زوجها غائب عنها ولم تتمكن من الاجتماع به، وتتساءل عن الحكمة من تقدير ذلك؟

السؤال
أنا وزوجي في بلدين مختلفين، ندعو الله تعالى كثيرا أن يجمع شلمنا بعد غياب قريب السنة، لكن كلما هممنا بقرار السفر تحدث أمور فوق طاقتنا تمنعنا من ذلك، الإسلام يدعو للم شمل الزوجين، ويحث على ذلك، فما الحكمة من فرقتنا هذه؟ ولماذا لا يتيسر أمر لقاءنا بأمور فوق طاقتنا لا نستطيع حلها، علما أن هذا يحدث دائما كلما قرر أحدنا السفر إلى الآخر؟
الجواب

الحمد لله.أولا:نسأل الله الكريم أن يجمع شملكما على الخير والتقوى.
ثانيا:من عقيدة المسلم أن يؤمن بأنّ الله تعالى حكيم عليم خبير.قال الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك/14.
وأنه يعامل خلقه بالعدل والإحسان، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يونس/44.
فمن تيقن قلبه بهذا فإنه لا يشغل ذهنه بالتساؤل عن حكمة كل ما يقدّره الله تعالى له.قال الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الأنبياء/23.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى من"مجموع الفتاوى"(8/79).
وأنت يا أمة الله ، أنت وزجك ، نزل بكما هذا البلاء من الفرقة وشتات الشمل، وهكذا أصاب الناس سواكم من أنواع البلايا والمحن في هذه الحياة : ما أصابهم ...
فلا شك أن الصحة والعافية أحب إلى الناس من المرض ، وانظري حولك لتري المرضى وأهل البلايا والمحن منهم ...وحياة الحبيب، أحب من فقده وفراقه بالموت ...بل نفس الفراق : كم ممن قدر عليه فراق حبيبه، بسجن طويل، أو غربة بالغة ...والغنى أحب إلى الناس من الفقر، وانظري حولك لتجدي المعوزين من الناس، ومن لا يجد قوت يومه، ولا ثمن دوائه ...
وهكذا دواليك فيما يصيب الناس، وينزل بهم من المحن والبلايا ...
فهل يسأل العاقل في كل ما نزل به : ما الحكمة في أن الله قدر ذلك ؟ما الحكمة في أن أمرضني الله، والصحة خير؟ في أن أفقرني والغني خير ؟؟ ...
إن العاقل إنما يبحث فيما نزل به من البلاء عما ينفعه ، وعن العبودية التي تلائم حاله؛ فمن رزق نعمة، سأل عن شكرها، واهتم بها، فهي عبودية المنعم عليه، وأن يجعلها حيث يحب الله .ومن نزلت به بلية، فعبوديته الصبر، والرضا بما قضى الله وقدر، ولا ينفعه مثل التوكل على الله تعالى وحسن الظن به وملازمة الدعاء بيقين، فيجعل ما نزل به من ضر بابا من أبواب العبادة والتقرب إلى الله تعالى، ولا يفتح قلبه للوساوس والشكوك.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :" من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض.فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أُعطي مراده شكر، وإن لم ينلْ مراده، فلا ينبغي أن يُلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ).
ومن أعظم الجهل، أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب!!
وهذا كله دليل على جهله، وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة " انتهى من" صيد الخاطر"(ص625– 626).
ومما يحسن بالمسلم عند نزول المصائب أن لا ينظر إلى من سلم منها، بل ينظر إلى من هو أشد بلاء منه، حتى لا يتحسّر ولا يقنط، فإن حصل بينكما الفراق سنة، فهناك من يتألم من فراق سنوات، وربما عقود بسبب سجن أو حرب وغير هذا، وهناك من اجتمع له مع ألم الفراق ألم الأمراض أو الفقر نسأل الله العفو والعافية لنا ولكم ولجميع المسلمين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ رواه البخاري(6490)، ومسلم (2963) واللفظ له.والحاصل :أن لله تعالى في ذلك حكما لا يعلمها الإنسان ، فتحلوا بالصبر والرضا ، وأكثروا من الدعاء بأن ييسر الله لكم أموركم ، وخذوا بالأسباب التي تيسر لكم ذلك ، وليكن إعتمادكم على الله تعالى لا على الأسباب .
والله أعلم.