يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { ثم تأتيكم الروم بألف ألف، خمسمائة ألف بالبر، وخمسمائة ألف في البحر }.
ما صحة هذا الحديث؟
يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { ثم تأتيكم الروم بألف ألف، خمسمائة ألف بالبر، وخمسمائة ألف في البحر }.
ما صحة هذا الحديث؟
6169 - ( يوشك أن يخرج ابن حمل الضأن " (ثلاث مرات) قلت :
وما حمل الضأن ؟ قال : رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم ، يجيء
في ألف ألف من الناس ؛ خمسمائة ألف في البر ، وخمسمائة ألف في
البحر ، ينزلون أرضاً يقال لها : (العميق) ، فيقول لأصحابه : إن لي في سفينتكم بقيّة ، فيحرقها بالنار ، ثم يقول لهم: لا رومية لكم ولا
قسطنطينية لكم ، من شاء أن يفرَّ . ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً ،
حتى يمدهم أهل (عَدَنَ أَبْيَنَ) فيقول لهم المسلمون : الحقوا بهم
فكونوا سلاحاً واحداً ، فيقتتلون شهراً واحداً ، حتى يخوض في
سنابكها الدماء ، وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله ،
إلا ما كان من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإذا كان آخر يوم من الشهر ؛ قال
الله تعالى : اليوم أسل سيفي وأنصر ديني ، وأنتقم من عدوي ؛ فيجعل
الله لهم الدائرة عليهم ، فيهزمهم الله ، حتى تُستفتح القسطنطينية ،
فيقول أميرهم : لا غلول اليوم ، فبينا هم كذلك يقسمون بتر سهم
الذهب والفضة ؛ إذ نودي فيهم : ألا إن الدجال قد خلفكم في
دياركم ، فيدعون ما بأيديهم ، ويقتلون الدجالَ ) .
قال الالباني في السلسة الضعيفة :
موقوف ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (4/34/3378) : حدثنا طالوت
ابن عباد : ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال :
أتيتا عبد الله بن عمرو في بيته ، وحوله سماطان من الناس ، وليس على
فراشه [أحد] ، فجلست على فراشه مما يلي رجليه ، فجاء رجل أحمر عظيم البطن
فجلس ، فقال : من الرجل ؟ قلت : عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : ومن أبو بكرة ؟
قال : وما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسور اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف ؟ فقال :
بلى ، فرحب ، ثم أنشأ يحدثنا فقال : يوشك ... الحديث موقوفاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير علي بن زيد - وهو : ابن
جدعان ، - وهو ضعيف - كما تقدم مراراً - . وبقية رجاله ثقات من رجال مسلم ؛
غير طالوت بن عباد - وهو : الجَحْدَري - ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/329) ،وقال أبو حاتم وصالح جزرة :
"صدوق" . وقال الذهبي في " الميزان " :
"شيخ معمر ، ليس به بأس" .
وطعن فيه ابن الجوزي من غير تثبت ؛ فراجع "الميزان "و"اللسان " .
وللحديث طريق أخرى عن ابن جدعان ، يرويه عمر بن زرارة الحَدَثي :
حدثنا عيسى بن يونس : حدثني المبارك بن فضالة : حدثني علي بن زيد بن
جدعان ... به مطولاً جداً ، وفيه بعد قوله : "من عدوي " بلفظ :
"من أعدائي ، وأنصر أوليائي ؛ فيقتتلون مقتلة ما رئي مثلها قط ، حتى ما
تسير الخيل إلا على الخيل ، وما يسير الرجل إلا على الرجل ، وما يجدون خلقاً
يحول بينهم وبين القسطنطينية ، ولا رومية ، فيقول أميرهم يومئذٍ : لا غلول اليوم ،
من أخذ اليوم شيئاً ؛ فهو له . فبينما هم كذلك إذ جاءهم أن الدجال قد خلفكم
في ذراريكم ، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون .
ويصيب الناس مجاعة شديدة حتى إن الرجل ليحرق وتر قوسه فيأكله ... "
الحديث بطوله ، وفيه نزول عيسى عليه السلام ، ومقاتلته للدجال واليهود ،
وخروج يأجوح ومأجوج ، وموت عيسى ودفنه ، وبعث الريح اليمانية ، ورفع القرآن من
الصدور والبيوت ، وقيام الساعة .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (14/98 - المدينة) .
قلت : وكأنه مركب من عدة أحاديث ، ولعله من أوهام عمر بن زرارة الحدثي ؛
فإنه - وإن وثقه ابن حبان (8/444) وغيره ؛ فقد - كانت فيه غفلة ، ترجمه الخطيب
في "التاريخ " (11/202- 203) ، وروى عن صالح بن محمد الحافظ أنه قال :
"هو شيخ مغفل " ، وذكر قصة . وعن الدارقطني قال فيه :
" ثقة من مدينة في الثغر يقال لها : (الحَدَث) " .
قلت : ووقع في "تاريخ ابن عساكر" و" اللسان " : (الحرثي) ... بالراء ؛ وهو
تصحيف . ووقع في "ذيل الميزان" على الصواب .
والحديث - قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/319) - :
"رواه البزار موقوفاً ، وفيه علي بن زيد ، وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله
ثقات "!
