عن ابن عباس " أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره ببعض قوله، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، أخبرنا. فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبركم بما سألتم عنه غدا» ، ولم يستثن، فانصرفوا عنه. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولم يأته جبريل حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، يقول الله تعالى: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا».
أخرجه ابن إسحاق كما في "السيرة" (4/ 182، رقم 257/ تـ حميد الله) - ومن طريقه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (15/ 143)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 269)، وابن حجر في "موافقة الخبر" (2/70 ـ 71)- قال ابن إسحاق حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ... فذكر الخبر.
إلا أنه وقع عند الطبري رجل من أهل مصر قدم مصر ...
وعزاه السيوطي في "الدر المنثو" لابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس، به.
وما أظن أن ابن المنذر وأبا نعيم جاوزا طريق ابن إسحاق.
قال البيهقي: كذا في هذه الرواية أنهم سألوه عن الروح أيضا، وحديث ابن مسعود يدل على أن سؤال اليهود عن الروح ونزول الآية فيه كان بالمدينة، والله أعلم
قلت: وكأن البيهقي – رحمه الله- بهذا يشير إلى نكارة الخبر، وقد أفصح الحافظ العسقلاني عن هذا، فقال كما في الموضع السابق من كتابه: هذا حديث غريب لولا هذا المبهم لكان سنده حسنا لكن فيه ما ينكر وهو السؤال عن الروح ونزول الآية فيها وأن ذلك وقع بمكة والثابت في الصحيحين أن ذلك كان بالمدينة وقع مصرحا به في رواية ابن مسعود. اه.
قلت: يشير الحافظ العسقلاني إلى ما أخرجه البخاري (125 و4721 و7297 و7456 و7462) ومسلم (2794) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث، وهو متكئ على عسيب، إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي فلما نزل الوحي، قال: " {ويسألونك عن الروح، قل: الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85] "
ويحتمل أن قريشا سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح في قصة أخرى مشابهة لما في الصحيحين فقد جاء في جامع الترمذي من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل، فقال: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، قالوا: أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزلت {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر} [الكهف: 109] إلى آخر الآية. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
فالمتأمل لتلك القصتين يستنكر ما جاء عن ابن إسحاق في سبب نزول سورة الكهف مع ضعف إسنادها أيضا، وثمت خلاف أخر على ابن إسحاق إن صح ذلك النقل عنه فقد ذكر أبو القاسم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (ص: 216) نقلا عن ابن إسحاق سندين فقال:
روى محمد بن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه، ... فذكر الخبر.
وهذا ضعيف جدا؛ فقد عنعنه ابن إسحاق، والكلبي هو محمد بن السائب متهم بالكذب، وأبو صالح هو باذام مولى أم هانئ ضعيف الحديث، ولم يسمع من ابن عباس أيضا.
ثم أعقبه أبو القاسم الأصبهاني بسند أخر نقله عن ابن إسحاق فقال:
قال ابن إسحاق فحدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه ... وذكر القصة
قلت: ومحمد بن أبي محمد مجهول الحال، قال الذهبي: لا يعرف.
هذا فيما وقفت عليه من طرق فالخبر منكر متنا ضعيف سندا، والله أعلم.
وقد رأيت بعض إخواني تكلموا على الحديث على موقعنا المبارك هذا وعلى موقع ملتقى أهل الحديث جزى الله القائمين عليه خيرا، لكني لم أجد تخريجا شافيا وكلاما كافيا، بل ورأيت خروجا عن الكلام لأحاديث أخر وردت في فضل قراءة سورة الكهف بعيدا عن قصة سبب النزول، ورأيت بعضهم يقوي الخبر بما يعارضه أعني بالذي جاء في الصحيحين وعند الترمذي فآثرت الكلام عليه باختصار فيما وقفت عليه من طرق فمن زادنا زاده الله خيرا من ذلك ونرجو الإفادة والله المستعان وعليه التكلان.