الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
أحييكم بتحية الاسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي طلبة العلم ومشايخنا الفضلاء
نظرا لما نشهده هذا الزمان من تساهل كبير عند الدعاة والخطباء في ضبط المصطلحات الشرعية وإطلاق المصطلحات الوضعية مكانها أردت أن أكتب كلمة يسيرة حول هذا الموضوع لخطورته من أجل أني أفيد بها نفسي واخوتي
فأقول مستعينا بربي:
قبل أن ألج في الموضوع أنبه للعنوان حيث أنه ممكن يعترض معترض عليه فيقول:
الأصل أن تكتب : حكم استبدال المصطلحات الشرعية بالمصطلحات الوضعية
أقول لمن فكر في ذلك وظن صحتَه
هذا مناف لقواعد اللغة العربية بل مخالف للأسلوب القرآني العربي الفصيح والبليغ
لأنه في اللغة الباء تدخل على المُبدَل ـ أي على الذي أُبدل ـ وهذه من قواعد اللغة العربية التي يتغافل عن إدراكها الكثير من طلبة العلم ناهيك عن عامة الناس
ويشهد على ذلك من القرآن الكريم
قول الله عز وجل :
أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
فالباء دخلت على : الذي هو خير ومعلوم عند كل المفسرين إجماعا أن الذي هو خير هو الذي أُبدل
والشواهد على ذلك كثيرة لكن الموطن لا يسمح بذكرها برمتها
والآن سأشرع في بيان الموضوع وتأصيل المسألة مستعينا بربي تبارك وتعالى فأقول وبالله التوفيق:
قال الله عز وجل:
ما فرطنا في الكتاب من شيء
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وسنتي
فتقرر من الآية والحديث وغيرهما من النصوص الشرعية لمن استقرأها أن تظافر الأدلة الشرعية نص على أنه لا يجوز للمسلم أن يعدل عن النصوص الشرعية إلى غيرها لفظا ومعنى لأن العصمة بالاعتصام بهما
وهذا هو عين منهج أهل السنة والجماعة
وإن مما انتهجه أهل السنة والجماعة في بيان الأحكام الشرعية الانضباط بالمصطلحات الشرعية وعدم تغييرها بالمصطلحات المستجدة إذ المقصود حاصل بها والغرض محقق باستعمالها
ولأننا ومع ظهورو الفتن واختلاف الأهواء وتجدد معطيات المسائل ظهرت عندنا مطلحات محدثة وجدنا أن الكثير من الخطباء والدعاة استعملوها في مقالاتهم وخطبهم
فحُق لناأن نقول لهم ناصحين
قال الله تعالى :
(أَتَسْتَبْدِلُ نَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)
فإن قال قائل :
إنكم تجدون المسمى واحد مع اختلاف الأسماء؟؟!!
فلا نقول لمثل هذا إلا:
أنه لما غير أناس الأسماء
قال الله تعالى عنهم:
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ
ثم إن مما نستأنس به في هذا المقام ما أثبته علماء التنمية البشرية من أن التسمية مهما كانت لها تأثير في نفسية الإنسان
هكذا وجدنا ألفاظا شرعية كالجزية هذه الكلمة الطيبة التي سار عليها سلف هذه الأمة، وتقلدها جهابذة أهل العلم وأساطين الأثراستبدلها دعاة بمصطلح يوحي بالذلة والانحطاط، ويشعر في نفس قائله وسامعه أن المتسمى به في ضلال بعيد
فإذا ذهبت تنصح وتبين قيل إنك تتفلسف فالله المستعان.
صحيح أن احتياج البشر إلى بعض المصطلحات الجديدة لا ينافي مشروعيته بشرط أن تكون المعاني صحيحة، لأن بعض الظروف تضطر الناس إلى ذلك، ولكن الشأن في ذلك كله أن لا يكون هذا المصطلح يذم من يدخل في المعاني التي يقصدونها، فكيف إذا عُرِفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وقد عُبِّر عنها؟
فإذا سلمنا جدلا أن هذا المصطلحات الوضعية كالضريبة مثلا يجوز استعمالها
ألا يُراعى جانب الاشتباه؟ ألا يحصل التباس؟
فلماذا نعدل عن المصطلحات الشرعية البينة الظاهرة الصريحة الواضحة القطعية إلى مصطلحات وضعية في الغالب لا تؤتي أكلها
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى (فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب)
ثم أخيرا أختم بنصيحة مفادها مالي:
الواجب على كل مكلف يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعطي كل شيء حقه، من غير غُلوٍّ ولا إيغال، وليَسع دائما أن تكون أقواله وأفعاله موافقة للهدي النبوي الشريف، ولا يعدل به شيئا من أمور الناس مهما كانت، وليحرص عند إطلاق المصطلحات أن يعبر بالحق الذي معه بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية فإن هذا هو سبيل أهل السنة والجماعة، فأما ما يعرض له من المصطلحات المحدثة فلابد من عرضها على الكتاب والسنة للتحقق من صحة دلالتها على المطلوب نزولا عند قوله جل وعلا (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)
وما كان في مقالي من صواب فمن الله وحده
وما كان فيه من خطإ فمن نفسي والشيطان
والله ورسوله من ذلك بريئان
وسأل ربي التوفيق والسداد
وصلى الله وسلم على نبينا محمد