عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضٍ قِيٍّ فَتَوَضَّأَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يُقِيمُهَا، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، إِلَّا أَمَّ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَفًّا مَا يُرَى طَرَفُهُ - أَوْ مَا يُرَى طَرَفَاهُ -»
أولا حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو العمدة في هذا الباب:
يرويه أبو عثمان النهدي عن سلمان واختلف عليه وقفا ورفعا:
فرواه داود بن أبي هند عنه عن سلمان موقوفا على الصحيح.
ورواه سليمان التيمي عنه واختلف عليه أيضا:
فرواه الأكثرون: عبد الله بن المبارك، وحماد بن سلمة، وعبد الوهاب بن عطاء، ويزيد بن هارون عنه عن سلمان موقوفا وهو الصحيح.
ورواه المعتمر بن سليمان التيمي عنه واختلف عليه أيضا:
فرواه عنه ابن أبي شيبة موقوفا.
وخالفه عبد الرزاق الصنعاني فرفعه.
وتفصيل ذلك:
فقد أخرجه ابن المبارك في الزهد (341) – ومن طريقه النسائي (4503/تحفة) -.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1207)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 204) من طريق حماد بن سلمة، والبيهقي (1/ 405 ـ 406) من طريق عبد الوهاب بن عطاء ويزيد بن هارون، جميعهم (عبد الله بن المبارك، وحماد بن سلمة، وعبد الوهاب بن عطاء، ويزيد بن هارون) عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان، موقوفا.
قال البيهقي: وقد روي مرفوعا ولا يصح والصحيح الموقوف.
ورواه المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه، واختلف عليه:
فأخرجه عبد الرزاق (1955) - ومن طريقه الطبراني (6/رقم6120)- عن المعتمر بن سليمان عن أبيه، مرفوعا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2291) عن المعتمر، موقوفا.
ورواه داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي واختلف عليه أيضا:
فأخرجه ابن المبارك في الزهد (342) – ومن طريقه النسائي (4503/تحفة) - عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سلمان، موقوفا. وزاد في متنه: يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون على دعائه.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه البيهقي (1/ 406) من طريق القاسم بن غصن عن داود بن أبى هند عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى قال قال النبى -صلى الله عليه وسلم- : ما من رجل يكون بأرض قى فيؤذن بحضرة الصلاة ، ويقيم الصلاة فيصلى إلا صف خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه ، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، ويؤمنون على دعائه.
قلت: والقاسم بن غصن قد خالف ثقة، وهو ضعيف الحديث، قال أحمد: حدث بأحاديث مناكير. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير.وانظر: "العلل ومعرفة الرجال" (3109)، "الضعفاء" للعقيلي (3/ 472)،"الجرح والتعديل" (7/ 116)، "المجروحين" (2/ 212)، "الكامل" (6/ 36)، "الميزان" (3/ 377).
وله طريق أخرى عن سليمان التيمي:
أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3/ 101 ـ 102) من طريق يزيد بن سفيان أبي خالد عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان، مرفوعا.
قلت: ذكره ابن حبان في ترجمة يزيد بن سفيان هذا، وقال: يروي عن سليمان التيمي بنسخة مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لكثرة خطئه ومخالفته الثقات في الروايات.
وذكره العقيلي في "ضعفائه" (4/ 384) وقال: لا يتابع على حديثه, ولا يعرف بالنقل.
قلت: ورواية الوقف لها حكم الرفع كما لا يخفى ، إذ لا مجال للاجتهاد فى مثل هذه الأمور التى لا تعرف إلا عن طريق الرسل، خاصة وأن تشريع الأذان والإقامة ليس في الملل الأخرى فلا وجه لتطرق احتمال كونه من الاسرائيليات، وإن كان في القلب من مقالتي تلك شيء.
وقد روي من أوجه أخر من مرسل زر ومحمد ابن الحنفية، ولا يصح أي منهما:
أما مرسل زر: فأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" – كما في "البدر المنير" (3/ 314) - من حديث أبي نعيم، عن عيسى بن قرطاس، عن المسيب بن رافع لا أعلمه إلا عن زر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله من لا يرى طرفاه.
قلت: وهذا مع إرساله ضعيف جدا؛ فعيسى بن قرطاس هذا متروك الحديث، وانظر: "تهذيب الكمال" (23/ 22).
وأما مرسل ابن الحنفية: ذكره ابن الملقن في "البدر المنير" (3/ 316) عنه، ولم أقف عليه في شيء من كتب السنة.
وقد روي من أوجه أخر موقوفا عن عبد الله بن عمر، ومقطوعا عن سعيد بن المسيب وطاوس ومكحول وكعب الأحبار.
أما أثر عبد الله بن عمر: فأخرجه عبد الرزاق (1951) عن معمر عن منصور عن رجل عن عبد الله بن عمر قال: إذا كان الرجل بفلاة من الأرض فأذن، وأقام وصلى صلى معه أربعة آلاف من الملائكة أو أربعة آلاف ألف من الملائكة.
قلت: وسنده ضعيف؛ لجهالة الراوي عن عبد الله بن عمر.
وأما قول طاوس: فأخرجه عبد الرزاق (1952) عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: إذا صلى الرجل وأقام صلى معه ملكاه، وإذا أذن، وأقام صلى معه من الملائكة كثير.
قلت: وسنده صحيح إلى طاوس، لكنه لم يذكر عمن أخذه.
وأما قول مكحول: فأخرجه عبد الرزاق (1953) عن ابن جريج عن مكحول قال: إذا أقام الرجل لنفسه صلى معه ملكاه، وإذا أذن، وأقام صلى معه من الملائكة ما شهد الأرض.
قلت: وابن جريج يدلس وقد عنعنه.
وأما قول كعب الأحبار: فأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 32) عن محمد بن إبراهيم بن علي أبي بكر بن المقرئ، عن محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، عن الحسين بن المتوكل ابن أبي السري عن ضمرة بن ربيعة، عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن كعب، قال: إذا صلى الرجل بأذان وإقامة صلى معه من الملائكة ما يسد الأفق، وإذا صلى بإقامة صلى معه ملكاه.
قلت: والحسين بن المتوكل ابن أبي السري كذبه أخوه محمد وأبو عروبة الحراني، وقال أبو داود ضعيف، وقال ابن حبان يخطئ ويغرب، وانظر: "تهذيب الكمال" (6/468).
وأما قول سعيد بن المسيب، يرويه عنه يحيى بن سعيد، واختلف عليه:
فرواه مالك وسفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب من قوله، أخرجه مالك في "الموطأ" (ص74)، وعبد الرزاق (1954) عن سفيان بن عيينة، كلاهما عن يحيى بن سعيد، كما ذكرنا.
وخالفهما الليث بن سعد، فرواه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن معاذ، موقوفا، ذكره الدارقطني في "العلل" (6/ 63).
قال الدارقطني: وقول الليث أصح ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل.
قلت: لم يتفرد مالك بذلك فقد تابعه ابن عيينة كما تقدم، فإن صح ما ذهب إليه الدارقطني، يكون أثر معاذ ضعيفا؛ لانقطاعه، فابن المسيب مدني وقد ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وقيل لأربع، ومعاذ رضي الله عنه توفي سنة ثماني عشرة بالشام، فتكون سن سعيد حينها ما بين الثلاث والخمس سنوات.
وقد ذكر الحافظ مغلطاي في شرحه على "سنن" ابن ماجه (ص 1179) حديث سلمان، وأعقبه بحديث أبي برزة الأسلمي، وكأنه يستشهد به، وحديث أبي برزة – إن صح - ليس فيه ما يشهد لحديث سلمان غير أني أذكره هنا؛ للفائدة، ولبيان وجه ضعفه.
وقد عزاه الحافظ مغلطاي لسمويه في "فوائده"، ورواية أبي نعيم الآتية من طريق سمويه.
فقد أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 132)، والخطيب في "الموضح" (1/121) من طريق الصعق بن حزن عن شميط بن عجلان عن مؤذن بني كعب قال: بينا أنا أسير في أرض قفراء إذ أذنت، فقال لي قائل من خلفي: نعم ما أدبك الله، فالتفت فإذا أبو برزة الأسلمي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد أذن في أرض قفر فتبقى شجرة ولا مدرة ولا تراب ولا شيء، إلا استحلى البكاء لقلة ذاكري الله في ذلك المكان.
قلت: سنده ضعيف؛ لجهالة الراوي عن أبي برزة.
وشميط بن عجلان، قال أبو حاتم: لا بأس به، يكتب حديثه، وقد ذكره ابن حبان في "ثقاته" (6/ 451)، وقال في "مشاهير علماء الأمصار" (ص 241): من المتعبدين وأهل الفضل في الدين ممن لزم التقشف والعبادة وآثرهما على الحديث والفقه، وانظر: "الجرح والتعديل" (4/ 391).
قلت: فمن كانت هذه حاله، يتوقف في قبول أفراده أيضا، فهي علة أخرى لإسناد تلك الرواية.
وقد روي نحوه عن ذر بن عبد الله أبي عمر، بلاغا. انظر "التهجد وقيام الليل" لابن أبي الدنيا (25).