تشويه المقالات.

ويسميها الغربيون مغالطة رجل القش:

أن تصنع غرضاً من قش ترميه بسهامك رمياً يظهر قوة قولك وضعف قوله وامتلائه بمقاتل النقص والضعف، والحال: أنك تصف ما ليس موجوداً في الواقع، وليس هو قول مخالفك.

والحال أنك تذكر صورة مشوهة لقول مخالفك عمداً أو خطأ؛ فيسهل عليك نقدها؛ لأنك جعلت فيها ما هو بين البطلان، لا هو قاله هكذا، ولا هو يخالفك في بطلانه ولا هو محل النزاع بينكم.

وقد رأيت الناس يقعون في هذه المغالطة كثيراً هذه الأيام، وأرى السبب في العامد أنه يريد أن يسهل على نفسه النقاش بذكر مستشنعات لا أساس لها؛ لأنها لا تحوج إلى جهد للإبطال بعكس ما لو حكى القول على صورته.

ووجدت أساسها عند غير العامد: قلة الصبر على تحقيق مقالات الناس، واعتياد الاعتماد على ما يذكره الناس من مقطعات آرائهم وملأ فراغات هذه المقطعات بالتوهم، والاستنتاجات القاصرة للوازم فاسدة، لا بالعلم البين بتمام أقوالهم ولوازمها.

وبعد..

فهذا من أسوأ طرائق تحقيق مقالات الناس، والحمل عليهم بما في النفس لا بما هم عليه، وهذا شيء يقع للناس جميعاً ما لم يجاهدوا أنفسهم على تحري الإنصاف وتخليص النفس من أن تضع على مخالفها من عندها أشياء ظنتها ظناً ولم تحقق وقوعها بالفعل.

ونقيضه: أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وأنت لا تحب إلا أن تُحكى مقالتك كما هي، وأن تجاهد نفسك على الصبر التام وتحري الصدق التام في ضبط قول مخالفك، وترك العجلة في تصوير مقالته، وطلب البينات على حقيقة قوله، ثم البداية بنقده كما هو عليه لا كما توهمته من غير أساس صحيح.

أبو فهر.