ملخص في تفاضل الأنساك الثلاثة ( الإفراد والتمتع والقران ) :
الصحيح عندي في تفاضل الأنساك الثلاثة : أنها تختلف باختلاف أحوال الناس :
فمن كان يمكنه تخصيص الحج بسفرة ، وتخصيص العمرة بسفرة أخرى = فالإفراد بالحج ( وإذا أدى عمرته الأخرى بعد ذلك ) كان إفراده أفضل ، وكان أجره بإفراده وبعمرته بعد ذلك أكبر ، وتفضيل الإفراد هو مذهب كثير من السلف وهو مذهب مالك والشافعي .
وتفضيل التمتع هو مذهب أحمد .
وتفضيل القران هو مذهب أبي حنيفة .
فتفضيل الإفراد يقوم على ترغيب الحاج المفرد بالقيام بعمرة منفصلة من بلده لغير قصد الحج ؛ لكي يكون تكرار السفر أدعى لزيادة تعظيم البيت وإعماره في جميع أيام العام بالمعتمرين والطائفين والركع السجود .
أما من كان يعسر عليه المجيء لمكة ، ويخشى أن لا يأتيها إلا مرة واحدة في حياته ، فالتمتع في حقه أفضل ؛ إلا إن ساق معه الهدي ، فإن ساق الهدي يكون القران في حقه أفضل ؛ لأنه لا يحل من إحرامه إلا بعد ذبح الهدي يوم العاشر .
ولذلك كانت حجة النبي صلى الله عليه وسلم قرانا ، وكانت أفضل الأنساك بالنسبة له ؛ لأنه لن يعتمر بعد حجته تلك ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم في حجة وداعه : (( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )) ، ولأنه ساق معه الهدي ، ولو لم يسق الهدي لكان الأفضل في حقه التمتع ، ولذلك قال : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي )) ