تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي.. للشيخ السديس

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

    افتراضي الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي.. للشيخ السديس

    العلامة الشيخ
    عبد الرزاق عفيفي
    ومعالم منهجه الأصولي

    لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله السديس
    إمام وخطيب المسجد الحرام
    وعضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى
    نشر البحث في مجلة البحوث الإسلامية
    العدد 58 - من رجب إلى شوال سنة 1420هـ

    المقدمة :
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله [1] ، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه وسلك سبيله إلى يوم الدين .
    أما بعد : فإن للعلماء في هذا الدين مكانة كبرى ، ومنزلة عظمى ، فهم ورثة الأنبياء ، وخلفاء الرسل ، والأمناء على ميراث النبوة ، هم كواكب الأرض المتلألئة وشموسها الساطعة ، وأطنابها القوية ، وأوتادها المتينة ، هم للأمة مصابيح دجاها ، وأنوار هداها ، هم الأعلام الهداة والأئمة التقاة ، أضواء تنجلي بهم غياهب الظلم ، وأقطاب تدور عليهم معارف الأمم ، تتبدد بنور علمهم سحب الجهل ، وغيوم العي ، هم أهل خشية الله ، كما قال سبحانه : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ، قرنهم الله بنفسه في الشهادة على وحدانيته فقال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، وضمن الله لهم العلو والرفعة ، فقال جل وعلا : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )
    كما أنهم شهداء الله في أرضه وخلفاء رسوله في أمته ، والمحيون لما مات من سنته ، بهم حفظ الله الدين ، وبه حفظوا .
    وما عزت الأمم وبلغت القمم وشيدت الحضارات وقامت الأمجاد إلا بالعلماء ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة [2]
    من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب .
    يقول الإمام أحمد رحمه الله في معرض فضائلهم ومآثرهم : (يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) . [3]
    وإنما تبوأ العلماء هذه المكانة لما يضطلعون به من تبليغ علوم الشريعة التي هي مادة حياة القلوب والمقربة لعلام الغيوب ، فبالعلم الشرعي تبنى الأمجاد وتشاد الحضارات وتبلغ القمم وتمحى غياهب الظلم ، قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )
    وإن من أهم علوم الشريعة وأجلها قدرا وأعظمها أثرا وأكثرها فائدة وأكبرها عائدة علم أصول الفقه ؛ لأنه الطريق لاستنباط الأحكام الشرعية ، فهو منهل الأئمة ومأوى المجتهدين ومورد المفتين ، لا سيما عند النوازل والمستجدات .
    ولقد زخر تاريخ الإسلام بكوكبة من علماء الأصول في مختلف العصور ، مثلوا منارات عالية في سماء العلم والمعرفة ، كما شهد عصرنا الحاضر نخبة مميزة من علماء الأصول يعدون امتدادا لسلفهم من الأصوليين ، بل إنه نتيجة لاستقرار المناهج الأصولية ونضج التفكير الأصولي المرتبط بالمنهج الصحيح لدى صفوة منهم أصبح من المهم إبراز منهج هؤلاء ودراسة حياتهم العلمية ومناهجهم الأصولية ، لما لذلك من الأثر الكبير والخير الوفير على الباحثين وطلاب العلم عامة ، والمهتمين منهم بالأصول على سبيل الخصوص .
    ولقد كان من أعلام هذا العصر في العلوم الشرعية كافة وعلم الأصول خاصة شخصية علمية أصولية نادرة جديرة بالدراسة والإبراز والاهتمام ، ذلكم هو العلامة الأصولي الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله .
    ونظرا لما يمثله الشيخ رحمه الله من مكانة علمية وأصولية ، ولما يتمتع به من منهج متميز وحاجة المكتبة الأصولية فيما أرى إلى بحث مستقل يبرز منهجه ويجلي طريقته ، فقد عزمت على أن أقدم بحثا في ذلك ؛ إسهاما في البحث العلمي ومشاركة في إبراز المنهج الأصولي لعلمائنا الأفذاذ ، وفاء بحقهم علينا وربطا للأجيال بعلمهم ومنهجهم ، وقد رأيت أن يكون عنوان هذا البحث ( الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي ) .
    ويشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة .
    التمهيد :
    يشتمل التمهيد على ترجمة مختصرة للشيخ رحمه الله تضم تسعة مطالب ، هي :
    الأول : اسمه ونسبه .
    الثاني : ولادته ونشأته .
    الثالث : طلبه للعلم وحياته العلمية .
    الرابع : شيوخه وأقرانه .
    الخامس : حياته العملية .
    السادس : صفاته وأخلاقه .
    السابع : تلاميذه .
    الثامن : وفاته .
    التاسع : آثاره العلمية ومؤلفاته .
    المطلب الأول : اسمه ونسبه :
    هو الشيخ عبد الرزاق عفيفي بن عطية بن عبد البر بن شرف النوبي المصري أصلا ومنشأ ، والنجدي موطنا و وفاة .
    المطلب الثاني : مولده ونشأته :
    ولد رحمه الله في مصر في قرية تسمى ( شنشور ) في محافظة المنوفية سنة 1323هـ ونشأ رحمه الله نشأة دينية علمية ، فحفظ القرآن صغيرا ، وأقبل على المتون العلمية في العقيدة والحديث والفقه واللغة ونحوها فاستظهرها لما من الله عليه بالذكاء وقوة الحافظة .
    وكان مجتمع القرية الصغير المحافظ والجو الأسري المترابط خير معين له على هذه النشأة الدينية العلمية .
    المطلب الثالث : طلبه للعلم وحياته العلمية :
    تدرج الشيخ رحمه الله في سلك التعليم ، فالتحق أولا بالكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة ، وهي ما يعرف اليوم بالمرحلة الابتدائية ، وبعدها التحق بأحد المعاهد الأزهرية التي تعادل المتوسطة والثانوية ، ثم التحق بالجامع الأزهر قبل أن يكون جامعة وتخرج منه ونال الشهادة العالية ، ثم حاز شهادة التخصص ، ثم حصل على الشهادة العالمية العالية .
    وجمع رحمه الله بين الدراسة النظامية والأخذ من الشيوخ مع حرصه الخاص على القراءة والتحصيل حتى بز الأقران ، وفاق الخلان ، وأشير إليه بالبنان بين زملائه ومجالسيه .
    المطلب الرابع : شيوخه وأقرانه :
    تتلمذ الشيخ في مختلف المراحل النظامية لا سيما العليا على كوكبة من علماء الأزهر آنذاك ، حيث كان يضم نخبة مميزة ممن اشتهروا بالعمق العلمي والتأصيل المنهجي ، كما استفاد كثيرا بعد قدومه للمملكة من سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله .
    وكان من أشهر أقرانه سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ، والشيخ عبد الله بن حميد ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، والشيخ محمد حامد الفقي ، والشيخ عبد الرحمن الوكيل ، والشيخ عبد الرحمن الأفريقي ، والشيخ عبد الظاهر أبو السمح ، والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ، والشيخ محمد خليل هراس ، وغيرهم .
    المطلب الخامس : حياته العملية :
    مزج الشيخ رحمه الله حياته العملية بالعلمية منذ كان طالبا ، خاصة في المراحل العليا ، فكان يقوم بأعمال مباركة في الدعوة إلى الله والتدريس والمشاركة في أعمال الخير ، وعمل بعد تخرجه مدرسا في المعاهد الأزهرية في بعض القرى ومدينة الإسكندرية ، وقد انضم رحمه الله إلى جماعة أنصار السنة المحمدية ؛ لما عرف عنها من حرص على نشر العقيدة الصحيحة ودعوة الناس إلى الكتاب والسنة ، وقد رُشح رحمه الله في سن مبكرة نائبا لرئيس الجماعة في الإسكندرية ، ثم عين رئيسا لجماعة أنصار السنة في مصر كلها خلفا للشيخ محمد حامد الفقي ، ورأس تحرير مجلة التوحيد المشهورة سنوات عدة ، ثم يسر الله له القدوم إلى المملكة العربية السعودية فشرفت به وشرف بها وعمل مدرسا في دار التوحيد بالطائف ، ثم في عنيزة ، ثم في معهد الرياض العلمي ، ثم في كلية الشريعة بالرياض ، وأسندت إليه مهمة وضع عدد من المناهج في المعاهد العلمية وكلية الشريعة .
    ولما افتتح المعهد العالي للقضاء عين أول مدير له وقام بوضع مناهجه ، ثم بعد ذلك انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء وعين نائبا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضوا في هيئة كبار العلماء ، وأشرف على عشرات الرسائل في الماجستير والدكتوراه ، وشارك في أعمال التوعية الإسلامية في الحج مفتيا ومدرسا في المسجد الحرام والمشاعر في الموسم .
    كما قام بالإمامة والخطابة والتدريس في مسجده بالرياض .
    وهكذا كانت حياته رحمه الله مليئة بالتدريس والإرشاد والدعوة والإفتاء شأن العلماء العاملين المخلصين لدينهم وأمتهم رحمه الله رحمة واسعة .
    المطلب السادس : صفاته وأخلاقه :
    لقد جبل الشيخ رحمه الله على صفات كريمة ومزايا عظيمة قل أن تجتمع في رجل ، فكان رحمه الله مثالا في الشمائل الحميدة والأخلاق الحسنة ، متسما بالورع والتواضع والزهد والبعد عن الأضواء ، مع ما وهبه الله من عمق في العلم وقوة في الحجة ، كما كان رحمه الله عف اللسان ، منصفا للمخالف ، حكيما في الرأي ، بعيد النظر ، مع قوة في الحق وتعامل بالحسنى وإنزال الناس منازلهم ، كما كان رحمه الله مهيبا ذا وقار وخشية . أما صفاته الخلقية فكان رحمه الله ربعة من الرجال إلى الطول أقرب ، أبيض البشرة ، تزينه لحية طويلة تشعر بالبهاء والجلال والحرص على السنة في مظهره ومخبره رحمه الله .
    وله مواقف عظيمة ولطيفة ، كما له إسهامات في البذل والجود في أعمال الخير والإنفاق على طلبة العلم ، كما عرف بالصبر والتحمل والاحتساب فكسب حب الناس وثناءهم وتقديرهم رحمه الله .
    المطلب السابع : تلاميذه :
    يعد الشيخ رحمه الله أستاذ جيل يعتبر اليوم النواة المباركة في نهضة هذه البلاد علميا وقضائيا وإداريا ، فلا نبالغ إذا قلنا : إن الطبقة التي هي كبار علمائنا هم من تلاميذ الشيخ رحمه الله ، فقد استفاد من الشيخ رحمه الله كل من درس في المعهد والكلية والمعهد العالي للقضاء ، وهم جمع غفير أذكر من أشهرهم :
    ا- سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ .
    2 - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان .
    3 - د . عبد الله بن عبد المحسن التركي .
    4 - الشيخ صالح بن محمد اللحيدان .
    5 - الشيخ د . عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين .
    6 - الشيخ د . صالح بن فوزان الفوزان .
    7 - الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم .
    8 - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام .
    9 - الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع .
    10 - الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود .
    وغيرهم كثير بارك الله فيهم ونفع بهم الإسلام والمسلمين .
    المطلب الثامن : وفاته :
    قدر الله على الشيخ رحمه الله الإصابة بأمراض في آخر حياته ، وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من الشهر الثالث سنة 1415 هـ أدخل المستشفي إثر تردي حالته الصحية ، وبقي فيه مدة وجيزة حتى فاضت روحه إلى بارئها عن عمر يناهز التسعين عاما ، قضاها مجاهدا بقلمه ولسانه ، معلما مدرسا مفتيا مرشدا ، وقد أم المصلين عليه سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ بحضور جمع غفير من طلابه ومحبيه ، ودفن في مقبرة العود في الرياض رحمه الله رحمة الأبرار ، وقد عزاه ولاة الأمر وفقهم الله والعلماء وطلاب العلم وأثنوا على ما كان يتمتع به رحمه الله من مكانة علمية عالية وما لفقده رحمه الله من أثر على الساحة العلمية والإسلامية ،
    عوض الله المسلمين فيه خيرا ورفع درجاته في عليين ، إنه خير مسئول وأكرم مأمول والحمد لله رب العالمين . [4]
    المطلب التاسع : آثاره العلمية ومؤلفاته :
    كان للشيخ رحمه الله نظرة في التأليف سببها تواضعه وتورعه رحمه الله ، فبالرغم من غزارة علمه وسعة إدراكه وتبحره في علوم شتى ، إلا أنه لم يعرف له إلا أثار قليلة ، منها : (مذكرة في التوحيد) ، و (حاشية على تفسير الجلالين) ، وتعليق على كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) للآمدي ، كما أن له تعليقات يسيرة محفوظة على عدد من كتب العقيدة ، كما أن له مقالات وكتابات في مجلة التوحيد والهدي النبوي ، وله مجموعة من المحاضرات والدروس والمناقشات العلمية وفتاوى متنوعة جديرة بالعناية والرعاية والاهتمام ،
    وعسى الله أن ييسر إخراجها حتى ينفع الله بها طلاب العلم الباحثين والمهتمين بالتحقيق ، إنه جواد كريم .
    بحوث في دراسة أحاديث نبوية
    http://www.alukah.net/majles/showthr...ed=1#post32408

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

    افتراضي رد: الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي.. للشيخ السديس

    الفصل الأول : (المنهج ) تعريفه وأهميته وآثاره :
    ويشمل أربعة مباحث :
    المبحث الأول : تعريف المنهج والمراد به في اللغة والاصطلاح .
    المبحث الثاني : أهميته ودواعي العناية به .
    المبحث الثالث : آثاره .
    المبحث الرابع : نظرة في مناهج الأصوليين .
    المبحث الأول : تعريف المنهج والمراد به في اللغة والاصطلاح :
    المطلب الأول : تعريف المنهج في اللغة :
    بالنظر في قواميس اللغة لكلمة (منهج) نجد أنها تدل على الطريق الواضح المستقيم .
    قال ابن فارس : (النون والهاء والجيم أصلان متباينان ، الأول : النهج : الطريق ، ونهج لي الأمر : أوضحه وهو مستقيم المنهاج . . . )
    5 \ 361 من معجم مقاييس اللغة .
    وقال في الصحاح : (النهج : الطريق الواضح ، وكذا المنهج والمنهاج ، وأنهج الطريق أي استبان ، وصار نهجا واضحا بينا ، ونهجت الطريق إذا أبنته وأوضحته)
    1 \ 346 من الصحاح للجوهري ، مادة (نهج) .
    وانظر في المعنى اللغوي : 3 \ 306 من اللسان لابن منظور ،
    1 \ 210 من القاموس المحيط للفيروزآبادي .
    المطلب الثاني : تعريف المنهج في الاصطلاح :
    نستطيع أن نستشف تعريفا للمنهج من خلال ما سبق من تعريفه في اللغة فنقول : إن المنهج هو مجموعة الركائز والأسس المهمة التي توضح مسلك الفرد أو المجتمع أو الأمة لتحقيق الآثار التي يصبو إليها كل منهم .
    ومن خلال الاستقراء في المناهج عامة نجد أنها قسمان : صحيحة وفاسدة ، والذي يهمنا هنا الأول وهو المنهج الذي يتخذ من الكتاب والسنة أصولا يعتمد عليها ، وهذا هو محور الحديث عن المنهج الذي نريده .
    المبحث الثاني : أهمية المنهج ودواعي العناية به :
    إن قضية المنهج قضية مهمة جدا ، لا سيما في النواحي العلمية ، ولقد ذخر التاريخ الإسلامي بكوكبة من العلماء كان أعظمهم قدرا وأكبرهم أثرا أوضحهم منهجا ، كما واجهت الساحة العلمية عبر التاريخ مشكلات عديدة كان من أخطرها غياب المنهج الصحيح أو عدم وضوحه للمتلقين .
    ونستطيع أن نخلص أهمية المنهج ودواعي العناية به من خلال النقاط الآتية :
    1 - السير العلمي بخطوات سليمة متسمة بالوضوح والبيان .
    2 - اختصار الطريق للوصول إلى الغاية المشودة والهدف المرسوم .
    3 - أنه ضمان بإذن الله من التعثر والعقبات التي تحول دون الوصول إلى المقصود .
    4 - تحقيق النفع المنشود والأثر المعقود .
    5 - التزود بأهم رصيد في حياة العلماء ، وما هو أهم من مجرد المعلومات ، ألا وهو قضية المنهج القويم ، لنسير على مسارهم الصحيح .
    المبحث الثالث : الآثار الإيجابية والسلبية في قضية النهج :
    من خلال ما سبق في ذكر أهمية المنهج تبرز أهم الآثار الإيجابية لتطبيق المنهج ، وأهمها :
    1 - ضمان المسيرة الصحيحة على ضوء ركائز قويمة .
    2 - التميز بالوضوح والبيان .
    3 - تحقق المنافع المقصودة .
    4 - السلامة من المضار والتعثر والعقبات .
    5 - الوصول إلى المراد بأقصر طريق وأيسر سبيل .
    تلك أهم الآثار الإيجابية التي تتحقق من خلال الالتزام بالمنهج الصحيح .
    أما ترك المنهج وإهماله فينتج عنه آثار سلبية ، أهمها :
    1 - السر بلا خطوات هادية للمراد .
    2 - الوقوع في التخبط والتعثر والعوائق المانعة من الوصول إلى الهدف المنشود .
    3 - حصول الغموض والتناقض عند المتلقين فتحدث الحيرة ويعسر الفهم .
    4 - طول الطريق واكتنافه بالعقبات .
    5 - النفور من العلم وأهله والأخذ والتلقي من غيرهم .
    6 - التخبط العلمي والفوضى الفكرية وما ينبني عليها من نتائج ضارة وأفكار منحرفة تعود على المجتمع والأمة بالسلبيات المتعددة والأضرار الخطيرة .
    هذه أهم الآثار السلبية لتجاهل قضية المنهج وعدم التزامها مما يؤكد العناية بها وضرورة الاهتمام بتحقيقها .
    والمستقرئ لحال العلماء رحمهم الله في التاريخ القديم والمعاصر يجد أن للعلماء المشهورين أصولا راسخة ومنهجا واضحا بنوا عليه مذاهبهم ، فتحقق الأثر والنفع من علومهم ومعارفهم . ولا أدل على ذلك من منهج الأئمة الأربعة رحمهم الله .
    والملاحظ أنه بقدر الاهتمام بالمنهج يهيئ الله القبول للعالم والاستفادة منه . ولأضرب لذلك نموذجا واحدا من عشرات الأمثلة والنماذج ، ذلكم هو منهج العالم العلم الفذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، مما حصل له من الأثر العام والخاص ما يقل نظيره في فنون العلم المختلفة ، ولا يزال علماؤنا إلى اليوم يستفيدون من منهجه في العقيدة والرد على المخالفين ، وفي الأحكام والاستدلال والمناقشة والفتوى وغيرها ، مما أكسبهم ثروة علمية ومنهجية قوية يندر نظيرها ، وهكذا شأن العلماء العاملين والمحققين المبدعين . وفي المقابل تجد مئات العلماء المغمورين ممن لم يكن لهم الأثر البالغ بسبب تجاهل قضية المنهج وعدم وضوحها في الغالب .
    والله المستعان . [5]
    المبحث الرابع : نظرة في مناهج الأصوليين :
    لقد اعتنى علماء الإسلام وأئمة الدين- عبر العصور- بعلم الأصول ، فألفت فيه المؤلفات ، وتعددت فيه المدارس ، وتباينت المناهج .
    فمن العلماء من اعتنى بتحرير القواعد الأصولية ، وإقامة الأدلة النقلية عليها واهتم بإيضاح منهجه في الاستدلال ، وتأييده بالشواهد من اللغة العربية ، وأكثر من الأمثلة بغية الإيضاح والبيان وركز على الناحية التطبيقية ، مع أسلوب جزل العبارة ، حكيم النزعة ، عند نقاش المخالفين وفي مقدمتهم الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه (الرسالة) .
    ومنهم من سار على هذا المنهج ، ولكن نحى منحى التوسع والقوة مع المخالفين ، والحدة عند مناقشة أدلة الخصم كما نهج ذلك الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام).
    واستقر الأمر على منهجين معروفين مشهورين هما :
    منهج الحنفية ،
    ومنهج المتكلمين .
    ولا يكاد أحد من طلاب هذا الفن يجهل هذين المنهجين ، وأصحابهما وما ألف فيهما .
    وقد سار العلماء بعد ذلك على ضوء هذين المنهجين واكتفوا بالاختصار والتلخيص على أحد المنهجين- في الغالب- وقد يجمع بعضهم بين المنهجين كصدر الشريعة في تنقيح الأصول ، والسبكي في جمع الجوامع ، وابن الهمام في التحرير ، وغيرهم .
    إلا أنه مما لا ينكر ، وجود اتجاهات آثر أصحابها العودة بهذا العلم إلى أصله الأول-ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاباته الأصولية ، وتلميذه ابن القيم ولا سيما في إعلام الموقعين ، والشاطبي في الموافقات ، وغيرهم - الذي انبثق التأليف منه ، فتركوا الالتزام بهذين المنهجين مع جمعهم لمحاسن كل منهما ، وتوخوا التحقيق في المسائل ، وجردوا هذا العلم مما علق به ، من الإغراق في العقليات ، والغوص في الجدليات ، واهتموا بجواهره ودرره ، فأكثروا من بناء المسائل الأصولية على الأدلة النقلية ، والقواعد الشرعية ، وحرصوا على الإكثار من المسائل الفقهية ، وعمدوا إلى الشرح والإيضاح ، وتحرروا من التعصب والتقليد ، فجاء منهجهم سليما مشوقا مفيدا ، تألفه العقول المنصفة ، وتستريح له الأفكار السليمة ، لما يكسبها من وصول إلى غاية مقصودة ، وخروج بثمرة منشودة ، ويعتمد صاحبها على الأدلة النقلية الصحيحة ، والحجج العقلية السليمة ، التي تمنح الاستقلال في الحكم وتفتح الباب للقارئ اللبيب ، للبحث والتنقيب ، وتيسر تطبيق القواعد الأصولية على ما جد ويجد من قضايا الأمم في مختلف الأمكنة والأزمنة .
    وقد استفاد شيخنا الشيخ عبد الرزاق - رحمه الله - من هذا المنهج كثيرا .
    على أن ذلك ليس غضا من مسيرة المنهجين الأولين وأصحابهما ، اللذين أكسبا ويكسبان فهم هذا العلم على أصوله ويرسخان في ذهن القارئ الخطوط العريضة للمنهج السليم في هذا الفن ، وحيث امتازت بالتقعيد والتأصيل الدقيق ، والأسلوب الرصين ، والتحرير الأوفق ، ولا غرو فهم بفنهم أعرف ، وبعلمهم أعمق ، وقد ساروا في مناقشاتهم على قواعد الجدل ، وأصول النقد ، والمناظرة المعروفة .
    ولم يكن شيخنا - رحمه الله - بمعزل عن التأثر بإيجابيات هذين المنهجين ، غير أنه تميز بمنهج أسلم تتبين معالمه والنماذج عليه في الفصل القادم إن شاء الله .
    الفصل الثاني : معالم منهج الشيخ عبد الرزاق الأصولي :
    بعد أن عرفنا في المبحث السابق مناهج الأصوليين وطريقتهم في عرض مسائل الأصول والتأليف فيه ، فإننا نأتي الآن إلى معرفة منهج شيخنا الشيخ عبد الرازق لنتمكن من الربط ومعرفة الفرق بين منهج الأصوليين ومنهج الشيخ - رحمه الله - .
    ومع استفادة الشيخ - رحمه الله - من مناهج من سبقه إلا أنه تميز بعدد من المعالم التي تميز منهجه - رحمه الله - .
    وقبل أن أذكر هذه المعالم تفصيلا أذكر منهجه إجمالا كما ذكره هو - رحمه الله - في مقدمة تعليقه على كتاب الأحكام ، فقد تحدث في مقدمته عن علم الأصول وأهميته ومناهج العلماء فيه ، وأثنى على كتب المحققين منهم [6] ، ودعا إلى الاستفادة من طريقهم لسلامة عقيدتهم ، وحرصهم على النصوص ، وسلوكهم مسلك الإيضاح والبيان والاختصار ، وبعدهم عن الجدل وعلم الكلام ، وعنايتهم باللغة العربية وكثرة الأمثلة والتفريع . . . إلى آخر ما ذكره - رحمه الله - عن منهجهم الذي سار عليه ، ثم بين عمله في الكتاب بعد أن أثنى على كتاب الآمدي وعلو أسلوبه ووضوح عبارته ، فقال : " لذا اقتصرت على نقد دليل ، أو التنبيه على خطأ في رأي ، أو تأويل نص ، أو بيان ضعف حديث ، أو تصحيح لتحريف في الأصول التي طبع عليها قدر الطاقة مع الإيجاز ولم أستقص في ذلك . . . " .
    [1 \ هـ المقدمة من الأحكام . وانظر المقدمة كاملة وترجمة الشيخ للآمدي ففيها فوائد جمة ومنهج فريد عليه رحمة الله ]
    ومما يرسم منهجه إجمالا قوله أيضا بعدما ذكر مناهج الأصوليين : " وأسعدهم بالحق من كان نزعته إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووسعه ما وسع السلف مع رعاية ما ثبت من مقاصد الشريعة باستقراء نصوصها ، فكلما كان العالم أرعى لذلك وألزم له كان أقوم طريقا وأهدى سبيلا . . . "
    [ ح من المقدمة وترجمته للمؤلف ]
    ومن قَرأ مقدمته - رحمه الله - يجد ملامح ومعالم منهجه مجملة ، لذلك فسأفصل القول فيما أجمله عن طريق وضع معالم رئيسة مدعمة بالنماذج الحية على ما - رحمه الله - .
    المبحث الأول :
    المعلم الأول : اهتمامه - رحمه الله - بإبراز عقيدة السلف ونقده ما يخالفها :
    وهذا هو المعلم المهم والرئيس في منهج الشيخ - رحمه الله - ، فمن المعلوم أن مناهج الأصوليين قد تأثرت بعلم الكلام ، واستقت من بعض المناهج العقدية المخالفة لمنهج السلف في العقيدة لا سيما المعتزلة والأشاعرة .
    لذا كان الشيخ - رحمه الله - مهتما بإبراز عقيدة السلف في المسائل الأصولية علاقة بالعقيدة ، ولما كان سيف الدين الآمدي - رحمه الله - علما في مذهب الأشاعرة تعقبه الشيخ - رحمه الله - في مواضع كثيرة ، أذكر منها نماذج تثبت أهمية هذا المعلم في منهج الشيخ - رحمه الله - .
    النموذج الأول :
    عند كلام الآمدي عن العلم وانقسامه إلى قديم وحادث ، وجعله علم الله تعالى من القديم
    [ 1 \ 12 من الإحكام]
    عقب الشيخ - رحمه الله - بقوله : " وصف علم الله أو غيره من صفاته بالقدم لم يرد في نصوص الشرع ، وهو يوهم نقصا "
    [ تعليق رقم 1 ، 2 من 1 \ 12 ]
    ويزيد الشيخ - رحمه الله - هذه القضية جلاء في تعليق له على إطلاق الآمدي اسم القديم على الله سبحانه ، فيقول الشيخ - رحمه الله - ما نصه : " أسماء الله وصفاته توقيفية ولم يرد في كتابه سبحانه ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تسميته بالقديم ولا إضافة القدم إليه أو إلى صفة من صفاته سبحانه ، فيجب ألا يسمى سبحانه بذلك وألا يضاف إليه ، وخاصة أن القدم يطلق على ما يذم كالبلى وطول الزمن وامتداده في الماضي ، وإن كان لمن اتصف به ابتداء في الوجود " اهـ .
    [انظر : تعليق رقم 1 ، 2 \ 314 الإحكام ،
    وانظر مذهب السلف في المسألة : 6 \ 268 وما بعدها من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ]
    النموذج الثاني :
    وفي مبحث آخر في الأسماء واشتقاقها من الصفات رد الآمدي على المعتزلة الذين جوزوا اشتقاق اسم المتكلم لله تعالى من كلام مخلوق له غير قائم بذاته ، وأحال القارئ إلى بعض كتب الأشاعرة في التماس ذلك [ 1 \ 54 من الإحكام ]
    فعلق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " يلتمس الصحيح بالرجوع إلى كتب السلف صيانة للعقيدة مما ذهب إليه الأشعرية من إثبات كلام نفسي قديم لله ، ليس بحرف ولا صوت ولا . . . "
    وكذا في مبحث الأمر ، علق الشيخ - رحمه الله - على مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى
    [ تعليق رقم 4 من 2 \ 170 ].
    وأثبت مذهب السلف في حقيقة كلام الله تعالى ، وكذا في تعريف القرآن لما أثبت الآمدي الكلام
    النفسي. [ 1 \ 159 ]
    رد وعلق - رحمه الله - بقوله : " والصواب أن كلام الله اسم لمجموع اللفظ والمعنى ، وأنه بصوت وحرف ، وأنه تكلم مع من أراد من رسله وملائكته وسمعوا كلامه حقيقة ، ولا يزال يتكلم بقضائه وتسمعه ملائكته ، وسيتكلم مع أهل الجنة ومع أهل النار كل بما يناسبه "
    [انظر : تعليق رقم 2 من 1 \ 153 ،
    وانظر مذهب السلف في المسألة 6 \ 290 وما بعدها ، 21 \ 37 وما بعدها ]
    النموذج الثالث :
    وفي مسألة التحسين والتقبيح استدل السلف في مذهب الأشاعرة في منع التحسن والتقبيح العقليين بقوله : " السابعة : أن أفعال العبد غير مختارة له "
    [ 1 \ 82 من الإحكام ] ثم رد عليه بكلام عقلي لا يفيد الرد على الجبرية ،
    فعلق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " وأيضا هو مبني على أن العبد مجبور على ما يصدر عنه من الأفعال ، وهو باطل "
    [ تعليق رقم 1 من 1 \ 84 ]
    وكلام الشيخ كما ترى يبين مذهب السلف في باب القدر ، وأن للعبد مشيئة واختيارا خلافا للجبرية القائلين بعدم مشيئة العباد وأنهم مجبورون على ما يصدر منهم من أفعال .
    كما بين الشيخ - رحمه الله - في مبحث التكليف بما لا يطاق مذهب السلف في القدر ، ومخالفتهم للمعتزلة والجبرية .
    وفصل مذهب السلف في القدرة من العباد على الأفعال في كلام نفيس لولا خشية الإطالة لنقلته بنصه .
    النموذج الرابع :
    ونموذج رابع في حرص الشيخ - رحمه الله - على إبراز عقيدة السلف والرد على المخالفين لها يظهر في مبحث المتشابه ، حيث عَدّ الآمدي جملة من آيات الصفات من المتشابه بإطلاق ، وادعى أنها مجازات تحتاج إلى تأويل ، كمثل قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) ، ( مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) ، ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ، ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ) ، ( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )
    ثم قال بعدها : " ونحوه من الكنايات والاستعارات المئولة بتأويلات مناسبة لإفهام العرب
    [ " 1 \ 166 من الإحكام" ]
    وقد علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله :
    ( لله سبحانه وجه ويمين حقيقة على ما يليق بجلاله ، فإسنادهما إليه في الآيات والأحاديث لا تجوز فيه ، ويطوي سبحانه السموات بيمينه ، ويجيء هو نفسه يوم القيامة حقيقة على ما يليق بكماله ، وجاء إسناد البقاء إلى الوجه في الآية على معهود العرب في كلامهم وتعبيرهم بمثل ذلك عن بقاء الشيء وصفاته جميعا ، واستهزاء الله ومكره بمن استهزأ بأوليائه وسخر منهم ومكر بهم حق على وجه يليق به مع كمال علم بما دبر ، وإحكام له وعدل فيه ، وقدرة على الانتقام بدونه بخلاف عباده ، فقد يكون في مكرهم وتدبيرهم قصور وضعف في التنفيذ ، وجور في الخصوم وعجز عن الانتقام بدونه ، إلا بعناية من الله وتسديد لعبده ، فمن خطر بفكره عند تلاوة نصوص الأسماء والصفات استلزامها أو إيهام ظاهرها ما لا يليق بالله من تشبيهه بخلقه ، فذلك من سقم فكره ووقوفه عند معهود حسه وقياسه ربه على خلقه ، لا من كلام الله ولا من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، فشبه أولا ، وظن السوء بالله وبرسوله ونصوص الشريعة ثانيا ، فاعتقد أن ظاهر ما ثبت عنهما يدل على التشبيه ، واجتهد في تحريفها عن مواضعها وتأويلها على غير وجهها ثالثا ، دون بينة من الله تهديه الطريق ، فانتهى به التعسف في التعطيل ونفي ما رضيه الله تعالى لنفسه ورضيه له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " .
    وهكذا أبان الشيخ - رحمه الله - في هذا الأنموذج عقيدة السلف في صفات الله عز وجل ، وأنها حق تثبت على حقيقتها من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل على حد قوله سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
    خلافا لما عليه المعتزلة المعطلة والأشاعرة المئولة ، فأبدع - رحمه الله - وانتصر لعقيدة السلف بالدليل النقلي لا بالعقل المجرد .
    النموذج الخامس :
    ونموذج خامس في حكم إثبات الجهة لله تعالى ، فحين ذكر الآمدي في مبحث الإجماع ، مثل قضايا الاعتقاد ونفي الشريك لله تعالى ذكر منها : " رؤية الرب لا في جهة "
    [ 1\ 283 من الإحكام ]
    عقب الشيخ - رحمه الله - بقوله : " لم يرد في النصوص نسبة الجهة إلى الله نفيا ولا إثباتا ، ثم هي كلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا فإن إثباتها لله يحتمل أن يراد به أنه تعالى فوق عباده مستو على عرشه وهذا حق ، ويحتمل أن يراد به أنه يحيط به شيء من خلقه وهذا باطل ، ونفيها عن الله تعالى يحتمل نفي علوه على خلقه ، واستوائه على عرشه ، وهذا باطل ، ويحتمل تنزيهه عن أن يحيط به شيء من خلقه وهذا حق ، وإذن لا يصح نسبة الجهة إلى الله نفيا ولا إثباتا ؛ لعدم ورودها ، ولاحتمالها الحق والباطل "
    [تعليق رقم 1 ، 1 \ 283 من الإحكام ] وانظر تعليقا آخر للشيخ حول الجهة في تعليق رقم 1 ، 4 \ 106 منه .
    هذه مجموعة من النماذج على المَعْلَم الأول والرئيس في منهج الشيخ - رحمه الله - وهو عنايته بإبراز عقيدة السلف ، والرد على المخالفين لها ، وقد تبين فيها إبراز عقيدة السلف في الصفات والقرآن ، وعلم الله سبحانه وكلامه والرؤية والقدر وإثبات الجهة وغيرها .
    وهناك نماذج أخرى سواها تركتها إيثارا للاختصار ، وسأحيل إلى موضعها إن شاء الله .
    المبحث الثاني :
    المعلم الثاني : عنايته بالنصوص وصحة الأحاديث والآثار :
    وهذا من المعالم المهمة في منهج الشيخ - رحمه الله - بل من المرتكزات والأسس التي بنى عليها - رحمه الله - منهجه الأصولي ، وإذا كان كثير من الأصوليين يبنون منهجهم على مدارس كلامية عقلية أو مذهبية فقهية فالشيخ - رحمه الله - يرفع لواء تعظيم النصوص والأدلة النقلية والتركيز على الاستدلال بها ، والاستنباط منها ، وطرح كل ما يخالفها ، ومن النماذج على ذلك تعقبه الآمدي - رحمه الله - عند مقابلته الدليل العقلي بالشرعي حينما ذكر بعض الأمور المجمع عليها عقلا وشرعا ومثل لذلك برؤية الرب سبحانه لا في جهة . [ 1 \ 283 من الإحكام ]
    قال الشيخ - رحمه الله - ما نصه : " . . . ثم مقابلة العقلي بالشرعي تشعر بأن رؤية الله وتنزيهه عن الشريك ونحوهما إنما ثبت بالدليل العقلي لا بدليل الشرع ، وهذه طريقة كثير من المتكلمين ، فإنهم يرون أن أدلة النصوص خطابية لا برهانية لا تكفي لإثبات القضايا العقلية والمسائل الأصولية . . . وهذا غير صحيح ، فإن نصوص الشرع كما جاءت بالخبر الصادق في القضايا العقلية وغرها جاءت بتقرير الحق في ذلك بأوضح حجة وأقوى برهان ، لكنها لم تجئ على أسلوب الصناعة المنطقية المتكلفة ، بل على أسلوب من نزل القرآن بلغتهم بأفصح عبارة وأعلى بيان وأقرب طريق إلى الفهم وأيسره لأخذ الأحكام . . . إلى قوله : فاللهم أغننا بكتابك وسنة نبيك عن موارد الوهم ومزالق الضلال "
    [ تعليق رقم 1 ، 1 \ 283 ، 284 من الأحكام . (2) 2 \ 28 منه ]
    وفي نموذج آخر لما أجاب الآمدي إجابة عقلية محضة على اعتراض ورد في الاحتجاج بالتواتر.[ 2 \ 28 منه ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " هذا الجواب لا يصلح ضابطا ولا مقنع فيه للخصم ، بل يفتح باب الفوضى والتطاول على النصوص وردها بدعوى عدم العلم بها "
    [تعليق رقم 3 ، 2 \ 28 منه ]
    وفي موضع آخر عند الاحتجاج بخبر الواحد واعتراض الآمدي على من قال بحجيته [ 2 \ 63 منه ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " والنصوص تشهد لمن قال بأن خبر الواحد حجة في إثبات أصول الشريعة وفروعها "
    [ تعليق رقم 3 ، 2 \ 63 منه ]
    وفي المبحث نفسه رد الآمدي قبول أخبار الآحاد ، وأجاب عن أدلة المحتجين به بأن المكلفين إنما يقبلون ما يخبرهم به الآحاد من جهة عقولهم [2\ 64 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " هذا غير صحيح . . فالحجة إنما قامت بالأدلة النقلية ، وإلا كانوا مكلفين بذلك قبل ورود الشرع أو بلوغه لمجرد الأدلة العقلية " [تعليق رقم 1 ، 2 \ 64 منه ]
    وإذا كان هذا كله في مجال التأصيل فالشيخ - رحمه الله - يحرص على النصوص حتى في مجال التأصيل ، ومن النماذج على ذلك أن الآمدي - رحمه الله - لما مثّل في باب الأمر المعلّق على الشرط ، كقوله : " إذا زالت الشمس فصلوا " [2 \ 161 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " لو مثل بأمثلة من النصوص ، كقوله تعالى ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )الآية ، وقوله : ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا ) الآية لكان أولى "
    [ تعليق رقم 1 ، 2 \ 161 منه ]
    وإذا كان ما سبق ذكره في هذا المعلم في شِقه الأول وهو عناية الشيخ بالنصوص ، فإن الشِق الثاني وهو اهتمامه بصحة الأحاديث والآثار لا يقل شأوا عنه .
    وذلك يتجلى في تعقب ما استشهد به الأصوليون عامة والآمدي خاصة من الأحاديث والآثار الضعيفة ، بل والموضوعة أحيانا ، فقد أمسك الشيخ - رحمه الله - بقلم الناقد البصير والمخرج القدير ، غيرة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجتهادا في أن تبنى مسائل الأصول على ما صح فيه الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام ، والنماذج في هذا أكثر من أن تحصر ، بل إن الشيخ - رحمه الله - يتوسع أحيانا في التخريج والحكم على الحديث ، فيأخذ الصفحتين وأكثر ، استطرادا في الروايات ، ونقدا للرواة ، ونقلا عن علماء هذا الفن وحكمهم على الحديث سندا ومتنا .
    ومن باب الاختصار فسأكتفي بذكر أرقام الصفحات على أنها نماذج قوية وشواهد جلية لمن أراد التوسع في ذلك . [7]
    وبعد :
    هذا هو المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يحتذى ؛ ليكون علم الأصول مؤسسا على صحيح المنقول مع صريح المعقول ، والله المستعان .
    المبحث الثالث :
    المعلم الثالث : تركه الإغراق في الجدل والمنطق والفرضيات والعقليات :
    وهذا من المعالم البارزة جدا في منهج الشيخ - رحمه الله - ، بل يكاد يكون فيصلا بين منهجه ومنهج عامة الأصوليين الذين تأثروا بعلم الكلام وأولعوا بالجدل والمنطق ، واسترسلوا في المسائل الفرضية والمباحث العقلية .
    ولقد كان الشيخ - رحمه الله - قوي المأخذ شديد الإنكار على صرف لب علم الأصول إلى مباحث كلامية ومسائل عقلية .
    ولأضرب بعض النماذج على ذلك .
    أولا : في تعريف الكتاب وبيان حقيقة القرآن لما أطال الآمدي النَّفَس في ذكر تعريفات الأصوليين له [انظر : 1 \ 159 ، 160 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " كتاب الله أو القران من الكلمات الواضحة التي يفهم المراد منها الأميون وصبيان الكتاتيب ، فتعريفه بمثل ما ذكر من التكلف الذي لا يليق بعلماء الشريعة ، مع ما فيه من غموض احتاجوا معه إلى سؤال وجواب ، وإخراج ما يجب إخراجه بما فيه من قيود ، فما كان أغناهم عن ذلك ، لكنها الصناعة المنطقية المتكلفة تغلغلت في نفوس الكثير من العلماء "
    [ تعليق رقم 1 ، 1 \ 160 من الإحكام ]
    ثانيا : في إنكاره - رحمه الله - الافتراضات الخاطئة علق على اعتراض أورده الآمدي هو :
    " فإن قيل : فلو بعث رسول وظهرت المعجزة القاطعة الدالة على صدقه . . . إلخ "[ 2 \ 49 منه ]
    علق - رحمه الله - بقوله : ( هذا من الفروض الممقوتة التي لا ينبغي الاسترسال فيها ، ولا ترتيب حكم عليها ، ولا الإجابة عنها ، فإن البحث فيها بحث في غير واقع ودخول فيما لا يعني "
    [تعليق 1 ، 2 \ 49 منه ]
    كما أنكر - رحمه الله - الأمثلة الافتراضية مثل ما أورده الآمدي بقوله :
    فلو قال : " نهيتك عن ذبح شاة الغير بغير إذنه لعينه ، ولكن إن فعلت حلت الذبيحة ، ونهيتك عن استيلاد جارية الابن لعينه " [ 2 \ 188 ، 189 منه]
    علق - رحمه الله - بقوله : " هذه أمثلة فرضية لم يأت بمثلها الشرع "
    [تعليق 1 ، 2 \ 189 منه ]
    ثالثا : وفي مبحث قوادح القياس أورد الشيخ - رحمه الله - تعليقا على ما له صلة وثيقة منها بالأصول ، ثم قال - رحمه الله : " وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلي ، يتبع شريعة الجدل التي وصفها الجدليون باصطلاحهم ، فإن لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن نشح على الأوقات أن نضيعها بها وبتفصيلها ، وإن تعلق بها فائدة فهي ليست من جنس أصول الفقه ، بل هي من عِلم الجدل ، فينبغي أن تفرد بالنظر ولا تمزج بالأصول التي يقصد بها تذليل طرف الاجتهاد للمجتهدين "
    [ تعليق رقم 1 ، 4 \ 69 من الإحكام ]
    رابعا : وفي الاحتجاج بشرع مَنْ قبلنا لما ذكر الآمدي تكافؤ الأدلة ،
    قال : " كيف وإن هذه الآيات متعارضة والعمل بجميعها ممتنع " [ 1 \ 147 منه ]
    وقد علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله : " هذا مسلك سيئ وجدلُ ممقوت ؛ لما فيه مِنْ ضرب آيات الله بعضها ببعض ، وبمثل ذلك استولت الحيرة والشكوك على كثير ممن أولع بالجدل حتى تركوا النصوص الصحيحة إلى ما يزعمونه أدلة عقلية قاطعة ، وقد تكون أوهاما وخيالا ، واعتمدوا عليها وآثروها على النصوص ، فازدادوا حيرة واختلافا بينهم ، وتناقضا في آرائهم ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور "
    [تعليق رقم 1 من 1 \ 147 الإحكام ]
    ولا أجد بعد هذه النماذج الحية تعليقا على هذا المعلم المهم في منهج الشيخ - رحمه الله - وقد تركت كثيرا منها للاختصار ، وسأكتفي بإيراد صفحاتها في الحاشية .[8]
    المبحث الرابع :
    المعلم الرابع : التزامه المنهج العلمي الرصين :
    لقد تميز منهج الشيخ - رحمه الله - في التعليق على المسائل الأصولية بالتزام الطريقة المثلى - في نظري - ومع التسليم بأنه - رحمه الله - لم يدرس المسائل دراسة متكاملة ، إلا أنه ركز على لب المسائل وجوهرها وما ينعكس على المتلقي بالفائدة المرجوة بحيث يفهم المسألة فهما صحيحا في أقرب صورة ؛ ذلك لأنه - رحمه الله - سلك مسلك التعليق ، ومع ذلك فقد جاء تعليقه ملتزما المنهج العلمي الرصين ، ويتضح ذلك من خلال المطالب الآتية :
    المطلب الأول : عنايته بتحرير محل النزاع .
    المطلب الثاني : تركيزه على التطبيق وكثرة الأمثلة وتخريجه الفروع على الأصول .
    المطلب الثالث : اهتمامه بالتقعيد والتأصيل وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها .
    المطلب الرابع : إيراده لثمرة الخلاف .
    وسأورد في كل مطلب نماذج مختصرة تدل عليها .
    المطلب الأول : عنايته بتحرير محل النزاع :
    وتلك قضية مهمة يغفلها كثير من الأصوليين فلا يعلم المتلقي الجزئية التي وقع فيه الخلاف مما كان محل اتفاق وذلك في المسائل الخلافية ، ولذلك كان الشيخ - رحمه الله - كثيرا ما يلفت النظر في تعليقاته على هذه القضية المهمة . ومن النماذج على ذلك :
    ا - في مسألة التحسين والتقبيح ذكر الآمدي إطلاقات العلماء واعتبار أنهم في معنى التحسين والتقبيح [ 1 \ 80 من الإحكام ]
    ثم علق الشيخ على ذلك بقوله : " الصحيح أن محل النزاع الحسن والقبيح ، بمعنى اشتمال العقل على مصلحة كان بها حسنا أو على مفسدة كان بها قبيحا ، ثم نشأ عن ذك خلاف آخر : هل تثبت الأحكام بها في الأفعال من حسن أو قبح ، ولو لم يرد شرع ، أو يتوقف ذلك على ورود الشرع ؟ " ثم في ذكر الأقوال في المسألة
    [ تعليق رقم 2 ، 1 \ 80 منه ]
    2 - كما كان الشيخ - رحمه الله - يعلق على ما ليس من محل النزاع في المسألة المراد بما ، ومن ذلك أنه لما استدل الآمدي على منع تأخير البيان [3 \ 48 من الإحكام ] بقوله تعالى : ( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )
    علق الشيخ رحمة الله بقوله : " الأمر في هذه الآية للوجوب قطعا ، وليس من محل النزاع فيما تقتضيه صيغة الأمر ، إذ محله الأمر المجرد من القرائن ، وهو في الآية قد اقترن بالتهديد على الترك في قوله تعالى : سورة المائدة الآية 67 وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ .
    وهناك نماذج كثيرة تركتها رغبة في الاختصار وسأحيل على مواضعها إن شاء الله
    [انظر : 2 \ 184 - 191 - 224 .
    3 \ 71 - 191 . 4 \ 31 ]
    المطلب الثاني :
    تركيزه على التطبيق ، وكثرة الأمثلة وتخريج الفروع على الأصول :
    كان الشيخ - رحمه الله - حريصا على وصول المعلومة للقارئ بأقرب طريق ، فكان أن سلك مسلك القاعدة والمثال ، إذ بالمثال يتضح الاستدلال ، فكان كثيرا ما يورد الأمثلة ويعيب على الأصوليين تقصيرهم في ذلك ، كما كان - رحمه الله - مركزا على الجمع بين التأصيل والتفريع بربط المسائل الأصولية العلمية بالمسائل الفرعية العملية التطبيقية .
    ومن النماذج على ذلك أن الآمدي - رحمه الله - لما أطال النفس في تعريفات القياس والاعتراضات عليها والإجابات عنها [3 \ 183 - 190 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " . . . ولو سلكوا في البيان طريقة القرآن وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومعهود العرب ومألوفهم من الإيضاح بضرب الأمثلة - وهذا هو الشاهد - لسهل الأمر وهان الخطب "
    [تعليق رقم 2 ، 3 \ 190 ، 191 منه .]
    وحين يجنح الأصوليون إلى أمثلة افتراضية يطالبهم بالأمثلة الشرعية الواقعية ، ومن النماذج على ذلك :
    أنه حينما مثل الآمدي على مسألة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بقوله : " كما لو قال الشارع : أوجبت عليك الصلاة إن كنت متطهرا " [ 1 \ 110 من الإحكام]
    علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله : " لو مثل بأمثلة واقعية مثل قوله تعالى : ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا ) الآية ، لكان أنسب وأنفع "
    [تعليق رقم 3 ، 1 \ 110 منه ]
    وفي ذلك كفاية إن شاء الله على الاستشهاد على هذا المطلب المهم . [9]
    المطلب الثالث :
    اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها :
    وذلك مطلب مهم نحا فيه الشيخ - رحمه الله - منحى العناية بالجوهر واللباب لهذا العلم المهم ، فقد جمع - رحمه الله - بين الاستدلال بالنصوص وبين العناية والنظر في مقاصد الشريعة وحكمها ، وذلك جمع بين الحسنيين في المنهج الأصولي ، فهو لم يغرق في الجدل والمنطق ولم يجمد على ظواهر النصوص ولم يغفل المقاصد والقواعد والحكم والأسرار ، وتلك لعمر الحق لا تتحقق إلا لمن أوتي المنهج الصحيح ، ووفق للطريق العلمي السليم .
    ومن النماذج على ذلك أنه لما أورد الآمدي مسألة شكر المنعم عقلا ورد على المعتزلة في الوجوب العقلي [ 1 \ 88 من الإحكام]
    علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك ببيان مذهب أهل السنة وجمعهم بين النصوص وحكم الشريعة ومقاصدها ، فقال - رحمه الله : " والمخالف يعترف بذلك في تعليله الأحكام وبيان حكمها وأسرارها ، وخاصة في القياس وبيان ميزة الشريعة الإسلامية على غيرها "
    [تعليق رقم 1 ، 1 \ 88 منه]
    ومن النماذج المهمة في ذلك عناية الشيخ - رحمه الله - بالإحالة إلى مبحث المقاصد في كتاب الموافقات للشاطبي رحمه الله
    [انظر : على سبيل المثال : 3 \ 274 ، 4 \ 160 من الإحكام ]
    المطلب الرابع :
    إيراده لثمرة الخلاف :
    كان الشيخ - رحمه الله - حريصا على تجلية الثمرة العملية في مسائل الخلاف العلمية ، وإذا لم يكن ثم ثمرة أشار إلى أن الخلاف لفص لا تترتب عليه ثمرة عملية .
    ومن النماذج على ذلك :
    في مسألة المندوب هل هو من الأحكام التكليفية حينما ذكر الآمدي الخلاف في ذلك [ 1 \ 121 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " الخلاف في أن الندب والكراهة والإباحة من الأحكام أو لا ؟ اختلاف في تسمية اصطلاحية لا فائدة من ورائه عملية "
    [ تعليق رقم 3 ، 1 \ 121 منه]
    وكذا في مسألة المباح ، وهل هو داخل في مسمى الواجب أو لا ؟ [ 1 \ 124 ، 125 من الإحكام ]
    علق الشيخ - رحمه الله - عليها بأن الخلاف فيها لفظي لا يترتب عليه ثمرة عملية تطبيقية
    [تعليق رقم 4 ، 1 \ 124 ، ورقم 2 ، 1 \ 125 منه ]
    كل ذلك وغيره كثير دليل على ترسم الشيخ - رحمه الله - المنهج العلمي الرصين مما لا يسمح الاختصار بالاسترسال في بيانه وذكر النماذج عليه ، وهي بادية للعيان بحمد الله في كل من قرأ عن الشيخ وقرأ تعليقاته ومنهجه فيها ، رحمه الله رحمة واسعة
    المبحث الخامس :
    المعلم الخامس : تميزه بالدقة واستقلال الشخصية :
    الحق أن كل قارئ في تعليقاته - رحمه الله - يلمس ذلك بجلاء ، بل لا أبالغ حينما أقول إنك واجد ذلك في كل تعليق له - رحمه الله - فكلها تبين استقلال شخصيته العلمية والمنهجية والأصولية ، وحينما يتأملها القارئ يجد الدقة بأجلى صورها .
    وسأكتفي بنماذج قليلة محيلا لمن أراد الاستطراد إلى أرقام الصفحات .
    لقد كان - رحمه الله - حينما يذكر مسائل الخلاف يعلق مبديا رأيه وشخصيته بأن الراجح كذا ، أو الصحيح كذا ، مرجحا ومدللا ومعللا ومفصلا .
    ففي مسألة التكليف بما لا يطاق [ 1 \ 35 من الإحكام ]
    يعلق الشيخ - رحمه الله - فيقول : " الصحيح أن التكليف بما لا يطاق لاستحالته عقلا أو عادة غير جائز ، ولا واقع شرعا ، أما ما لا يطاق لما فيه من الحرج فقد يقع التكليف به إما عقوبة وإما امتحانا واختبارا فقط "
    [تعليق رقم 1 ، 3 \ 35 منه]
    ومن النماذج على ذلك موقفه المتميز في مسألة الاحتجاج بخبر الواحد ،
    فقد ذكر الآمدي الحجج للقائلين بإفادته العلم ثم فندها ،
    فعلق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله :
    " . . . إلا أنه غير مسلم ، فإنه قد يوجد من أخبار الآحاد ما يفيد بمجرده العلم ، لكنه غير مطرد في كل خبر ، ولا لكل أحد ؛ لتفاوت الرواة في صفات القبول وتفاوت السامعين في المعرفة وبعد النظر ودقته "
    [ تعليق رقم 3 ، من 2 \ 39 من الإحكام ]
    والنماذج على ذلك أكثر من أن تذكر في هذا المقام الموجز .
    كما تبدو شخصيته - رحمه الله - بنقد الأقوال المرجوحة والاستدلالات الضعيفة ، والاستنباطات البعيدة ، ونحو ذلك مما لا أجد مجالا للإفاضة فيه ، لكن سأكتفي بالإحالة إلى أرقام الصفحات كنماذج حية على ذلك . [10]
    المبحث السادس :
    المعلم السادس : ميله إلى التيسير والتسهيل وسلوكه مسلك الاختصار والوضوح :
    وهذا المَعلم وضاء في منهج الشيخ - رحمه الله - فهو بعيد عن التكلف والإطالة ، شغوف بالاختصار والوضوح ، شديد الإنكار على مسالك المتكلمين والجدليين والمناطقة ، وإليك بعض النماذج على ذلك :
    1 - في تعريف العلم والفقه حين ذكر الآمدي تعريفهما في أول كتابه [1 \ 7 من الإحكام]
    علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله : " أولع الكثير بالتعاريف المتكلفة التي تورث العبارة غموضا والقارئ لها حيرة ، ومن ذلك تعريف العلم والفقه ونحوهما مما ذكر المؤلف ، ولذلك تراهم يحتاجون إلى شرح التعريف وإخراج المحترزات ويكثرون من الاعتراض والجواب ولا يكاد يخلص لهم تعريف من الأخذ والرد والواقع أصدق شاهد "
    [تعليق رقم 1 ، 1 \ 7 منه]
    ومثل ذلك علق في تعريف القرآن [ تعليق 1 ، 1 \ 160 منه]
    وإذا ورد في المسائل الأصولية أمر يحتاج إلى توضيح بينه بأيسر عبارة وأوضح أسلوب بكلمات مختصرات مفيدات مصدرة بقوله : بيانه أو توضيحه أو نحوها .
    ومن النماذج على ذلك :
    أن الآمدي - رحمه الله - في مبحث العلة المستنبطة مثل بقوله :
    " كتعليل وجوب الشاة في باب الزكاة بدفع حاجة الفقراء لما فيه من رفع وجوب الزكاة " [ 3 \ 244 من الإحكام ]
    فعلق الشيخ - رحمه الله - على ذلك توضيحا لمراد المؤلف فقال :
    " بيانه : أن وجوب الشاة زكاة عن أربعين شاة إذا كان المقصود منه مجرد دفع حاجة الفقراء ولو ببذل القيمة ارتفع وجوب الشاة على التعيين في الزكاة "
    [تعليق رقم 1 ، 1 \ 244 منه ]
    ولعل فيما سبق من أكبر الشواهد على هذا المعلم ، وإيثارا للاختصار فسأكتفي بذكر أرقام الصفحات المبينة لنماذج أخرى في ذلك . [11]
    المبحث السابع : المعلم السابع : مجانبته التعصب والتقليد :
    تبين مما سبق لا سيما في المعلم الثاني حرص الشيخ - رحمه الله - على الدليل وتعظيمه للنصوص وبناؤه منهجه الأصولي عليها ؛ ولذلك كان - رحمه الله - بعيدا عن التعصب لمذهب أو الجمود على مشرب ، أو التقليد للغير بدون دليل صحيح أو نظر سليم .
    وإذا كان للأصوليين آراء ومناهج بنوا عليها مسائلهم واستنباطاتهم ، وسار عليها الخلف اقتداء بالسلف ، فإن الشيخ رحمه الله كان له تميزه في ذلك ، فلم يتعصب لمدرسة أصولية متكلمين أو غيرهم ، ولم يُسَلِّم عقله ومنهجه لمذهب فقهي لا يحيد عنه كما عليه كثير من الفقهاء والأصوليين ، لكنه - رحمه الله - جانب ذلك كله ، وجعل الدليل منهجه والنظر الصحيح مسلكه ، فجاء منهجه متميزا بمجانبة التعصب والتقليد المجرد ، وهذه بعض النماذج على ذلك :
    ا - في محاولة للآمدي - رحمه الله - أن يقصر الرد للكتاب والسنة على المجتهدين فقط [ 4 \ 26 من الإحكام ] وهو يومئ ولو من طرف خفي للتقليد للمذاهب دون رجوع مباشر إلى الوحيين .
    علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله : " . . . إن وجوب الرد إلى الله والرسول لم يخص بحال ولا زمن ولا بأحد ، فيجب بقاؤه على عمومه ، ولا يخرج منه إلا الرد إليه بسؤاله بعد وفاته لتعذره ، وإلا من عجز عن الرد إليه لضعف استعداده أو مؤهلاته فلا يكلف ذلك . . . "
    [ تعليق رقم 2 ، 4 \ 26 من الإحكام]
    وهو ظاهر في اتباع الدليل وطلبه من كل أحد ، ويتجلى هذا المعلم كثيرا في مبحث الاجتهاد والتقليد عند الأصوليين يمثلهم الآمدي رحمه الله ، فكان الشيخ - رحمه الله - يعلق على المسائل الخاصة بذلك مما يؤكد هذا المنهج بجلاء .
    خذ على سبيل المثال :
    أول تعليق في باب التقليد [تعليق رقم 1 ، 4 \ 221 منه ] أحال الشيخ - رحمه الله - القارئ إلى كلام المحققين من أهل العلم في هذه المسألة ، الذين حققوا مناطها ، وفصلوا القول فيها حسب قوة الدليل وسلامة التعليل ، وحذروا من التعصب والتقليد . [12]
    وفي التعليق الثاني والثالث فصل الشيخ - رحمه الله - في مسألة من يجوز له التقليد ممن يحرم عليه [تعليق رقم 2 ، 3 ، 4 \ 211 من الإحكام ]
    وفي الرابع حث على الدليل ، وعظم السنة وعد مساواتها بالإجماع تسامحا أو تحريفا كما أورده المصنف 4 \ 211 ، وانظر : تعليق رقم 4 . رحمه الله .
    وفي التعليق الخامس لما سوى المصنف بين التقليد والاتباع والاستفتاء وعدها خلافا في عبارة ، علق الشيخ رحمه الله بقوله : " ليس هذا مجرد اختلاف في العبارة والاصطلاح بل الاختلاف بين حقائق ومدلولات تلك العبارات يتبعه اختلاف في حكم بعضها واتفاق على حكم بعض آخر "
    تعليق رقم 5 ، 4 \ 221
    وفي مسائل الاجتهاد فصل الشيخ الكلام فيها بقول نفيس خلاصته أنه لا يخلو منه زمان وأنه لا ينقطع [تعليق رقم 2 ، 4 \ 233 ]
    وتلك دعوة إلى تحري الحق في مسائل الاجتهاد والنظر فيها على حسب أدلة وقواعد الشريعة الغراء .
    ولعله بذلك قد تبين حرص الشيخ - رحمه الله - على تحقيق هذا المعلم المهم حرصا على ما دل عليه النقل الصحيح والعقل الصريح ، بعيدا عن التعصب والتقليد ، وفتحا لباب الاجتهاد بالضوابط الشرعية والشروط المرعية .
    المبحث الثامن :
    المعلم الثامن : عنايته الفائقة باللغة العربية :
    اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، بها نزل وبها أبان التوحيد وأوضح الأحكام ، وبمعهود العرب ومألوفهم وأسلوبهم جاء الخطاب الشرعي ، ولما كانت الألفاظ قوالب للمعاني ، واللغة وعاء المعنى ، فإن للغة العربية أثرا كبيرا وأهمية كبرى ومنزلة عظمى عند العلماء ، لا سيما علماء الشريعة ، خاصة علماء الأصول ؛ لأنها عمدة في معرفة دلالات الألفاظ وبناء الأحكام عليها ، كما يحتاجها المجتهدون والمفتون للنظر في دلالات اللفظ ، ومن ثم بناء الحكم عليه ، ولهذا كانت اللغة مصدرا يستمد منه علم الأصول ، ومعينا ثرا للأصوليين يبنون من خلاله استنباطاتهم وأحكامهم [13]
    ، وكذلك سلك الشيخ رحمه الله ، فكان حريصا على اللغة العربية ، مجانبا البعد عنها وتركها إلى فلسفات منطقية ومذاهب كلامية يبني عليها بعض الاستدلالات الشرعية .
    فها هو - رحمه الله - يعيب على بعض الأصوليين خروجهم عن منهج الكتاب والسنة واللغة العربية إلى صناعة منطقية ومباحث كلامية ، لا سيما في الحدود والتعريفات .
    فعند إغراق الآمدي في التعريفات للقياس والاعتراضات عليها والمناقشات والإجابات ، علق الشيخ - رحمه الله - بقوله : " هذه التعاريف دخلتها الصناعة المنطقية المتكلفة ، فصارت خفية غامضة ، واحتاجت إلى شرح وبيان ، ومع ذلك لم تسلم من النقد والأخذ والرد ، ولو سلكوا في البيان طريقة القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهود العرب ومألوفهم - وهذا هو الشاهد - من الإيضاح بضرب الأمثال لسهل الأمر . . . إلخ "
    [تعليق رقم 2 ، 3 \ 190 ، 191 من الإحكام ]
    كما اعتنى - رحمه الله - ببناء الدلالات الأصولية - كدلالة الأمر والنهي ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ، والمنطوق والمفهوم ، وغيرها - على ظاهر اللغة ، فتبقى على دلالتها اللغوية حتى يأتي ما يصرفها عنه ، كالدلالة الشرعية أو العرفية أو نحوها ، وهذا هو المتمشي مع الأصل الذي سار عليه علماء الأصول .
    كما كان - رحمه الله - كثيرا ما يعلق على ملحوظات لغوية ونحوية مما تسامح فيه الآمدي ، وذلك غَيرَةً من الشيخ - رحمه الله - على اللغة وحرصا على الالتزام بها وبعدا عن اللحن فيها .
    والنماذج على ذلك كثيرة لا يسمح المقام بسردها ، ولذلك فسأكتفي بالإحالة على أماكن وجودها . [14]
    ولأختم هذا المعلم بهذه اللطيفة اللغوية ، فقد أورد الآمدي لفظة ( ذات ) على الله سبحانه وتعالى [ 2 \ 316 من الإحكام] ، فعلق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله : ( جرى علماء الكلام والأصول على إطلاق كلمة : ( ذات ) على نفس الشيء وعينه وحقيقته ، وأن يدخلوا عليها الألف واللام ، وهذا لا يصح في اللغة العربية ، فإن كلمة ( ذات ) مؤنث كلمة ( ذو ) وكلتاهما لا يدخل عليها الألف واللام ، ولا تطلق على نفس الشيء وحقيقته ، إنما تنسب إليه نسبة الصفة إلى الموصوف وتضاف إلى ما لها به نوع ملابسة واتصال ) . [15]
    المبحث التاسع :
    المعلم التاسع: تأثره بمنهج المحققين من الأصوليين :
    من المتقرر أن مِن العلماء مَن لم يسلك منهجي المتكلمين والفقهاء المعروفين في علم الأصول ، بل استفاد من إيجابيات كل منهما ، وجانب المؤاخذات عليه ، والتزم بصحة الدليل وسلامة التعليل والعناية بالتطبيق والتمثيل ، مع وضوح العبارة ومجانبة الولوغ في الجدل ، فأخذ اللباب واهتم بالجوهر ، فكانت طريقته متميزة ومنهجه سليما ، بل منهم من هو مدون علم الأصول لكن نهج من جاء بعده - في الغالب - نهج المتكلمين ذلك هو الإمام الشافعي رحمه الله ولقد أثنى شيخنا - رحمه الله - عليه في المقدمة فقال : ( وكان أول من عني بتدوين أصول الفقه فيما اشتهر بين العلماء أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، فأملى كتابه المعروف بالرسالة . . . وقد جمع فيه بين أمرين :
    الأول : تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة ، وإيضاح منهجه في الاستدلال وتأييده بالشواهد من اللغة العربية .
    الثاني : الإكثار من الأمثلة لزيادة الإيضاح والتطبيق لكثير من الأدلة على قضايا في أصول الشريعة وفروعها ، مع نقاش للمخالفين تزيده جزالة العبارة قوة وتكسبه جمالا ، فكان كتابه قاعدة محكمة بنى عليها من جاء بعده ، ومنهجه فيه طريقا واضحا سلكه من ألف مع هذا العلم . . .
    "
    وتوسع فيه إلى أن قال - رحمه الله : ( ولو سلك المؤلفون في الأصول بعد الشافعي طريقته في الأمرين تقعيدا واستدلالا وتطبيقا وإيضاحا بكثرة الأمثلة ، وتركوا الخيال وكثرة الجدل والفروض ، وأطرحوا العصبية في النقاش والحجاج ، ولم يزيدوا إلا ما تقتضي طبيعة النماء في العلوم إضافته من مسائل وتفاصيل لما أصل في الأبواب ، وإلا ما تدعو إليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للإيضاح . . . لسهل هذا العلم على طالبيه ، ولانتهى بمن اشتغل به إلى صفوف المجتهدين من قريب ) ص : ب ، ج من المقدمة للشيخ رحمه الله .
    وممن استفاد منه شيخنا - رحمه الله - الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله ، فقد أثنى عليه وعلى كتابه في الأصول من حيث العناية بالأدلة النقلية والإكثار منها وربطها بالفروع ، غير أنه رأى أنه لا يبلغ مبلغ الشافعي - رحمه الله - وأنه أخذ عليه الجمود على الظاهر ، وإغفال المقاصد والحكم الشرعية ، مع شدته في المعارضة والنقاش .
    وإليك ما قاله الشيخ - رحمه الله - عنه وعن كتابه ، والمقارنة بينه وبين الشافعي ، فيقول :
    ( وقد تبعه - يعني الشافعي - في الأمرين ، وهما العناية بالقواعد الأصولية والاستدلال عليها ، والتمثيل والتطبيق - أبو محمد علي بن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام ، بل كان أكثر منه سردا للأدلة النقلية مع نقدها وإيرادا للفروع الفقهية مع ذكر مذاهب العلماء فيها وما احتجوا به عليها ، ثم يوسع ذلك نقدا ونقاشا ويرجح ما يراه صوابا ، غير أن أبا محمد وإن كان غير مدافع في سعة علمه واطلاعه على النصوص ، وتمييز صحيحها من سقيمها ، والمعرفة بمذاهب العلماء وأدلتها ، وإيراد ذلك في أسلوب رائع وعبارات سهلة واضحة ، لم يبلغ مبلغ الشافعي ، فقد كان الشافعي أخبر منه بالنقل ، وأعرف بطرقه ، وأقدر على نقده ، وأعدل في حكمه ، وأدرى بمعاني النصوص ومغزاها ، وأرعى لمقاصد الشريعة وأسرارها وبناء الأحكام عليها ، مع جزالة في العبارة تذكر بالعربية في عهدها الأول ، ومع حسن أدب في النقد ، وعفة لسان في نقاش الخصوم والرد على المخالفين"
    [1 \ ج من المقدمة]
    ولقد كان منهج الشيخ - رحمه الله - وموقفه من ابن حزم موقف المنصف ، فأثنى عليه بما أصاب فيه ونقده حين أخطأ ، والكمال لله وحده ، بل إنه - رحمه الله - أحال على كتابه في كثير من المواضع ، فعند ذكر الآمدي أدلة المنكرين للقياس أحال إلى كلام ابن حزم في الأحكام ؛ لأنه ذكرها وتوسع فيها ، والنماذج على ذلك كثيرة [تعليق رقم 1 ، 4 \ 46 من الإحكام للآمدي ]
    ومن العلماء الذين تأثر الشيخ بهم العالم الإمام والمجاهد الهمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل أكاد أقول : إنه الحائز لقصب السبق وصاحب القدح المعلى في تأثر الشيخ به ، وليس هذا إلا توفيقا من الله لهما ، فشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع القلم في هذه العجالة ذكر أفضاله ومآثره في كل فن ، لا سيما علم الأصول ، مما حدا بشيخنا بل بكل سالك مسلك التحقيق والتدقيق والعلم العميق أن ينهل من معين علمه ، وأن يستفيد من منهجه وطريقته ، فقد جمع - رحمه الله - ما قل أن يجمعه غيره ، ولقد استفاد منه الشيخ - رحمه الله - في تعليقاته ، سواء منها ما يتعلق بالعقيدة أم بالأصول أم بغيرها ، حتى بلغ ما أحال الشيخ إلى كتبه وعلمه نحوا من ستين موضعا يصعب سردها في هذه العجالة ؛ لذلك سأكتفي بالإحالة إلى نماذج من أرقام الصفحات في ذلك . [16]
    ومن العلماء الذين استفاد الشيخ منهم وتأثر بهم الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله ، ولا غرو فهو تلميذ شيخ الإسلام ، وأشد طلابه ولعا به وشغفا بملازمته والنهل من علمه ، وقد كان لابن القيم - رحمه الله - لمسات قيمة في علم الأصول ، نهج فيها نهج شيخه رحمه الله ، ولقد استفاد شيخنا - رحمه الله - من منهجه وأحال في كثير من المواضع على كتبه ، لا سيما إعلام الموقعين ، وبدائع الفوائد وغيرها ، وقد وصلت إحالة الشيخ إلى كتب ابن القيم في قرابة عشرين موضعا .[17]
    ومن العلماء المحققين الذين استفاد الشيخ رحمه الله من علمهم ومنهجهم الإمام الشاطبي رحمه الله ، الذي تميز منهجه بالنظر في مقاصد الشريعة وجمع مسائل الفقه ولو اختلفت أبوابها تحت قضية أصولية ، وقد أثنى الشيخ - رحمه الله - على منهج الشاطبي في مقدمة تعليقه على الإحكام ، فلما ذكر المناهج الأصولية وأورد منهج الفقهاء وطريقة الحنفية قال : ( ولو سلك هؤلاء طريق الاستقراء فأكثروا المسائل الفقهية من أبواب شتى على أن يجمعها وحدة أصولية ، كما فعل ذلك الشاطبي أحيانا في كتاب الموافقات ، وقصدوا بذلك الشرح والبيان والإرشاد إلى ما بينها من معنى جامع يقتضي اشتراكها في الحكم دون تقيد بمذهب معين ؛ ليخلصوا إلى القاعدة الأصولية ، وأتبعوا ذلك ما يؤيده الاستقراء من أدلة العقل والنقل لكان طريقا طبيعيا ، تألفه الفطر السليمة وتعتمده عقول الباحثين المنصفين ، ولأكسبوا من قرأ في كتبهم استقلالا في الحكم ، وفتحوا أمامهم باب البحث والتنقيب ويسروا لهم تطبيق القواعد الأصولية على ما جد ويجد من القضايا في مختلف العصور )
    [د ، هـ من المقدمة للشيخ رحمه الله]
    ولهذا الإعجاب من شيخنا بالشاطبي - رحمه الله - فقد أحال إلى كتابه القيم ( الموافقات ) في مواضع شتى تزيد على العشرة ، لا سيما في كتاب المقاصد وهذه النماذج على ذلك بالصفحات كما يلي :
    1 \ 37 - 124 - 131
    3 \ 107 - 274 - 276
    4 \ 160
    كما أحال الشيخ - رحمه الله - على كتاب الاعتصام للشاطبي [ 4 \ 160 من الإحكام تعليق رقم 1] رحمه الله .
    وبذلك المعلم تتبين الكوكبة العلمية الوضاءة التي استنار الشيخ - رحمه الله - بمنهجها ، واستقى من حسن طريقتها ومسلكها ، فرحم الله الجميع وَ وفقنا للاستفادة مِنْ علمهم ومنهجهم .
    المبحث العاشر :
    المعلم العاشر : موقفه المنصف من المخالف ، وفقهه لأدب الخلاف :
    العلم والأدب صنوان لا يفترقان بل أقول : ينبغي ألا يفترقا لأن جمال العلم أدب جم يزين صاحبه ، ويدفعه للمعالي ، ويبعده عن السفاسف ، وعميق العلم لا يحتاج إلى لجاج في إثبات دعواه ولا تشنج في الرد على خصمه ، وعفة اللسان منقبة كبيرة من وفق إليها فقد وفق للصواب ، وكان حريا بالأثر العظيم في نشر علمه وفقهه ومنهجه ، وقد يحرم العالم من نضر علمه وإفادة الآخرين بسبب تقصيره في هذا المجال ، ولذلك لما فقه الصحابة أدب الخلاف ومن بعدهم الأئمة العظام كان لذلك الأثر الفاعل في قبول الناس لقولهم والإفادة منه ، وعلى ذلك سار أهل العلم والإيمان إلى يومنا هذا ، ولله در النخبة والصفوة المميزة من علماء هذه الأمة كيف فقهوا العلم والأدب معا ، وما أحسن وأبلغ منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك فله فيه القدم الراسخة والقمة السامقة ، وعلى ذلك درج العلماء ، يأخذ الخلف بمنهج السلف ، وكان شيخنا - رحمه الله - من هؤلاء الأئمة الذين جمعوا بين العلم وأدبه ، فكان لمنهجهم التميز الموفق والأثر العظيم ، فكان الشيخ - رحمه الله - يسلك مسلك الحجة والدليل والبرهان الناصع مع عفة لسان وحسن أدب ، لا سيما عند نقد المخالف ، بل لعله أن يعتذر عن مخالفه ، فانظر إليه - رحمه الله - عند إيراده القصة التي رمي فيها الآمدي بترك الصلاة فعمد إليه بعضهم ، ووضع على رجله شيئا من الحبر فبقيت نحو يومين ، فينبري الشيخ انبراء المنصف فيلتمس العذر له فيقول : ( قد يبقى الحبر أياما على العضو مع تتابع الوضوء والغسل ، وخاصة عضو من لا يرى التدليك فرضا في الطهارة بل يكتفي بإسالة الماء في غسله ووضوئه ) ثم يختم القصة فيقول : ( وعلى كل حال فالأصل البراءة حتى يثبت الناقل )
    [ ص : ز من المقدمة وترجمة الشيخ للآمدي رحمه الله]
    الله اعتبر هذا هو المنهج المتميز الذي يتلألأ أدبا وأخلاقا ، أين هو من منهج كثير من الناس الذين أغرقوا بتتبع السقطات وأولوا بتصيد العثرات ، فسوء الظن طويتهم ، والمبادرة بالاتهام مطيتهم ، فالله المستعان .
    وقد كان الشيخ - رحمه الله - في تعليقه على مواضع من الإحكام مترسما منهج الأدب ، فكان يصحح الخطأ وينبه على الرأي المرجوح ، فيقول مثلا : الصحيح كذا ، أو فيه نظر .
    ويبين الصواب ، ولا يتهم أو يسيء الظن أو يعنف أو يقسو في العبارة ، نعم قد يمسك المخالف من مأمنه ، ويحتج عليه بنفس دعواه ، ويتألم لمواضع التناقض عند من يخالفه ، أو التعسف في استدلال ، أو لي أعناق النصوص لخدمة مذهب ، أو الإقناع برأي معين .
    وهذا نموذج يثبت ذلك :
    وهو أن الآمدي - رحمه الله - كثيرا ما يكرر أن مسائل الأصول قطعية ، فيخالفه الشيخ رحمه الله ، وأن مسائل الأصول فيها ما هو قطعي وفيها ما هو ظني ، وقد تعقب الشيخ الآمدي - رحمه الله - في مواضع صرح الآمدي واعترف بأن بعض المسائل ظنية وأحيانا يتوقف ، ولم يكن الشيخ - رحمه الله - في ذلك معنفا ولا متعسفا ، بل يوقف القارئ بكل أدب على خطأ المؤلف وتناقضه في المسألة.
    [ انظر 2 \ 71 - 80 ، 117 من الإحكام ، وتعليق رقم 1 ، 2 منه ]
    ولعلي أختصر القول في ذلك بالإحالة إلى النماذج الحية في هذا المعلم المهم . [18]
    وهكذا ينتهي الحديث عن هذا المعلم ، وبانتهائه تنتهي المعالم العشرة الرئيسة في منهج الشيخ الأصولي رحمه الله .
    وأعترف أنها خطوط عريضة ، وملامح خاطفة بحاجة إلى التعمق والدراسة والاستقصاء .
    وإني لأرى أن كل معلم منها بحاجة إلى بحث مستقل يتم من خلاله الشرح والبسط والاستقراء والتعليق والاستقصاء ، لكن لعلي وفقت بجهد المقل لأن أرسم صورة مختصرة عن منهجه رحمه الله ، وإني لأطالب بدراسة أراء الشيخ الأصولية ومنهجه العلمي بشكل موسع ومقارن ؛ ليفيد منه الباحثون وطلاب العلم عامة والمتخصصون في علم الأصول خاصة ، فهو بحر محيط - بلا مبالغة - جدير بإبحار المختصين للحصول على درره ولآلئه وأصدافه ، عليه رحمة الله .
    الخاتمة :
    وبعد هذه الرحلة العلمية الممتعة التي عشنا فيها في رحاب منهج علم من علمائنا الأجلاء ، ومشايخنا الفضلاء ، هو سماحة العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، يحسن أن أورد بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث في معالم منهجه الأصولي رحمه الله .
    ولقد تحصل لي من خلال هذا البحث نتائج عامة وأخرى خاصة سأفرد كلا منها بحديث كالأتي :
    أولا : النتائج العامة :
    أهمها :
    1 - الحاجة الماسة إلى إبراز مثل هذا النوع من البحوث في التركيز على تجلية الصورة العلمية المشرقة لعلمائنا الأجلاء .
    2 - ضرورة العناية بقضية ( المنهج ) في دراسة الشخصيات العلمية عامة والأصولية خاصة .
    3 - مكانة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - علميا وأصوليا ومنهجيا .
    4 - التعرف على جوانب سيرته المباركة والإفادة منها .
    5 - تبحر الشيخ - رحمه الله - في علم الأصول مما لم أستطع معه لإخفاقي في الإبحار إلا أن أرسم المعالم وأوضح الملامح والخطوط العريضة في منهجه رحمه الله .
    6 - إبراز المنهج الأصولي الصحيح الذي سار عليه المحققون من العلماء وسلكه شيخنا - رحمه الله - التزاما بالعقيدة الصحيحة والأدلة النقلية السليمة .
    تلك أهم النتائج العامة التي توصلت إليها .
    أما النتائج الخاصة فهي كما يلي :
    1 - بروز منهج الشيخ - رحمه الله - في إبراز عقيدة السلف ونقد ما يخالفها ، وضرورة بناء علم الأصول على صحة الاعتقاد .
    2 - تركيز الشيخ - رحمه الله - في منهجه الأصولي على الأدلة الصحيحة ، وعنايته بالنصوص من الكتاب والسنة ، وتقعيد علم الأصول على صحيح المنقول ، ونقد الروايات الضعيفة والأخبار الموضوعة .
    3 - تجلي منهج الشيخ - رحمه الله - في تنقية علم الأصول ، مما علق به من الإغراق في الجدل والمنطق ، والاسترسال في المباحث العقلية والمسائل الافتراضية .
    4 - لقد سار الشيخ - رحمه الله - في عرض المسائل الأصولية وبحثها على المنهج العلمي الرصين الذي يقرب المعلومة للقارئ في أجلى صورة ، واعتنى بتحرير محل النزاع ، وركز فيها على التطبيقات وكثرة الأمثلة والتفريعات ، وربط المسائل الأصولية بالفروع الفقهية ، فجمع بين التقعيد والتأصيل والتفريع بمنهج متميز زاده بهاء وإفادة تجليته لمقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها ، وعنايته بثمرة الخلاف العلمية في جمع متكامل وعرض سليم وطرح فريد .
    5 - بروز شخصيته العلمية الأصولية - رحمه الله - وتميزه بالدقة ، فكل كلمة لها دلالتها وكل حرف له موضعه وأثره ، وهذا شأن العالم المتمكن والأصولي المتمرس .
    6 - عنايته - رحمه الله - بزبدة هذا العلم تيسيرا وتسهيلا على المتلقي بذكر المسألة والقاعدة والمثال بطريقة واضحة وبصورة مختصرة بلا إغراق وتطويل فيما لا طائل تحته من المباحث الكلامية والمسائل الجدلية .
    7 - تحرر الشيخ - رحمه الله - من التعصب المذهبي والتقليد العلمي والمنهجي لأحد دون دليل واضح وبرهان ساطع ، فالدليل رائده ، والحجة مطلبه ، والحكمة ضالته .
    8 - عناية الشيخ - رحمه الله - بلغة القرآن الكريم اللغة العربية تأصيلا والتزاما وأسلوبا ونقدا ، غيرة على لغة الضاد ، وعاء المعاني ، وقالب الأحكام الشرعية .
    9 - استفادة الشيخ - رحمه الله - من منهج المحققين من الأصوليين ، أعلام التجديد فيه ، على ضوء الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة ، فكان أن عاش بين التأثر بهم والتأثير من خلال منهجهم ، ومع كل هذا وذاك فهو مستقل الشخصية متميز النزعة رحمه الله .
    10 - جمعه بين العلم الجم والأدب الأتم ، فقيه لأدب الخلاف ، منصف للخصم ، عف اللسان في المناقشة للآخرين ، يقصد إصابة الحق بدليله وإقامة الحجة على الغير ، لا للتشفي منه والتقليل من شأنه ، وتلك لعمر الحق سمة العلماء العاملين المخلصين .
    وفي الختام إن كان هناك من توصيات في هذا الصدد ؛ فإنها تكمن في الحاجة الماسة إلى إيلاء علم الشيخ ومنهجه في مختلف الفنون - لا سيما في العقيدة والأصول والفقه ونحوها - العناية والإبراز من قبل المتخصصين وطلاب الدراسات العليا ، وضرورة نشر ذلك للباحثين ، وربط الناشئة والأجيال العلمية المعاصرة بعلمائهم ومشايخهم ذوي الاعتقاد الصحيح ، والمنهج السليم .
    وقبل أن أضع القلم أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى للشيخ - رحمه الله - سابغ الرحمة والرضوان والفردوس الأعلى في الجنان ، وأن يجزيه عن المسلمين وطلاب العلم خير الجزاء ، وأن يوفق الباحثين للاستفادة من علمه ومنهجه ، وأن يجمعنا به في دار كرامته ، وأن يوفقنا لرد شيء من جميله وفاء لبعض حقه علينا ، إنه جواد كريم ، وهو سبحانه خير مسئول وأكرم مأمول ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
    بحوث في دراسة أحاديث نبوية
    http://www.alukah.net/majles/showthr...ed=1#post32408

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

    افتراضي رد: الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي.. للشيخ السديس

    ---
    الهوامش
    ---
    [1]
    هذا صدر خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بها خطبه ، وقد خرجها أهل السنن والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
    انظر : 2 \ 238 من سنن أبي داود ، كتاب النكاح ، باب في خطبة النكاح ، 3 \ 413 من سنن الترمذي ، كتاب النكاح ، باب ما جاء في خطبة النكاح ، 3 \ 105 من سنن النسائي ، كتاب الجمعة ، باب كيف الخطبة ، 1 \ 609 من سنن ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب خطبة النكاح ، 2 \ 182 من المستدرك للحاكم ، باب النكاح .
    وللشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رسالة خاصة بها من طبع ونشر المكتب الإسلامي ، دمشق ، بيروت

    [2]
    ورد بهذا المعنى حديث خرجه أحمد في المسند 3 \ 157 .وفي المسند والسنن


    [3]
    في مقدمة كتابه '' الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله" ، وقد طبعته الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء .

    [4]
    تنظر ترجمته في : 3 \ 275 من علماء نجد خلال ثمانية قرون ، للشيخ عبد الله البسام ، نشر دار العاصمة ، الرياض ، ط 2 ، 1419هـ ، ص 118 من ذيل الأعلام لأحمد العلاونة ، ط \ دار المنارة ، جدة 1418 هـ 1 \ 286 من تتمة الأعلام ، محمد خير رمضان يوسف ، دار ابن حزم ، بيروت ، ط 1 ، 1418 هـ .
    وقد يسر الله من طلاب العلم ومحبي الشيخ رحمه الله من يؤلف في سيرة الشيخ وجوانب حياته مؤلفا يفي بشيء من حقه ، فقد كتب أخونا الشيخ محمد أحمد السيد كتابا قيما في مجلدين من طباعة المكتب الإسلامي ببيروت جمع فيه من محبي الشيخ وطلابه وبحوثه جهدا قيما يشكر عليه وعنوانه ((الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجوانب من حياته العلمية والعملية)) والحق أنه كان سباقا إلى هذا العمل الجليل والجهد المبارك أثابه الله وبارك في جهوده .
    وإني أقترح بهذه المناسبة على طلاب الدراسات العليا والجامعات الإسلامية أن تهتم بدراسة الجوانب المتعددة في حياة الشيخ ، فهي جديرة بذلك وهو حفي بها ،
    رحمه الله وجمعنا به في دار كرامته إنه ولي ذلك والقادر عليه .

    [5]
    هذا كلام استقرائي استنتاجي ، وقد استفدت مما كتبه معالي د . عبد الله بن عبد المحسن التركي في صدر كتابه عن منهج الملك عبد العزيز ، ط \ وزارة الشئون الإسلامية

    [6]
    كشيخ الإسلام وتلميذه وممن نص على ذكره : الشافعي - رحمه الله - ، وابن حزم وأثنى على كل خيرا وبين طريقته ومنهجه ، وكذلك الشاطبي - رحمه الله - في الموافقات .

    [7]
    ومن النماذج ما يأتي : انظر : 1 \ 13 - 59 - 66 - 97 - 149 - 177 - 183 - 219 - 234 - 245 وفيها أطال الشيخ النفس في حديث أورده الآمدي في باب الإجماع في مسألة إجماع آل البيت . وص 282 .
    2 \ 65 - 75 - 81 - 224 - 291 - 322 .
    3 \ 1 - 60 - 136 - 137 - 148 - 177 - 191 - 252 - 254 - 262 .
    4 \ 32 - 33 - 41 - 147 - 153 - 185 - 235 .


    [8]
    انظر : 1 \ 21 ، 122 ، 284 .
    2 \ 43 - 48 ، 49 ، 71 ، 195 ، 210 ، 269 .
    3 \ 11 ، 33 ، 49 ، 140 ، 181 ، 190 ، 238 ، 252 . 4 \ 20 ، 28 ، 172 ، 214 ، 282 منه .

    [9]
    والنماذج على ذلك كثيرة بل تكاد تكون كثير من تعليقات الشيخ - رحمه الله - مرتكزة على التوضيح بالأمثلة . ينظر إضافة إلى ما سبق تعليق رقم 1 ، 2 \ 161 الإحكام .

    [10]
    انظر :
    1 \ 35 - 71 - 80 - 128 - 144 - 236 .
    2 \ 39 - 44 - 58 - 90 - 114 - 124 - 170 - 201 - 210 - 215 - 261 - 274 - 285 - 330 .

    3 \ 14 - 29 - 30 - 31 - 33 - 34 - 35 - 51 - 98 - 100 - 107 - 122 - 141 - 148 - 149 - 175 - 182 - 194 - 202 - 261 - 263 - 273 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 302 - 303 .

    4 \ 3 - 5 - 9 - 10 - 11 - 16 - 22 - 40 - 42 - 58 - 59 - 71 - 104 - 105 - 145 - 149 - 150 - 151 - 152 - 163 - 167 - 171 - 173 - 179 - 181 - 186 - 192 - 196 - 197 - 200 - 205 - 216 - 228 - 233 - 243 .


    [11]
    1 \ 7 - 160 . 2 \ 71 - 3 \ 77 - 190 - 244 - 281 .

    4 \ 21 - 85 - 119 - 120 - 121 - 123 - 162 - 198 - 227 .


    [12]
    كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، انظر : 19 \ 260 ، 20 \ 15 من مجموع الفتاوى ، وكالعلامة ابن القيم - رحمه الله - في إعلام الموقعين ج 2 ، أثناء كلامه عن التقليد وعقده مناظرة بين مقلد وصاحب حجة .

    [13]
    ينظر في فائدة اللغة للأصولي : 1 \ 100 من شرح الكوكب المنير لابن النجار الفتوحي .


    [14]
    1 \ 24 - 30 - 32 - 36 - 52 - 55 - 136 - 174 - 206 - 216 - 221 - 226 - 334 - 378 .

    2 \ 14 - 72 - 83 - 103 - 282 - 298 - 300 - 316 - 317 .

    3 \ 14 - 15 - 24 - 40 - 70 - 71 - 138 - 139 - 222 - 226 - 227 - 232 - 242 - 243 - 248 - 262 - 276 - 296 .

    4 \ 20 - 77 - 135 - 139 - 179 - 270 - 271 - 278 .


    [15]
    تعليق رقم 1 ، 2 \ 316 من الإحكام . وقد أحال الشيخ القارئ في ذلك إلى ما كتبه ابن القيم - رحمه الله - في 2 \ 6 - 8 من بدائع الفوائد ، ط \ المنيرية .


    [16]
    1 \ 10 - 26 - 32 - 35 - 45 - 46 - 47 - 52 - 80 - 100 - 104 - 110 - 115 - 118 - 128 - 133 -150 - 160 - 164 - 165 - 168 - 169 - 195 - 225 .
    2 \ 47 - 50 - 54 - 173 - 183 - 193 - 198 - 200 - 246 .

    3 \ 53 - 107 - 139 - 158 - 226 - 236 - 276 .

    4 \ 14 - 53 - 73 - 137 - 152 - 156 - 164 - 178 - 221 - 242 - 257 - 260 - 282 .


    [17]
    انظر منها على سبيل المثال :
    1 \ 26 - 46 - 80 - 150 .

    2 \ 200 - 316 .

    3 \ 107 .

    4 \ 28 - 60 - 70 - 207 - 244 .


    [18]
    1 \ 88 - 133

    2 \ 34 - 117 - 188 - 210

    3 \ 35 - 100 - 104 - 109 - 117 - 149 - 200 - 286 - 290 - 291 - 295 - 302

    4 \ 32 - 33 - 40 - 140 - 144 - 166 - 175 - 210
    بحوث في دراسة أحاديث نبوية
    http://www.alukah.net/majles/showthr...ed=1#post32408

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

  5. #5

    Arrow رد: الشيخ عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي.. للشيخ السديس

    للرفع رفعاً لذكر الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله تعالى.
    قناتي الدعوية على اليوتوب.
    أرجو منكم الدعاء لي بالفرج والرزق الحلال المبارك وبالعودة إلى ديار المسلمين،وجزاكم الله خيراً.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •