تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 47

الموضوع: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    موقفه من دعاة تحرير المرأة:
    يقول الأستاذ «سليمان بن صالح الخراشي»: يُعد الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات؛ ممن وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره -لاسيما علم الحديث- مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة. ومثل هذا الجمع لا نكاد نجده إلا في قليل، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان؛ لكي لا ينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة، أو متصدرٍ جهول بشرع الله.
    ومما تميز به الشيخ أحمد شاكر-رحمه الله- كذلك: ذكاؤه المشهود في مواجهة أهل الفساد والانحراف، ومعرفته بطرقهم وأساليبهم الملتوية، ومن طالع مؤلفاته أو تعليقاته على الكتب -لاسيما تعليقاته على مسند الإمام أحمد- عرف هذا؛ فهو جدير بكلمة عمر -رضي الله عنه-: «لستُ بالخب ولا الخب يخدعني».
    وقد اخترت من «جمهرة مقالاته» التي طُبعت في مجلدين هذا العام: موقفًا مفيدًا يشهد لهذا الأمر؛ واجه به دعاة إفساد المرأة المسلمة؛ ممن كانت تعج بهم بلاد مصر ذاك الحين.
    يقول الشيخ -رحمه الله-: (لا يزال كثير من الناس يذكرون ذلك الجدال الغريب الذي ثار في الصحف بشأن الخلاف في جواز ولاية المرأة القضاء! والذي أثار هذا الجدال هو وزارة العدل؛ إذ تقدم إليها بعض «البنات» اللائي أعطين شهادة الحقوق، ورأين أنهن بذلك صرن أهلاً لأن يكنَّ في مناصب النيابة، تمهيداً لوصولهن إلى ولاية القضاء! فرأت الوزارة أن لا تستبد بالفصل في هذه الطلبات وحدها، دون أن تستفتي العلماء الرسميين.
    وذهب العلماء الرسميون يتبارَوْن في الإفتاء!! ويحكون في ذلك أقوال الفقهاء؛ فمن ذاكرٍ مذاهب أبي حنيفة في إجازة ولايتها في الأموال فقط، ومن ذاكرٍ المذهب المنسوب لابن جرير الطبري في إجازة ولايتها القضاء بإطلاق، ومن ذاكرٍ المذهب الحق الذي لا يُجوز ولايتها القضاء قط، وأن قضاءها باطلٌ مطلقاً، في الأموال وغير الأموال.
    ومن أعجب المضحكات في هذا الجدال الغريب: أن تقوم امرأة فتكتب رداً على من استدل من العلماء بالحديث الصحيح الثابت: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة». فتكون طريفة كل الطرافة، وتدل على أنها تكتب بعقل المرأة حقاً، فتستدل على بطلان هذا الحديث؛ بأنه لا يُعقل أن يقوله رسوله الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحُميراء»!! وهي لا تعرف هذا الحديث ولا ذاك الحديث، ولا تعرف أين يوجدان أو يوجد أحدهما، من كتب السنة أو كتب الشريعة أو غيرها؛ لأن كتابتها تدل على أنها مثقفة ثقافة إفرنجية خالصة! ليس لها من الثقافة العربية أو الإسلامية نصيب!
    ووجه العجب المضحك في استدلالها هذا الطريف: أن الحديث الذي استدلت به حديث لا أصل له أبداً، أي هو حديث مكذوب لم يقله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! ولستُ أزعم أنها هي التي اخترعته، فإني لا أظنها تصل إلى هذه الدرجة. ولكنه حديث ذُكر في بعض المصنفات القديمة، ونصَّ حفّاظ الحديث ونقدتُه العارفون العالمون على أنه حديث منكر، لم يجد له العلماء الحفاظ إسناداً قط، بل قال ابن القيم الإمام: «كل حديث فيه يا حميراء، أو ذكر الحميراء، فهو كذب مختلق».
    فاعجبوا –في بلد العجائب- أن تقوم امرأة لا تعرف عن الشريعة شيئاً، إلا أن يكون ما يعرفه العوام، على شك في هذا أيضاً، فتردّ على العلماء الرسميين، وتجزم بتكذيب حديث صحيح ثابت، استناداً إلى حديث مختلق مكذوب ) !!
    إلى أن يقول:
    (سألت وزارة العدل العلماء فأجابوا. ولستُ أدري لِمَ أجابوا؟ وكيف رضوا أن يجيبوا في مسألة فرعية، مبنية على أصلين خطيرين من أصول الإسلام، هدمهما أهل هذا العصر أو كادوا؟!
    ولو كنتُ ممن يُسأل في مثل هذا، لأوضحت الأصول، ثم بنيتُ عليها الجواب عن الفرع أو الفروع.
    فإن ولاية المرأة القضاء في بلدنا هذا، في عصرنا هذا -يجب أن يسبقها بيان حكم الله في أمرين بُنيتْ عليهما بداهةً:
    أولاً: أيجوز في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها ؟!
    إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط، فيما نعلم من تاريخهم، إلا في عهد من أسوأ عهود الظلم والظلام، في عهد التتار، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا من سوء، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره؛ ولذلك لا نجد له في التاريخ الإسلامي –فيما أعلم أنا- أثراً مفصلاً واضحاً إلا إشارةً عالية محكمةً دقيقة، من العلامة الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774).
    ثم ذكر تعليق ابن كثير على حكم التتار بقانونهم الوضعي الذي سموه «الياسق»، ثم قال: (أرأيتم هذا الوصف القوي من ابن كثير في القرن الثامن؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت؟ ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً منهم؛ لأن الأمة كلها الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بالياسق الذي اصطنعه جنكيز خان، يتعلمها أبناؤها، ويفخرون بذلك آباءً وأبناءً، ثم يجعلون مردَّ أمرهم إلى معتنقي هذا «الياسق العصري» ويشجبون من عارضهم في ذلك، حتى لقد أدخلوا أيديهم في التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى «ياسقهم الجديد» بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخُدَع تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطان في الدولة تارات.
    ويصرحون -ولا يستحيون- أنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!! وأنتم ترون ذلك وتعلمون.
    أفيجوز مع هذا لمسلم أن يعتنق هذا الدين الجديد؟ أعني التشريع الجديد! أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به، ذكراً كان الابن أو أنثى، عالما كان الأب أو جاهلاً ؟!
    هذه أسئلة في صميم الموضوع وأصله، يجب الجواب عنه إثباتاً ونفياً أولاً، حتى إذا ما تحقق الجواب بالأدلة الشرعية الصحيحة، التي لا يستطيع مسلم أن يخالفها أو ينفيها أو يخرج عليها، استتبع ذلك –بالضرورة- سؤالاً محدداً واضحاً: أيجوز حينئذ لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا «الياسق العصري» وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة؟!
    ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملةً وتفصيلاً، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتاباً محكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يفتي فتوى صريحة بأن ولاية الرجال القضاء في هذا الحال باطلةٌ بطلاناً أصلياً لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة !!
    ثم يسقط السؤال عن ولاية المرأة هذا القضاء من تلقاء نفسه.
    وثانياً: أيجوز في شرع الله أن تذهب الفتيات في فورة الشباب إلى المدارس والجامعات، لتدرس القانون أو غيره، سواء مما يجوز تعلمه ومما لا يجوز؟ وأن يختلط الفتيان والفتيان هذا الاختلاط المعيب، الذي نراه ونسمع أخباره ونعرف أحواله.
    أيجوز في شرع الله هذا السفور الفاجر الداعر، الذي تأباه الفطرة السليمة والخلق القويم، والذي ترفضه الأديان كافة على الرغم مما يظن الأغرار وعبَّاد الشهوات؟!
    يجب أن نجيب عن هذا أولاً، ثم نبحث بعدُ فيما وراءه.
    ثم يسقط السؤال عن ولاية المرأة القضاء من تلقاء نفسه.
    ألا فليجب العلماء وليقولوا ما يعرفون، وليبلّغوا ما أُمروا بتبليغه، غير متوانين ولا مقصرين.
    سيقول عني عبيد «النسوان» الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاؤوا، فما عبأت يوماً ما بما يقال عنّي، ولكني قلت ما يجب أن أقول ). انتهى كلامه رحمه الله [6] رحم الله الشيخ «أحمد شاكر» الذي تنبه إلى مكر أهل النفاق وتلبيسهم؛ عندما يتظاهرون بتعظيم الشرع ومرجعيته في بعض الفروع، وهم ينقضون أصوله؛ ثم يأتي بعض السُذج - مهما بلغ علمه - فيُصدقهم ويتجاوب معهم؛ ولم يدرِ المسكين أنه يعينهم على هدم الشريعة والأخلاق.
    وخذ مثلا لهذا: خوض هؤلاء المنافقين في قضية كشف الوجه، وأن فيها قولين، وأنهم كأهل الإيمان يبحثون عن القول الراجح!! فيصدقهم بعض المتصدرين للفتوى، ويذكرون الخلاف والأدلة..الخ ؛ وما علم هذا المتصدر وأمثاله أن القوم لا يعبأون بأقواله ولا بشرعه! وأنهم إنما يجعلونه سُلمًا وخطوة أولى لإفسادهم.
    وأذكر أن امرأة تعمل في إخراج الأفلام! لا تظهر في الصحف والقنوات إلا متبرجة قد أبدت شعرها ونحرها وذراعيها وساقيها، صرحت لإحدى الصحف بأن كشف الوجه فيه قولان! وأنها قد سألت الشيخ الفلاني عن هذا !!
    اللهم هيئ لأمة الإسلام علماء أفذاذ من أمثال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- ممن جمعت لهم بين العلم والذكاء، وجنبهم كل مغفل ساذج. والله الموفق..
    الوظائف التي شغلها:
    بعد حصوله على شهادة العالمية سنة (1917م) عين بمعهد عثمان ماهر لمدة أربعة أشهر، ثم انتقل إلى القضاء الشرعي وتدرج في مناصبه حتى صار قاضيا بالمحاكم الشرعية ثم عضوا بالمحكمة العليا، وأحيل إلى التقاعد في (1952م) ببلوغه سن الستين. وتفرغ بعدها لأعماله العلمية حتى وفاته.
    عمل مشرفًا على التحرير بمجلة «الهدي النبوي» سنة (1370هـ)، وكان يكتب بها مقالاً ثابتًا بعنوان: «اصدع بما تؤمر»، وقد جمعت بعض هذه المقالات ونشرت في كتاب بعنوان «كلمة الحق».طبعته دار الكتب السلفية.
    وتوفي يوم السبت 26 ذي القعدة سنة (1377هـ) الموافق 14يونيو سنة (1958م).
    مصادر الترجمة:
    • الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية - فاطمة محجوب، نشر دار الغد العربي، ص 687.
    • الرسالة للشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص 8.
    • من العلماء الرواد في رحاب الأزهر - المستشار محمد عزت الطهطاوي. ص 576 -580.
    • الأعلام للزركلي، الجزء الأول، ص 253.
    • الشيخ أحمد محمد شاكر حكمت الحريري.
    • ذكاء عالم... (موقف الشيخ أحمد شاكر من دعاة إفساد المرأة بمصر) سليمان بن صالح الخراشي.
    [1] الرسالة للشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص 8.
    [2] مقدمة كتاب الثقات
    [3] لسان الميزان : 1/3
    [4] مجلة الهدي النبوي، العدد17، ص 21- 26، شعبان 1357هـ.
    [5] نشر في مجلة الهدي النبوي المجلد الخامس عشر، والسادس عشر، وهي في كتاب (كلمة الحق) الذي جمع مقالات الشيخ-رحمه الله- وقدم له الأستاذ عبد السلام هارون، وترجم للمؤلف محمود شاكر، رحم الله الجميع.
    [6] جمهرة مقالات الشيخ أحمد شاكر ، جمع الأستاذ عبد الرحمن العقل ، 598-591/2.

    رابط الموضوع: ط£ط*ظ…ط¯ ظ…ط*ظ…ط¯ ط´ط§ظƒط±.. ط¥ظ…ط§ظ… ط£ظ‡ظ„ ط§ظ„ط*ط¯ظ?ط« ظپظ? ط¹طµط±ظ‡ - ط³ظ?ط± ظˆط?ط±ط§ط¬ظ… ظˆط£ط¹ظ„ط§ظ… - ظ…ظˆظ‚ط¹ ط«ظ‚ط§ظپط© ظˆظ…ط¹ط±ظپط© - ط´ط¨ظƒط© ط§ظ„ط£ظ„ظˆظƒط©
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    العلامة المحقق محب الدين الخطيب
    عالم جليل، سارَ ذكره في آفاق العروبة والإسلام طوال القرن الماضي، وما يزال الناس يذكرونه بالخير، فقد كان علماً في رأسه نور، وفي قلبه نور، وفي لسانه نور، وفي قلمه نورٌ وشواظ من نار تحرق أعداء العروبة والإسلام في كل مكان، عرباً مستغربين، وغربيين مستشرقين.
    هو محب الدين بن أبي الفتح بن عبد القادر بن صالح بن عبد الرحيم بن محمد الخطيب، أصل أسرته من بغداد من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني. هاجرت أسرته إلى «حماة» في بلاد الشام، ونزح فرع منها إلى قرية «عذراء» وفريق إلى دمشق، وصارت من أكبر الأسر الدمشقية عدداً، ومن أجلّها علماً وفضلاً.
    ولد العلامة محب الدين الخطيب في «حي القيمريّة» بدمشق في الشهر السابع من سنة (1303هـ = 1886م).
    كان أبوه الشيخ أبو الفتح الخطيب من أفاضل رجالات دمشق، وكان أمين دار الكتب الظاهرية، وتولى التدريس والوعظ في الجامع الأموي، وكان زاهداً، متقشفاً، يكره معاشرة الحكام، وله «مختصر تاريخ ابن عساكر» في خمسة أجزاء، و«مختصر تيسير الطالب» و «شرح للعوامل».
    وأمه السيدة آسية الجلاد بنت محمد الجلاد - المزارع الكبير - تقية صالحة مشهورة بالفضل وعمل الخير، ومن أسرة دمشقية كريمة عريقة، وقد توفيت بريح السموم بين مكة والمدينة، بعد أن أدّت فريضة الحج، ودُفنت هناك في الفلاة، وكان محب الدين طفلاً صغيراً، ماتت وهو في حجرها.
    نشأته وطلبه للعلم:
    نشأ محب الدين الخطيب في هذه الأسرة الكريمة ذات الدين، والخلق، والعلم، وكفله والده ليعوضه حنان الأم، وعند رجوعه إلى دمشق من رحلة الحج ألحقه والده وهو في السابعة بمدرسة «الترقي النموذجيّة»، وحصل منها على شهادة إتمام المرحلة الابتدائيّة بدرجة جيد جداً، ثمّ التحق بمدرسة «مكتب عنبر»، وبعد سنة توفي والده.
    رأت أسرته بعد وفاه الوالد أن يترك المدرسة، فتركها ولازم العلماء، وكان في هذه الفترة الشيخ «طاهر الجزائري» -المشرف على المكتبات والمدارس في بلاد الشام- غائباً عن دمشق، فلمّا عاد -وكانت بينه وبين أبي الفتح الخطيب صلة ومودة وإخاء- وعلم بموت والد محب الدين احتواه، وعطف عليه، ووجهه نحو العلم لينهل منه، ويتضلّع من مشاربه، وغرس فيه:
    • حب قراءة التراث العربي الإسلامي.
    • حب الدعوة إلى الله.
    • التحريض على إيقاظ العرب ليقووا على حمل رسالة الإسلام، فهم مادة الإسلام.
    ولذلك كان يقول عنه العلامة محب الدين الخطيب: «من هذا الشيخ عرفت إسلامي وعروبتي».
    وسعى شيخه الجزائري ليخلف «محب الدين» أباه في دار الكتب الظاهريّة على أن ينوب عنه من يقوم بها حتى يبلغ سن الرشد، وفي فترة الانتظار كان ينتقي لتلميذه «محب الدين الخطيب» مخطوطات من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية وأضرابه فيكلّفه بنسخها. وانتفع «محب الدين» بهذا العمل من ناحيتين:
    أ- توسعت ثقافته العلميّة، وترسخ في العلم وبخاصّة انتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته السلفيّة، فاستفاد بذلك اطلاعاً على الإسلام المصفّى من البدع والخرافات والأوهام.
    ب- أشغل وقته وانتفع بأجرة النسخ.
    كما وجه الشيخ الجزائري تلميذه للالتحاق مرة ثانية بمكتب عنبر. وأوصاه بالتردد على العلماء: أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم، حيث كانت لهم غرف في مدرسة «عبد الله باشا العظم»...في هذه الفترة المبكرة تفتحت آفاق التفكير العلمي عند محب الدين الخطيب، وانتفع بما تلقاه في المدرسة من علوم كونيّة، وأضاف إليها مطالعاته المتواصلة في دار الكتب الظاهريّة، واطلاعه على المجلات الكبرى في عصره: المقتطف، الهلال، الضياء.
    وفي هذه الفترة كان يبث أفكار شيخه الجزائري، ويكتب المقالات العلميّة والقطع الأدبيّة التي يعربها من التركيّة، ويرسل بها إلى صحيفة «ثمرات الزمان» في بيروت.
    وكان «محب الدين» كثير القراءة في سائر علوم الشريعة، والعربية، والعصرية، وكان حّبه للعربية والعرب شديداً، وكان يرى أن الله تعالى اختص العرب بصفات ومزايا تجعلهم أصحاب رسالة، ومسؤولين عن القيام بأمر العقيدة الصحيحة السليمة.
    رحلاته العلميّة والدعويّة:
    بعد أن أنهى الخطيب دراسته الثانويّة عام (1906م) في بيروت، انتقل إلى عاصمة الخلافة: «إسلامبول» المعروفة يومئذٍ بـ «الأستانة»، وهي «القسطنطينيّة» والتحق بكليتي الآداب والحقوق.
    نزل هناك في حي يكثر فيه أبناء العرب وطلاب العلم، ورأى هناك أمراً عجباً…الطلاب العرب يجهلون قواعد لغتهم، وإملاءها، وآدابها، ويتكلّمون بينهم برطانة الترك، فانتخب الشيخ محب الدين الخطيب من الشباب العربي طائفة أقنعها بوجوب تعلّم لسان العرب، واتفق مع صديقه الأمير «عارف الشهابي» أن يقوما على تعليم هؤلاء الشباب العرب لغتهم، وبعد فترة أسسوا «جمعية النهضة العربيّة»، وكان صديقه العلامة الأستاذ «محمد كرد علي» يرسل إليهم الصحف بالبريد.
    شعر الأتراك الاتحاديّون الذين انقلبوا على الخلافة العثمانيّة بكيد من يهود الدونمة، وأبقوا للخليفة الاسم ولهم الرسم .. شعروا بنشاط «جمعيّة النهضة العربيّة» فداهموا غرفة الشيخ محب الدين الخطيب، ووجدوا فيها أوراقاً وصحفاً عربيّة، وكاد الشيخ أن يهلك لولا أنّ الله قيّض له رجلاً كانت تربطه بأسرته روابط قويّة.
    اشتدت الرقابة الاتحاديّة على الشيخ فغادر «الأستانة» بعد الانتهاء من السنة الثالثة إلى دمشق. ثم اختير الشيخ للعمل في اليمن وانتقل إليها، وفي طريقه إلى اليمن توقف في مصر، ليلتقي شيخه الشيخ طاهر الجزائري، وصديقه محمد كرد علي، واتصل فيها بأركان «جمعية الشورى العثمانية» الذين كانوا يطالبون بالحكم النيابي، وإعلان الدستور، ووضع حدّ للحكم الفردي، وكان منهم: الشيخ رشيد رضا، ورفيق العظم، والأديب التركي عبد الله جود .. وسواهم، وفوّضوه بتأسيس فرع جديد لجمعيتهم في اليمن، والبلاد العربية، من الرجال الصالحين.
    ونشط في اليمن نشاطاً عظيماً في ميادين: السياسة، والصحافة، والطباعة، والتعليم، والنشاط الاجتماعي، والثقافي، الأمر الذي جعل الأجهزة تراقبه وتضايقه.
    ولمّا أعلن الدستور العثماني سنة (1908م) رجع إلى دمشق، وأصبح يطالب مع إخوانه هناك بحقوق العرب التي تنكرت لها حركة التتريك، وفي هذه الرحلة شارك في تحرير جريدة هزلية «طار الخرج»، فانتبهت السلطات الحكوميّة للجريدة، فسافر الشيخ إلى بيروت، فأمرت الحكومة بملاحقته، فانتقل إلى القاهرة، وهناك شارك في جريدة «المؤيد»، وفي سنة (1913م) أسس الشيخ (محمد رشيد رضا) مدرسة «الدعوة والإرشاد» فدرّس فيها الشيخ محب الدين.
    وعندما قامت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت الثورة العربيّة الكبرى، طلبه الشريف الحسين بن علي برقياً فسافر إلى مكة فأسس المطبعة الأميريّة، وأصدر جريدة «القبلة» الناطقة باسم حكومة الحجاز، وكان الشريف حسين يستشيره في كثير من الأمور الخارجيّة مع الشيخ (كامل القصاب).
    ولمّا دخل العرب دمشق عام (1918م) بقيادة الأمير فيصل، عاد الشيخ محب الدين الخطيب، وأنيط به إدارة وتحرير الجريدة الرسميّة للحكومة باسم «العاصمة».
    ولمّا دخل الفرنسيون عام 1920م دمشق، غادر الشيخ محب الدين إلى مصر، واستقرّ في القاهرة، حيث عمل في تحرير جريدة «الأهرام» خمس سنوات، وهناك أسس المكتبة السلفيّة ومطبعتها، حيث قام بطباعة الكتب السلفيّة، ونشر كثيراً منها، وأصدر «مجلة الزهراء»، وهي مجلة أدبيّة اجتماعيّة دامت خمس سنين.
    ثمّ أسس مجلة «الفتح» التي تعتبر إلى يومنا هذا من أقوى المجلات الإسلامية التي ظهرت في العالم العربي .. لقد استمرت مجلة الفتح تصدر خمسة وعشرين عاماً في مرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث، وقد تبنت الفتح في تلك المرحلة العصيبة قضايا العلم الإسلامي واستقطبت حولها كتاب العالم الإسلامي كله، وتصدت للدفاع عن حقائق الإسلام وحقوق المسلمين.
    وقد بين -رحمه الله- الفكرة الداعية إلى إصدار الفتح في إحدى افتتاحياتها فقال: «إن الفتح أنشئت لمماشاة الحركة الإسلامية، وتسجيل أطوارها، ولسد الحاجة إلى حاد يترنم بحقائق الإسلام، مستهدفاً تثقيف النشء الإسلامي، وصبغه بصبغة إسلامية أصيلة يظهر أثرها في عقائد الشباب وأخلاقهم وتصرفاتهم، وحماية الميراث التاريخي الذي وصلت أمانته إلى هذا الجيل من الأجيال الإسلامية التي تقدمته» [العدد الأول من عام 1353هـ].
    ومن هذه الكلمة الجامعة يبدو أن الفتح كانت مدرسة كبرى تعنى بتثقيف الجيل المسلم وتربيته ومعالجة قضايا واقعه على اختلاف أنواعها. وفي مدة ربع قرن من الزمان والفتح تفتح آفاقاً جديدة أمام المسلمين من الوعي الإسلامي الصحيح، والفكر السياسي النير، والمعالجة السليمة لقضايا العالم الإسلامي على ضوء هذا الدين الحنيف، وبعد هذا الجهاد المرير مع مختلف أعداء الإسلام في الحاضر والماضي على صفحات الفتح، اضطر محب الدين رحمه الله إلى إيقافها.
    وحينما سئل عن سبب ذلك قال: «أوقفتها حينما أصبح حامل المصحف في هذا البلد مجرماً يفتش ويعاقب».
    ولكن إذا توقفت الفتح فإن محب الدين لم يتوقف، وإنما استمر في طريقه الذي اختطه لنفسه من نصرة هذا الدين حتى الرمق الأخير. فإلى جانب التحقيق والتعليق وكتابة الرسائل والإشراف على ما يطبع في مطبعته الكبيرة، تولى رئاسة تحرير «مجلة الأزهر» لمدة ست سنوات.
    وقبل ذلك كان قد أسس «جمعية الشبان المسلمين» بالتعاون مع عدد كريم من شخصيات مصر وعلمائها وعلى رأسهم العلامة المحقق (أحمد تيمور) والشيخ الجليل (محمد الخضر حسين) شيخ الأزهر الأسبق وغيرهما.
    وعن غايته من تأسيس هذه الجمعية يقول -رحمه الله-: «كنت أنا وأحمد تيمور باشا والسيد محمد الخضر حسين حريصين على أن تكون هذه المؤسسة الأولى للإسلام في مصر قائمة على تقوى من الله وإخلاص، وكنا حريصين على أن يتولى إدارتها رجال يعرفون كيف يصمدون لتيار الإلحاد الجارف بعد أن استولى المتابعون للاستعمار على أدوات الثقافة والنشر في العالم الإسلامي وفي مصر على الخصوص».
    ويقول أيضاً: «وكانت الجمعية حدثاً كبيراً من أحداث الحركة الإسلامية لأن دعاة الإلحاد والتحلل كان قد استفحل أمرهم وظنوا أن قيادة الأمة قد أفلتت من أيدي ممثلي الإسلام وانتظمت إلى أيديهم».
    وهذه الجمعية وإن تغيرت كثير من الغايات التي وجدت لأجلها فإنها لا تزال قائمة إلى يومنا هذا ولها مجلتها الناطقة باسمها، ومن على منبرها وفي مواسمها الثقافية استمعنا لعدد كبير جداً من علماء مصر ومفكريها.
    وقد أحدث قيام جمعية الشبان المسلمين في القاهرة ردة فعل شديدة لدى دعاة الإلحاد والعلمانيين والمبشرين، فتربصوا بالشيخ محب الدين حتى وجهوا أنظار النيابة العامّة إلى مقال كتبه بعنوان: «الحرية في بلاد الأطفال» نال فيه من كمال أتاتورك، فقُبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة شهر.
    وعلى أثر سوء تفاهم مع القائمين على الأزهر استقال رحمه الله من رئاسة تحرير مجلة الأزهر، وكان ذلك آخر عمل رسمي له، ثم انزوى في مكتبته ومطبعته، وقطع تقريباً كل صلة له بذلك المجتمع، وانكب على التأليف والتحقيق، وحتى الأعمال التجارية الصرفة كانت شبه مقطوعة مع المكتبات المصرية، وكان جل تعامله في آخر أمره مع المؤسسات والمكتبات السعودية.
    واليوم الوحيد الذي كان يخرج فيه إلى المجتمع من جزيرته الهادئة القصية هو يوم الجمعة بعد العصر حيث يذهب إلى سوق الكتب المقامة على سور حديقة الأزبكية في القاهرة، ويشتري من الكتب المختلفة القديمة والحديثة، وكان يحملها بيديه الكليلتين وعلى كاهله أعباء الثمانين، ويتمايل في مشيته ويتعثر حتى يجد سيارة تقله إلى بيته، وقد ثابر على هذه العادة الكريمة إلى ما قبيل وفاته -رحمه الله-، وقد جمع من ذلك مكتبة ضخمة خاصة به، فاقت -على ما يبدو- كل مكتبة خاصة في مصر ماعدا مكتبة العقاد، حيث بلغ تعداد كتبه الخاصة ما يزيد على عشرين ألف كتاب، وكانت فهارسها تبلغ خمسة وستين مصنفاً.
    وكان رحمه الله قد جعلها قبل وفاته وقفاً على أهل العلم من ذريته، وقد بنى ولده (قصي) داراً جديدة في محلة الدقي في القاهرة، وخصص الطابق الأول منها لتلك المكتبة، كما قال ذلك هو رحمه الله.
    ولقد كان رحمه الله محتفظاً بحيويته حتى أواخر أيام حياته، وكان يعزو ذلك إلى اعتداله في حياته كلها في مأكله ومشربه ومنكحه. وكان ذا صبر وجلد على العمل لا يعرف معهما السامة والملل. وكان منظماً في شؤونه كلها، عصامياً في تدبير أمره وتكوين ثروته، وبناء حياته وشخصيته.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    السياسي:
    كان محب الدين حركة دائبة، ورجل سياسة وإعلام وثورة وإصلاح، شارك في العديد من الجمعيات والهيئات والأحزاب التي يراها سليمة التوجه، ومنها حزب «اللامركزية العثماني»، برئاسة رفيق العظم، وعضوية الشيخ محمد رشيد رضا، وكان محب الدين عضواً في مجلس الإدارة، وأميناً للسرّ.
    ومنها جمعية «العربية الفتاة» ذات الدور الكبير في السياسة.
    وكان مشرفاً على اللجان التي تشكلت لجمع المال من أجل المجاهدين الذين يستعدون لملاقاة الفرنسيين الغزاة في «ميسلون» قرب دمشق.
    وكان محب الدين رجل مؤسسات، ولذلك كان يبادر إلى تأسيس الجمعيات، والعمل في الأحزاب.
    الجمعيات:
    السيد محب الدين ذو عقلية منظمة، يدرس الأمور دراسة منهجية، ويخطط لغده، ثم يقدم.
    وكان من توجيه أستاذه الشيخ طاهر الجزائري، أن يعمل على إيقاظ العرب من غفلتهم، وهذا ما حداه لأن يعمل في أوساط الطلبة العرب في الآستانة، ويقوم بعملية توعية لهم بلغتهم، وبأمتهم، وما يحيط بها من أخطار، وقد بادر إلى تشكيل جمعية النهضة العربية معهم.
    ثم اضطر بعد ملاحقته إلى مغادرة الآستانة إلى دمشق، وأسس فيها فرعاً لجمعية النهضة العربية.
    وكان من الأعضاء العاملين في جمعية الشورى العثمانية.
    وكان أمير سر جمعية «التعارف الإسلامي» التي أسسها رشيد رضا.
    وفي القاهرة كان صاحب فكرة تأسيس جمعية الشبان المسلمين، وأحد مؤسسيها البارزين، وأمين سرّها.
    الصحفي:
    نستطيع أن نقول أن السيد محب الدين الخطيب هو رائد الصحافة العربية الإسلامية، فقد كان صحفياً بالفطرة، بدأ الكتابة في الصحف وهو ما يزال تلميذاً في «مكتب عنبر»، وأخذ ينشر ما يكتب وما يترجم عن اللغة التركية في صحيفة «ثمرات الفنون» البيروتية.
    وعندما عمل في مدينة الحديدة باليمن، أسس شركة مساهمة للصحافة والطباعة، وأصدر جريدة باسم «جريدة العرب» وأنشأ مطبعة باسم «مطبعة جزيرة العرب».
    وعندما رجع إلى دمشق، شارك العاملين في جريدة القبس، بتحرير الملحق الأدبي للجريدة «طار الخرج» الكوميدية الناقدة التي أقبل الجمهور على شراء العدد الأول منها بأضعاف ثمنه.
    شارك في تحرير «جريدة المؤيد» وترجم ونشر فيها الكثير عن أعمال المبشرين البروتستانت، نقلاً عن مجلتهم «مجلة العالم الإسلامي» الفرنسية، وفضح ما يراد بالمسلمين من شرّ على أيديهم وعقولهم الملوّثة، وكان له من ذلك كتاب «الغارة على العالم الإسلامي» الذي كان له دويّ في العالم الإسلامي.
    وفي الحجاز عمل مع الشريف حسين، وحرر له جريدة «القبلة».
    وعندما ترك الحجاز وعاد إلى دمشق، تولّى إدارة الجريدة الرسمية «العاصمة» وتحريرها، وكتب فيها مقالات رائعة.
    وعندما قرر الاستقرار في مصر، عمل في تحرير جريدة الأهرام نحواً من خمس سنين، وأنشأ المكتبة السلفية، والمطبعة السلفية، بثمن بيته الذي باعه في دمشق.
    وأصدر مجلة الزهراء الشهرية، وهي مجلة أدبية اجتماعية ذات طابع أكاديمي (1343هـ - 1924م) ولكنها كانت تلهب المشاعر، وتوقد العواطف كدأب محب الدين في مقالاته وأبحاثه.
    ثم أصدر جريدة «الفتح» من (1344 - 1367هـ) وهي مجلة إسلامية أسبوعية، تركت لنا حصيلة ضخمة من الثقافة والفكر والتاريخ والسياسة.
    والزهراء والفتح هما امتداد لمجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا، التي هي امتداد للعروة الوثقى، وكان محب الدين من كتّاب المنار المهمّين.
    ثم تولّى رئاسة تحرير مجلة الأزهر، وكانت افتتاحياته فيها نارية، صبّ فيها الكثير من نفسه وعقله وتوهّج عواطفه.
    مجلة الفتح:
    تعرّضت مصر في مطلع القرن العشرين ميلادي إلى شلاّل هادر من قوى الغزو الفكري المدمّر، يمارس العبث بثوابت الأمّة الإسلامية وتخريب قيَمِها الأصيلة مشمولاً برعاية الاستعمار الإنجليزي الجاثم على أرض الكنانة آنذاك، والذي كانت تلوذ به وتنضوي تحت جناحه هذه القوى المخرّبة.
    ولقد بلغ هذا المدّ الطامي مداه حينما أصدر (طه حسين) كتابه: «الشعر الجاهلي» الذي شكّك في وجود إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- رغم ذكرهما في القرآن الكريم.
    وكذلك كتاب الشيخ (علي عبد الرازق) الموسوم بـ «الإسلام وأصول الحكم» الذي أنكر فيه وجود نظام سياسي في الإسلام، وادّعى بأنّ الإسلام دين روحي فقط ولا يختلف في هذا السبيل عن النصرانية، ليوفّر بذلك تبريراً «شرعيّاً» يهوّن على المسلمين مصيبة إلغاء الكماليّين للخلافة الإسلامية، وتحويلها إلى دولة علمانية.
    في مواجهة هذا البحر الهائج المتلاطم من الغارات الوقحة على مسلّمات الأمة وثوابتها، انبعثت صرخات مخلصة تذبّ عن دينها وهويّتها، إلاّ أنها كانت أصواتاً مبحوحة ومشتـّـتـة تفتقد عوامل الترابط والتنظيم، فضاعت أصداؤها في خضمّ هدير أمواج التغريب والغزو الفكري الصاخبة.
    وفي عام (1926م) التقى مجموعّة من الشباب المسلم المتحمّس في دار المطبعة السلفية في شارع خيرت في القاهرة، منهم: محب الدين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، وأبو بكر يحيى باشا، وعبد الرحمن قراعة، والسيّد محمد الخضر حسين، وعلي جلال الحسيني، وغيرهم من الشباب المسلم الذي ذهبت نفسه حسرات على ما آل إليه الحال في أرض الكنانة من عدوان سافر على ثوابت الأمة وهويّتها العربية الإسلامية، وآلمه الضعف الذي اعترى المسلمين فمنعهم من الدفاع عن دينهم.
    فتمخّض هذا الاجتماع عن إنشاء جمعية لمقاومة هذه الانحرافات ومجالدة المفسدين بالحجة والبيان.
    وبعد إنشائها بأشهر بدا لهم أن الجمعية بحاجة إلى صحيفة تعبّر عن رأي هذه الجمعية، وتساهم في توصيل أفكارها لأكبر شريحة من الرأي العام ولاسيما الشباب المثقف المسلم.
    لكن الحصول على امتياز صحيفة إسلامية في ظل تلك الظروف كان أشبه بالمستحيل، بيد أن الأستاذ الجليل «أحمد تيمور باشا» -رحمه الله- بذل جهوداً طيبة ومشكورة لاستصدار امتياز مجلّة، فوُفّق في هذا السبيل، وأصدرت تلك المجموعة مجلّة أُطلِق عليها اسم «الفتح»، وصدر أوّل عددٍ منها في يوم 29 ذي القعدة من عام (1344هـ)، الموافق 1 يونيو (1926م)، وتسلّم رئاسة التحرير فيها الشيخ الأزهري «عبد الباقي سرور»، ثم بعد ذلك تولى دفّتها الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمهما الله - حتى إغلاقها.
    وكانت المجلّة في موضوعاتها ومادّتها الإعلامية سيفاً مصلتاً في نحور دعاة الغزو الفكري والتغريب والتنصير والاستشراق، هذا إلى جانب اهتمامها بأحوال المسلمين في كل مكان، فسدّت بذلك ثغرةً كبيرةً رغم إمكانياتها المتواضعة، وضيق هامش الحرية الممنوح لها.
    كانت مجلة «الفتح» بحق منبراً حراً أصيلاً لا نظير له، بفضل الروّاد والعمالقة من أمثال: أحمد محمد شاكر، وأخيه محمود، وشكيب أرسلان، ومصطفى صادق الرافعي، وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية مصطفى صبري، ومحمد الخضر حسين، وعلي الطنطاوي، وتقي الدين الهلالي، وغيرهم ممن طرّزوا حواشي هذه المجلة بإبداعاتهم، وآثارهم القيّمة.
    المجلة والتغريب والغزو الفكري:
    تولّت المجلة مهمّة الردّ على «طه حسين» بعد إصداره كتابه «الشعر الجاهلي» الذي تضمّن جرأة كبيرة على القرآن الكريم، وأشعل بكتابه هذا فتيل المواجهة بين طه حسين وحزبه التغريبي وبين العلماء والدعاة، فانبرى له العديد من كُتّاب «الفتح» وفنّدوا شبهاته وآرائه الخطيرة أمثال: عبد الرزاق الحسني، وعبد الباقي سرور، وغيرهم، وعن هذه المعركة تقول المجلة مشيرةً إلى مصدر أفكار طه حسين: «ما في الكتاب من مسألة إبراهيم وإسماعيل مسروق من كلام جهلة المبشرين كصاحب مقالة في الإسلام، وما ذكر عن الشعر الجاهلي مسروق من متعصّبة المستشرقين لمرجليوث، فالفكرة على سخافتها ليست له في الموضعين» وتابعت المجلة تطوّرات قضية طه حسين في المحاكم المصرية، ومحاضر التحقيق والاستجواب، وما صدر بحقه من أحكام.
    وإلى جانب الرد على طه حسين تصدّت المجلّة إلى افتراءات وهجمات دعاة التغريب في مصر، أمثال: أحمد لطفي السيد، وسلامة موسى، وتوفيق الحكيم، وحسين فوزي، وميشيل عفلق، ومحمود عزمي، وإسماعيل أحمد أدهم، وغيرهم.
    ومما يجب أن يُذكر في هذا المقام أن مجلة الفتح قد أحرزت قصب السبق في كشف حقيقة الحركة الماسونية في وقت كان الغموض يلفّها ويسدل حولها ستاراً كثيفاً من التعتيم والتزييف، إذ تقول المجلة: «إن جل نبغاء المسلمين المستورين كانوا يدينون بالماسونية أكثر مما يتظاهرون بالإسلام، والماسونية بُنيت قواعدها على صرح سليمان لأنها ظاهراً إنسانية وباطناً صهيونية محضة، والدليل على ذلك أنها اليوم لم تتظاهر بعاطفة نحو ضحايا اليهود، وإنما تظهر الجمود وتعمل سرّاً لقمع التعصّب الإسلامي ابتغاء حماية اليهود، فكان المسلمون يخافون من كلمة التخويف «التعصب الإسلامي» التي كان يلقيها الأوروبيون لإرهاب العالم فلذلك اجتنبوا كل سعي شريف إرضاء للأجانب»-.
    الفتح والفرق الضالة المنتسبة للإسلام:
    لقد اضطـلعت المجلة منذ أعدادها الأولى في الردّ على الفرق الباطنية المنتسبة للإسلام، وكشف النقاب عن جذورها الفكرية والعقائدية، تقول المجلة في مجلدها الأول: «هذه النحلة من ولائد الباطنية تغذّت من ديانات وآراء فلسفية ونزعات سياسية، ثم اخترعت لنفسها صورة من الباطل وخرجت تزعم أنها وحي سماوي، تقوم دعوة الباطنية على إبطال الشريعة الإسلامية، أصلها طائفة من المجوس راموا عند شوكة الإسلام بتأويل الشريعة على وجوه تعود إلى قواعد أسلافهم، وقالوا لا سبيل إلى دفع المسلمين بالسيف لغلبتهم واستيلائهم على الممالك، ولكننا نحتال بتأويل شرائعهم إلى ما يعود إلى قواعدنا ويستدرج الضعفاء منهم، فإن ذلك يوجب اختلافهم واضطراب كلمتهم».
    وركّزت المجلة في هذا السياق على طائفة «القاديانية» الخبيثة التي انتشرت في القارة الهندية وبدأت تغزو العالم الإسلامي، فقالت المجلة: «ادّعى ميرزا غلام أحمد النبوة وأنه هو المسيح الموعود، وبعد أن ادعى النبوة وأنه أوحي إليه من الله تعالى بدأ يدعو الناس لأتباعه، فلم يعدم أنصاراً بسبب الجهل من جهة وبفضل أولياء أمره وأمر تابعيه من جهة ثانية، وقد تمكن من إيجاد جماعة سماها «الأحمدية» يقولون باستمرار النبوة غير التشريعية، وبعدم انقطاع الوحي».
    وكتب الأستاذ: مسعود الندوي -رحمه الله- من (لكنؤ) بالهند مقالات أوضح فيها الفرق بين الأحمدية والقاديانية، وخطورة كلٍ منهما على الإسلام.
    وكذلك حذّرت من خطر فرقة «التيجانية» التي تتظاهر بالتصوّف والزهد، ونبّهت إلى خطورة انتشارها في بلدان المغرب العربي، لكونها تمنح الولاء للاستعمار الفرنسي، وتوطّد أركانه في تلك البلاد، إذ تقول: «إن صاحب السجادة الكبرى ألقى خطاباً بين يدي الكونترول سيكلوني الفرنسي، تحدّث فيها عن الخدمات الجليلة التي قامت بها الطائفة التيجانية لفرنسا في توطيد الاستعمار الفرنسي وفي سبيل تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين، وفي إشارات التعقّل التي كانت تسبّبها هذه الطريقة الصوفية لمريديها».
    الفتح وقضايا التربية والتعليم:
    كان من الطبيعي أن تهتم مجلة الفتح بقضية التربية والتعليم، وأن توليها ما تستحقّه من اهتمام، لاسيما وقد أدرك الغيورون في مصر خطر البرنامج «الدنلوبي» الذي زرعته بريطانيا في قلب وزارة التعليم المصرية، فقام «دنلوب» -الخبير الإنجليزي- بصياغة المناهج التربوية وفق الرؤية الغربية التي تتوافق مع سياسات بريطانيا تحت حجة تطوير المناهج، فقالت المجلة محذرةً من خطورة هذا البرنامج على النشء في مصر: «إن الطريقة الدنلوبية علّمت شباب مصر أن العروبة والإسلام شيء أجنبي طرأ على مصر واحتلّتها كاحتلال الفرس والبطالسة والرومان والانجليز، مع أن العروبة والإسلام هما روح مصر وكيان مصر، بل هما مصر منذ نحو أربعة وعشرين قرناً إلى الآن».
    ثم تقول: «إن التعليم الدانلوبي في المدارس أهمل آداب الإسلام وتاريخ الإسلام وأمجاد الإسلام، فخرج لنا أبناء محرومين من سلاح الفضائل الإسلامية، وفي التعليم يجب أن نبني في الشباب المصري الاعتماد على النفس في حياته الاستقلالية والاقتصادية، والإعزاز بتاريخه القريب الذي تكوّنت به قوميّته الحاضرة منذ أربعة عشر قرناً».
    وكشفت المجلة النقاب عن الدور التخريبي الذي تلعبه (الجامعة الأمريكية) في القاهرة في أكثر من عدد، من ذلك ما قام به أحد الطلبة فيها من كشف للمراجع التي يرشد أستذتها الطلاب إلى قراءتها، ومن بينها كتاب خبيث مليء بالطعن والتطاول على مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    نهاية المجلة:
    استمرت مجلة الفتح في مسيرتها الميمونة حتى عام (1366هـ)، الموافق (1948م)، وكان سبب توقّفها هو موجة التضييق على العمل الإسلامي التي سادت مصر بعد هزيمة (1948) أمام اليهود، فنال مجلة الفتح ما نال غيرها من الأذى والإغلاق والمصادرة، وجفّ مدادها بعد اثنين وعشرين عاماً من الجهاد الثقافي المتميّز الذي لا نجد وصفاً له أفضل وأصدق من وصف الأستاذ (مصطفى السباعي)، إذ قال: «وما كنا نتصل بالفتح حتى بدأنا نعرف واجبنا في الحياة كشبّان مسلمين، وأخذنا ندرك خطر ما يبيته الاستعمار من وسائل الكيد للمسلمين، وتأجّجت في أفئدتنا نار الحمية لدين الله، والنقمة على أعدائه، وشعرنا بأن الفتح هي همزة الوصل بيننا وبين أقطار الإسلام».
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    جهوده في نشر عقيدة السلف الصالح:
    • نشر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية.
    • دفاعه عن الصحابة ورد الشبهات عنهم، ويتجلى ذلك في نشره كتاب «العواصم من القواصم» هذا الكتاب الذي فند كثيراً من الروايات الساقطة التي اخترعها الكذابون فيما حصل في الفتنة بين الصحابة من بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-.
    • نشره أعظم كتاب خدم السنة المطهرة وهو «فتح الباري» مع تعليقات الإمام ابن باز.
    • تواصله مع العلماء والدعاة السلفيين وتشجيعهم، ومن ذلك رسالته لشيخنا الألباني كما في مقدمة «آداب الزفاف».
    جهوده وجهاده وآثاره العلميّة:
    على الرغم من حياته المضطربة في الحلّ والترحال، استطاع محب الدين كتابة عشرات المقالات والأبحاث التي لم تجمع في كتب، وتمكّن من التأليف والتحقيق والترجمة للعديد من الكتب.
    لقد ترك آثاراً عظيمة تدل على عبقريّته وموسوعيّته كما قال الأستاذ أنور الجندي: «وبالجملة فإنّ السيد محب الدين الخطيب وآثاره تعد رصيداً ضخماً في تراثنا العربي، وفكرنا الإسلامي، وقد أضاف إضافات بناءة، وقدم إجابات عميقة، وزوايا جديدة لمفاهيم الثقافة العربيّة وقيمها الأساسيّة».
    من أهم أعماله:
    • توضيح الجامع الصحيح للإمام البخاري ... شرح صغير.
    • الحديقة (14 جزء) مجموعة أدبيّة وحكم.
    • الخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة الاثنى عشريّة.
    • مع الرعيل الأول .. عرض وتحليل لحياة الرسول مع أصحابه.
    • من الإسلام إلى الإيمان .. حقائق عن الفرقة الصوفيّة التيجانيّة.
    • حملة رسالة الإسلام الأولون.
    • الإسلام دعوة الحقّ والخير.
    • ذو النورين عثمان بن عفان.
    • الجيل المثالي.
    • مراسلات بينه وبين الأمير شكيب أرسلان، بلغت ألف رسالة.
    • كان الشيخ من أوائل العلماء الذين تنبّهوا لأخطار الصهيونيّة، وحذروا منها، وكشفوا الغطاء عن حقائقها وأسرارها، ومحاولة اليهود في الوصول إلى فلسطين عام (1844م) ومطالبتهم لمحمد علي باشا بفلسطين، وما كان بينهم وبين السلطان عبد الحميد سنة (1902م)، ومقالاته في مجلة الفتح شاهد صدق على ذلك.
    النواحي الفكرية من اتجاهات محب الدين:
    لقد كان يدعو باختصار شديد إلى الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وفي هذا المجال يقول رحمه الله: «إنني من أنصار الإصلاح الإسلامي، وكنت ولا أزال أفهم هذه الكلمة الاصطلاحية أن الإسلام هو الذي كان عليه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كما فهمه منهم التابعون».
    فالإصلاح الإسلامي يشمل القضاء على البدع الطارئة وتخليصه من الدخيل الذي يحسب الجاهلون أنه منه وما هو منه. ومن الإصلاح الإسلامي بث روح النشاط بين المسلمين لإحياء مقاصد دينهم وتحقيق أغراضه وحسن التعبير عنه من الدعوة إليه وتأليف الكتب عن حقائقه وأحكامه وتاريخه .. ومع هذه الدعوة إلى الإسلام بجملته، فقد كانت هناك نقاط هي أبرز من غيرها في تفكيره وهو أشد اعتناء بها من غيرها، وأهم هذه النواحي هي ما يلي:
    • السلفية الصافية: كان رحمه الله من أشد أنصار السلفية النقية في العقيدة والعبادة، وهذه سمة بارزة في كل كتاباته، وقد تحصلت لديه هذه الفكرة ونما عنده هذا الاتجاه لأنه قرأ في شبابه في دمشق كثيراً من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوع منها والمخطوط في المكتبة الظاهرية وذلك بواسطة شيخه الشيخ طاهر الجزائري، وظل مقتنعاً بهذا الاتجاه، قوي الإيمان به، مدافعاً عنه بقلمه ولسانه، متصدياً لكل من يتعرض له، مروجاً للكتب المهمة التي تدعوا إليه.
    الوقوف في وجه الباطنية والرافضة: من أهم المواضيع التي فازت بالكثير من اهتمام الشيخ محب الدين موضوع الرافضة والباطنية، ولقد كان شديد العناية بهذا الموضوع متتبعاً لمراحل كيد الرافضة للإسلام، واقفاً على الأصول التي يقوم عليها باطلهم، مدركاً خطرهم العظيم على الإسلام في الماضي والحاضر، ودورهم الكبير في تحريف العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتشويه التاريخ الإسلامي المشرق.
    وكانت لديه الأصول الخطية والمطبوعة من كتب الرفض والباطنية، وكثيرا ما أطلعنا على مخازيهم من كتبهم، وفي اعتقادي أن محب الدين رحمه الله كان يسقط عن المسلمين فرض كفاية في تصديه لحملات الباطنية على الإسلام، وفي وقوفه على الدوافع الحقيقة لتلك الحملات، وإحاطته بمراحل سريان سرطان هذه الفرق الضالة وسمومها في عقيدة المسلمين وتاريخهم.
    وكان يقول: «الرفض والباطنية تعبير عن الحقد الدفين والمرير في قلوب المجوس واليهود على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنهم أقاموا المسجد الأقصى على أنقاض هيكل سليمان، وأخمدوا نار المجوس إلى الأبد، وحينما جبنوا عن مجابهة الإسلام وجها لوجه دخلوا في سراديب تحت الأرض وأعلنوا على الإسلام وحملته حربا ضروسا دامية مازالت تتوقد نارها ويزداد أوراها على مدى هذه القرون المتطاولة من تاريخ الإسلام».
    ولقد استطاع الروافض أن يرسلوا أحدهم «محمد التقي» إلى مصر وتحت شعار التقريب أنشأ دارا وأصدر مجلة واستأجر شقة في الزمالك وكانت الأموال تنفق دون حساب، وتشكك المخلصون من علماء أهل السنة الذين خدعوا ابتداء بشعارات براقة وبدئوا يتركونها ويبعدون عنها ويحذرون منها.
    قال الشيخ محب الدين الخطيب: «انفض المسلمون جميعاً من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعى من استأجرها»، ثم يذكر أنه لم يبق متعلقاً بعضويتها إلا بعض المنتفعين مادياً في ولاء انتمائهم إلى هذه الدار، وأن العلماء المخلصين من أهل السنة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة، ودعوة التقريب التي يريدها الرافضة، فانفضوا عن الدار وعن الألاعيب التي يراد إشراكهم في تمثيلها، ثم يقول: «فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة، ولعل القائمين يضعون لها حداً».. وهذه المجلة (رسالة الإسلام) توقفت في «17رمضان 1392هـ» وهو العدد (60).
    وصدق والله الشيخ محب الدين فـ «دار التقريب»، أجدر أن تسمي بدار التخريب لأن كانت غايتها الأولي والأخيرة هي تخريب عقائد المسلمين وتقريبهم نحو ضلال الرافضة وتهديم الجامع الأزهر كما صرح بذلك يوماً ما رئيس تلك الدار في مجلس خاص نقله عنه أحد الثقات، وقد استطاعت هذه الدار أن تشتري مجموعة من علماء السوء ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أُجراء لديها ومروجين لأباطيلها. وحينما توصل بعض هؤلاء إلى مراكز عالية في بعض المؤسسات العالمية الإسلامية حاولوا فرض تدريس مذهب الرافضة رسميا وسارع بعض المرتزقة من العلماء للتأليف فيه فعلا.
    وحينئذ توجه نفر كريم من علماء الأزهر الغيورين على رسالة الإسلام إلى الأستاذ محب الدين رحمه الله وقالوا له: «إن الكتابة في موضوع الرفض ومحاولات فرضه للتدريس أصبحت فرض عين عليك» وطلبوا منه أن يكتب في ذلك فكتب يومئذ كتابه النفيس جداً «الخطوط العريضة للديانة الاثني عشرية»، وأبان فيه الأسس التي يقوم عليها دين الرافضة من كتبهم ومراجعهم التي كانت بحوزته، وأتى بنقول مخزية لا مجال لرفضها لأنها من أمهات كتبهم مع تحديد الكتاب والمجلد ورقم الصفحة أو مكان الطبع وتاريخه.
    وأظهر فيه بكل جلاء كيف أن الرافضة في حقيقية أمرهم يعبدون آل البيت، وفي غيبة هؤلاء يعبدون مجتهديهم، وكيف يحكمون بارتداد جميع الصحابة ما عدا خمسة فقط، وكيف يجعلون من أصول دينهم التبرؤ من الشيخين أبى بكر وعمر -رضي عنهما-، ويعتبرون لعنهما من القربات ويسمونهما بالجبت والطاغوت، وبصنمي قريش، ويجعلون لعنهما من جملة أوراد ختم الصلاة، ويسمون قاتل عمر «بابا شجاع الدين»، ويحتفلون بيوم مصرع عمر -رضي الله عنه-، ويتهمونه في عرضه، ويقولون بتحريف القرآن الكريم وبنقصه، ولهم في ذلك كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب»، وكيف يؤمنون بعقيدة الرجعة، وهي القيامة الصغرى، وكيف يطعنون في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، مع بيان الأصول اليهودية التي لا شك فيها لذلك الدين الزنيم .. كل هذا وغيره قد كشف عنه محب الدين رحمه الله بأسلوب علمي محقق لا مجال للشك فيه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    تحقيق حوادث التاريخ الإسلامي وتنقيته مما لحق به من الدس والافتراء:
    سأل مرة -رحمه الله- عن أفضل كتاب في التاريخ الإسلامي؟ فأجاب: بأن التاريخ الإسلامي لم يكتب بعد، وأفضل ما كتب فيه (البداية والنهاية) لابن كثير رحمه الله، وكان يعتقد بأن تشويه تاريخ الإسلام والمسلمين كان مقصودا كتشويه عقائده وشرائعه، وكان يؤمن بأن إدراك الأمة لأمجاد ماضيها مفاخرة من أعوانها على تقويم حاضرها.
    ولنفي الدسائس والافتراءات اللصيقة بتاريخ المسلمين، وللإجلاء عن عظمة ذلك التاريخ وصانعيه كان يدعو إلى دراسة التاريخ على طريقة المحدثين بالتثبت من الروايات التاريخية وأسانيدها الصحيحة، على ضوء ما هو مشهور ومعروف من سلوك صانعي التاريخ من الصحابة والتابعين.
    وأنه لابد من تجريد التاريخ من الخبث الذي لحقه على أيدي أعداء الإسلام وعلى رأس هؤلاء الرافضة، وفي هذا المجال يقول رحمه الله: «والإسلام الذي لم تفتح الإنسانية عينيها على أعلى منه رتبة وأعظم منه محامد يجتهد مؤرخوه في تشويه صفحاته والحط من قدر رجاله لأن الذين دونوا تاريخ الإسلام كانوا أحد رجلين: رجل جاء بعد سقوط دولة فتقرب إلى رجال الدولة الجديدة بتسويء محاسن الدولة القديمة، ورحل اتخذ من الشموس الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، مثلا أعلى، فكل قمر من أقمار العرب مذموم عنده موصوفا بالضآلة والنقص؛ لأنه لا يراه إلا على نور تلك الشموس التي لا تقاس مواهب غيرهم بهم، بل إن عثمان وتضحياته الملائكية محيت فضائلها من أدمغة المسلمين لسوء بيان المؤرخين، ومعاوية الذي تتمنى أية أمة من عظام الأمم أن يكون لها رجل يتصف بعشر مواهبه وفضائله، صرنا نسمع ذمه من أقذر الناس وأحط السوقة، والأمين الذي كان كبار الصحابة يجاهدون تحت قيادته طائعين مختارين لصقت به أكاذيب تقرب الكثيرون بها إلى الله جهلا وتعصبا، أقول هذا وأنا علوي، ولكنى أخاف أن يقوض المسلمون صروح فضائلهم وأن يهدموا قلاعا هي من دواعي الفخر، بينما أبناؤنا يتعلمون من الأوربيين وصنائعهم تمجيد رجال لو كشف الغطاء عن تاريخهم الحقيقي لشممنا نتنه» [مقدمة ديوان مجد الإسلام].
    ويبين أهمية تصحيح التاريخ فيقول: «أنا مؤمن من صميم قلبي أن رسالة الإسلام جديرة بأن تستقبل من مظاهر العظمة في تهذيب الإنسانية أبهر وأزهر مما كان لها في الماضي ولن تستوفى هذه الرسالة مهمتها إلا بإرجاع الإنسانية كلها إلى نظام الفطرة الطاهرة وذلك متفق على شيء واحد هو أن يعرف العرب والسلمون من هم وممن هم وما هي رسالتهم في الحياة. ولن يكون ذلك إلا إذا بنوا مناهج تعليمهم وأسس ثقافتهم ومعالم أدبهم على هذه المعرفة والإيمان بلوازمها وتعميم طريقهم نحو أهدافها. ورأس ذلك وعموده تصحيح تاريخ العروبة والإسلام وتجريد مما دس فيه».
    لقد كان محب الدين -رحمه الله- فخورا جدا بأمجاد الإسلام ومفاخر المسلمين وكان يحزن كثيرا لبقاء تلك الأمجاد والمفاخر بعيدة عن أذهان الشباب المسلم خاصة والمسلمين عامة، وله في مجال تخليد الأمجاد الإسلامية وإظهارها بثوبها القشيب اللائق عمل عظيم لا يجوز أن يذكر محب الدين إلا ويذكر معه، هذا العمل العظيم هو «ديوان مجد الإسلام» للشاعر الكبير (أحمد محرم).
    وقصة هذا الديوان يلخصها محب الدين -رحمه الله- في مقدمة الديوان بما مضمونه باختصار: لقد كان يقرأ في المدارس العثمانية شيئا من اللغة الفارسية وآدابها من جملة مقرراتها، وكان أستاذ تلك اللغة يبالغ أمامهم في وصف (الشاهنامة) للفردوسي، وبيانها المنظوم المعجز، ويحدثهم عن صاحبها وكيف أنه أحاط بتاريخ الفرس القديم ثم اتصل بأحد ملوكهم فأعطاه جناحا في قصره وكلفه بأن ينظم أمجاد الفرس فأقام في ذلك القصر ثلاثين عاما وهو ينظم الشعر الرائع في أمجاد فارس حتى بلغت الشاهنامة وهي الديوان الذي وضعه لذلك «ستين ألف بيت».
    كان يسمع محب الدين ذلك ويقول: «أليس في دنيا العروبة والإسلام من يقوم للعروبة والإسلام بمثل هذا العمل الأدبي الكبير ليتعرف شبابنا إلى أكمل قومية برأها الله في الدهر الأول وأعدها للقيام بأكمل رسالات الله، أيكون للمجوسية وظلمات الظلم كتاب يخلدها ولا يكون للفطرة السليمة الكاملة ورسالة الله العظمى من يدل عليها ويدفع الناس في طريقها».
    أليس من العار أن يكون للفرس الذين حفل تاريخهم زمن جاهليتهم بالشنائع ديوان مفاخر يغطي فيه البيان على العيوب ويلون ذا الوجهة منها بألوان زاهية ويسلط على ضئيل الخير منها شعاعا قويا مكبرا بأعظم المكبرات فتكون من ذلك (شاهنامة الفردوس) وأن يكون لليونان زمن وثنيتهم وأوهامهم الصبيانية ديوان مفاخر كالإلياذة تتغنى بها الإنسانية إلى يوم الناس هذا، والإسلام الذي لم تفتح الدنيا عينيها على أعلى منه رتبة، وأعظم منه محامد يجتهد مؤرخوه في تشويه صفحاته والحط من قدر رجاله».
    لقد بقيت هذه الفكرة تعمل عملها في نفس محب الدين رحمه الله حتى التقى بأمير الشعراء (أحمد شوقي) -رحمه الله- وتحدث معه عن الشاهنامة والإلياذة واقترح عليه أن يكون أعظم أحداث إمارته في الشعر إهداء مثل هذه الهدية إلى العروبة والإسلام وأدبهما وعظمتهما من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما -وهذا كلامه-، واستمع شوقي إلى هذا الحديث ولم يعد ولم يرفض ثم زار شوقي وفد في منزله لتجديد الحديث معه فبقي عند موقفه من الصمت والابتسام ثم ظهر بعد ذلك أعماله عن دول الإسلام وعظماء التاريخ، ولعله كان من أثر ذلك الاقتراح.
    ولكن المطلوب -كما يقول رحمه الله- كان أعظم من ذلك وقديما قيل: «إذا عظم المطلوب قلّ المساعد»، ثم اتصل الشيخ محب الدين بالشاعر الكبير (أحمد محرم) وقويت بينهما الصلة والمحبة، فاقترح عليه ما اقترح على شوقي من تسجيل أمجاد الإسلام في ديوان من الشعر الرائع، وقال له: «لعل الله قد ادّخر لك هذه المهمة واختارك لها لأنك أقرب شعرائنا إلى إخلاص القول والعمل وأكثرهم توخيا لمرضاته»، فاستجاب أحمد محرم رحمه الله لهذه الدعوة، وكان من ذلك ديوان «مجد الإسلام» أو «الإلياذة الإسلامية» التي نظمها أحمد محرم -رحمه الله-، وهو ديوان كبير يقع في 450 صفحة نظم فيه الشاعر أهم أحداث السيرة النبوية والغزوات والوفود.
    ويقول محب الدين رحمه الله في وصف هذا الديوان في مقدمته: «إن أمجاد العروبة والإسلام أعظم من أن يحيط بها شاعر ولاسيما وأكثرنا لا يزالون متأثرين بما شوهت الشعوبية من تاريخنا ومع ذلك كان ديون مجد الإسلام أعظم ما ظهر للناس حتى الآن مجموعا في كتاب واحد من ومضات هذه الأمجاد وستتمتع به نفوس محبي الأدب الرفيع والنظم البليغ أزمانا».
    ومما يؤسف له أن ديوان «مجد الإسلام» بقي طوال ثلاثين عاما مخطوطا ومحبوسا في الأدراج، والشاعر الكبير لا يجد من ينشره بتمامه رغم المحاولات الكثيرة مع المسؤولين إلا ما كان من نشر محب الدين نفسه لفقرات منه في صحيفته الفتح وفي مجلة الأزهر، إلى أن مات أحمد محرم رحمه الله قبل نشره وكادت تضيع أجزاء منه إلى أن قامت مكتبة «دار العروبة» بنشره قبل حوالي ثمان سنوات تقريبا.
    إن ديوان مجد الإسلام من أعظم الأعمال الأدبية والشعرية في تاريخنا، وهو عمل أدبي رفيع وشعر رائع بليغ، ومع ذلك فإني أكاد أجزم بأن ثلاثة أرباع المثقفين في البلاد العربية لا يعرفون شيئا عن ديوان مجد الإسلام ولا عن الشاعر الكبير (أحمد محرم) الذي نظمه، وكذلك لا يعرفون شيئاً عن الديوان المستقل الذي نظمه أحمد محرم لسائر شعره.
    لقد حرصت الجهات المعادية للإسلام في الأوساط الأدبية والثقافية على إهمال الشعراء والأدباء الإسلاميين وحارب الأقلام المؤمنة وأعطت مكان الصدارة فيها للأدعياء من المارقين والملاحدة وذلك حرصا منها على تضليل الأجيال المسلمة وتسميم أفكار النشء وتشويهها.
    إيمانه بامتزاج العروبة والإسلام: يقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه «أدباء ومفكرون»: ولست أعرف كاتبا كان أوضح رأيا في ربط الإسلام بالعروبة على النحو الذي يحقق فلسفة اليقظة وبناء النهضة كما يفعل السيد محب الدين الخطيب منذ سنوات طويلة، فهو مؤمن بامتزاجهما واستحالة انفصامهما، وهذه عبارته: «إن العروبة ظئر الإسلام، وإن العروبة والإسلام كلاهما من كنوز الإنسانية وينابيع سعادتها، إذا عرف أهلها قيمتها وإذا أتيحت لهما أسباب الظهور للناس على حقيقتهما. وإذا ذلت العرب ذل الإسلام». ويقول: «إننا عرب قبل أن نكون مسلمين، وهذا حق، ولكن لم نكن شيئا قبل الإسلام».
    كان الشيخ محب الدين قوي الإيمان بخصائص الأمة العربية وأصالتها واستعدادها للخير وجدارتها بحمل رسالة الله وبطيب عنصرها ونقاء جوهرها، وصفاء فطرتها.
    ولقد أدرك محب الدين رحمه الله انهيار الخلافة الإسلامية وزوال الدولة العثمانية، وعاش في مرحلة من أحرج مراحل التاريخ الإسلامي الحديث، وهي مرحلة خضوع العالم الإسلامي الضعيف للغزو الصليبي القوي وحضر احتضار «الرجل المريض» كما كان يسمي الأعداء الدولة العثمانية في أخريات أيامها، وشهد النقلة الخطيرة في حياة المسلمين في تاريخهم الحديث من معالم الحياة الإسلامية وتقاليدها الأصيلة إلى الطراز الجديد من الحياة القائمة على أساس الحضارة الغربية الغازية، والقائمة على الإلحاد والإباحية مع الانسلاخ التام من كل القيم والمثل والأخلاق.
    وشهد إفلاس العنصر التركي وعجزه عن المضي في تحمل أعباء الرسالة الإسلامية، وشهد دعاة القومية الطورانية من ملاحدة الترك يتسلقون إلى مراكز السلطة في الدولة العثمانية وينهون الخلافة ويحاولون فرض القومية التركية على الشعوب الأخرى الخاضعة للدولة العثمانية في حركة عنصرية تحاول إذابة تلك الشعوب في العنصر الحاكم دون أية مميزات أو مؤهلات للقومية المتحكمة سوى القهر والغلبة، وخاصة بعد تنكرها للإسلام.
    في هذا الجو افتقد محب الدين -رحمه الله- الأمة العربية، والدور الذي يمكن أن تلعبه، وقدراتها وخصائصها التي ترشحها للقيام بذلك الدور .. لذلك تغنى بالأمة العربية وباستعداداتها، ولكنه لم يفهم من العربية يوماً ما شيئا غير الإسلام، وكان ينال من الكتاب المسلمين الذين يفرقون بين العروبة والإسلام، ويعتبرهم من جملة من ساهم في نجاح الحركة القومية البعيدة عن الدين. ولم يكن يوما ما قوميا عربيا، وكان يغضب إذا وضع في صف القوميين العرب الذين ساهموا في القضاء على الخلافة الإسلامية، وإنما كان يدعوا كما قال: «إلى الحكم الذاتي الذي يبرز خصائص الأمة العربية في ظل الإسلام والخلافة».
    لقد كان -رحمه الله- يؤمن بالسر العظيم الكامن وراء اختيار الله تعالى للعربية لغة لكتابه وللأمة العربية حاملة لأكمل رسالاته، يقول رحمه الله: «وأمجاد العروبة لا ينفك تاريخها من تاريخ الإسلام بحال، فإذا حيل بين الإسلام والعروبة كانت العروبة جسما بلا روح، وكان الإسلام روحا بلا جسد، وهذا تاريخنا العربي من بدايته إلى اليوم لا نراه ازدهر وانتعش وكان مظهر العز والقوة إلا في الأدوار التي كان الإسلام يزدهر فيها وينتعش ويأخذ نصيبه من العز والقوة، ويكذب من يظن أن العرب تنمو عزتهم بروح أجنبية غير روح الإسلام». [مقدمة مجد الإسلام].
    ويقول -رحمه الله- أيضا في تعليقه على ديوان مجد الإسلام: «وستتمتع به نفوس محبي الأدب الرفيع والنظم البليغ أزماناً وأزماناً إلى أن يوجد الشاعر الذي يكتشف سر الله في اختياره العربية لغة لتنزيله، والعروبة بيئة لأكمل رسله، وأهلها أصحابا وأعوانا على حمل رسالته إلى آفاق آسيا وأفريقية ثم إلى أوروبا».
    وفي حديثه عن شيخه طاهر الجزائري -رحمه الله- يقول: «من هذا الشيخ الحكيم عرفت عروبتي وإسلامي، منه عرفت أن المعدن الصدئ الآن الذي برأ الله منه في الدهر الأول أصول العروبة ثم تخيرها ظئراً للإسلام إنما هو معدن كريم لم يبرأ الله أمة في الأرض تدانيه في أصالته وسلامته وصلابته وعظيم استعداده للحق».
    وإلى هذا كان يدعو -رحمه الله- إلى الأخذ بأسباب القوة وبكل نافع من نتاج الحضارة الحديثة مع المحافظة على المثل والقيم والأخلاق القديمة لأن الخير كله قديم، وكان يركز على إصلاح المدارس ومناهج التعليم ووسائل الإعلام.
    شبهات حول العلامة الخطيب:
    أنه كان ماسونيّاً، تتلمذه على كتب محمد عبده، ورشيد رضا، والكواكبي، وتأسيسه عدة جمعيات لمناهضة سياسة التتريك الطورانية:
    أ- لم يثبت بنقل صحيح أو تصريح صحيح أن السيد محب الدين الخطيب تأثّر بالماسونيّة، رغم صلته بمحمد عبده، ورشيد رضا، والكواكبي فإنّ هؤلاء تأثروا بالماسونيّة، وانخدعوا بشعاراتها، ولمّا انكشف لهم حقيقتها تبرؤوا منها، وبخاصّة رشيد رضا، ومقالاته في ذمها والتحذير منها ملأت «المنار».
    ب- تأسيسه عدة جمعيات مناهضة لسياسة التتريك الطورانية؛ كان هدفها المطالبة بحقوق العرب ضمن الدولة العثمانية، وفي ذلك يقول الشيخ محب الخطيب: «إني أقر بكلّ صدق بأني وأنا وجميع من استعنت بهم وتعاونت معهم من رجال العرب وشبانهم لم يخطر ببالنا الانفصال عن الدولة العثمانية».
    ويقول: «من مصلحة العرب في الدولة العثمانيّة أن تقر لهم الدولة بلغتهم في الإدارة والتعليم في البلاد التي يتكلّم أهلها العربيّة، وألا تبلغ بهم الحماقة إلى حد أن يكون التعليم في بلادهم بلغة أجنبية عنهم، وإلى حد أن تكون لغتهم محرماً عليهم استعمالها، وأن تكون لغة الإدارة والقضاء في صميم الوطن العربي».
    وأخيرا .. وبعد جهاد مضن كريم استمر قرابة قرن كامل أعطى خلاله محب الدين -رحمه الله- للإسلام نور عينيه وحياة قلبه وثمرة قلمه وفكره وأسهر ليله وأعمل نهاره.
    بعد كل هذا فقد سكن ذلك القلب الكبير الذي كان يخفق بحب الإسلام، وخبا نور تينك العينين، وهدأت تلك اليد المرتعشة التي حملت القلم للدفاع عن الإسلام والمسلمين دهرا طويلا وسقط ذلك اليراع وتحطم، ومات محب الدين رحمة الله عليه رحمة واسعة.
    من مصادر الترجمة:
    1- «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع الهجري» فكري فيصل – دمشق 1986 (2/847-862).
    2- «الأعلام» خير الدين الزركلي (5/285). بيروت، دار العلم للملايين، 1989.
    3- نفح الطيب في سيرة العلامة السلفي «محب الدين الخطيب»...الشيخ سليم الهلالي
    4- أوراق متناثرة في تاريخ الصحافة الإسلامية. مبارك القحطاني
    5 - «تاريخ الصحافة الإسلامية»، أنور الجندي - رحمه الله -، القاهرة، توزيع دار الأنصار.
    6 - «اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر»، د.حمد بن صادق الجمال، الرياض، عالم الكتب، 1994.
    7- «محب الدين الخطيب ... لمحات من حياته وقبسات من أفكاره» بقلم الشيخ: ممدوح فخري المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين.
    رابط الموضوع: ظ…ط*ط¨ ط§ظ„ط¯ظ?ظ† ط§ظ„ط®ط·ظ?ط¨
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد حفظه الله
    هذا هو العلامة الجهبذ الفقيه عبدالقادر شيبة الحمد وحوارٌ معه وشيءٌ من أخباره
    هو الحبرُ السلفي،والإمام التقي،الجهبذ الفقيه ، المربي الفاضل،العلامة العامل عبدالقادر شيبة الحمد _حفظه الله ورعاه ، وأطال الله في عمره على طاعةِ الله ، ونفع الله به الإسلام والمسلمين.
    ولد شيخنا في مصر_وهي موطنه الأصلي_الموافق (20) جماد الثانية(1339هـ).
    عمره الآن (84 سنة)أطال الله في عمره على طاعة،تزوج بواحده قبل قدومه للسعودية فلما ماتت زوجوه أهل بريدة من حمولة من كبار الحمايل ،ثم تزوج الثالثة من كبار حمايل عنيزة.
    وهذا هو الموقف الشرعي حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) ،وهو من الفهم الدقيق لأهل هذه البلاد حيث زواجه سيجعله لا يغادر هذه البلدة فينفع الله به.
    (حياته الدراسية والتدريسية):
    بدأ منذ الخامسة من عمره بالذهاب إلى الكتاب؛فحفظ القرآن كاملاً وتعلم الكتابة فيها.
    ثم إلتحق بعد ذلك بالجامع الأزهر وأخذ الشهادة الإبتدائية،ثم الثانوية_ وللشيخ ذكريات عنها نوردها بعد قليل_ ،ثم درس في الجامع الأزهر في كلية الشريعة، وأثناء دراسته فيها فتح اختبار الشهادة العالية القديمة،وكانت الشروط متوفرة في الشيخ،فدخل فيها وكان عدد المتقدمين للاختبار (300)طالب،فلم ينجح منهم إلا ثلاثة كان من ضمنهم شيخنا،وقد سبقه في فصول ماضية أُناس تقدموا وعددهم(900)فلم ينجح منهم إلا أربعة وكان من ضمن من رسبوا طه حسيــن.
    بعد ذلك أخذ الشيخ الشهادة العالية عام(1374هـ)،وكان عمر الشيخ قد قارب الخمس والثلاثون سنة.
    ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية بأهله_ وكان إلى يوم انتقاله وهو رئيساً في المقاطعة الشرقية لجماعة أنصار السنة_ ،وعين مُدرساً في معهد بريدة العلمي،وكانت الدراسة تبدأ بعد الحج مباشرة إلا ذاك العام(1375هـ)أُجلت ْ إلى (18) صفر عام (1376هـ) ،ودرس فيه الشيخ ثلاثة أعوام متتالية،كان من طلابه في المعهد فضيلة العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء_حفظه الله_ ،والشيخ عبدالرحمن العجلان المدرس بالمسجد الحرام حالياً_ حفظه الله_.
    ثم في عام(1379هـ)عُينَ مدرساً بكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض،ودرس الشيخ في أول سنة عينَ فيها في كلية الشريعة \"التفسير وأصول الفقه،وبعد سنتين درسَ في نفس الكلية سبل السلام شرح بلوغ المرام في الحديث،وكان من طلابه في تلك الفترة الشيخ عبدالله الغانم مدير عام المكفوفين في الشرق الأوسط،والعلامة الشيخ القاضي صالح اللحيدان_رئيس محاكم التمييز في هذه البلاد_حفظه الله_،وكذلك الشيخ منصور المالك وغيرهم..
    وفي عام(1381هـ)فتحت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية،فقام رئيس الجامعة سماحة المفتي الأكبر ورئيس القضاة العلامة محمد بن إبراهيم_رحمه الله_بدعوة كثير من أهل العلم والفضل للتدريس هناك،فمن كلية الشريعة بالرياض وقع الاختيار لسماحة العلامة عبدالعزيز بن باز_رحمه الله_وأن يكون نائباً للشيخ بن إبراهيم على الجامعة،فطلب الشيخ بن باز من المفتي الأكبر بأن يسمح بانتقال علمين من أعلام كلية الشريعة وهما العلامة محمد الأمين الشنقيطي_رحمه الله_ والعلامة عبدالقادر شيبة الحمد_حفظه الله_ [وللمعلومية فالأول مروتاني والثاني مصري ولا تفاضل عندنا إلا بالعلم والتقوى وصحة المعتقد،لا بالجنس والبلد،وهذه رسالة لمن لبعض الحاقدين الذين يلمزون أبناء هذه البلاد بالأكاذيب،لأنهم رفضوا أن يسمعوا لأهل البدع] ،فقبل المفتي الأكبر بأن ينقل الشنقيطي ورفض نقل شيبة الحمد لحاجة الكلية لأحدهما،وفي العام الذي تلاه أَلحَ الشيخ ابن باز على نقل الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد فسمح له.
    وفي أول جماد الأولى عام(1382هـ) انتقل شيخنا إلى المدينة،ودرس في الجامعة الإسلامية،وكلما أنشئت كلية درس فيها،إلى أن تم نقله إلى قسم الدراسات العليا،حتى أحيل إلى التقاعد.
    وفي أثناء عام (1400هـ)انتُدِبَ الشيخ للتدريس في المعهد العالي للدعوة الإسلامية في ذلك الوقت_ وهو تابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية_.
    وهو مدرس بالحرم المدني ولازال....

    إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح......}إلخ الآيات..



    [رأي الشيخ في الخروج في القنوات الفضائية]:
    وخير بيان الفعل...وهو يستضاف كثيراً في برنامج الإفتاء يوم الجمعة بعد صلاة الظهر في برنامج العيدي ..
    [مؤلفات الشيخ]:
    من مؤلفات وتحقيقات الشيخ حفظه الله:
    1/ تهذيب التفسير وتجريد التأويل (6 أجزاء).
    2/ شرح بلوغ المرام.
    3/ القصص الحق في سيرة سيد الخلق.
    4/ قصص الأنبياء.
    5/ تحقيق فتح الباري .....يقول الشيخ الفاضل الدكتور عبدالرحمن اللويحق حفظه الله: وهذه النسخة هي النسخة الوحيدة والتي كان الجهد بعد الله للشيخ عبدالقادر شيبة الحمد وهي النسخة الوحيدة التي توافق شرح ابن حجر لفظياً.
    وقد قوم بعض بحوث الشيخ للترقيات الشيخ حمود العقلاء الشعيبي رحمه الله.
    وممن قرأت أنه طلب عليه العلم الشيخ محمد حسين يعقوب.
    وهذا هو الجزء الأول ولعل الله أن ييسر لنا إكمال أراء الشيخ ، ومنها قصة مؤامرة إلغاء المحاكم الشرعية في مصر ونزع الحجاب الإسلامي.لا صحوة ولا هم يحزنون نحن جميعاً مسلمين.أنني صريح وأقول الحق.
    والله الموفق.
    أعداد أخوكم وليد العلي
    نبذة مختصرة عن سيرة فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد حفظه الله
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    الشيخ العلامة صفي الرحمن المباركفوري
    رحمه الله
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
    فهذه جوانب موجزة من ترجمة علمٍ من أعلام أهل الحديث بالهند ، الشيخ العلامة المحدث الفقيه صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
    نسبه :
    هو صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر بن محمد علي بن عبد المؤمن بن فقيرالله المباركفوري الأعظمي .
    ولادته:
    ولد الشيخ في 6 يونيو 1943م حسب ما دون في شهادته الصادرة بقرية من ضواحي مباركفور وهي معروفة الآن بقرية حسين آباد، الواقعة في مقاطعة أعظم كده من إيالة أترابراديش .
    أسرته :
    تنتسب أسرة الشيخ إلى الأنصار وتعرف بهذا ، ومن ينتسب إلى الأنصار كثيرون في الهند ، ويزعم عامة هؤلاء ممن ينتمي إلى الأنصار هناك أنهم من ولد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- والله أعلم.
    تعليمه ودراسته :
    تعلم في صباه القرآن الكريم ، ثم التحق بمدرسة دار التعليم في مباركفور سنة 1948 م ، وقضى هناك ست سنوات دراسية أكمل فيها دراسة المرحلة الابتدائية.
    ثم انتقل إلى مدرسة إحياء العلوم بمباركفور في شهر يونيو سنة 1954 م ، حيث بقي هناك خمس سنوات يتعلم اللغة العربية وقواعدها والعلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه وأصوله وغير ذلك من العلوم ، حتى تخرج منها في شهر يناير سنة 1961م ، ونال شهادة التخرج بتقدير ممتاز .
    كما حصل على الشهادة المعروفة بشهادة «مولوي» في فبراير سنة 1959 م .
    ثم حصل على شهادة «عالم» في فبراير سنة 1960م من هيئة الاختبارات للعلوم الشرقية في مدينة الله أباد بالهند .
    ثم حصل على شهادة الفضيلة في الأدب العربي في فبراير سنة 1976م .
    جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية :
    بعد تخرجه من كلية فيض عام اشتغل بالتدريس والخطابة وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله في مقاطعة «الله آباد» وناغبور .
    ثم دعي إلى مدرسة فيض عام بمئو وقضى فيها عامين .
    ثم درّس سنة واحدة بجامعة الرشاد في أعظم كده .
    ثم دعى إلى مدرسة دار الحديث ببلدة مؤ في فبراير سنة 1966م ، وبقى هناك ثلاث سنوات يدرس فيها ، ويدير شؤونها الدراسية والداخلية نيابة عن رئيس المدرسين .
    ثم نزل ببلدة سيوني في يناير سنة 1969م يدرس في مدرسة فيض العلوم ، ويدبر جميع شؤونها الداخلية والخارجية نيابة عن الأمين العام ويشرف على المدرسين ، إضافة إلى الخطابة في جامع سيوني ، كما كان يقوم بجولات في أطرافها وضواحيها لإلقاء المحاضرات بين المسلمين ودعوتهم إلى تعاليم الإسلام وفق الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح ، ومحذرا من الشرك والمحدثات في الدين ، وقضى هناك أربعة أعوام دراسية.
    ولما رجع إلى وطنه في أواخر سنة 1972م، قام بالتدريس في مدرسة دار التعليم ، كما تولى إدارة شؤونها التعليمية ، وقضى فيها سنتين دراسيتين .
    ثم انتقل إلى الجامعة السلفية ببنارس بطلب من الأمين العام للجامعة سنة 1974م ، واستمر بالقيام بالمسؤوليات التعليمية والتدريسية والدعوية فيها ، لمدة عشر سنوات .
    وفي تلك الفترة أعلنت رابطة العالم الإسلام بمكة المكرمة عقد مسابقة عالمية حول السيرة النبوية الشريفة ، وذلك في المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الذي عقد بباكستان سنة 1976م , فقام الشيخ على إثر ذلك بتأليف كتاب «الرحيق المختوم» وقدمه للجائزة ، ونال به الجائزة الأولى من رابطة العالم الإسلامي .
    ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليعمل باحثا في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية عام 1409هـ. وعمل فيه إلى نهاية شهر شعبان 1418هـ
    ويقول الدكتور عاصم القريوتي : وكان دور الشيخ المباركفوري رحمه الله في مجال السيرة النبوية متميزا خلال عمله في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية ،وكان ذلك جليا في الخطط التي وضعت من قسم السيرة الذي كان ركنه الأساس ، ومن خلال نقده وتقاريره للكتب والبحوث التي كانت تحال إليه في السيرة النبوية للتحكيم ، كما كان له التقدير والاحترام من الباحثين في المركز المذكور ومن أهل العلم والمسؤولين في الجامعة الإسلامية بالمدينة .
    ثم انتقل إلى مكتبة دار السلام بالرياض ، وعمل فيها مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي إلى أن توفاه الله عز وجل.
    من أهم مناصبه:
    تولى الشيخ في حياته مناصب عدة أبرزها :
    1- تدريسه في الجامعة السلفية ببنارس الهند.
    2- عين أمينا عاما لجمعية أهل الحديث بالمركزية بالهند فترة من الزمن .
    3- عين باحثا في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
    4- تولى الإشراف على قسم البحث والتحقيق العلمي في مكتبة دار السلام بالرياض.
    5- كان رئيسا لتحرير مجلة "محدث" الشهرية باللغة الأردية بالهند.
    مؤلفاته:
    للشيخ مؤلفات عديدة في التفسير و الحديث النبوي و المصطلح والسيرة النبوية ، والدعوة ، وهي تربوا على ثلاثين كتاباً باللغتين العربية والأردية ، ومن أشهرها وأهمها باللغة العربية :
    1- الرحيق المختوم : (وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة.
    2- روضة الأنوار في سيرة النبي المختار .
    3- سنة المنعم في شرح صحيح مسلم.
    4- إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام.
    5- بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر.
    6- إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب.
    7- الأحزاب السياسية في الإسلام ، وقد طبع من قبل رابطة الجامعات الإسلامية .
    8- تطور الشعوب والديانات في الهند ومجال الدعوة الإسلامية فيها.
    9- الفرقة الناجية خصائصها وميزاتها في ضوء الكتاب والسنة ومقارنتها مع الفرق الأخرى.
    10- البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتب الهند والبوذيين.
    11- المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير.
    وأما مؤلفاته باللغة الأردية فمن أهمها ما يلي :
    12- ترجمة كتاب الرحيق المختوم.
    13- علامات النبوة .
    14- سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
    15- نظرة إلى القاديانية.
    16- فتنة القادياينية والشيخ ثناء الله الأمرتسرى.
    17- لماذا إنكار حجية الحديث ؟
    18- إنكار الحديث حق أم باطل.
    19- المعركة بين الحق والباطل.
    20- الإسلام وعدم العنف.
    المقالات :
    وقد كتب الشيخ رحمه الله العديد من المقالات في موضوعات إسلامية مختلفة تبلغ المئات ، وقد نشرت في مجلات وصحف مختلفة في بلاد متعددة.
    تلاميذه :
    للشيخ تلاميذ كثيرون من خلال تدريسه في مدارس الهند ومدارسها والجامعة السلفية ببنارس .
    كما قرأ عليه عدد من طلبة العلم بالمملكة العربية السعودية كتباً عدة ، إبان عمله بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة النبوية .
    عنايته بالأسانيد :
    امتاز علماء الهند بالعناية بالأسانيد والإجازات فيها ، وكان للشيح عناية بذلك إقراءً وإجازةً ، وممن قرأ على الوالد بالمدينة الشيخ المقرىء حامد بن أكرم البخاري والدكتور عبد الله الزهراني إذ قرآ أطرافاً من صحيح الإمام البخاري مع أطراف الكتب الستة . وأما من استجازه في الحديث الشريف وعلومه فكثيرون .
    كما حصل للشيخ ما يعرف في مصطلح الحديث بالتدبيج مع الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي ، وذلك بإجازة كل منهما للآخر ، وحصول الرواية لهما بذلك .
    وفاته :
    توفي الشيخ عقب صلاة الجمعة 10/11/1427هـ الموافق 1/12/2006م ، في موطنه مباركفور أعظم كر – بالهند ، بعد مرض ألَمَّ به ، جعل الله ذلك كفارة له ورفعا لدرجته .
    تغمد الله الشيخ بالرحمة الواسعة ، وأدخله فسيح جناته
    وإنا لله وإنا إليه راجعون
    كتبها: طارق بن صفي الرحمن المباركفوري
    الطالب بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية
    وهذبها وأضاف إليها بعض الإضافات :
    د.عاصم بن عبد الله القريوتي
    المصدر : http://majles.alukah.net/t109/#ixzz2mhqq88Fh
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    ترجمة الشيخ محمد العثيمين [1]
    اسمه ونسبه :
    هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أحمد بن مقبل من آل مقبل من آل ريِّس الوهيبي التميمي ، وجده الرابع عثمان أطلق عليه عثيمين فاشتهر به ، وهو من فخذ وهبه من تميم نزح أجداده من الوشم إلى عنيزة .

    ومولده :
    كان مولده في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ، في مدينة عنيزة - إحدى مدن القصيم- بالمملكة العربية السعودية.

    وصفه :
    قصير القامة معتدل الجسد ـ إلا في مرضه الأخير فقد هزل جدا ـ ذو لحية طويلة إلى صدره بيضاء ـ ما كان يحنيها ـ أبيض البشرة بشوش دائما طلق الوجه له نفس شاب وقد بلغ السبعين ،

    نشأته العلمية:
    تعلم الكتابة وشيئاً من الأدب والحساب والتحق بإحدى المدارس وحفظ القرآن عن ظهر قلب في سن مبكرة، وكذا مختصرات المتون في الحديث والفقه.
    ثم درس على فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله –وقد توسم فيه شيخه النجابة والذكاء وسرعة التحصيل فكان به حفياً ودفعه إلى التدريس وهو لا يزال طالباً في حلقته.
    ولما فتح المعهد العلمي بالرياض أشار عليه بعض إخوانه أن يلتحق به فاستأذن شيخه عبد الرحمن السعدي فأذن له فالتحق بالمعهد العلمي في الرياض سنة 1372هـ وانتظم في الدراسة سنتين انتفع فيهما بالعلماء الذين كانوا يدرسون في المعهد حينذاك ، ولتقى هناك بسماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ ويعتبر سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز شيخه الثاني في التحصيل والتأثر به .
    وتخرج من المعهد العلمي ثم تابع دراسته الجامعية انتساباً حتى نال الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

    شيوخه :
    1.
    جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان الدامغ -رحمه الله- درس عليه القران الكريم .
    2. فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ ويعتبر الشيخ عبدالرحمن السعدي شيخه الأول الذي نهل من معين علمه وتأثر بمنهجه وتأصيله واتباعه للدليل وطريقة تدريسه .
    3. سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام بن تيمية وانتفع منه في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها .
    4. الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع -رحمه الله- .
    5. قرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان -رحمه الله- في علم الفرائض حال ولايته القضاء في عنيزة.
    6. قرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- في النحو والبلاغة أثناء وجوده في عنيزة.
    7. الإمام العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ
    8. الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد ـ رحمه الله ـ
    9. الشيخ عبد الرحمن الأفريقي.
    10. قرأ على سماحة الشيخ عبدالله بن عقيل العقيل في الفقه وغيرهم.

    زواجه :
    تزوج ـ رحمه الله ـ ثلاث مرات الأولى : ابنة عمه بنت سليمان بن محمد العثيمين التي توفيت أثناء الولادة ، ثم تزوج بعد وفاتها من ابنة الشيخ عبدالرحمن بن الزامل العفيسان وظلت معه خمس سنوات لم ينجب منها فطلقها ثم تزوج بنت محمد بن إبراهيم التركي وهي أم أولادة ، ولم يجمع بين زوجتين .

    أعماله ونشاطه العلمي:
    *
    بدأ التدريس منذ عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة في عهد شيخه عبد الرحمن السعدي وبعد أن تخرج من المعهد العلمي في الرياض عين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.
    * وفي سنه 1376هـ توفي شيخه عبدالرحمن السعدي فتولى بعده إمامة المسجد بالجامع الكبير في عنيزة والخطابة فيه والتدريس بمكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع والتى أسسها شيخه عام 1359هـ .
    * ولما كثر الطلبة وصارت المكتبة لا تكفيهم صار يدرس في المسجد الجامع نفسه واجتمع إليه طلاب كثيرون من داخل المملكة وخارجها حتى كانو يبلغون المئات وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل لا لمجرد الاستماع - ولم يزل مدرساً في مسجده وإماماً وخطيباً حتى توفي -رحمه الله-.
    * استمر مدرساً بالمعهد العلمي في عنيزة حتى عام 1398هـ وشارك في آخر هذه الفترة في عضوية لجنة الخطط ومناهج المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وألف بعض المناهج الدراسية.
    * ثم لم يزل أستاذاً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم بكلية الشريعة وأصول الدين منذ العام الدراسي 1398-1399هـ حتى توفي -رحمه الله-.
    * درّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج وشهر رمضان والعطل الصيفية.
    * شارك في عدة لجان علمية متخصصة عديدة داخل المملكة العربية السعودية.
    * ألقى محاضرات علمية داخل المملكة وخارجها عن طريق الهاتف.
    * تولى رئاسة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة منذ تأسيسها عام 1405هـ حتى وفاته -رحمه الله-
    * كان عضواً في المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للعامين الدراسيين 1398 - 1399 هـ و 1399 - 1400 هـ.
    * كان عضواً في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع الجامعة بالقصيم ورئيساً لقسم العقيدة فيها.
    * كان عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1407هـ حتى وفاته -رحمه الله-
    وكان بالإضافة إلي أعماله الجليلة والمسؤوليات الكبيرة حريصاً على نفع الناس بالتعليم والفتوى وقضاء حوائجهم ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً وفي أيام صحته ومرضه -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-
    كما كان يلزم نفسه باللقاءات العلمية والاجتماعية النافعة المنتظمة المجدولة كما سبق ذكرها .فكان يعقد اللقاءات المنتظمة الأسبوعية مع قضاة منطقة القصيم وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عنيزة ومع خطباء مدينة عنيزة ومع كبار طلابه ومع الطلبة المقيمين في السكن ومع أعضاء مجلس إدارة جمعية تحفيظ القران الكريم ومع منسوبي قسم العقيدة بفرع جامعة الإمام بالقصيم.
    وكان يعقد اللقاءات العامة كاللقاء الأسبوعي في منزله واللقاء الشهري في مسجده واللقاءات الموسمية السنوية التي كان يجدولها خارج مدينته فكانت حياته زاخرة بالعطاء والنشاط والعمل الدؤوب وكان مباركا في علمه الواسع أينما توجه كالغيث من السماء أينما حل نفع.

    أعلن فوزه بجائزة الملك فيصل العالية لخدمة الإسلام للعام الهجري 1414هـ وذكرت لجنة الاختيار في حيثيات فوز الشيخ بالجائزة ما يلي:-
    أولاً : تحليه بأخلاق العلماء الفاضلة التي من أبرزها الورع ورحابة الصدر وقول الحق والعمل لمصلحة المسلمين والنصح لخاصتهم وعامتهم.
    ثانيا ً : انتفاع الكثيرين بعلمه تدريساً وإفتاءً وتأليفاً.
    ثالثاً : إلقاؤه المحاضرات العامة النافعة في مختلف مناطق المملكة.
    رابعاً : مشاركته المفيدة في مؤتمرات إسلامية كبيرة.
    خامساً: اتباعه أسلوباً متميزاً في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتقديمه مثلاً حياً لمنهج السلف الصالح فكراً وسلوكاً.
    ولقد آتاه الله سبحانه وتعالى ملكة عظيمة لاستحضار الآيات والأحاديث لتعزيز الدليل واستنباط الأحكام والفوائد فهو في هذا المجال عالم لا يشق له غبار في غزارة علمه ودقة استنباطه للفوائد والأحكام وسعة فقهه ومعرفته بأسرار اللغة العربية وبلاغتها.
    أمضى وقته ـ رحمه الله ـ في التعليم والتربية والإفتاء والبحث والتحقيق ولـه اجتهادات واختيارات موفقة ، لم يترك لنفسه وقتاً للراحة حتى إذا سار على قدميه من منزله إلى المسجد وعاد إلى منزله فإن الناس ينتظرونه ويسيرون معه يسألونه فيجيبهم ويسجلون إجاباته وفتاواه.
    كان للشيخ -رحمه الله- أسلوب تعليمي رائع فريد فهو يسأل ويناقش ليزرع الثقة في نفوس طلابه ويلقي الدروس والمحاضرات في عزيمة ونشاط وهمة عالية ويمضي الساعات يلقي دروسه ومحاضراته وفتاواه بدون ملل ولا ضجر بل يجد في ذلك متعته وبغيته من أجل نشر العلم وتقريبه للناس.
    ويعتنى بتوجيه طلبة العلم وإرشادهم واستقطابهم والصبر على تعليمهم وتحمل أسئلتهم المتعددة والاهتمام بأمورهم.
    وأخيراً توجت جهوده العلمية وخدمته العظيمة التي قدمها للناس في مؤلفاته العديدة ذات القيمة العلمية من كتب ورسائل وشروح للمتون العلمية طبقت شهرتها الآفاق وأقبل عليها طلبة العلم في أنحاء العالم وقد بلغت مؤلفاته أكثر من تسعين كتاباً ورسالة ثم لا ننسى تلك الكنوز العلمية الثمينة المحفوظة في أشرطة الدروس والمحاضرات فإنها تقدر بآلاف الساعات [2] فقد بارك الله تعالى في وقت هذا العالم الجليل وعمره نسأل الله تعالى أن يجعل كل خطوة خطاها في تلك الجهود الخيرة النافعة في ميزان حسناته يوم القيامة.

    ملامح من مناقبه وصفاته الشخصية:
    كان الشيخ رحمه الله تعالى قدوة صالحة وأنموذجاً حياً فلم يكن علمه مجرد دروس ومحاضرات تلقى على أسماع الطلبة وإنما كان مثالاً يحتذى في علمه وتواضعه وحلمه وزهده ونبل أخلاقه.
    تميز بالحلم والصبر والجلد والجدية في طلب العلم وتعليمه وتنظيم وقته والحفاظ على كل لحظة من عمره كان بعيداً عن التكلف وكان قمة في التواضع والأخلاق الكريمة والخصال الحميدة وكان بوجهه البشوش اجتماعياً يخالط الناس ويؤثر فيهم ويدخل السرور إلى قلوبهم ترى السعادة تعلو محياه وهو يلقي دروسه ومحاضراته - رحمه الله تعالى - كان حريصاً على تطبيق السنة في جميع أموره.
    كان رحمه الله عطوفاً مع الشباب يستمع إليهم ويناقشهم ويمنحهم الوعظ والتوجيه بالرفق واللين والإقناع .
    ومن ورعه أنه كان كثير التثبت فيما يفتي ولا يتسرع في الفتوى قبل أن يظهر له الدليل فكان إذا أشكل عليه أمر من أمور الفتوى يقول : انتظر حتى أتأمل المسألة، وغير ذلك من العبارات التي توحي بورعه وحرصه على التحرير الدقيق للمسائل الفقهية.
    لم تفتر عزيمته في سبيل نشر العلم حتى أنه في رحلته العلاجية إلي الولايات المتحدة الأمريكية قبل ستة أشهر من وفاته نظم العديد من المحاضرات في المراكز الإسلامية والتقى بجموع المسلمين من الأمريكيين وغيرهم ووعظهم وأرشدهم كما أمهم في صلاة الجمعة.
    وكان يحمل هم الأمة الإسلامية وقضاياها في مشارق الأرض ومغاربها وقد واصل -رحمه الله تعالى- مسيرته التعليمية والدعوية بعد عودته من رحلته العلاجية فلم تمنعه شدة المرض من الاهتمام بالتوجيه والتدريس في الحرم المكي حتى قبيل وفاته بأيام.
    أصابه المرض فتلقى قضاء الله بنفس صابرة راضية محتسبة، وقدم للناس نموذجاً حياً صالحاً يقتدي به لتعامل المؤمن مع المرض المضني، نسأل الله تعالى أن يكون في هذا رفعة لمنزلته عند رب العالمين.
    كان رحمه الله يستمع إلى شكاوى الناس ويقضي حاجاتهم قدر استطاعته وقد خصص لهذا العمل الخيري وقتاً محدداً في كل يوم لاستقبال هذه الأمور وكان يدعم جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرآن بل قد من الله عليه ووفقه لجميع أبواب البر والخير ونفع الناس فكان شيخناً بحق مؤسسة خيرية اجتماعية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

    طلابه :
    هم بحمد الله كثيرون سواء من تلقى عنه مباشرة وهؤلاء إما طال بهم المقام أو قصر سواء في القصيم ـ الجامع والجامعة ـ أو في الحرم المكي ، أو عن طريق الكتب والأشرطة ، وكثير من طلاب العلم يقدمون كتب الشيخ وأشرطته لغزارة ما يلقي من العلم ولتجرده للدليل ، ولحسن أسلوبه في التعليم ولا أعرف أحدا يباريه في التدريس [3]. وقد بلغ الشيخ وليد الحسن بطلاب الشيخ 74 طالبا وهؤلاء أكثر الطلاب ملازمة للشيخ ، وذكر من القضاة 18 قاضيا وقرأ فيها : الطرق الحكمية لإبن القيم ثم كتاب الوقف والوصايا من الإقناع للحجاوي ثم كتاب إعلام الموقعين لإبن القيم وتمت هذه الكتب إلا عشر صفحات من الإعلام لمرض الشيخ ـ رحمه الله ـ، وذكر من أساتذة الجامعة 25 أستاذا وقرأ فيها : حادى الأرواح لإبن القيم ، وذكر من خطباء الجوامع 21 خطيبا وقرأ فيها : زاد المعاد ، وذكر من أعضاء الحسبة 40 عضوا وقرأ فيها كتاب الحسبة لشيخ الإسلام .
    ومنهم :
    1. الدكتور إبراهيم بن علي العبيد .
    2. الدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي ، وهو شيخ نبيل الخلق كريم السجايا .
    3. الدكتور أحمد بن محمد الخليل .
    4. الشيخ خالد بن عبدالله المصلح ، زوج بنت الشيخ .
    5. الدكتور خالد بن عبدالله المشيقح .
    6. الشيخ سامي بن محمد الصقير ، وهو زوح بنت الشيخ .
    7. الأمير الدكتور عبدالرحمن بن سعود الكبير آل سعود .
    8. الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار ، كان يطلق عليه سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز العلامة .
    9. الشيخ محمد بن سليمان السلمان .
    10. وليد بن أحمد الحسين .
    11. شيخنا القاضي الشيخ صالح بن عبدالله بن عبدالكريم الدرويش [4] ، وهو من خيرة من رأيت من الناس في بذل نفسه وجاهه ووقته في الدعوة إلى الله تعالى ، فنعم العالم والداعية والمربي هو .
    12. الدكتور ناصر بن عبدالله القفاري [5].
    وهم أكثر بكثير

    مؤلفاته :
    بلغ بها الشيخ وليد الحسن 115 مؤلف بين كتاب صغير ومجلدات كبيرة وهي :
    1. مجموع فتاوى الشيخ ، ويحوى المجموع حسبما أمر الشيخ كل مؤلفات الشيخ التي تبلغ مجلدين فأقل ، وبلغت خمسة عشر مجلد وقد تصل إلى ثلاثين مجلدا .
    2. تخريج أحاديث الروض المربع . لم يطبع
    3. الشرح الممتع على زاد المستقنع ، وهو أكبر مؤلفات الشيخ وأكثرها نفعا وفيها يظهر دقة علم الشيخ وقد يصل إلى ستة عشر مجلد .
    4. فتاوى منار الإسلام . ثلاث مجلدات
    5. نيل الأرب من قواعد ابن رجب . لم يطبع
    6. القواعد المثلى . وهو من كتب الصفات الجيدة
    7. القول المفيد على كتاب التوحيد . ثلاث مجلدات
    8. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام .
    9. شرح العقيدة الواسطية . مجلدان
    10. شرح رياض الصالحين . سبع مجلدات

    عقبه :
    الذكور : خمسة هم
    1. عبدالله : موظف في جامعة الملك سعود .
    2. عبدالرحمن : ضابط في وزارة الدفاع .
    3. إبراهيم : ضابط في الحرس الملكي .
    4. عبدالعزيز : ضابط في الجوازات .
    5. عبدالرحيم : موظف في الخطوط السعودية .
    ولم يطلب العلم أحد من أبناءه عليه ـ رحمه الله ـ ، وله ثلاث بنات تزوجتْ ثنتان منهم باثنين من طلابه وهما الشيخ سامي الصقير والشيخ خالد المصلح .

    مواقف للشيخ :
    دخل على الشيخ ـ رحمه الله ـ صبي دون السادسة من عمره وهو بين طلابه وأمسك بيده وقال : أبي يريد السلام عليك قبل سفره فلاطفه الشيخ والطفل آخذ بيده حتى بلغ به والده فتعجب من هذا الخلق النبيل .

    ركب الشيخ مع أحد محبيه وكانت سيارة الرجل كثيرة الأعطال فتوقفت فيهم أثناء الطريق فنزل الشيخ وقال للرجال : أنت ابق مكانك وأنا أدفع السيارة !! فدفعها ـ رحمه الله ـ حتى تحركت بهم .
    ويحكي لي مدير المعهد العلمي في عنيزة سابقا فيقول : احتجت مبلغ من المال فاقترضت من الشيخ ـ رحمه الله ـ وذكرت له أنني محتاج المبلغ لأنني سأسافر للرياض فقال لي : بي رغبة بالسفر للرياض هل تأخذني معك ؟ ، فأخذته معي وكانت المواصلات صعبة في تلك الفترة ، فلما وصلنا أصر الشيخ على دفع مبلغ مقابل السفر ، فرفضت بشدة فقال : لو أنني ما أقرضتك لكان الأمر هينا ولكن أخشى أن يكون قرضا جر نفعا !! .

    لي مع الشيخ ـ رحمه الله ـ موقف واحد وهو عندما طلبت منه الإذن بطباعة هذا الكتاب وكان ذلك في منزل سماحة شيخنا الشيخ عبدالله ابن عقيل ، فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : لا مانع لدي سأقدم لك على أن تطبعه مفردا ، فقلت له : كما تحب يا شيخ ، فمسك يدي ولفها للخلف وهو يتبسم ضاحكا وقال : أكيد ، فقلت : أكيد ... أكيد، فرحمه الله من أب شفيق ومعلم رحيم ومرب ودود .
    وفاته رحمه الله تعالى:
    رزئت الأمة الإسلامية جميعها قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ بإعلان وفاة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وصلى على الشيخ في المسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الخميس السادس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ الآلاف المؤلفة وشيعته إلي المقبرة في مشاهد عظيمة لا تكاد توصف ثم صلي عليه من الغد بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب في جميع مدن المملكة و في خارج المملكة جموع أخرى لا يحصيها إلا باريها، ودفن بمكة المكرمة رحمه الله رحمة واسعة .
    نسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا رحمة الأبرار ويسكنه فسيح جناته وأن يغفر له و يجزيه عما قدم للإسلام والمسلمين خيراً ويعوض المسلمين بفقده خيراً والحمد لله على قضائه وقدره وإنا لله وانا إليه راجعون وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين .

    قيل في الشيخ ـ رحمه الله ـ مراثي كثيرة اخترت منها هذه المرثية وهي : للأستاذ سلمان بن زيد الجربوع .
    لحظةً لا تغب,, وجوه الليالي *** كاسفات، تفيض حزناً وثكلا
    وحناياك روضة من رياض الذكر *** أشهى من أن تمل وأحلى
    وفتاواك في شفاه المريدين *** اشتياق على المشوقين يملى!
    ومصلّاك ضارع يتلوّى *** هل تناهى إليك شوق المصلى؟
    لو رأيت القصيم في حلة العرس *** كئيباً,, يصيح بالنعش,, مهلا
    وحواليه من بنيه جموع *** تزرع الأفق ياسميناً وفلا
    كان يزدان للقاء بيوتاً *** وحقولاً,, طفلاً غريراً وكهلا
    وتغنت بك البطاح ربيعاً *** أنت أشهى منه مراحاً وظلا
    كلهم كان في انتظارك,, عيناً *** تتملى، وخاطراً يتسلى
    يتنادى بك المدى فننادي *** طائرات القدوم (أهلاً وسهلا)
    القصيم الذي عهدت حنينٌ *** يغتلي حرقة ويلتاع وبلا
    كلنا كان بين مد وجزر *** وحبال القضاء تفتل فتلا
    ها هنا اصطفت القلوب تناغي *** أملاً من كوى الغيوب أطلا
    لفنا باليقين برداً ونوراً *** ونمانا لسدرة الحب أصلا
    ودعانا لعالم من مجالي الخلد *** أغلى من أن ينال وأعلى
    عالم مبهر، فلم تر عين *** قبله مثله دياراً وأهلا
    وتراءى لنا على البعد طيف *** أي حسن بدا ونور تجلى؟!
    إنه حسنه المهيب ووجه *** يستثير الرؤى جلالاً ونبلا
    أهنا يرقد الحبيب ملما *** بشتات العلم السني مدلا؟!
    أهنا يرقد الحبيب,, أفيقي *** يا يد الحلم، فالجمال تدلى
    أهنأ يرقد الحبيب,, فهلا *** طفت شعراً على مغانيه هلا
    قال: قد رُمت وصفه قلت: من لي؟ *** قال: وفيت حقه، قلتُ: كلا
    واستفقنا، فمُ الزمان رثاء *** يُهجر الأنس في ذراه ويُقلى
    والعثيمين رحلة ما توانت *** تملأ الخافقين علماً وبذلا
    والعثيمين صفحة من كتاب *** في يد الموت قد طواها، وولّى
    والدُّنا دمعة تعزي زماناً *** كنت فيه السفر العظيم الأجلا!
    شفك السقم يا طهور السجايا *** واحتوتك الدروب وعراً وسهلا
    وتساميت راضياً مطمئناً *** ينبت البؤسُ في شفاهك فألا
    ثابت القلب في يمينك سيف *** من يقين يفل سقمك فلاا
    ياخدين العلوم لُحت رياضاً *** تتمشى نهراً وتختال نخلا
    كنت تتلو الصباح غضاً ندياً *** ما عرفت الصباح قبلك يتلى
    والليالي تنام في صدرك الرحب *** فليست تحس حقداً وغلا
    ضمك الليل عالماً من خشوع *** يغسل القلب في مجاليه غسلا
    أين لا اين دمعةٌ منك تروي *** عطش القلب، كم شكا القلب محلا
    اين لا أين حلقة منك تشفي *** علة العقل، كم شكا العقل جهلا
    قد فقدناك، والأماني انتظار *** فالمساءات بالمسرات حبلى
    ------------------------
    [1] للشيخ تراجم مفردة وتراجم مع غيره من العلماء والذي وقفت عيها هي من المفردة : ابن عثيمن الإمام الزاهد للدكتور ناصر الزهراني ، صفحات مشرقة في حياة الشيخ محمد ابن عثيمن لإحسان العتيبي ، الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثمين لوليد الحسن ، أما مع غيره : علماؤنا 42 ، مجلة الحكمة العدد :2 .
    [2] الجامع لحياة الشيخ ، وليد الحسن ، 154
    [3] ومن اراد المزيد فليراجع ما خطه وليد الحسن في ترجمة الشيخ ، 72 .
    [4] وهو الذ اقترح على الشيخ ـ رحمه الله ـ عقد لقاء خاص بالقضاة ، كما ذكر لي فضيلته وذكر ذلك وليد الحسن . 115

    ترجمة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    السيرة الذاتية
    للشيخ المُحَدِّث سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميد
    كتبها بيده
    أولاً: أَرومتي وبلدي:
    أنا سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن سليمان بن عبدالعزيز بن سليمان بن محمد بن عبدالعزيز بن حُمَيِّد.
    يرجع نسبي إلى الوَهَبَة من بني حَنظَلَة من قبيلة تميم.
    ولدت عام 1374 هـ، بمدينة الطائف، في أثناء اصطياف بعض أفراد أسرتي فيها.
    أما بلدي الأصلي فهو: محافظة أُشَيقر التي تبعد عن مدينة الرياض قرابة 200 كيلو متر غربًا.
    ثانيًا: دراستي وعملي:
    1- درست مراحل تعليمي كلَّها بمدينة الرياض؛ وبعد إتمامي المرحلة المتوسطة التحقت بالمعهد الملكي الفني الثانوي - قسم الكهرباء، وأنهيت الدراسة فيه، ثم عملت في وزارة الدفاع والطيران، ولكن لم يوافق هذا التخصص طموحي، فعدت لدراسة الثانوية العامة ليلاً (نظام السنوات الثلاث)، والتحقت بالدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين مبتعثًا ابتعاثًا داخليًّا من الشؤون الدينية بوزارة الدفاع، وانتهت علاقتي بالوزارة حين كنت في السنة الثانية من الكلية، وأصبحت منتظمًا بنفسي فيها.
    2- في الوقت نفسه تولَّيت الخطابة في جامع حي السويدي بمدينة الرياض، وكان ذلك آخر عام 1400هـ وبداية عام 1401هـ.
    3- في عام 1402هـ أنهيت دراستي الجامعية.
    4- في عام 1403هـ التحقت بالعمل في وزارة العدل بوظيفة باحث شرعي في إدارة البحوث القضائية بالوزارة، وفي الوقت نفسه انتظمت في الدراسات العليا بقسم السُّنَّة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض، وأنهيت السنةَ المنهجية.
    5- في عام 1404هـ سجلت رسالة الماجستير في تحقيق القسم الثاني من "اختصار استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبدالله الحاكم" لابن الْمُلَقِّن، بإشراف الأستاذ الدكتور الشيخ: أحمد معبد عبدالكريم، وفرغت منها في نهاية عام 1406هـ، ونوقشت في عام 1407هـ، وهي مطبوعة.
    6- في عام 1408هـ صدرت موافقة مجلس كلية أصول الدين على موضوع أطروحتي للدكتوراه، وهي بعنوان: "سعيد بن منصور وكتابه السنن، دراسة وتحقيق من أول التفسير وفضائل القرآن، إلى نهاية تفسير سورة المائدة"، وأُسند الإشراف للأستاذ الدكتور عبدالمنعم سيد نجم، وأنجزتها في عام 1412هـ، ونوقشت عام 1413هـ.
    7- في بداية عام 1409هـ عُيِّنت محاضرًا بوظيفة معيد بجامعة الملك سعود بالرياض، كلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية.
    8- في عام 1413هـ بعد فراغي من مناقشة الدكتوراه عُيِّنت بوظيفة أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية.
    9- انقطعت عن العمل في الجامعة فيما بين العامين 1416هـ و 1422هـ لأسباب خارجة عن إرادتي.
    10- في عام 1427هـ رُقِّيت إلى رتبة أستاذ مشارك، وما أزال بهذه الوظيفة حتى كتابة هذه الأحرف.
    ثالثًا: طلبي للعلم:
    1- بدأت في طلب العلم بالطريقة التقليدية في المدارس النظامية على ما تقدَّم ذكره.
    2- أما طلبي للعلم الشرعي خارج الدراسة النظامية فكان ابتداؤه في سن الثامنة عشرة؛ حين شرعت في حفظ القرآن الكريم على والدي - رحمه الله - الذي كان من الحفَّاظ المتقنين، وكان إمامًا للأوقات في مسجد جامع عُتَيِّقة بمدينة الرياض، وتوفي رحمه الله في آخر عام 1394هـ وقد بقي عليَّ من حفظ القرآن تسعة أجزاء؛ لأني شُغِلت بمرضه الذي أقعده واستمرَّ معه قرابة سنتين، مع أعباء الدراسة والأسرة؛ فقد كنت وحيد أبَوَيَّ من الذكور.
    وقد أفدت من والدي - رحمه الله- أيضًا في بعض ما كان يحسنه من علوم، كغيره من المتوسطين في الطلب في مجتمعنا آنذاك؛ فإنه كان حافظًا لبعض المتون العلميَّة؛ كالآجُرُّوميَّة ، والرَّحَبيَّة، وكان على معرفة - لا بأس بها - بالإعراب، ويجيد قسمة المواريث، مع مشاركة مقبولة في العقيدة والفقه.
    3- ثم تعرَّفت إلى فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - في عام 1393هـ، وبدأت بطلب العلم على يديه - جزاه ربي عني أفضل الجزاء - ولازمتُه ملازمة، فكنت أختلف إليه في مسجده الذي كان يؤمُّه (ويقع في دُخْنَة غرب معهد إمام الدعوة، في وسط الرياض، بجانب بيت الشيخ عبدالرحمن الدُّوسري رحمه الله، وموضعه الآن مواقف للسيارات وامتداد شارع الرَّيِّس الموصل إلى المحكمة الكبرى)، وكنت - إذ ذاك - طالبًا في المعهد الملَكي الفني، وتستمر دراستنا فيه في كثير من الأيام من الصبح إلى العصر، ونتناول وجبة الغداء فيه، ثم أتوجه للشيخ بعد العصر فور خروجي من المعهد وقبل ذهابي إلى البيت، ولم أكن أمتلك سيارة في السنتين الأوليين من طلبي على الشيخ.
    4- انقطعت عن درس الشيخ في عام 1395هـ؛ بسبب بعض الظروف الأسرية والاجتماعية وغيرها، ثم رجعت للدراسة عنده في عام 1400هـ، ولا يزال الدرس مستمرًّا عنده، حفظه الله وبارك في علمه وهمَّته.
    5- بدأت في حضور دروس سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - فيما بين عامي 1398هـ إلى 1404هـ، وكل من عرف الشيخ يدرك قيمة ما يجنيه من مجالسته من علم وآداب يتخلَّق بها فيما بينه وبين ربِّه، أو بينه وبين الناس؛ كالإخلاص لله، وتعظيم السُّنَّة، والثبات على الحق، والنصح للناس، ونفعهم، ومحبة الخير لهم، وغير ذلك من أخلاقه وآدابه رحمه الله.
    6- وكان الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - يأتي إلى الرياض أحيانًا فأحرص أنا وبعض الإخوة على لقائه في المسجد المجاور لبيت أخيه الواقع قريبًا من شارع الشميسي الجديد، فنفيد منه بطريق السؤال والمناقشة، وأحببناه كثيرًا لما رأينا فيه من رحابة صدرٍ، وإتاحة فرصة للسؤال والمناقشة، فرحلت إليه مع بعض الإخوة في صيف 1399هـ، ومكثنا عنده فترة ملازمين لدروسه في الصَّباح والمساء، (وفي تلك السنة ابتدأ الشيخ شرح زاد المستقنع، وحضرنا بدايته، ولعله الذي طبع بعد ذلك باسم "الشرح الممتع")، ووافق مكثنا عنده شهر رمضان، ورأينا منه - رحمه الله - من حسن الخلق وكريم السجايا ما أدهشنا!
    ومن ذلك: أنه ألزمنا بأن يكون إفطارنا وسحورنا معه.
    وبعد رجوعي إلى الرياض لم تنقطع صلتي به؛ إذ كنت دائم الاتصال به هاتفيًّا كلما عرض لي سؤال، وكان يجيب على الهاتف كثيرًا، ولم يكن كما هو الحال بعد أن ضاق وقته وازدحم عليه الناس.
    7- ومن المشايخ الذين صحبتهم واستفدت منهم: الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود - رحمه الله - حيث كان سكنه قريبًا من سكني فكنت ألتقي به كثيرًا، ونتبادل الزيارات ونجلس الجلسات العامرة بالمساجلات العلمية، فواهًا لتلك الجلسات!!
    8- ومن المشايخ الذين استفدت منهم كثيرًا: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جنانه - فقد كنت متابعًا لأشرطته، ناهلاً من تخريجاته وأحكامه على الأحاديث، وتأصيله العلمي للمسائل، وكنت حريصًا على لقائه عام 1399هـ أنا والإخوة الذين معي بعد انصرافنا من زيارة الشيخ محمد بن عثيمين، لكن لم يُكتب لنا ذلك، ثم لقيته بالمدينة النبوية عام 1403هـ في معرض الكتاب بالجامعة الإسلامية، لكن لم يكن وقتُه يسمح بالجلوس معه، وكان حينها مريضًا برعشة في رأسه (تراه رحمه الله وكأنه يلتفت يَمنة ويَسرة)، ثم لقيته بمكة في صيف عام 1410هـ، واجتمعت به في مجالس علمية مفيدة ممتعة، حضر بعضها عدد من الإخوة الفضلاء؛ كالشيخ محمد عمر بازمول
    ثم إن الشيخ - رحمه الله - أكرم أهل الرياض برحلته المشهورة في العام نفسه؛ فقدم علينا ومعه أهله، واستمتعنا واستفدنا بمجالسه وفوائده، وأكرمني رحمه الله بزيارتي في منزلي، ودعوت معه الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله، وكان أول لقاء بينهما، ودعاه الشيخ حمود إلى منزله فأجاب الشيخ دعوته، وتناول عنده الإفطار من الغد، وكنا معه في ذلك المجلس الذي حضره بعض المشايخ الفضلاء، وأبناء الشيخ الأكارم: الشيخ عبدالله بن حمود التويجري وإخوانه، كما دعاه أيضًا الشيخ عبدالله بن قعود رحمه الله، وكان مجلسه ذاك عامرًا بالفوائد أيضًا كسائر المجالس.
    9- وممن طلبت العلم على يديه: الشيخ عبدالله بن جار الله - رحمه الله - لكن كانت الاستفادة التربوية منه تغلب على الاستفادة العلمية، وهو معروف بهذا مُشتهر به، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
    10- ومن مشايخي الذين استفدت منهم كثيرًا: الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله؛ الذي كان يتولى تدريسنا العقيدة في كلية أصول الدين، ولا تزال علاقتي به حتى كتابة هذه الأحرف، أستفيد من علمه ورأيه ومشورته، جزاه ربي عني أفضل الجزاء.
    11- ومن مشايخي الذين استفدت منهم كثيرًا: الشيخ الدكتور أحمد معبد عبدالكريم - حفظه المولى ورعاه - الذي درَّسنا بعض مواد الحديث في السنة الرابعة من الكلية، والسنة المنهجية للماجستير، وتولى الإشراف على رسالتي للماجستير، ومناقشتي في الدكتوراه، ولا تزال صلتي به والاستفادة منه مستمرة، جزاه الله عني أفضل الجزاء.
    وهناك الكثير من المشايخ الذين أفدت منهم في الدراسة النظامية لا أطيل بذكرهم.
    رابعًا: النتاج العلمي:
    1- تحقيق النصف الثاني من "مختصر استدراك الذهبي على مستدرك أبي عبدالله الحاكم" وهو القسم الذي نلت به شهادة الماجستير، وهو مطبوع مع النصف الأول في دار العاصمة بالرياض عام 1411هـ.
    2- تحقيق "سنن سعيد بن منصور" جزء منه أطروحتي للدكتوراه، وبعضه تتمَّة لهذا العمل، ولا يزال فيه بقية تنتهي قريبًا بإذن الله، وهو مطبوع بدار الصميعي بالرياض، عام 1414هـ، والتتمة مطبوعة سنة 1417هـ.
    3- تحقيق "مسند عبدالله بن أبي أوفى" ليحيى بن صاعد - جزء حديثي - وهو مطبوع بمكتبة الرشد بالرياض، عام 1408هـ.
    4- تحقيق كتاب "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام" لابن دقيق العيد في أربعة مجلدات، وهو مطبوع بدار المحقق بالرياض، عام 1420هـ.
    5- تحقيق "غرر الفوائد المجموعة في ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة" للرشيد العطار، وهو مطبوع بمكتبة المعارف، عام 1421هـ.
    6- "آداب الغذاء في الإسلام"، رسالة صغيرة، وهي من منشورات دار الصميعي بالرياض، سنة 1416هـ، وأصلها بحث ألقيته في "الندوة السعودية الثانية للغذاء والتغذية" التي أقامتها كلية الزراعة بجامعة الملك سعود بالرياض، في الفترة من 4 إلى 7 جمادى الآخرة سنة 1415هـ، ونشر في إصدارات تلك الندوة (ص21-46).
    7- "حكم صوم يوم السبت"، وهو مطبوع بدار التوحيد للنشر، سنة 1426هـ.
    8- "حكم الشرب قائمًا" وهو مطبوع بدار التوحيد للنشر، سنة 1426هـ.
    9- تحقيق جزء حديثي في بيان أحاديث أودعها البخاري رحمه الله كتابه الصحيح، وبيَّن عللها الحافظ الدارقطني، وهو مطبوع بدار الصميعي، سنة 1427هـ.
    10- تحقيق المجلد الثاني من "الاعتصام" للشاطبي، الذي قام الدكتور محمد الشقير بتحقيق المجلد الأول منه، والدكتور هشام الصيني بتحقيق المجلد الثالث منه، وتقوم على نشره دار ابن الجوزي بالدمام، ويتوقع صدوره الأيام القريبة المقبلة.
    11- الإشراف والمشاركة في تحقيق "كتاب العلل" لابن أبي حاتم الرازي، وقد طبع الكتاب سنة 1427هـ.
    12- الإشراف والمشاركة في تحقيق "سؤالات السلمي للدارقطني"، وقد طبع الكتاب سنة 1427هـ.
    13- الإشراف والمشاركة في تحقيق قطعة من المجلد الحادي والعشرين من "معجم الطبراني الكبير"، وقد طبع الكتاب سنة 1427هـ.
    14- الإشراف والمشاركة في تحقيق المجلدين الثالث عشر، والرابع عشر من "معجم الطبراني الكبير"، وهو في طريقه للنشر إن شاء الله.
    15- الإشراف والمشاركة في تحقيق "آفة أهل الحديث" لابن الجوزي، وهو في طريقه للنشر إن شاء الله.
    أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأن تكون حجة لنا لا علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
    http://www.alukah.net/Web/homayed/CV/
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    جزاكم الله خيرا ثم بارك لكم وزادكم وأمدكم بعونه مشكور أخي وسددك الله
    نحتاج جزاكم الله خيرا تراجم السادة العلماء

    1-محمد حامد الفقي رحمه الله
    2-عبدالرزاق عفيفي
    3-محمد خليل هراس
    4-محمد منير الدمشقي
    5- أحمد شاكر
    6- محمد شاكر
    7-محمد الأمين المصري
    8-محمد عبدالحكيم المصري
    9-محمد فؤاد عبدالباقي
    10-جاد الحق شيخ الأزهر
    11-عبدالرحمن الوكيل رئيس أنصار السنة الأسبق
    12-محمد صفوت نور الدين
    13-محمد تقي الدين الهلالي
    14-محمود شكري الآلوسي
    15-محمد بهجت الأثري
    16-محمد بهجت البيطار
    17-محمد عبدالحميد حسونة
    18-عبدالحميد بن باديس
    19-محمد نجيب المطيعي
    20- عبدالرحمن البراك
    21-عبدالمحسن العباد



