السجن - بكسر السين - المكان الذي يسجن فيه الإنسان ومنه قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [سورة يوسف: 33]. وقد يجيء السجن بالفتح على المصدر يقال سجنه يسجنه سجنا، أي حبسه[1]. وأما تعريف السجن باعتباره مكانا للعقوبة فيعرف - بضم الياء وتشديد الراء - بأنه مكان معد لحبس المجرمين والمتهمين والمحجوزين لمصلحة معتبرة [2].
السجين: سجين؟ نعم، ولكن قلبي معلق بأهلي وأحبابي، نقي المشاعر.
السجين جزء من المجتمع، وإنما عزله عنه موقف معين تحركت فيه كوامن النفس الأمارة بالسوء ودفعته إلى فعل سيئ من الأفعال فاستحق بناء على ذلك عقوبة السجن، وقد يكون السجن لأسباب أخرى غير الإقدام على فعل شيء فقضايا الحياة ومشكلاتها كثيرة وجوانب الاختلاف فيها والخصومة متعددة [3 ].
وعلى الرغم من أن من أهم خصائص العقوبة في الشريعة الإسلامية (وفي القوانين الوضعية) أنها شخصية أي لا تتعدى إلى سوى من صدرت بحقه انطلقا من القاعدة الشرعية {ولا تزر إلا أن تعدي عقوبة السجن ومساوئها لتمتد إلى أسرة السجين ومجتمعه.
بل وإلى الدولة التي ينتمي إليها، فبذلك تكون العقوبة هنا متعدية حتما شئنا أم أبينا ولأبين ذلك أستعرض بإيجاز ما تطرق إليه بعض الباحثين من الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لعقوبة السجن على السجين نفسه وعلى أسرته ومجتمعه والدولة التي ينتسب إليها [4]:
أولا: الآثار النفسية
1. على السجين: تؤدى عقوبة السجن في كثير من الحالات إلى إصابة النزيل ببعض الاعتلالات النفسية الناتجة عن عجزة عن التكيف مع بيئة السجن وكثرة تفكيره سواء في مصير قضيته وما ينتظره من حكم أم في مصير أسرته عقب سجنه أم في مستقبله الوظيفي ومكانته الاجتماعية بعد خروجه مما يوقعه في دائرة القلق والوسواس التي قد تتحول إلى اكتئاب يتطور في بعض حالاته إلى رغبة في إلحاق الأذى بالنفس أو الانتحار كما يصاب بعضهم بما يعرف "بالعدوانية" التي تنتج في الغالب في شعوره بالغبن الذي قد يفسره هو أنه ظلم نتيجة للقبض عليه في قضية من القضايا المثلية أي التي يتكرر وقوعها أكثر من سواها بشكل يومي فإن لم يكتشف فاعلها لن يبحث عنه أحد .. فيرى أن سوء حظه أوقعه في يد العدالة مما يجعله يتساءل كيف أصبح مجرما وأولئك شرفاء؟ كما أن العدوانية قد تتكون لديه نتيجة مقارنته مقدار محكوميته مع سواه من السجناء ممن ارتكبوا نفس فعله.
وتظهر آثار تلك العدوانية في تعامله مع زملائه ومع القائمين على أمره في السجن وقد يحمله معه إلى الأسرة والمجتمع بعد الإفراج عنه.
وقد لا يقتصر الأمر على الصحة النفسية فهناك آثار قد تظهر على الصحة البدنية وخاصة تلك الناشئة عن قلة الحركة وعدم حرق الدهون أو قلة التعرض للشمس.
وتختلف درجة التأثر نفسيا بظروف السجن والسجين وموقف ذويه ومعارفه، ولا يخفى أنه كلما زاد إيمان الشخص بالقضاء والقدر وحسن ظنه في الله وقوي أمله بالفرج كان الأثر النفسي أقل وطأة أو معدوما.
2. على الأسرة: تعاني الأسرة نفسيا في أثناء غياب أحد أفرادها كسجين نتيجة انطوائهم وانعزالهم عن محيطهم تخوفا من تعرضهم للوصم أو التحقير، ومنهم بالأخص الدارسين حيث يمكن أن يقل عطاؤهم بل قد يخفقون دراسيا.
3. على المجتمع والدولة: الأفراد هم مكونات الأسرة والأسر هي مكونات المجتمع فكلما كان هناك أفرادا أو أسرا غير أسوياء من الناحية النفسية فإن المجتمع وبالتالي الدولة يتأثران من جراء ذلك سواء أمن تبعات تصرفات أولئك الأفراد والأسر أم من الأعباء المالية لعلاجهم.
ثانيا: الآثار الاجتماعية
1. على السجين: هناك عبارة تقول: (السجن مقبرة للأحياء، شماتة للأعداء، به يعرف الأصفياء) إذا كان الجزء الأول من هذه العبارة قد اضمحل أو كاد في بعض البلاد حيث تحول السجن فيه إلى دار إصلاح وتأهيل بل ويعمل فيها السجين ويكتسب من داخل سجنه إضافة إلى تواصله مع أسرته من خلال الزيارات .. إلا أن الجزئين الآخرين من العبارة ما زالا قائمين .. فما زال السجن في مجتمعنا شماتة للأعداء وبه يعرف الأصفياء لكن الكثير من أصدقاء السجين ومعارفه يقطعون صلتهم به حتى بعد الإفراج عنه.
كما يمتد الرفض إلى المجتمع نتيجة عدم تقبله للمفرج عنه مما يجعله يعاني مما يعرف (بصدمة الإفراج) .. إضافة إلى عدم قدرته على التكيف مع ما حدث في المجتمع من متغيرات على كافة الأصعدة من عمرانية أو اقتصادية أو غيرهما وما طرأ على ملامح معارفه وملامحه هو من تغيرات قد يشعره وأنه غريب عن هذا المجتمع يتحول كل ذلك إلى إحباط قد يؤدي إلى نقمة على المجتمع وهذا ما يسهل عودته إلى السلوك غير السوي.
وهذا يستوجب تضافر الجهود لإعادة النظر في "السجون" ولاحتواء المفرج عنهم والحيلولة دون عودتهم إلى السلوك السيئ.
2. على الأسرة: إن أهم الآثار الاجتماعية لعقوبة السجن على الأسرة - إذا كان السجين هو الأب - هو غياب الضابط الاجتماعي المتمثل في السلطة الأبوية مما قد يؤدي إلى جعل أفراد هذه الأسرة فريسة سهلة لعوامل الانحراف .. كما تعاني الأسرة من الرفض المجتمعي وربما الأسري كالعزوف عن زيارتهم أو عدم دعوتهم للمناسبات العامة بل ربما تجنب الزواج منهم ..
3. على المجتمع: المجتمع ما هو إلا الأفراد والأسر، إن تأثير هذه المكونات ينعكس على المجتمع بشكل عام .. كما أن المجتمع يتأثر أمنيا من جراء كثرة العائدين إلى ارتكاب الجريمة نتيجة رفضهم اجتماعيا أو من جراء تحول المشكلة من بسيطة إلى مركبة بتفريخ منحرفين جدد (من أفراد أسر السجناء).
ثالثا: الآثار الاقتصادية
1. على السجين: يحدث في أغلب الحالات أن ينقطع مصدر دخل السجين بسبب إيداعه السجن أو ينخفض ​​عن معدله السابق في أحسن الحالات .. هذا الأثر - غالبا - ما يمتد إلى ما بعد الإفراج حيث يخرج السجين وهو يحمل ما يعرف بالسابقة الجنائية التي تمنعه ​​من الالتحاق بالوظائف لفترة تطول أو تقصر.
2. على الأسرة: كما أسلفت فإن انقطاع دخل العائل ينعكس بشكل مباشر على أسرته ويحولهم إلى متلقين للمساعدة .. وهذا ينعكس على نفسياتهم وربما على سلوكهم.
ولا تسل عما يتوقع من وراء ذلك من اضطراب أسري ..
3. على المجتمع والدولة: إن وجود الآلاف من أفراد المجتمع في السجون فيه تعطيل لقدرات أيدي عاملة وعقول مفكرة كان يمكن أن تساهم في بناء وتنمية الوطن ..
وقد يكون البديل عنهم استقدام عمالة وافدة مع ما يترتب على وجودهم في البلاد من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية كان المجتمع في غنى عنها .. كما أن السجين يعد عالة على الخزينة العامة للدولة بما ينفق على رعايته وتأهيله ويمتد هذا الأثر إلى الأسرة حيث تشكل عبئا ماليا على مؤسسات حكومية وخيرية ..
وفي ختام ذكر هذه الآثار السيئة لعقوبة السجن على السجين والأسرة والمجتمع والدولة أود ذكر أمرين:
أولهما: أن أسوأ مساوئ عقوبة السجن على السجين هو اختلاطه بغيره من ذوي السوابق. المتمرسين في الإجرام وأنى للسجين أن يكون بذلك وسيلة لإصلاح السجين وتهذيبه وإعادته للمجتمع فردا خيرا في نفسه نافعا لغيره.
ثانيهما: أن تلك الآثار السيئة لعقوبة السجن للفرد لا تشمل كل من أودع السجن بل هي للأغلب والأعم فهناك من يجعل من سجنه وقتا مستثمرا يصلح فيه شأنه ويصدق توتبه إلى ربه ليعود بالتالي إلى أسرته ومجتمعه فردا صالحا ..
بدائل عقوبة السجن
في البداية أو أن أبين أن الأخذ ببدائل السجن أو ببعضها لا يعني أن جميع الآثار السيئة للسجن - المذكورة آنفا - لن يكون لها أو لشيء منها وجود لكن من المؤكد أن تلك الآثار ستكون بلا ريب أقل بكثير من عقوبة السجن ذاتها وكيف لا وصاحب العقوبة البديلة يكون غالبا قريبا من أسرته بعكس السجين؟! والآن مع استعراض موجز لبدائل السجن التي ذكرها بعض الباحثين والمهتمين بهذا الشأن [5]:
1. الغرامة النقدية: وقد نصت بعض الأنظمة التعزيرية المقننة في بعض البلاد [6]. على عقوبة الغرامة المالية مثل أنظمة الرشوة والتزوير والاختلاس من المال العام وجرائم الشيكات والجرائم المرورية وغيرها.
2. الأساور الإلكترونية: وهي عقوبة تقيد حركة المحكوم عليه في إطار معين لا يتجاوز عدة كيلو مترات.
3. عقوبة الخدمات الاجتماعية: كأن يكلف من صدرت بحقهم هذه العقوبة بفتح طرق أو أن يخدموا مدة في الجيش أو أن يقوموا بتنظيف مسجد الحي أو الشارع خلال مدة محددة .. أو المشاركة في برنامج الحفاظ على البيئة إلخ ..
4. عقوبة الخضوع للمراقبة الاجتماعية كتكليف اختصاصي نفسي أو اجتماعي مراقبة ومتابعة سلوك شاب ..
5. ترحيل الأجانب إلى بلدانهم.
6. عقوبة الإبعاد عن مكان الجريمة (التغريب عن البلد لمدة معينة).
7. التعليم والتثقيف: كعقوبة بدل السجن كحفظ القرآن أو بعضه أو حفظ مجموعة من الأحاديث النبوية أو المتون العلمية أو التكليف بحضور برنامج تعليمي أو حضور دورات توجيهية وتدريبية يكون في نهاية ذلك اختبار فإذا اجتاز يعفى من العقوبة وإن لم يجتز يعاد له البرنامج أو يصدر في حقه عقوبة أخرى.
8. المصادرة أو الإتلاف وخاصة في الجرائم التي تقتضي عقوبتها مصادرة المادة محل الجريمة أو إتلافها وإن كانت هذه العقوبة لا تكفي لوحدها.
9. دفع تعويضات للضحية أو لذويه إذا رضوا بذلك.
10. الحرمان من الإجازة السنوية في العمل.
11. المنع من السفر لمدة معينة.
12. عقوبة الجلد: وهي عقوبة تعزيرية يحددها القاضي.
13. تقييد الحرية كالإقامة الجبرية في مكان معين كالحبس المنزلي وكالعمل في مكان مقفل مثل أن يعمل في مزرعة مقفلة أو مصنع مقفل بحيث يمنع من الخروج من ذلك المكان حتى تنتهي مدة محكوميته.
وختاما نقول: إن كل عقوبة من العقوبات التعزيرية يخضع الأخذ بها لنوع الجريمة ولصفة مرتكبها فهل هو مثلا من أرباب السوابق الإجرامية أم لا؟
وقد يرى القاضي الأخذ بأكثر من عقوبة، وقد يكتفي بالأخذ بعقوبة واحدة وقد يرى تغليظها أو تخفيفها وقد يرى أن الأصح تأجيل تنفيذها.
ويشترط في الأخذ بأي من تلك العقوبات أو غيرها ألا تخالف نصوص الشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية وأن يتحرى من تنفيذها المصلحة المقصودة.
وعن تنوع العقوبات التعزيرية يقول ابن تيمية - رحمه الله -: (فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له، وقد يعزر بهجره، وقد يعزر بعزله عن ولايته وقد يعزر بترك استخدامه في جند المسلمين ويعزر بالحبس، ويعزر بالضرب ..)
ثمت ملحوظة مهمة وهي أنه إذا لم يتم الحزم في تطبيق تلك البدائل للسجن على ما في تطبيق بعضها معاناة فقد لا تؤدي الغرض المقصود و لا تحقق الغاية المرادة.
وفق الله الجميع لما يحبه ربنا ويرضاه والسلام.
للإستزادة يمكن الرجوع إلى:
- كتاب ندوة بدائل عقوبة السجن من إصدار الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية 208 - 1429 ه.
- كتاب تدريس القرآن الكريم في السجون ودور الملاحظة الاجتماعية للشيخ محمد حبيب أحمد مختار.
- ندوة عناية المملكة بالقرآن وعلومه، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
- كتاب الدعوة إلى الله في السجون في ضوء الكتاب والسنة، د. عبدالرحمن بن سليمان الخليفي. الناشر: دار الوطن للنشر 1417 ه.
- مجلة العدل، العدد 43 أ - بحث التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية والاجتماعية، إعداد الشيخ ناصر بن إبراهيم المحيميد، ب - تعميم قضائي: معالجة تكدس السجناء والأخذ ببدائل عقوبة السجن.
- صحيفة الجزيرة العدد الصادر في 25/8/1428 ه: مقال (السجين والمجتمع) للدكتور: عبدالرحمن العشماوي، العدد الصادر في 25/8/1432 ه مقال (إصلاحيات لا سجون) للكاتب أحمد العدل العدد الصادر في 18/5/1428 ه، مقال ( العقوبة واستعادة السجناء إلى المجتمع)، للدكتور مضواح آل مضواح.
- كتاب الإسلام وحقوق الإنسان للكاتب زكي ميلاد، كتاب المجلة العربية 180.
- كتاب أركان حقوق الإنسان، د. صبحي المحمصاني، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، مارس 1979 م.
:: موقع مجلة البيان الالكتروني



[1] القاموس المحيط ح 4 ص 233.
[2] ينظر: تدريس القرآن ص 17.
[3] ينظر مقال السجين والمجتمع في صحيفة الجزيرة الصادرة في 18/5/1428 ه.
[4] تجد تفاصيل ذلك في كتاب: ندوة بدائل عقوبة السجن.
[5] تجد تفاصيل ذلك في كتاب ندوة بدائل عقوبة السجن
[6] مثل المملكة العربية السعودية.