة المثيرة للجدل بيئياً, ولا سيما الفحم والطاقة النووية والسدود المائية الكبيرة. فالوقود النووي يمكن تخزينه بكفاءة كبيرة, والفحم يوجد بكثرة في جميع القارات, والطاقة المائية مصدر محلي. وتخطط الصين لزيادة توليد الطاقة النووية من 1,5 في المئة حالياً الى 4 في المئة سنة 2020. وأكدت شركة الطاقة التي تديرها الحكومة الفرنسية EdF من جديد التزامها بناء نموذج للمفاعل الأوروبي الذي يعمل بالماء المضغوط. والخطط لبناء سد اينغا الكبير لانتاج الطاقة على نهر الكونغو تعكس إحياء الاهتمام العالمي بالمشاريع المائية الكبرى.
طاقة الرياح هي الاقرب الى التكافؤ مع أسعار الطاقة التقليدية. فقد كلف توليد الطاقة من الفحم أو الغاز في السنوات الثلاثين الماضية قرابة 2,5 سنت لكل كيلوواط ساعي في المتوسط. وفي المقابل, تكلف طاقـــة الرياح الآن أقل من 4 سنتات لكــل كـــيلوواط ساعي, في مقابل 10 سنــتات عام 1980. وكلف انتاج كيلوواط ساعي من الطاقة الشمسية في العام 1980 دولاراً واحداً, وهو يكلف الآن ما بين 20 و25 سنتاً. ويتوقع, بحلول سنة 2010, أن تصبح كلفة الكيلوواط من طاقة الرياح بين 2 و4 سنت, ومن الطاقة الشمسية بين 10 و25 سنتاً, ومن حرارة جوف الأرض والكتلة الحيوية بين 2 و3 سنت.
ومعدل سعر الطاقة بالتجزئة من مصادر تقليدية هو 8 سنتات لكل كيلوواط ساعي في الولايات المتحدة, وهو أدنى بكثير من الاسعار في أوروبا. وبحسب وزارة الطاقة الاميركية, بلغت الكلفة عام 1999 في ألمانيا 15,2 سنت, وفي اليابان 21,2 سنت, وفي بريطانيا 11,7 سنت, وفي الدنمارك 20,7 سنت, وفي فرنسا بلغ 12,9 سنت في العام 1998. فلا عجب ان البلدان التي تشهد ارتفاعاً في تكاليف الطاقة كانت أكثر تلهفاً لتبني تكنولوجيات بديلة.
انديرا غاندي, رئيسة وزراء الهند الراحلة, دعت الفقر "الملوث المطلق", فاذا كانت مصادر الطاقة القذرة هي كل ما يملكه الناس, فهي ما سيحرقون. الوفرة والكلفة أولويتان في السياسة الاقتصادية, وعلى البيئيين أن يضعوهما في صدارة حساباتهم للوصول الى نتيجة عملية. فعلى رغم ارتفاع أسعار النفط الى أرقام قياسية, ما زالت مصادر الطاقة النظيفة بلا جدوى اقتصادية لتحل مكان النفط. وهذا ما يجعل خبراء كثيرين يتحدثون عن تطوير اقتصاد هجين, يقوم على تنمية الطاقات المتجددة مع استهلاك أقل وأكثر كفاءة للوقود الأحفوري.