(فائدة) : لقد كان من الدواعي لتخريج هذا الحديث والكلام على إسناده
وبيان ضعفه : أن أحد الخطباء ذكر في خطبة الجمعة أول هذا الشهر (رجب سنة
1411) قطعة منه ، وهي التي فيها مقاتلة المسلمين للروم "حتى ما تسير الخيل إلا
على الخيل ، والرجل على الرجل ... " ، وقوله : "قال الله تعالى : أسل سيفي ...
وأنتقم من عدوي ، فيجعل الله لهم الدائرة عليهم ، فيهزمهم الله ... " ، وحمل
الحديث على الحرب الطاحنة التي شنها الأمريكان والبريطان وغيرهم - من دول
الكفر والمتحالفين معهم من الحكومات الإسلامية - على العراق ، وبَشَّرَ المسلمين
بأن النصر لهم على الكفار ، وتَخَرَّصَ ؛ فزعم أن ذلك سيكون في الشهر المذكور
بالذات . وبلغني ذلك عن أحد المتصوفة الذين أضلهم الله على علم ، ولا أدري من
هو السابق إلى هذا التخرص منهما ؟!
وأنا - وإن كنت أتمنى مع كل مسلم عاقل غيور أن يتحقق النصر للمسلمين ،
وأن يرجع الكفار عن ديارهم مقهورين مهزومين بفضل رب العالمين ؛ فإنني - أجد
لزاماً علي أن ألفت نظر إخواني المسلمين أن من الفتن التي أصابت كثيراً من
المسلمين : روايتهم بعض الأحاديث - أكثرها ضعيفة - ، وإشاعتها على الناس في
نشرات خاصة - ، حتى أوصل بعضها مَن لا علم عنده إلى المسلمين في أمريكا
وغيرها من بلاد الكفر ، وسُئلت عن الكثير منها من هناك أو غيرها من مختلف
البلاد - كهذا الحديث ؛ فإنه لا يجوز روايتها ونشرها بين الناس إلا بعد أن يتحققوا
من ثبوتها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإلا ؛ دخلوا في وعيد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "من كذب علي
متعمداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار" .
كهذا الحديث : فإنه لا يصح - وبخاصة رواية ابن عساكر - ، ولو أنه صح ؛ لم
يجز تأويله وحمله على هذه الحرب ؛ لأنه صريح في أنه يتحدث عن قتال سيكون
بين يدي نزول عيسى عليه السلام ، وقتاله للدجال واليهود الذين يخرجون معه من
أصبهان - كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة - ، فإن تأويل هذه الأحاديث
على خلاف دلالتها الظاهرة هو نوع من الكذب على قائلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما لا يخفى
على أهل العلم - . وبهذه المناسبة أقول :
بلغني عن بعض من تصوف - بعد هدى كان عليه - أنه يصرح أن المهدي
عليه السلام على وشك الخروج في هذه الأيام ، وقد سمى شهر رمضان من هذه
السنة! وهذا من تخرصاته ، أو وساوس شيطانه ؛ فإنه غيب لا يعلمه إلا الله . بل
هو خلاف ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة ، وما تقتضيه سنة الله الكونية التي
منها ما أفاده قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ،
وذلك أن من المعلوم أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي
دمشق ، وأنه يصلي خلف المهدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وهذا يعني أن عيسى عليه
السلام يكون مع المؤمنين في بيت المقدس حين يحاصره الدجال ، ويكون معه
سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة ، وهذا يعني : أن لا يهود يومئذٍ في
فلسطين ، أو على الأقل في بيت المقدس ، وهذا وذاك يعني : أن دولة اليهود يكون
المسلمون قد قضوا عليها .
وواقع المسلمين اليوم - مع الأسف - لا يوحي بأنهم يستطيعون ذلك ؛ لبعدهم
عن الأخذ بالأسباب التي تؤهلهم لذلك ؛ لأنهم لم ينصروا الله حتى ينصرهم ،
ولذلك فلا بد لهم من الرجوع إلى دينهم ؛ ليرفع الذل عنهم - كما وعدهم بذلك
نبيهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حتى إذا خرج المهدي ونزل عيسى ؛ وجد المسلمين مستعدين
لقيادتهم إلى ما فيه مجدهم وعزهم في الدنيا والآخرة ، فعليهم أن يعملوا لذلك
كما أمر الله تعالى :{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ...} الآية .
(تنبيه) : قوله فِي حَدِيثِ الترجمة :
"فيقتتلون شهرأ واحداً حتى يخوض في سنابكها الدماء" ، وفي رواية ابن
عساكر :
"فيقتتلون شهراً ، لا يكل لهم سلاح ، ولا لكم ، ويقذف الصبر عليكم وعليهم " .
كذا في "تاريخ دمشق " : (الصبر) ، ووقع في "كنز العمال " (14/ 580 - صبع
مؤسسة الرسالة) و (7/259 - طبع حيدر آباد) : (الطير)! فتأوله أحد الخطباء
الجهلة بـ : (الطائرة) التي تقذف القنابل! وهو تأويل بارد ، مع ضعف الحديث .
وقد ساق الشيخ التويجري حديث ابن عساكر بطوله في كتابه "إتحاف
الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" (2/ 241 - 243) ، وسكت
عنه!
الله يبارك فيك أخي
اللهم آمين . وإياكم .