    والحمد لله رب العالمين

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    بارك الله فيك أبا خزيمة, وجزاك خيرًا على ما لفت نظري إليه من أسماء هؤلاء الأعلام.
    وأما الآفة التي أصابت كثيرًا من الإخوة في هذه الأيام, في الوقوع في الأعلام الكبار, فإلى الله المشتكى
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    السيرة الذاتية للعلامة محمد صفوت الشوادفي
    هو سماحة الشيخ العلامة، السلفي النجيب، الذكي الأصولي، الفقيه المحقق/ محمد صفوت أحمد محمد يوسف الشوادفي.مولده:ولد في قرية الشغانبة، إحدى قرى مدينة بلبيس، وذلك في عام 1374هـ، الموافق 1955م، في بيت ريفي، وفي أحضان أسرة متأصلة على مبادئ الشريعة الغراء.نشأ الشيخ هناك وترعرع في مرحلة الشباب بين أهله وأصحابه، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة، وكان متميزًا في حبِّه للأدب من سن مبكرة، ولقد كان أسلوبه في التعبير يثير نظر الأساتذة، فيعجبون من كتابته التي تفوق سنَّه بكثير، ذلك مما أعانه فيما بعد على قراءة كتب التراث، والتعرف على المعاني المقصودة من وراء عباراتهم ومصطلحاتهم.حصل على الثانوية العامة بمجموع كبير؛ لكنه رغب في الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وفي ذلك الوقت تكوَّنتْ شخصيته الدعويَّة؛ بل لقد فاق أقرانه، فكان هو المنظِّمَ والمرشد والمخطط لكل برامج الدعوة إلى الله - تعالى - على بصيرة، وألَّف في ذلك الوقت أسرةً كانت تدعو العلماء إلى الكلية لإلقاء المحاضرات الدينية.بعد تخرجه في الجامعة التحق بالجيش، وكان ضابطًا فيه، ولعل هذه الفترة (الجيش) مهدرة عند كثير من الشباب - إلا من رحم ربي - فلا يستفيدون بها، وقد تضيع أوقاتهم فيها سدى، إلا أن الشيخ - رحمه الله - حرص حرصًا شديدًا على الاستفادة من كل دقيقة في حياته، ففي هذه الأثناء انكبَّ على حفظ القرآن الكريم وقراءته، وتدبره ودراسة تفسيره، وعندما عقدت مسابقة القرآن الكريم على المستوى العام للجنود في مصر، تقدم الشيخ - رحمه الله - إلى المسابقة، فحصل على الجائزة الأولى في المسابقة، وهي الحج إلى بيت الله الحرام، ونال هذا الشرف العظيم، وهو لا يزال بعدُ في الجيش.مرحلة التأهيل العلمي:بدأ الشيخ - رحمه الله - طلبه للعلم منذ أن كان في الثامنةَ عشرةَ من عمره، حيث ابتدأ بالقراءة في الفقه الشافعي، حيث كان أبوه شافعيَّ المذهب، وأثناء فترة وجوده بالجامعة كان يحضر دروس شيخه العلامة محمد جميل غازي في تفسير القرآن الكريم، فاستفاد منه الشيء الكثير كما قال - رحمه الله - عن نفسه، ثم لم يلبث الشيخ بعد إنهائه الجامعة في مصر إلا قليلاً حتى سافر إلى الحجاز، وكانت هذه الفترة هي أزهى فترات حياته العلمية؛ حيث قدَّر الله - تعالى - له ملاقاة جهابذة العلماء هناك، من أمثال الشيخ ابن باز- رحمه الله - والشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - والعلامة عبدالرزاق عفيفي، وغيرهم من فحول العلماء، فسمع منهم واستفاد منهم الكثير، وممن تلقَّى الشيخ - رحمه الله - على أيديهم العلمَ: فضيلةُ الشيخ العلامة القاضي علي بن رومي، حيث كان سكن الشيخ قريبًا منه بالرياض، وكانت بينهما مجالسات ومدارسات عديدة، ومع ما رزقه الله - تعالى - من بصيرة وذكاء وشغف دؤوب لطلب العلم، حصَّل كمًّا هائلاً من العلوم، فأتقن المذهبَ الحنبلي مع تأصيله لقواعده عنده، وبرع في الأدب واللغة وحسن البيان، وهذا أمر ملحوظ لمن لازمه وقرأ مقالاته وسمع محاضراته - عليه رحمة الله - يقول الأستاذ فتحي أمين عثمان في ترجمته للشيخ - رحمه الله -: "وقد كان لهذا السمع أثرُه الطيب في تكوين عناصر فكره الديني، فقد أفاده كثيرًا في تأصيل المسائل الفقهية، فجمع - رحمه الله - بين ترتيب الفكر وتنظيمه، وبين تأصيل المنهج وتقويمه".عودته إلى مصر:بعد هذه الفترة العلمية التي قضاها الشيخ - رحمه الله - (ست سنوات تقريبًا)، عاد إلى مصر ليفتح صفحة جديدة من الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله - تعالى - بقمع البدعة، والجهر بالسُّنة وإقامتها ونشرها بين الناس، وهذا أمر لا يرضاه الكثيرون ممن طمس الله - تعالى - على قلوبهم، فكثُر أعداء الشيخ - رحمه الله - من أهل البدعة والضلال، ونابذوه بكل ما يملكون، بالكلمة والمال، وهم بذلك ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32]، وهو مع ذلك كله يبين الحق، وينافح عنه، ويناظر به، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ممتثلاً بذلك قول الله - تعالى -: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، وكان - رحمه الله - على يقين أن الطريق محفوف بالأشواك والأذى، وأن سالكه - لا محالة – مبتلى.مرحلة التحاقه بجامعة الأزهر:لما فتحت جامعة الأزهر أبوابَها لأصحاب المؤهلات العليا، سارع الشيخ - رحمه الله - في الالتحاق؛ رغبةً في الحصول على الإجازة العالمية، فلم يكتفِ بما قرأ أو سمع في السعودية؛ بل إنه حفز إخوانه وأقرانه وتلامذته للتقدُّم إلى جامعة الأزهر؛ لما في ذلك من المصالح الدعوية التي لا تخفى على أحد، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لما رأى أهلُ البدع الشيخ - رحمه الله - يجول في الجامعة وهو يحمل معه رسائل التوحيد، ويخاطب الشباب في منتدياتهم وتجمعاتهم، ثارتْ حفيظتهم، وانقلبوا عليه جميعًا ضاربين له عن قوس واحدة؛ بل وحاولوا أن يثبتوا أن الشيخ ضعيف علميًّا وغير مؤهل للنجاح في الاختبارات، فقد قام أحدهم ممن يدَّعي العلم، وكان مكلفًا بتصحيح أوراق الشيخ في مادة التفسير، فلما رأى ورقة الشيخ كتب عليها (راسب)، وهو بهذا قد خان الأمانة، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: ((إذا وسِّد الأمر لغير أهله، فانتظر الساعة)).وقبل إعلان النتيجة علم عميد الجامعة، وكان وقتها الدكتور/ سعد الدين صالح، وهو رجل غيور على الدين، وله مقالات ورسائل تشهد له بذلك، كلف رئيس القسم أن يعيد النظر في ورقة الشيخ - رحمه الله - فلما صحَّحها وعلم تفوق الشيخ في مادته، قال عن الدكتور الذي صحَّح ورقة الشيخ - رحمه الله - : (واحد مفروض أنه عالم؛ لكنه مش محترم).ولما رأى الشيخ - رحمه الله - أن أوقاته تضيع في هذه الجهالات، قال: هذه مهاترات، وما عندنا وقت للمهاترات، فقد كان - رحمه الله - حريصًا على وقته أيما حرص، وكان حريصًا على أن يجعل وقته كله من أجل الدعوة إلى الله - عز وجل - وهذا ما دعا فضيلةَ الشيخ محمد صفوت نور الدين - رحمه الله - أن يقول عنه بعد وفاته - رحمه الله -: "رجل من الدعاة الذين شكَّلت الدعوة حياتهم، فكانت هي همَّهم الأول، في البيت والعمل، في الحل والترحال؛ بل في كل أطوار حياته".جهوده العلمية وآثاره الدعوية:كان للشيخ - رحمه الله - جهدٌ مشكور في كل ميادين الدعوة والعلم، فكان - رحمه الله - من الدعاة المبرِّزين؛ وذلك لما كان له من حظ وافر في تحصيل العلوم الشرعية، وقد حدثت بموته ثلمةٌ عظيمة في أمر الدعوة إلى الله تعالى.ولقد تميَّز الشيخ - رحمه الله - بصوت حسن، فكان إذا قرأ القرآن تلمس الخشوع في قراءته، وكان يصلي بالناس إمامًا في ليالي رمضان، فيَبكي ويُبكي مَن وراءه مِن المصلِّين، كما كان - رحمه الله - متقنًا لأحكام التلاوة.وأما عن خطبه، فكان - رحمه الله - يجوب البلدان يدعو إلى الله - تعالى - وينشر العقيدة الصحيحة بين الناس، ويذبُّ عن السُّنة ويدافع عنها، ويقمع البدعة ويحارب أهلها، وكان كثيرًا ما يركز في كلماته على دور الأسرة في المجتمع، وضرورة الاهتمام بتربية الأبناء وتنشئتهم نشأة دينية صحيحة.كما كان - رحمه الله - يلقي المحاضرات في كثير من المساجد، كما كانت له دروسٌ منهجية، فكان - رحمه الله - يشرح "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"، وشرحه بطريقة بارعة، وأسهب وأجاد في شرحه، وقطع فيه شوطًا كبيرًا (أحد عشر مجلدًا) حتى وفاته، كما كان يشرح كتاب "توضيح الأحكام من بلوغ المرام"، وغيرهما من الكتب الكثير.كما كان للشيخ - رحمه الله - العديد من الطلبة الذين يلازمونه دائمًا، ويجلسون لتلقي العلم بين يديه، وكان - رحمه الله - يحرص على تأصيلهم تأصيلاً علميًّا صحيحًا، وكان دائمًا ما يشدِّد على أن الداعية بحاجة إلى القراءة وطلب العلم.التحاقه بجماعة أنصار السنة المحمدية وإسهاماته في تطوير مجلة التوحيد:اختير الشيخ - رحمه الله - عضوًا في المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية عام 1991م، وعهد إليه بتنظيم إدارة الدعوة والإعلام، فأظهر كثيرًا من البراعة وسَعة الأفق، ثم بدأ يخطط للخروج بالدعوة من الحيز الذي تسير فيه إلى آفاق واسعة، وكانت طموحاته وآماله لا حدود لها.كان - رحمه الله - على علاقة طيبة بشيخ الأزهر السابق فضيلة الشيخ/ جاد الحق - رحمه الله - كما كان حريصًا على اتصال الجماعة بمشيخة الأزهر، فأعاد بذلك مسيرة الشيخ حامد الفقي والشيخ خليل هراس وغيرهما، حيث كانت لهم علاقات طيبة مع شيوخ الأزهر وعلمائه.كذلك كانت له علاقات طيبة بعلماء السعودية، أمثال الشيخ ابن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ ابن عثيمين - رحمهم الله تعالى - كما كانت له علاقة طيبة بالشيخ محمد عبدالوهَّاب البنا - ختم الله تعالى له بالحسنى.اختير - رحمه الله - نائبًا للرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية قرابة ثماني سنوات.شارك في العديد من المؤتمرات داخل مصر وخارجها، وزار العديد من دول العالم الإسلامي، منها قطر والكويت، وألقى بها العديد من المحاضرات.كان - رحمه الله - يكتب مقالاً ثابتًا في مجلة التوحيد باعتباره رئيسًا لتحريرها، كما كان يكتب في العديد من المجلات الإسلامية الأخرى، منها: المسلمون، الحكمة، البلاغ، الفرقان الكويتية.لما تولى - رحمه الله - رئاسة تحرير مجلة التوحيد، وأراد أن يطورها، قام بوضع استبيان من عدة أسئلة؛ ليتبين من خلاله وجهات نظر القراء، وقد ترتَّب على ذلك الأمر ظهورُ أبواب جديدة في المجلة.حواراته ومناظراته:كان الشيخ - رحمه الله - بارعًا في الحوار، وله قدرة عجيبة على الاستنباط والتأصيل، وكان يطرح الأسئلة المحيِّرة على محاوره، فإن عجز عن الإجابة أجابَه الإجابةَ الصحيحة، ولا ننسى ما دار بينه هو والشيخ محمد صفوت نور الدين من جهة، والدكتور/ محمد سيد طنطاوي - أيام كان مفتيًا - والدكتور/ أحمد عمر هاشم من جهة أخرى، ودارت هذه المناظرات حول الحجاب والنقاب، ونشرت على جريدة "اللواء الإسلامي"،التي قالت عنهم بأنهم علماء بحق، وكان ذلك منذ أكثر من عشرين عامًا.كما كان - رحمه الله - قوي اللهجة، رصين العبارة، شديدًا على أهل البدع، وكثيرًا ما فضح خرافات الصوفية؛ لذا كانت بينه وبينهم حربٌ ضارية، ومناظرات ساخنة، فناظر شيوخ الصوفية، وشيخ الجامع الأحمدي، وبعض أساتذة الأزهر، وردَّ عليهم جميعًا، ودحض حججَهم، وفند شبهَهم، وانتصر لله ولدينه، وقد نشرتْ هذه المناظرات على صفحات جريدة"عقيدتي".مؤلفاته ومصنفاته العلمية:يلاحظ أن الشيخ - رحمه الله - لم يكن من المكثرين من التصنيف، مع أن ملكته العلمية تؤهله لهذا الأمر؛ لكنه - رحمه الله - كان يحس بجسامة المسؤولية، وهذا على خلاف ناشئة اليوم، لا يلبث الواحد منهم أن يقرأ كتابًا أو اثنين ثم يخرج علينا بمصنفات!إلا أن الشيخ - رحمه الله - ترك بعضًا من المصنفات، التي كان يكتبها ويؤلفها بحكمة، وحسبما تقتضي الحاجة - رحمه الله وطيب ثراه - ومنها:1- كتاب "مصابيح أضاءت لنا الطريق".2- "مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (دراسة وتحقيق).3- "الإجهاض بين الطب والدين".4- "اليهود نشأة وتاريخًا".5- "الأسهم المالية في ميزان الشريعة الإسلامية".6- "حكم بيع الذهب القديم بالذهب الجديد".وغير هذا من الأبحاث والرسائل التي تركها الشيخ والتي لم تطبع بعد، وسيُعمل على طباعتها قريبًا - إن شاء الله تعالى.وفاتـه:توفي - رحمه الله تعالى - مساء ليلة الجمعة 17 جمادى الأولى 1421هـ، الموافق 17 أغسطس 2000م، إثر حادثٍ أليم، حيث صدمت سيارة أخرى سيارته، ونقل إلى المستشفى، فمكث به قرابة الساعة إلى أن مات - رحمه الله تعالى رحمه واسعة.وقد كان - رحمه الله - عائدًا ذلك الوقت من بلدته إلى منزله، وكان يصل رَحِمَه، ومن حسن الخواتيم أنه كان حديثَ عهدٍ بالبيت الحرام.وصلِّي عليه بعد صلاة الجمعة في جنازة مهيبة، حضرها الآلاف، وعلى رأسهم عدد كبير من المشايخ والعلماء والمسؤولين، وممثلي المؤسسات الدينية من داخل مصر وخارجها.أقوال العلماء عنه:الشيخ محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -:كان لي تلميذًا، ثم صار أخًا ورفيقًا، ثم كنت أنظر إليه عند محادثته شيخًا مؤدبًا، ومعلمًا جليلاً.الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني - حفظه الله -:شعرت بغصَّة في حلقي شديدة لرحيل هذا الإنسان، كان - كما أعلمه، والله حسيبه - رجلاً يحبُّ الإسلام والمسلمين من كل قلبه، وكان رجلاً فاهمًا وحازمًا في الوقت ذاته، وقلَّما يجتمع هذا المعنى في إنسان.كان رجلاً معطاء، وكان رجلاً ودودًا.كان مؤهلاً علميًّا أن يكون من كبار العلماء.الشيخ محمد حسان - حفظه الله -:فقدتْ مصر بل الأمة الإسلامية - وما أكثر ما فقدت في هذه الأيام - عالمًا نحريرًا، وحبرًا نجيبًا، وفقيهًا أريبًا، لقد فقدت الدعوةُ إلى الله - تعالى - فارسًا نبيلاً من فرسانها، لقد فقدت داعيةً واسعَ العلم والفكر والفَهْم والأفق، وفقدت الصحافةُ الإسلامية قلمًا طالما شهره صاحبه في وجه أهل الضلال والبدع، وطالما شهره في الذبِّ عن شريعة الله - تبارك وتعالى - وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم.ولقد تلقيتُ نبأ وفاة شيخنا المبارك أبي أنس صفوت الشوادفي - رحمه الله تعالى - فما ملكت نفسي من البكاء على هذه الأمة المكلومة، التي لا تجفُّ دماؤها، ولا تلتئم جراحها، وما ملكت نفسي من البكاء؛ لمعرفتي به وبعلمه ومكانته في ساحة الدعوة، التي أعطى لها جلَّ وقته وفكره.الشيخ الدكتور/ محمد إسماعيل المقدم - حفظه الله -:ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا معقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه، اللهم إنا نؤمن بقضائك، ونحتسب عندك أجر الصبر على بلائك.لقد هز قلوبَنا خبرُ وفاة الداعية السلفي الجليل فضيلة الشيخ: صفوت الشوادفي - رحمه الله تعالى - كيف لا، وقد حدثتْ بموته ثلمة، وفتحت ثغرة، وحُرِمتْ ساحة الدعوة إلى التوحيد والسنة من فارسٍ طالما صال وجال داعيًا إلى الله - عز وجل - على بصيرة، وطويت صفحة من صفحات الجهاد الدؤوب، الذي لا يعرف الملل في سبيل تصفية العقيدة، وخدمة الشريعة، وإحياء السنة، وقمع البدعة؟! الشيخ مصطفى العدوي - حفظه الله -:إنا لله وإنا إليه راجعون.أحسن الله عزاءنا فيك يا أبا أنس.أحسن الله عزاءنا في ناصرٍ للسنة، وقامع للبدعة، عبقري ذكي، أعمل ذكاءه، وأبلغ جهده في خدمة الإسلام، والمنافحة عن التوحيد. الشيخ مجدي عرفات - حفظه الله -:عرفته عالمًا، حازمًا، حليمًا، أعظم شيء بهرني فيه عقلُه الذي كان يحلل الأحداث تحليلاً عجيبًا.من الناس من تستفيد منه علمًا، ومنهم من تستفيد منه حلمًا، ومنهم من تستفيد منه علمًا وحلمًا، وشيخنا - رحمه الله - منهم. الشيخ الدكتور/ عبدالعظيم بدوي - حفظه الله -:على طريقة الأنبياء والحكماء سار فضيلة الشيخ الشوادفي - رحمه الله - حتى لقي الله، فقد عاش يأمر بالتوحيد ويدعو إليه، وينهى عن الشرك ويحذِّر منه، ورأس مجلةَ التوحيد فطوَّرها تطويرًا، وحسَّنها تحسينًا. الشيخ عادل العزازي - حفظه الله -:فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي من الرجال القلائل، وقد قالوا: رجل بألف رجل، وقد صحبتُه برهة من الزمان فوجدتُه قد تخلَّق بأخلاق، واتصف بصفات قلَّما تجتمع في رجل، وهو قد جمع بين عمق الفهم في العلم وحسن الأداء في إيصاله للناس، وفطانة المناظرة للغير، مع الصبر في الدعوة، ثم هو بعد ذلك كله ساعٍ للخير بكل وجوهه، وقد أفجعني - كما أفجع كثيرًا من المسلمين - موتُه. الشيخ الدكتور/ جمال المراكبي - حفظه الله - (الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر):عرفناه داعيًا إلى الله - تعالى - لا يمل ولا يهدأ، فأحببناه، عرفناه داعيًا إلى السنة والجماعة وقامعًا للبدعة والضلالة، فأحببناه.كان - رحمه الله - بعيد النظر، له آمال وطموحات تتعلق بمستقبل العلم ودعوة المسلمين إلى منهاج السنة والجماعة. الشيخ الدكتور/ فؤاد مخيمر - رحمه الله - (الرئيس العامللجمعيات الشرعية بمصر سابقًا):ودَّعنا داعية مخلصًا مجاهدًا في سبيل الحق - نحسبه كذلك والله حسيبه - نراه يجول وينطلق يؤدي دعوة الله في ربوع الأرض، بقلم طاهر يكتب، وبلسان صادق يترجم، وبعقل نيِّر رشيد يوجِّه، وبقلب مخلص يؤدي. الشيخ محمود غريب الشربيني - رحمه الله -:كان - رحمه الله - متسمًا بصفاتٍ قلّما تجتمع في رجل، يلمس ذلك كلُّ من خالطه أو اقترب منه، ومن أبرز هذه الصفات: الإنصاف، الاحتساب، قوة الإرادة، علو الهمة، الفطنة، حسن السمت، الورع. الشيخ الدكتور مازن السرساوي - حفظه الله -:صاحب الفضيلة العلامة الشيخ صفوت الشوادفي - برَّد الله مضجعه - كان من أفراد الدهر، وممن ألقى الله عليه هيبةَ العلم ورونقه، ورزقه الحنكة وعلو الرأي، وحسن الفهم، وقد تهدم بموته ركنٌ كبير، ولكن الله غالب على أمره.في الختام:فقد حدثت بموت الشيخ - رحمه الله - ثلمةٌ كبيرة، وفراغ هائل في ساحة الدعوة إلى الله – تعالى - في زمن قبض أهل العلم، فتزداد المحنة، وتعظُم الكربة، وتثقل الأعباء على العلماء الباقين، وواجبهم أن ينهضوا بطلبة العلم؛ فإن الناس على الخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر.واللهَ نسأل أن يرحم شيخنا، وأن يتجاوز عن سيئاته، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    http://www.alukah.net/Web/shawadfy/CV/
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ
    محمد صفوت نور الدين - رحمه الله تعالى -
    من 1363 إلى 1423 هـ - من 1943 إلى 2002 م
    *******************
    عالم فطن غزير العلم واضح المنهج
    اسمه :
    :: محمد صفوت بن نور الدين أحمد مرسي .
    مواليد :
    20/6/1943م بمدينة بلبيس .
    مؤهلاته :
    بكالوريوس علوم وتربية .
    وظائفه :
    عمل بوزارة التربية والتعليم حتى صار مديرًا عاماً بالتعليم .
    تولى رئاسة جماعة أنصار السنة المحمدية بعد وفاة الشيخ محمد علي عبد الرحيم - خامس رؤساء الجماعة - عام 1412هـ - 1991م ، فصار بذلك أول رئيس من الجيل الثاني .
    وقد تم انتخابه بالإجماع في يوم الخميس 22 شعبان 1412هـ الموافق 27/2/1992م .
    ودامت مدة رئاسته لها ما يزيد على عشرة أعوام شهدت الجماعة خلالها ازدهارًا غير مسبوق من التنظيم والعمل المؤسس الناجح.
    فقد أبدع الشيخ في رئاسة الجماعة، حيث ساهم مساهمة فعّالة في نشر دعوة التوحيد في ربوع مصر والعالم الإسلامي، وقد أرسى قواعد الجماعة على المنهج السلفي الصحيح على منهج أهل السنَّة والجماعة في إطار ضوابط لم تتعارض مع الحكومات، مما كتب لدعوته الاستمرارية والنجاح.
    فكان ـ رحمه الله ـ يركز على تصحيح ما لدى الناس من الأخطاء ونشر دعوة التوحيد الخالصة النقية كما كان له ـ رحمه الله ـ مشاركات فعّالة في مجلة التوحيد التي كان يرأس إدارته و من خلال الأبواب الثابتة التي كان يحررها بنفسه ومن أبرزها باب السنَّة الذي شرح فيه كثيرًا من الأحاديث الصحيحة، فكانت كتاباته دسمة ومفيدة، ذات تحليل عميق يجذب القارئ.

    ولحسن خلق الشيخ وحكمته وسياسته اللبقة جمع العلماء والدعاة حوله في جماعة أنصار السنَّة وأحبوه وأخلصوا للعمل معه فنهضت الجماعة به وبهم حتى صار لها قوة ضاربة في أعماق العالم الذي تألم وحزن لوفاة هذا الشيخ الكبير الذي ملأ الدنيا علمًا ودعوةً، تأثر بدعوته المباركة كثير من طلبة العلم في أنحاء العالم، وقد رعى جيلاً قادرًا بفضل الله على حمل لواء الدعوة ونشر التوحيد في العالم، فكان ـ رحمه الله ـ يجوب العالم داعيًا وعالمًا جليلا مخلصًا لدعوته التي أضفى عليها بحكمته ورؤيته الثاقبة الوضوح والجلاء مما أكسبه احترام وحب الجميع.
    ولقد كان رحمه الله في فترة الستينات من القرن العشرين طالبًا بالجامعة ولم تشغله دروسه العلمية عن أن يستمع إلى شيوخ جماعة أنصار السنة المحمدية في بلدته بلبيس وفي المركز العام للجماعة ، من أمثال الشيخ، عبد الرحمن الوكيل، والشيخ خليل هراس ، رحمهما الله .
    ولقد عوض ما فاته من التلقي على يد الشيوخ الأول أمثال الشيخ محمد حامد الفقي والشيخ أبو الوفاء درويش ؛ لأنه كان حريصًا على معرفة إنتاجهم العلمي في كتبهم وفي مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدر عن أنصار السنة المحمدية .

    وقد شغل الشيخ رحمه الله منذ الثمانينات وظيفة أمين عام الدعوة زمن رياسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم ، وكانت له مساهمات كبيرة في الكتابة في مجلة التوحيد ، حتى إذا صار رئيسًا للجماعة أولى مجلة التوحيد عناية فائقة وساهم في تطويرها والكتابة فيها والفتيا على صفحاتها ، حتى شبت عن الطوق ، وانتشرت في غالب بلاد العرب والمسلمين ، وبلغ مجمل ما يطبع منها مائة ألف نسخة .
    سمات دعوة الشيخ :
    والشيخ ـ رحمه الله ـ منذ أن أخذ على عاتقه همَّ الدعوة صابرًا محتسبًا يبغي مرضاة ربه عاملاً بقوله تعالى : ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ ( 125 : النحل ) ، محبًا لعلماء الأمة، معظِّمًا لجهودهم، مقتديًا بأعلامهم العاملين بالكتاب والسنَّة بفهم سلف الأمة، مشاركًا في توعية المسلمين ومحذِّرًا من المؤامرات والخطط التي تحاك ضدهم، غيورًا على دين الله عزّ وجل، مظهرًا ومقتديًا بسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ناطقًا بالحق في مرضاة الله، ذابًا بقلمه ولسانه عن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نابذًا للتقليد والتعصب حريصًا على توجيه الشباب إلى العلم الشرعي وتعليمه ونشره مع الرؤية الدقيقة لأثر هذا العلم في مواجهة التعصب والطيش والعجلة والحماس الذي قد يضر بعموم الأمة ومستقبلها الدعوي، كثير التأكيد على أن معالجة الغلو في الدين أو ما يسمى اليوم بالتطرف، أو الإرهاب لا يمكن مواجهته إلا بنشر العلم الشرعي هكذا عرفناه ـ رحمه الله ـ.
    وإن كان مما يهوِّن علينا وعلى الأمة هذه المصيبة، هو تذكرنا لمصيبتنا العظمى، ألا وهي مصيبتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : " إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب ". ، فكان منهجه ـ رحمه الله ـ يرتكز على تصحيح ما لدى الناس من عقائد فاسدة بالحكمة والموعظة الحسنة، وربى أجيالا قادرة ـ بعون الله ـ على إكمال المسيرة .. كان للشيخ سمت طيب ووجه بشوش وجانب لين، أحبه كل من عرفه وتأثر به .. وحمل الشيخ صفوت هم الدعوة الإسلامية في صدره أينما ذهب .. سواء في المؤتمرات العلمية التي تقام داخل مصر أو في دول الخليج وغيرها .. أو في العالم الغربي الذي زار مؤسساته الإسلامية وألقى فيها محاضراته القيمة .. وبذل فيها عطاءه الذي لا ينضب.
    رحم الله الشيخ صفوت الذي فارقت روحه الطاهرة جسده الكريم .. واصطفاه الله إلى الدار الآخرة وصلى عليه في يوم الجمعة بالحرم المكي بعد صلاة المغرب وحملت الجموع نعشه فوق الأعناق ليوارى جسده الطاهر ..
    والشيخ ـ رحمه الله ـ كان يدعو ويلح في الدعاء أن يموت بالحرم المكي ويدفن في مكة المكرمة.
    وصفوت نور الدين الذي أمضى حياته كلها في خدمة الإسلام والمسلمين عن طريق هذه الجماعة بنشاطاتها المختلفة وعن طريق مجلة التوحيد التي تصدر عنها وقارع أهل البدع والتصوف والانحراف وجادل أهل الباطل بالتي هي أحسن ونافح عن العقيدة والمنهج. يسافر ويتحمل المشاق في سبيل ذلك.
    نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويخلف على المسلمين خيرًا وينصر الحق وأهله ودعاته.
    وقد عرفت فضيلته منذ مدة طويلة عفيفًا شريفًا ذا أخلاق فاضلة وصفات حميدة يدعو إلى الله بالتي هي أحسن، عرفته يتحمل المشاق في سبيل ذلك، يحب جمع الكلمة، ويدعو إلى الائتلاف .. والاجتماع على العروة الوثقى، عرفته يحب أهل العقيدة السلفية ويدعو إليها، عرفته في حسن عبادته وكثرة ذكره لله تعالى أحسبه كذلك والله حسيبه .

    مساهماته في خارج البلاد :
    لم يكتف رحمه الله بما كان يقوم به من إلقاء الخطب والدروس اليومية في فروع ومساجد الجماعة ، بل امتد نشاطه إلى خارج البلاد محاضرًا في بلاد الغرب ، كما شهد عددًا كبيرًا من المؤتمرات العلمية التي كانت تعقد لمناقشة هموم الدعوة والمسلمين .
    وكان آخر مؤتمر برياسته هو المؤتمر الذي عقد بالمركز الدولي لدعاة التوحيد والسنة بمسجد العزيز بالله ، وقد انتهت أعماله قبل سفر فضيلته إلى السعودية بيومين تقريبًا ، وكان شعار المؤتمر (( االإسلام والغرب حوار أم صراع )) .
    مساهماته في الصحافة الدينية :

    كان رحمه الله يحسن استقبال الصحفيين ويدلي لهم بآرائه ، وكان مرتب الفكر والمنهج بارعًا في الرد على ما يثيره الصحفي من علامات استفهام حول بعض المسائل الخلافية، وكان يتكلم عن منهج الجماعة ورجالها ومسيرتها ولا يتكلم عن نفسه ، وقد تم ذلك بأسلوب واضح وعبارات تدل على أن الرجل عالم فطن غزير العلم واضح المنهج .
    ومن أبرز حواراته ما كان على صفحات اللواء الإسلامي مع فضيلة شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي يوم أن كان مفتيًا للجمهورية ، ود. أحمد عمر هاشم من جهة ، والشيخ صفوت نور الدين ، وصفوت الشوادفي من جهة أخرى .
    والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .
    أما عن منهجه في إدارة شئون الجماعة وسياسة رجالها ، فقد كان رحمه الله حريصًا كل الحرص على مال الجماعة ، وكان رحمه الله يحمي إخوانه من غيرهم ، بل وأحيانًا من أنفسهم، وأشهد الله أني لم أر رجلاً له قبول عند الناس بعد الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله إلا الشيخ صفوت نور الدين .
    ومما يدل على غزير أدبه ومحبته لأنصار السنة أنه كان يقول لكل واحد منا : لا تهلك نفسك ، نريدك معنا .
    ومن عجب أنه قال لي تلك العبارة ، قبل سفره بيوم : لا تهلك نفسك ، نريدك معنا .
    وكان يشعر كل واحد منا أنه له فائدة كبيرة، وأن وجوده مهم لمسيرة الدعوة ، ولا ننسى أن من صفات القائد لهذه الجماعة أنه كان يلقى الناس بوجه طلق ، وأنه كان يحقق قول الرسول الكريم : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " .
    أما إخلاصه في محبته إخوانه الشيوخ الذين سبقوه في الجماعة فحدث ولا حرج ، لقد كان حريصًا بل شغوفًا بمعرفة كل جوانب حياتهم ومعارفهم وأخلاقهم وإنتاجهم العلمي وبحوثهم وكتبهم وآرائهم ، وكان كثيرًا ما يقول لي عندما أعرض عليه مشروع إخراج بعض كتابات السابقين : (( اكتب يا شيخ فتحي حتى يعرف الإخوة أننا على نفس المنهج كتاب الله وسنة رسوله بفهم سلف الأمة )) .
    ولقد قدم لمجموعة من كتب تراث شيوخ الجماعة مثل كتاب شرح أحاديث الأحكام للشيخ حامد الذي يشعر بسعادة كبيرة كلما أخبرته عن قرب تمام الكتاب ، وقد قدم لكتب كثيرة أصدرتها الجماعة ، ولكن تلك المقدمات لم تكن مدحًا وتقريظًا مطلقًا ، بل كانت تحمل نظرة واعية وفهمًا جيدًا لمسيرة الجماعة ، مما يمكن أن نسميه (( نظرات في منهج ومسيرة الجماعة )) .
    مكانته عند العلماء :

    كانت للشيخ مكانته العلمية عند سائر الجمعيات الدينية والهيئات العلمية في مصر ، أما مكانته خارج البلاد فقد كان رحمه الله صاحب مكانة خاصة عند الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية السابق ونائب رئيس لجنة الفتوى بالسعودية، وكان بينهما مراسلات كثيرة ، كما كان له من المكانة اللائقة به ولجماعته عند سماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن حميد والسبيل والفوزان والعديد من علماء بلاد الجزيرة .
    وكانت له أيضًا مكانة عند الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيباني بالكويت .
    ولا أجد ما أقوله لأنصار السنة إلا ما قاله الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي عند وفاة الشيخ محمد حامد الفقي مؤسس الجماعة ، حيث نصح أنصار السنة بالآتي :
    (( اعملوا يا أنصار السنة على تطهير القلوب والعقول ، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثر فيه إلحاد الماديين ، واستهتار الجهلة بالدين، فاصبروا وصابروا يا أنصار السنة ، فبالابتلاء يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، وعليكم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من تبليغ دعوة التوحيد إلى الناس أفرادًا وجماعات )) .

    مؤلفاته :
    1 - التربية بين الاصالة والتجديد .
    2 - موقف أهل الإحسان من صفات الرحمن .
    3 - إتحاف الأنام بأحكام الصيام .
    4 - احكام البيوع .
    5 - أحكام المرأة .
    6 - وجوب محبة النبى .
    7 - عظم حق الوالدين .
    8 - الشفاعة .
    9 - التبرك المشروع والممنوع .

    وفاته :
    توفي رحمه الله يوم الجمعة 13 رجب 1423هـ الموافق 20/9/2002م بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام بمكة ، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب ودفن في مقابر مكة .
    وبذلك فاضت روحه إلى بارئها بعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة في سبيل الله ، بغير كلل ولا ملل .
    ومما يعتبر من حسن الخواتيم أن الله قبضه إليه يوم الجمعة بعد أن أدى قبلها بيوم أو يومين عمرة . و برحيل علم من أعلام الدعوة إلى الكتاب والسنَّة على منهج السلف الصالح جملة وتفصيلا، ألا وهو الشيخ المجاهد السلفي القدوة، ناشر السنَّة، أبو عبد الرحمن " محمد صفوت نور الدين " رئيس عام جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، ولا يسعنا في مثل هذا المقام إلا أن نقول ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ ( 156 : البقرة ) . اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منه وقد حضر جنازتة جمع كبير من المسئولين و المسلمين من شتى انحاء العالم ، رحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة غفر له ، وأسكنه أعلى عليين في الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين ، واللهم ألهم آله الصبر، واخلفهم خيرًا .
    والله من وراء القصد .
    http://www.ansaralsonna.com/web/play-1628.html
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    محمد حامد الفقي

    مُؤَسس جماعة أنصار السنة المحمديَّة

    (1310هـ - 1378هـ - 1892م - 1959م)

    والده:الشيخ سيِّد أحمد عبده الفقي، وكان زميلاً في الدِّراسة بالأزهر للأستاذ الشيخ محمَّد عبده، بل كان يُساكِنه في بيت واحد بشارِع الباطنية.والدته:كانتِ السيِّدة الوحيدة في القرية التي تحفَظ القرآن، وتجيد القراءة والكتابة.مولده:وُلِد الشيخ محمَّد حامد الفقي بقرية نِكلا العنب في سنة 1310هـ، الموافق 1892م، بمركز شبراخيت، مديرية البحيرة.نشأته:حفِظ القرآن الكريم، وقد أتمَّ حفظَه في شهر رمضان في سنة 1322هـ، وقد كانتْ سِنُّه وقتذاك اثني عشرَ عامًا، وقد هيَّأه والدُه لتلقِّي العُلُوم بالأزهر، (على الطريقة التي كانتْ مُتَّبَعة وقتذاك).دخوله الأزهر:بدأ دراستَه بالأزهر في عام 1322هـ - 1904م، وكان يحبُّ أن يُقيَّد حنبليًّا، وأبى ذلك شيخُ الحنابلة، فانتسب للأزهر حنفيًّا، وبعد أن أمْضى في دراسته بالأزهر قرابةَ سِتِّ سنين بدأ في سنة 1910م بدِراسة الحديث والتفسير، ولَمَّا أمعن الشيخُ في دِراسة الحديث على الوجه الصحيح دعَا إلى التمسُّك بسُنَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لفظًا ومعنًى ورُوحًا.فالتفَّ حوله نفرٌ من إخوانه وزملائه وأحبابه، وساروا معه في طريقِ الدعوة، وهذا يدلُّ على نبوغِ الشيخ المبكِّر، حيث لم يتجاوز سنُّه وقتَها ثمانية عشرة عامًا سَنة 1910م.تخرجه:تخرَّج - رحمه الله تعالى - في الأزهر الشريف، حيث نال شهادةَ العالميَّة سنَة 1917م، وعمره 25 عامًا، وانقطع منذ تخرُّجه لخِدمة كتاب الله وسُنَّة رسوله الأمين.أنشَأ جماعةَ أنصار السُّنَّة المحمدية في عام 1345هـ/ 1926م تقريبًا، واتَّخذ لها دارًا بعابدين، ولقدْ حاول كبار موظَّفي قصر عابدين بكلِّ السُّبل صدَّ الناس عن مقابلته والاستماع إليه، حتى سخَّرُوا له مَن شرَع في قتْله، ولكن صرْخة الحقِّ أَصمَّت آذانهم، وكلمة الله فرَّقتْ جموعَهم، وانتصر الإيمانُ الحقُّ على البِدع والأباطيل[1].تأسيس مجلَّة الهَدْي النبوي:بعد أن أسَّس الشيخ - رحمه الله تعالى - جماعة أنصار السنَّة المحمديَّة، وبعد أن يسَّر الله له قراءةَ كُتب الإمامين ابن تيمية وابن القيِّم، واستوعَب ما فيها ووجَد فيها ضالَّتَه، أسَّس مجلة الهدي؛ لتكونَ لسانَ حال جماعته، والمعبِّرة عن عقيدتها، والناطقة بمبادئها، وصدر العددُ الأوَّل منها عام 1356هـ في مارس 1936م، وقد تولَّى رياسةَ تحريرها، فكان مِن كتاب المجلَّة على سبيلِ المثال لا الحصْر: الشيخ أحمد محمَّد شاكر، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محيي الدِّين عبدالحميد، والشيخ عبدالظاهر أبو السمح - إمام الحرم المكي - والشيخ أبو الوفاء محمَّد درويش، والشيخ صادِق عرنوس، والشيخ عبدالرحمن الوكيل، والشيخ خليل هراس، كما كان مِن كتابها الشيخ محمود شلتوت.أغراض المجلة:وقد حدَّد الشيخ أغراضَ المجلة، فقال في أوَّل عدد صدَر فيها: "وإنَّ مِن أوَّل أغراض هذه المجلَّة أن تُقدِّم ما تستطيعه مِن خدمة ونُصْح وإرْشاد في الشؤون الدِّينيَّة والأخلاقيَّة، أخذتْ على نفسها موثقًا من الله أن تَنصَح فيما تقول، وأن تتحرَّى الحقَّ، وألاَّ تأخذ إلا ما ثبَت بالدليل والحجَّة، والبرهان الصحيح مِن كتاب الله تعالى، وحديث رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ ا.هـ.جهاده:يقول عنه الشيخ عبدالرحمن الوكيل: "لقد ظلَّ إمام التوحيد - في العالَم الإسلامي - والدنا الشيْخ محمَّد حامد الفقي - رحمه الله - أكثرَ مِن أربعين عامًا مجاهدًا في سبيلِ الله، ظلَّ يُجالِد قُوَى الشر الباغية في صَبْر، ومارَس التغلُّبَ على الخطوب، واعتاد النصْرَ على الأحداث، وإرادة تزلزل الدنيا حولَها، وترجُف الأرْض مِن تحتها، فلا تميل عن قصْد، ولا تجبُن عن غاية، لم يكن يعرِف في دعوته هذه الخوفَ مِن الناس، أو يلوذ به، إذ كان الخوفُ من الله آخذًا بمجامِع قلْبه، كان يُسمِّي كلَّ شيء باسمه الذي هو له، فلا يُداهن في القول، ولا يداجي ولا يبالي، ولا يَعرِف المجاملة أبدًا في الحقِّ أو الجهْر به، إذ كان يُسمِّي المجاملةَ نفاقًا ومداهنة، ويُسمِّي السكوتَ عن قوْل الحق ذُلاًّ وجبنًا".جهاده- رحمه الله- في نشْر دعوة التوحيد:عاش - رحمه الله تعالى - للدعوةِ وحْدَها قبل أن يعيش لشيءٍ آخَر، عاش للجماعة قبل أن يَعيش لبيته، كان في دعْوته يُمثِّل التطابقَ التام بيْن الداعي ودعوته، كان صبورًا جَلْدًا على الأحداث.نُكِب في اثنين مِن أبنائه الثلاثة، فما رأى الناسُ منه إلا ما يَرَوْن مِن مؤمِن قوي، أسلَم لله قلبَه كلَّه[2].ويقول الشيخ أبو الوفاء درويش[3]: "كان يُفسِّر آيات الكتاب العزيز، فيتغلغل في أعماقِها، ويستخرج منها دُررَ المعاني، ويُشبعها بحثًا وفَهمًا واستنباطًا، ويُوضِّح ما فيها مِن الأسرار العميقة، والإشارات الدقيقة، والحِكمة البالِغة، والموعظة الحَسَنة.ولا يترك كلمةً لقائل بعده، بعدَ أن يُحيط القارئ أو السامِع علمًا بالفِقْه اللُّغوي للكلمات وأصولها، وتاريخ استعمالها، فيكون الفَهْم أتَمَّ، والعلمُ أكملَ وأشمل".قلت: لقدْ كانت آخر آية فسَّرها قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾ [الإسراء:11].وقد فسَّرها - رحمه الله - في عدد 6 و7 لسَنة 1378هـ في حوالي 22 صفحة.لقدْ قامتْ جماعة أنصار السُّنة المحمدية على أيدي رِجال نَذَروا أنفسَهم لتطهيرِ الاعتقاد مِن أدران الإلْحاد، ومحارَبة البِدع والخُرافات والترهات، وجهْل الجاهلين، وإلْحاد المبطلين، وتأويل الضالِّين، فبدأتْ تُكافِح الخرافات، لا سيَّما ما كان متعلقًا منها بالعقائد، وتَرجِع بأعضائها، وكل من يشرف عليها إلى سُنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطريقِ السَّلَف الصالح، وتُنيرهم بالمعارِف النبويَّة، وتُنشئهم على حبِّ الكتاب والسنَّة، وتُمرِّنهم على النزول على حُكْمهما مِن غيْر عصبيَّة.هذا كلام مؤسِّسها الأوَّل الشيخ محمَّد حامد الفقي - رحمه الله - الذي كتَبه في مجلَّة الهدي النبوي في العدد الثاني الذي صدَر في جماد أول 1356هـ - 1937م، وكان الهدفُ مِن إصدارها كما يقول - رحمه الله -:"قد كنتُ في حياتي الأُولى سالكًا مع السالكين، ومُلبِسًا مع الملبسين، مخرفًا مع المخرفين، وداعيًا إلى البِدعة والجاهلية، وعبادة الموتَى والخشَب والنُّصُب مع الداعين، فهداني الله إلى دِين الهُدَى، وكشَف عن بصيرتي حُجبَ الجَهْل والعَمَى، وبصَّرني بنور الحقِّ من كتاب الله وسُنَّة نبيِّه المصطفَى، ووفقني بفضلِه إلى سبيلِ السَّلَف الصالِح مِن الصحابة والتابعين، وأنقذني بذلك من طريقِ الرَّدَى، فذقتُ مِن يومئذ حلاوةَ الإخلاص والإيمان، وتحققتُ الفرْق العظيم بيْن الحقِّ والباطل، والهُدَى والضلال، وبيْن توحيد الأنبياء والمرسَلين، وتوحيد المشركين والجهميَّة المعطِّلين؛ وبيْن آيات الله وحديث رسوله، وبيْن شُبهات المبطلين وزخارف المفترين، وعرَفتُ لله تعالى مِنَّته العُظمى في تلك الهِداية، ونعمته الكبرى في هذا التوفيق، وكان مِن حقِّ هذه النِّعمة وأداء شكرها أن أقِفَ حياتي لإرْشاد الضَّال، وهداية التائِه، وإزالة الحُجُب عن القُلُوب، وإظهار الحقِّ للناس جهدَ طاقتي في ثَوْبه الجميل، وبيان مكايد شياطين الجنِّ والإنس، التي كادوا بها للإسلام؛ حتى يحذرَها إخواني منَ المسلمين كما حذرتُها، ويتَّقوها كما اتقيتها، وليذوقوا حلاوةَ الإيمان، ويعرفوا الله حقَّ معرفته، ويَقْدُروه حقَّ قدْره، فأسستُ مع خِيرَة من إخواني "جماعة أنصار السنَّة" من نحوِ عشرين سَنَة مَضتْ، وأصبح لها - والحمد لله - عِدَّة فروع في القاهِرة وغيرها، وأصبح - بحمدِ الله - ينضوي تحتَ لواء التوحيد الخالِص والسنة المحمدية الصحيحة - لا بالدعْوَى والاسم والزي - عددٌ غير قليل، وهذه مجلة الهدي النبوي وليدة هذه الفِكرة، واللِّسان المعبِّر عن هذه الدعوة، والقلم الراسم لهذه الخطة.وهى أخت (الإصلاح) التي كنتُ أصدرها ببلدِ الله الحرام زمنَ الإمام المصلِح، والملك الراشِد المخلص (والذي أحسبه كذلك) عبدالعزيز آل سعود".حال المجتمع يوم صدورِ الهدي النبوي:وكان تسعة وتسعون في المائة من الأمَّة على هذه الجاهلية في عملها وعقيدتها وخُلُقها، وحكمها ونظامها قد ضرَب الجهل على القلوب نِطاقًا مظلمًا أسود، حجب عنها كلَّ هُدًى، وكل نور، ولكن الأكثرية الساحِقة على ما يرى الشيخ ويعلم مِن ذل القلوب للموتى، واستخذائها للأحجار والأشجار، واستكانتها وخشوعها للنُّصُب والمقاصِير والقُبُور، والأكثريَّة مُعرِضة عن التحاكُم في عقيدتها وعبادتها وماليتها وشؤونها إلى ما أنزَله الله منَ الهُدى والذِّكْر الحكيم؟والأكثرية أيضًا على تحزُّب وتفرِقة وشتات بالطُّرق الصوفيَّة، والمذاهِب التقليديَّة، وكل حزْب بما لديهم فرِحون وعن حِزبهم وحْدَه يُخاصمون، وله يتعصَّبون، وبشيخهم وحْدَه يَثِقون، مهما كان قولُه مخالفًا للمعقول والمنقول، وفيه يعتقدون عِلمَ الغيب وتصريف الأقدار، والإنجاء من النار!وقد تصدَّى الشيخ حامد الفقي لتصحيحِ تلك المفاهيم الخاطِئة مِن خلال تفسيره لبعض سُور القرآن الكريم وآياته، وكذا كتاباته وفتاواه.إنتاجه:إنَّ المكتبة العربية لتعتزُّ بما زوَّدها به من كُتب قيِّمة ممَّا أَلَّف وممَّا نَشَر، وممَّا صَحَّح ومما راجع، ومما علَّق وشرَح، من كتب الإمام ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما.وكما كان الشيخ محبًّا لابن تيمية وابن القيِّم، فقد جمعتْ تلك المحبَّة لهذين الإمامين الجليلين بيْنه وبيْن الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر، وكذلك جمعتْ بيْنه وبين الشيخ شلتوت، الذي جاهَر بمِثْل ما جاهَر به الشيخُ حامد - رحمه الله تعالى.وفاته:تُوفِّي - رحمه الله تعالى - فجرَ الجمعة 7 رجب 1378هـ، الموافق 16 يناير 1959م على إثْر عملية جراحيَّة أجراها بمستشفى العجوزة، وبعد أن نجحتِ العملية أُصيبَ بنزيف حادّ، وعندما اقترب أجلُه طلب ماءً للوضوء، ثم صلَّى ركعتي الفجْر بسورة الرَّعْد كلِّها.وبعد ذلك طلَب مِن إخوانه أن يُنقل إلى دار الجماعة حيث تُوفي بها.وقد نعاه رؤساءُ وعلماءُ مِن الدول الإسلاميَّة والعربيَّة، وحضَر جنازته واشترك في تشيعها مِن أصحاب الفضيلة: وزير الأوقاف، والشيخ عبدالرحمن تاج، والشيخ محمد الحسن، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد، والشيخ أحمد حسين، وجميع مشايخ كليَّات الأزهر، وأساتذتها وعلمائها، وقضاة المحاكم.إخوة الشيْخ:محمَّد شيبة الحمَد، محمَّد شاكِر المحاميان، والشيخ محمد النُّعماني مِن العلماء، والحاج محمد رشيد رِضا التاجِر.أبناؤه:الطاهِر محمد الفقي، وسيِّد أحمد الفقي، ومحمد الطيِّب الفقي، وهو الوحيد الذي عاش بعدَ وفاة والده.
    كتبه تلميذهفتحي أمين عثمانوكيل جماعة أنصار السنة المحمدية
    [RIGHT]

    [1] (مجلَّة الشبَّان المسلمين رجب 1371هـ).
    [2] هما: الظاهر، وسيِّد، وقد تُوفِّي الأول وأبوه في رِحلة الحج، وأمَّا الثاني فقد مات فجرَ الجمعة ذي القعدة عام 1377هـ، فخطب الشيخ الجمعة بالناس ووعظَهم، وطلب منهم البقاءَ على أماكنهم حتى يُصلُّوا على أخيهم.
    [3] هو علاَّمة الصعيد في زمانه، ورئيس فرْع أنصار السُّنَّة بسوهاج.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي أحمد عبد الباقي مشاهدة المشاركة
    موضوع طيب يا شيخ محمد ، بارك الله فيك.
    وفيكم بارك اللهُ شيخَنا الحبيب
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    حول العبودي عميد الرحالين
    الشيخ محمد بن ناصر العبودي

    ينتمي العبودي إلى أُسرة آل سالم المشهورة في (بُرَيْدَة)، وهي أُسرة عريقة قديمة يناهز عمرها في المنطقة أربعمائة سنة، ولهم أملاك موغلة في تاريخ (بُرَيْدَة) ترجع في بعض الأقوال إلى آخر القرن التاسع الهجري، ولهم أملاك قديمة وكيان مميَّز معروف يسمى «جورة السالم» بمعنى حارة السالم، وتقع إلى الغرب من قُبَّة رشيد، وإلى الجنوب من المسجد الجامع الكبير على بعد نحو مائتين وخمسين مترًا ( )، بل كانت لهم ناحية من منطقة (بُرَيْدَة) قبل أن تتخذ صفة مدينة واحدة، حيث كانت مجموعة محلات زراعية، وذلك قبل أن يحكمها آل أبي عليَّان( ).
    والدليل على قدمها أنها تفرَّعت إلى أُسر عديدة مقيمة في (بُرَيْدَة)، ثم تفرَّقت في أرجاء المملكة العربية السعودية، وهذه الأُسر هي: «السالم – الغصن – الهلالي – الصليهم – النصَّار – العبودي – الحسن – العبود – الشعلان – العضيب – الذيب»( ).
    ومنهم: علي بن ناصر السالم الذي ذكره المؤرِّخ ابن بشر في أخبار وقعة اليتيمة سنة 1265هـ، وأنه مِمَّنْ سأل عنهم أمير (بُرَيْدَة) عبد العزيز بن محمد آل أبي عليَّان، ظانًّا تخلفه عن المعركة هو وسعد التويجري، وهما أكبر أعيانها آنذاك، يدبروا أمرها في غياب أميرها فأعلمه أخوه عبد المحسن أنهما في عداد قتلى الوقعة.
    ومن أفراد هذه الأُسرة كُتَّاب وطلبة علم بارزون( ).
    أمَّا ولادة الشيخ محمد فقد كانت في 30 ربيع الآخر من سنة 1345هـ.
    أمَّا والد الشيخ محمد العبودي فهو ناصر بن عبد الرحمن بن عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عبود (1292- 1370هـ)، وكانت أسرة الشيخ إلى عهد قريب يُعرفون بالعبود، ثم أضيفت الياء في عهد جده الأقرب عبد الرحمن.
    فقد كان الكثير من وصايا أُسرته وكتاباتهم ووثائقهم باسم العبود، وكان والده ناصر رجلاً شهمًا، يحفظ أخبار الناس وأحاديث العرب وقصص المروءة والشهامة، وكان ذا معرفة بالأُسر والأنساب على الرغم من أنه كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب.
    ويشير الشيخ محمد ( )إلى أن والده التحق بأحد الكَتاتيب( ) آنذاك، إلا أنه لم يرق لـه حال ذلك المعلم، ثم ذهب به والده إلى البادية حيث عدة سنوات مع شمر بينما كان والده مع عقيل في العراق والشام. كما كان ذا عناية بالأدب، أما جده عبد الرحمن فكان شاعرًا عاميًّا، ويعزو الشيخ محمد عناية والده بالاطلاع، ومعرفة الأخبار، والعناية بالعلوم الدينية إلى خال والده عبد الرحمن الشيخ المعروف المُلاَّ عبد المحسن بن محمد السيف. وأُسرة آل سيف أُسرة عِلْمِيَّة متقدمة، برز منهم طلبة علم وكُتَّاب ومعلمون؛ من أشهرهم: القاضي محمد بن ناصر السيف، والشيخ ناصر بن سليمان السيف( ).

    أمَّا والدته فهي نورة بنت موسى بن عبد الله العضيب، وكانت قارئة للقرآن وللكتب، وهذا من العجب أن تكون الأمة قارئة والأب أُمِّيًّا.
    والعضيب كما سبق أحد فروع أُسرة آل سالم الكبيرة( ) وهم من ذُريَّة موسى بن زيد بن مبارك آل سالم، ومنهم: جده موسى بن عبد الله العضيب، وكان خاله عبد الله بن موسى بن عبد الله العضيب( ) هو نائب سوق بريدة الذي يرجع الناس في خصوماتهم ومنازعاتهم إليه وهو من الآمِرِينَ بالمعروف والناهين عن المنكر، وذا رأي وعقل وسداد، ومنهم الوجيه المحسن: موسى بن عبد الله العضيب( ).
    أسـرته:
    ذكرنا آنفًا أن الشيخ محمد العبودي تزوَّجَ مَرَّةً واحدة من ابنة خاله عبد الله بن موسى العضيب، وقد أنجب منها ثلاثة ذكور وخمس بنات وهم:
    (1) ناصر: يحمل بكالوريوس هندسة من جامعة القاهرة، ويعمل مهندسًا معماريًا في وزارة الأشغال العامة والإسكان.
    (2) خالد: يحمل بكالوريوس كلية العلوم الإدارية من جامعة الملك سعود، وماجستير من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل في المؤسسة العربية لتنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامي للتنمية.

    (3) طارق: يحمل بكالوريوس كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ويعمل في ديوان سمو ولي العهد.
    (4) د. فاطمة: تحمل دكتوراه في الرياضيات، وتعمل عميدة الأقسام العلمية في كلية التربية للبنات ولها مشاركات أدبية وفكرية منشورة.
    (5) د. لطيفة: تحمل دكتوراه في الاقتصاد المنـزلي، وتعمل في كلية التربية للبنات.
    (6) شريفة: تحمل ماجستير وتحضر الدكتوراه في الترجمة، لها إسهامات أدبية وقصصية منشورة.
    (7) مريم: بكالوريوس لغة إنجليزية.
    (8) ليلى: بكالوريوس في علم النفس.
    (9) مي: بكالوريوس كلية العلوم.

    أما إخوته فهم:

    1- الشيخ سليمان بن ناصر العبودي:
    وهو سليمان بن ناصر بن عبد الرحمن العبودي، ولد في مدينة بريدة عام 1350هـ، تعلم في مدارسها، وأصاب عينيه رمد حاد أضعف بصره واستمر يعاوده.
    تلقى العلم على عدد من مشايخ بريده منهم: عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي، والشيخ صالح بن أحمد الخريصي، والشيخ صالح بن إبراهيم البليهي.
    التحق في معهد الرياض العلمي عام 1372هـ حيث اجتاز امتحان القبول فيه، والتحق بالسنة الأولى الثانوية، وعندما فتح معهد بريده العلمي عام 1373هـ التحق به حتى أكمل دراسته الثانوية، ثم التحق بكلية الشريعة في الرياض حتى حصل على إتمام الدراسة العالية فيها.

    عين فضيلته قاضيًا بمحكمة بريده الكبرى من دون أن يمر بمرحلة ملازم قضائي، وذلك تقديرًا لكفاءته للقضاء ولبث في محكمة بريده قاضيًا مدة خمس سنوات حيث ألح هو نفسه في طلب النقل من محكمة بريده إلى قضاء الأرطاوية في السر في 6/11/1390هـ ولم يناسبه المقام هناك فتم نقله إلى وزارة المعارف مدرسًا في معهد النور في بريده، لأنه يحمل شهادة في كيفية تعليم المكفوفين، فبقي يدرس فيه إلى عام 1410هـ، وأحيل إلى التقاعد لبلوغه السن النظامية. وتوفي عام 1415هـ عن عمر يناهز خمسًا وستين سنة، وفضيلته شاعر مجيد.
    2- الشيخ عبد الكريم بن ناصر العبودي:
    وهو طالب علم، عمل في عدد من الوظائف الحكومية حتى تقاعد، كان آخر أعماله ووظائفه مديرًا للامتحانات في كلية العلوم العربية والاجتماعية بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم، وهو أصغر إخوانه ولادته في عام 1356هـ كما أن للشيخ محمد ثلاث أخوات.

    العبودي في الكتاتيب
    في هذا الجو العائلي غير البعيد عن الأجواء العلمية نشأ الشيخ محمد، فلم تكن حِلَق العلم وأخبار العلماء والقضاة وطلبة العلم جديدة أو غريبة، وكان لوالده الأميّ النابه تأثير في تكوينه المبكر نحو الرغبة في التحصيل، ممَّا دفع والده أن يَزُجّ به ليى كُتَّاب، وهو كُتَّاب أو مدرسة الشيخ سليمان بن عبد الله العُمَري، الذي كان لـه إحدى المدارس الأهلية لتعليم الصغار القرآن والخط والحساب والقراءة، فتعلَّم في هذه المدرسة. وقد كان الشيخ سليمان العُمَري من طلبة العلم، قوي الحافظة، حافظ للقرآن، حسن الصوت، أمّ في عدد من المساجد، وتوفي سنة 1388هـ( )، ويشير العبودي إلى أنه دخل هذا الكُتَّاب وعمره لا يتجاوز خمس سنوات؛ وذلك لسببين:
    أولهما: رغبة والده في التعليم المبكر لابنه.
    وثانيهما: قرب مدرسة الشيخ سليمان بن عبد الله العُمَري من بيتهم، حيث كان جارًا لهم، وتربطه به صلة مصاهرة وقربى، فلا يحتاج إلى مَن يوصله إلى المدرسة.
    وكان ذلك في حدود سنة 1351هـ، ويحدد العبودي أول حادثة تذكره بهذا الكُتَّاب، وهي وفاة الشيخ عبد الله بن محمد بن سَليْم قاضي (بُرَيْدَة)، -رحمه الله-( )، وذلك بعد دخوله الكُتَّاب بشهرين أو ثلاثة.

    ويصف العبودي تلك الكَتاتيب وطريقتها قائلاً: «الكُتَّاب» يَعتمد على «المطوَّع» الذي هو الأستاذ، وهو فريد فلا يوجد عدة أساتذة، وإنما يساعده كبار الطلبة الذين يَعهد إليهم بتدريس صغارهم.
    وبطبيعة الحال الطلبة لا يَنصاعون إلى طالب منهم، ولو كان كبيرًا؛ لذلك يكثر اللغط والفوضى، ولكن في ذلك الوقت لا يوجد أفضل من هذه الطريقة.
    ثم يواصل العبودي قائلاً: وفي سنة 1356هـ فُتحت مدرسة (كُتَّاب) متميِّز في (بُرَيْدَة) فتحها الشيخ محمد بن صالح الوهيبي( )، وأتى بطريقة جديدة في التدريس، وهي جميلة جدًّا، وأذكر أن مِن بين الأشياء التي كان يقولها لنا: «باء يمين» مثل: بسم الله؛ يعني: الباء التي تأتي من جهة اليمين. وهناك باء ثانية تُسَمَّى «باء يسار» مثل: الباء في آخر كلمة باب، و«باء وسط» مثل: الباء الأولى في كلمة الباب... وهكذا.
    وقد كانت الطريقة السابقة المعروفة ألف باء تاء ثاء... إلخ.

    وقد الْتَحَقْتُ عنده مع أخي الشيخ سليمان، وهو يَصغرني بخمس سنوات.
    ثم بعد ذلك انتقل إلى المدرسة الحكومية التي فتحت آنذاك في (بُرَيْدَة) سنة 1356هـ، وكانت واحدة من تسع مدارس اقترحها الشيخ طاهر الدَّبَّاغ بأمر الملك عبد العزيز، -رحمه الله-، فأمر بها سنة 1355هـ، وفتحت هذه المدارس سنة 1356هـ في كل من: وبُرَيْدَة، وعُنَيْزَة.
    وقد فتحت جميعها عدا مدرستي (الرياض) و(شَقْراء) فتأخرتا.
    أمَّا (بُرَيْدَة) فأُسندت إدارة مدرستها إلى الأستاذ موسى عَطَّار( ). إلا أن مجيئه قوبل بفتور وعدم تشجيع من الأهالي، وقد تعثرت الدراسة مدة بقائه في الإدارة على نشاطه، كما يقول الشيخ عبد الله بن إبراهيم السليم( ).

    وبعد إلحاح من الأهالي بقفل المدرسة، شأنهم في ذلك شأن بقية نواحي نجد التي فتحت فيها مدارس، وبعدما تبيَّن للملك عبد العزيز أن هدف المعارضين الخوف على عقائد أبنائهم، أمر -رحمه الله- الشيخ عمر بن محمد بن سَليْم أن يختار مديرًا للمدرسة ومعلمين من تلامذته، فاختار الشيخ عمر -رحمه الله- المربي الكبير الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سَليْم مديرًا للمدرسة، الذي كان لديـه مدرسة خاصة «كُتَّابًا» على مستوى متقدم عن غيرها خاصة في القرآن والحساب والإملاء، فضُمَّت إلى المدرسة السعودية التي أقبـل عليها أبناء البلد لثقتهم واطمئنانهم إلى وضعها الحاضر، فقد كانت تصطفي نخبة من المعلمين المعروفين؛ مثل: الشيخ صالح العُمَري( )، والشيخ إبراهيم بن عبيد بن عبد المحسن( )، والشيخ محمد بن سليمان السليم -رحمه الله-( )، والشيخ إبراهيم بن سليمان العُمَري( )، والشيخ عبد الله الشلاش العبد الله، والشيخ محمد السليمان الخضر( )، والشيخ علي بن صالح النقيدان( ).
    وكان العبودي ضمن تلك أفواج الطلاب التي التحقت بها.

    شــيوخــه

    (1) الشيخ صالح بن إبراهيم الكريديس( ):
    لقد عاش العبودي في وسط وفي مجتمع علمي مزدهر ينبض بقوة، وكانت الأجواء الدينية والشرعية تطوّقه: المساجد، والحِلَق العلمية، والكتب... كانت محاضن أولية عاش فيها، تعج بطلبة العلم والدارسين.
    فتلقى عن شيوخه، وأخذ عن أساتذته، وتفتحت مداركه وتفجَّرت مواهبه مبكرًا.

    قد يوجد الحلم في الشبان والشيب ......فما الحـداثة من حِلمٍ بمانعةٍ

    وعاش كغيره مرحلة تدرَّج في تعليمه بدءًا من الكَتاتيب، وشيوخه في ذلك من سبق ذكرهم.
    حتى بلغ سنًّا مناسبة للزج به في أحضان حِلَق العلم، التي وَجَدَتْ في هذا الفتى الصغير نبوغًا وبروزًا يجدر العناية به.

    لذا لم يكن غريبًا أن يُطلِق شيخه الأول الشيخ صالح بن إبراهيم الكريديس التنبيه الأول على هذا الغلام الحدث، الذي لم يتجاوز عمره آنذاك أربعة عشر عامًا.
    فقد سأله الأب ناصر العبودي قائلاً: ما رأيك في محمد في القراءة؟
    فأجاب الشيخ صالح: «والله محمد يفيدنا».
    قد نتفق أن هذا الغلام لم يكن لديه تلك الفوائد المهمة، التي من الممكن أن يعنِيها الشيخ ابن كريديس من محمد العبودي الصغير، إلا أن فواتح النبوغ ودلائل الألمعية كانت قد بَدَتْ آياتها، وظهرت علاماتها في محيَّا هذا الغلام النابه.
    ويعلِّق الشيخ محمد العبودي على ذلك الموقف قائلاً: «بطبيعة الحال أنا لا أفيده، ولكنني كنت أقرأ عليه من كتاب؛ فهو إنما يعبر عن تواضعه بأنني إذا قرأت استفاد ممَّا أقرؤه».
    ويشير العبودي إلى أن تلك القراءة كانت مبكِّرة، فقد توفي الشيخ صالح سنة 1359هـ، -رحمه الله-، فانقطعت القراءة عليه.
    وهو يثني على الشيخ صالح بن كريديس، ويقول: إنه من العلماء الأفاضل المتبحرين، ولو كان يوجد وظائف قضاء كثيرة في ذلك الوقت؛ لكان على رأس إحدى تلك الوظائف. وهذه ترجمته( ):
    2- الشيخ عمر بن محمد بن سَليْم( ):
    أحد أعلام هذا القرن ملأ اسمه الآذان، وقلَّ أن يوجد أحد إلا وسمع به، علاَّمة القصيم ومرجعها الأول في زمنه.

    كان رابع أُسرة آل سَليْم العلمية المشهورة، الذين تعاقبوا على قضاء (بُرَيْدَة)، وهم:
    1- الشيخ محمد بن عبد الله بن سَليْم( ).
    2- الشيخ محمد بن عمر بن سَليْم( ).
    3- الشيخ عبد الله بن محمد بن سَليْم( ).
    فضلاً عن عشرات من طلبة العلم وأئمة المساجد من هذه الأُسرة المباركة، إلا أنه- بحق- أشهرهم على الإطلاق.
    وصل الشيخ عمر ببُرَيْدَة إلى قمَّة توهجها العلمي، فقد التف عليه مئات من طلبة العلم، ليس من القصيم فحسب، بل حتى من أطراف المملكة العربية السعودية ونواحيها.
    وُلِدَ هذا العالم الجليل في (بُرَيْدَة) في 15 رجب سنة 1299هـ، وتربَّى في أحضان والديه، ولازم والده العلاَّمة محمد بن عبد الله بن سَليْم، وكان يحضر مجالس القضاء والتدريس، وحظي بقبول مبكر، فكان الملك عبد العزيز يدعو الشيخ عمر مع العلماء، على الرغم من صغر سنه، فلم يبلغ الثلاثين وقتها، وقد جعل الله في تعليمه بَرَكَة مع قبول وإقبال وهيبة عظيمة لم تمنح إلا لنفر من العلماء الأوائل.
    تولى قضاء (بُرَيْدَة) بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الله بن محمد بن سَليْم سنة 1351هـ.

    ابتدأ في التدريس بعد وفاة أبيه مباشرة وهو في السابعة والعشرين من عمره، ورزقه الله محبة وقبولاً قلَّ أن يوجد لها نظير، وعاش في حُلَّة سلفية نقيَّة، وقد وهبه الله مهابة وإجلالاً من الناس قاطبة مع ما كان يتحلَّى به من زهد وورع وعبادة وتقوى.
    يصفه البَسَّام ويقول: «كان إلى علمه الواسع، ونفعه المتعدي إلى العباد، أوقاته في غير الدروس معمورة بالتلاوة والذِّكر والصلاة، فلا يمل من ذلك ولا يفتر، وقد أعطاه الله رغبة في ذلك وجلدًا عليه، وكان يتابع بين الحج والعمرة، في تلك المشاق والأسفار الطويلة والطرق البعيدة الشاقة.
    وإلى ذلك كان من الكرماء الأجواد، الذين بيوتهم عامرة بالحاشية والأتباع، وخاصة بالضيوف والزائرين بنَفْس طَيِّبَة وخُلُق كريم»( ).
    ويقول العبودي عنه: «كان الشيخ -رحمه الله- شخصية فذة عظيمة، حتى إنني أذكر أنه إذا مرَّ مع السوق تسارع الناس لرؤيته»( ).
    وعاش -رحمه الله- في جمع فريد ومزيج خالص، بين العلم الغزير والجاه العريض، والزعامة الشعبية والمحبة القلبية والذِّكر البعيد الطيب، حتى بلغت حلقاته مشهدًا لم تجتمع لعالِم قبله في نجد، ووصلوا إلى نحو خمسمئة طالب.
    يقول : «مرَّت أوقات في المملكة وأكثر قضاتها من تلامذة الشيخ عمر بن سَليْم وعدَّهم. بل إن الملك عبد العزيز قلَّ أن يُعيِّن قاضيًا أو إمامًا إلا ويطلب من الشيخ عمر ملأه بأحد تلامذته»( ).
    لقبه الشيخ عبد الله بن بليهد بـ «إمام العلماء»، ويقدمه للإمامة وهو أسن منه. وكان بحق أهلاً لتلك المكانة العالية.
    التحق العلاَّمة العبودي بحلقات الشيخ عمر بن سَليْم، -رحمه الله-، وجلس للطلب، ولكن ذلك كان في أواخر أيامه، فقد انتقل الشيخ عمر إلى رحمة الله سنة 1362هـ، ولكن الشيخ أدرك القراءة عليه في عدد من الكتب والعلوم، وخاصة في التفسير والحديث والفقه وغيرها.

    3- الشيخ صالح بن أحمد الخريصي:
    هو الشيخ صالح بن أحمد بن عبد الله الخريصي (1328- 1415هـ)، مولده ووفاته في (بُرَيْدَة). حفظ القرآن الكريم وجوَّده على يد الشيخ صالح بن إبراهيم بن كريديس، وطلب العلم على عدد من المشايخ؛ منهم: الشيخ محمد بن عبد الله بن حسين آل (أبو الخيل)، والشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العَبَّادي، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سَليْم، وأخيه الشيخ عمر بن محمد بن عبد الله بن سَليْم ولازمه كثيرًا واستفاد منه.
    تولى في السادسة والعشرين من عمره إمامة أحد أكبر مساجد (بُرَيْدَة) والتدريس فيه، وذلك سنة 1353هـ. ثم تنقل في وظائف القضاء حتى استقرَّ رئيسًا لمحاكم القصيم، إلى أن أُحيل إلى التقاعد سنة 1407هـ، إلى جانب قيامه بالتدريس، فتخرَّج عليه عدد كبير من العلماء.
    وقد قرأ عليه الشيخ محمد العبودي في عدد من العلوم، كالتفسير والفقه والحديث، وقد أثنى الشيخ كثيرًا على الخريصي، خصوصًا ما منحه الله إياه من عبادة وزهد وتقوى.

    4- الشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي:
    هو الشيخ صالح بن عبد الرحمن بن إبراهيم السكيتـي (نحو 1331- 1404هـ)، مولده ووفاته في (بُرَيْدَة). نشأ نشأة صالحة، وتعلَّمَ مبادئ القراءة والكتابة بكُتَّاب الشيخ سليمان بن عبد الله العُمَري، ثم أخذ العلم عن الشيخ صالح بن إبراهيم بن كريديس، والشيخ عبد العزيز العَبَّادي، ثم أخذ عن مشايخ آل سَليْم: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سَليْم، وأخيه عمر بن محمد بن عبد الله بن سَليْم، وأكثر الأخذ عنه، وغيرهما كما أخذ قليلاً عن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وأخيه الشيخ عبد اللطيف.
    وقد عيَّنه شيخه الشيخ عمر بن سَليْم إمامًا ومدرسًا بمسجد الأمير عبد العزيز بن مساعد في شمال (بُرَيْدَة) سنة 1355هـ، فاستمرَّ فيه حتى وفاته، -رحمه الله-، فأمَّ في هذا المسجد نحو خمسين سنة. وتولى القضاء في (المِذْنَب) بضع سنوات، ثم نُقل للتدريس في المعهد العلمي في (بُرَيْدَة)، واستمرَّ فيه إلى أن أُحيل إلى التقاعد.
    وقد قرأ عليه الشيخ محمد العبودي فترة ليست طويلة في عدد من الكتب.
    5- الشيخ عبد الله بن محمد بن حُمَيْد:
    لم يكن هول الصدمة التي تلقتها (بُرَيْدَة) والعلماء وطلبة العلم فيها سهلاً في فقدهم قطب القصيم وقلبه إمام العلماء الشيخ عمر بن سَليْم، -رحمه الله-.
    لذا سارع الوجهاء والعلماء والأعيان إلى الملك عبد العزيز، -رحمه الله-، ليطلبوا منه إرسال أحد العلماء المعروفين الكبار، ليخلف حِلَق العلم والتدريس التي كانت تقدر بمئات الطلاَّب.
    وبالفعل كان اختيارًا مناسبًا يليق بحاجة أولئك وبمكانة البلد، وهو إرسال الفقيه الجليل الشيخ عبد الله بن محمد بن حُمَيْد، -رحمه الله-، الذي يُعدُّ بحق مجددًا للنهضة العلمية في القصيم كما سيأتي بيانه.
    يصف العبودي شيخه ابن حُمَيْد ويقول: «كانت القراءة على الشيخ عبد الله بن حُمَيْد فتحًا عظيمًا لي من الله سبحانه وتعالى، فقد كانت لـه طريقة خاصة في التعليم مغايرة للطريقة التي يعرفها الناس سابقًا، وهي طريقة «الإمرار». والإمرار أن يُمَرَّ الكتابُ أي: أن يستمر، ويبدأ الإمرار بكلمة (سم)، وينتهي بكلمة (بَرَكَة). وكلمة (بَرَكَة) يقولها الشيخ إذا استمر طالب العلم يقرأ عليه وأراد أن يوقفه قال له: «بَرَكَة) أي: قف.
    وقد قدم الشيخ عبد الله بن حُمَيْد -رحمه الله- إلى (بُرَيْدَة) أول الأمر مدرسًا، وليس قاضيًا، واستمر ثلاثة أشهر ونَيِّفًا، ثم ذهب إلى (الرياض) وعاد مرَّة ثانية قاضيًا ومدرسًا.
    وكان يناقش الطلاَّب ويشرح لهم ما أشكل عليهم، ويسألهم في المسائل العلمية، بل لقد استطاع أن يُقدِّم مقرَّرات لطلبة العلم شهرية خاصة، كان ينالني ـ والكلام للعبودي ـ منها اثنا عشر ريالاً، وأعلى شخص كان يأخذ ثمانية عشر ريالاً، وهما اثنان فقط، ثم ينـزلون إلى نحو ريالين.
    واختصني الشيخ عبد الله بن حُمَيْد -رحمه الله- وجعلني قَيِّمًا على المكتبة، هكذا أي بمعنى: «أمين مكتبة»، فكنت أهيّئ الكتب، وأحضر المراجع المتعلقة بالدرس، وكانت طريقة إحضار الكتب والمراجع في الدرس، والبحث في المسائل المشكلة جديدة على لبعض الناس.
    لذا كانت طريقة الشيخ ابن حُمَيْد ومنهجه مع طلبة العلم وسيلة جذب مهمة، أعجبت الطلاَّب، وجعلت الدروس أكثر عمقًا وجدية وفهمًا وتحصيلاً.
    وفتح -رحمه الله- آفاقًا رحبة للنقاش والحوار والمساءلة، ممَّا جعل الطالب يخرج بنتيجة مقنعة في المسائل المطروحة.
    إضافة إلى دور الشيخ ابن حُمَيْد في المجال القضائي، فقد أوجد تنظيمًا جديدًا للقضاء، وبهر الناس بذكائه الخارق، وذاكرته العجيبة، التي قطعت الطريق على كثير من ذوي النفوس المريضة.
    فضلاً عن عنايته بالتعليم عمومًا، وبحِلَق العلم خصوصًا، فقد كان الشيخ من أوائل من قام بالتدريس بالمعهد العلمي ببُرَيْدَة، إيمانًا منه برسالة التعليم المهمة، وتشجيعًا لتلميذه مدير المعهد الشيخ محمد العبودي.
    والشيخ ابن حُمَيْد هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حُمَيْد (1329- 1402هـ)، وُلِدَ في معكال، أحد ضواحي مدينة (الرياض)، وتوفي في (الطائِف)، ودُفِنَ بمكَّة. وقد كفَّ بَصَرُه في طفولته، فحفظ القرآن الكريم ومتون العلم، ثم تلقى العلم على الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عَتيق، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ حمد بن فارس، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ولازمه ملازمة تامَّة وتخرَّج على يديه.
    تنقَّل -رحمه الله- بين عدد من المواقع القضائية، حتى عُيِّنَ رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى، وعضوًا في هيئة كبار العلماء، ورئيسًا لمجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالَم الإسلامي. وكانت لـه اليد الطُّولى في الإفتاء ونشر العلم والدعوة، حتى صار مرجعًا للمسلمين في كل مكان، مع ما منحه الله من الريادة ورجاحة العقل ونفاذ البصيرة. واكتفى -رحمه الله- في مشاركاته بالتأليف بالرسائل والردود والمقالات الصغيرة.
    6- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف( )-رحمه الله-:
    وهو سماحة الشيخ العلاَّمة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب (1311- 1389هـ)، مولده ووفاته في مدينة (الرياض). دَخَلَ كُتَّاب المقرئ عبد الرحمن ابن مُفيريج، فقرأ القرآن ثم حفظه، وتلقى العلم على يد والده، وفي السنة الرابعة عشرة من عمره، فَقَدَ بَصره.
    وهو مُفتي البلاد السعودية في وقته ورئيس قضاتها، وتولَّى عددًا من المناصب، وتخرَّج على يديه جَمْعٌ كبير من العلماء. من مصنَّفاته: «الجواب المستقيم»، ورسالة «تحكيم القوانين»، إلى جانب الفتاوى. وقد أفردت كتب لترجمته، -رحمه الله-.


  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    ترجمة الشيخ محمد ناصر العبودي عميد الرحالين

    وهو من أهل العلم الأفاضل وتاريخه متعلق بمعظم علماء الصحوة الكبار من أول الملك عبدالعزيز والشيخ محمد بن إبراهيم حتى الآن
    ورحل إلى معظم بلدان العالم لأنه نائب الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي يحكي عجائب ودرر وله أكثر من مائة مصنف في رحلاته في العالم يحكي عن بلدان المسلمين وأحوال المسلمين في العالم


    وقال عن الشيخ عمر فلاته عمر فُلَّاته بضم الأولى وتشديد الثانية

    وها هي ترجمته على موقعه وكل العلماء يشيدون به ويثنون عليه خيرا

    http://www.alobody.net/profile.php?action=show

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    وها هي بعض الكتب التي وجدتها وعلمت أن له ثلاثمائة مصنف عن الرحلات في العالم

    http://majles.alukah.net/t63470/

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    رحلات في القارة الأوروبية: من روسيا البيضاء إلى روسيا الحمراء - محمد بن ناصر العبودي
    من غينيا بيساو إلى غينيا كوناكري رحلة وحديث في أمور المسلمين - محمد بن ناصر العبودي
    كنت في بلغاريا رحلة وحديث عن أحوال المسلمين - محمد بن ناصر العبودي
    كنت في ألبانيا رحلة وحديث عن الإسلام بعد سقوط الشيوعية - محمد بن ناصر العبودي
    في نيبال بلاد الجبال - محمد بن ناصر العبودي
    رحلات كاريبية: غايتي من السفر إلى هايتي وحديث عن الإسلام - محمد بن ناصر العبودي
    الرحلات البرازيلية: في جنوب البرازيل - محمد بن ناصر العبودي
    رحلات في جنوب روسيا الإتحادية إقليم أورنبوغ - محمد بن ناصر العبودي
    بلاد التتار والبلغار - محمد بن ناصر العبودي
    في غرب الهند مشاهدات وأحاديث في شؤون المسلمين - محمد بن ناصر العبودي
    أيام في النيجر - محمد بن ناصر العبودي
    المسلمون في لاوس وكمبوديا رحلة ومشاهدات - محمد بن ناصر العبودي
    إطلالة على نهاية العالم الجنوبي - محمد بن ناصر العبودي
    في إفريقية الخضراء - محمد بن ناصر العبودي
    على قمم جبال الإنديز رحلة إلى بيرو والإكوادور - محمد بن ناصر العبودي
    على ضفاف الأمازون رحلة في المنطقة الإستوائية من البرازيل - محمد بن ناصر العبودي
    شهر في غرب إفريقية مشاهدات وأحاديث عن المسلمين - محمد بن ناصر العبودي
    سياحة فى كشمير - محمد بن ناصر العبودي
    رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين - محمد بن ناصر العبودي
    في غرب البرازيل - محمد بن ناصر العبودي
    في جنوب الصين حديث عن المسلمين في ماضيهم وحاضرهم - محمد بن ناصر العبودي
    نظرة في وسط إفريقية - محمد بن ناصر العبودي
    نظرة في شرق أوروبا وحالة المسلمين بعد سقوط الشيوعية - محمد بن ناصر العبودي

    وللشيخ أكثر من 100 كتاب في الرحلات مازلنا نتتبعها لرفعها إن شاء الله تعالى

    المصدر : http://majles.alukah.net/t63470/#ixzz2o03LaV6m

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الزاد الثمين في تراجم العلماء المعاصرين

    جزاكم الله خيرًا أبا خزيمة
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •