من شدة علاقة فهم القرآن بلغة العرب : أنه جرى على أساليبهم حتى في بعض ما يصح في الخلق ولا يصح ظاهره في حق الخالق سبحانه وتعالى !
حتى إن الأصوليين تكلموا عن اللفظ العام إذا تناول صورة غير مقصودة ، هل يدخل في العموم ؟ أم لا يدخل ؛ مراعاةً لقصد المتكلم ؟
فقال الزركشي (ت794هـ) بعد الكلام عن المسألة : (( تنْبِيهٌ : اسْتشْكَلَ بعْضُ المتأَخِّرِينَ هذه المسْأَلَة :َ بِأنَّهَا لا تُتصَوَّرُ في كلَامِ اللّهِ المنزَّهِ عن الغفْلَةِ ، والْقَائِلُ بِعدَمِ الدّخُولِ قال بِعدَمِ خُطُورِها بِالْبالِ ، وهو لا يُتصَوَّرُ في حقِّ اللّهِ ، وإِنَّمَا يُتصَوَّرُ بِالنِّسْبةِ إليْنَا .
(ثم أجاب الزركشي بقوله.
وجَوَابُهُ : أنَّ الله تعَالَى أنْزَلَ الْقرْآنَ بِلُغةِ الْعرَبِ ، ويُتَصَوَّرُ أنْ يأْتِيَ الْعرَبِيُّ بِلفْظٍ عامٍّ على قصْدِ التّعْمِيمِ مع ذهُولِهِ عن بعْضِ المسسمَّيَاتِ . فلما كان هذا مُعْتادًا في لُغةِ الْعرَبِ ، كذَلِكَ الْكِتابُ والسُّنَّةُ ، يكُونَانِ على هذا الطّرِيقِ .
وإِلَيْهِ أشَارَ سِيبوَيْهِ في كِتابِهِ ، حيْثُ وقَعَ في الْقرْآنِ الرّجَا بِـ(لعَلَّ) و(عَسَى) ونَحْوِ ذلك ، مِمّا يسْتَحِيلُ في حقِّ الله تعَالَى ؛ إذْ ذلك نزَلَ مُراعَاةً لِلُغتِهِمْ)) .
فما أجل ارتباط فهم القرآن بلغة العرب ، حتى ما نشأ من أساليبهم بمقتضى بشريتهم وبلوازم مخلوقيتهم !!

د/حاتم العوني.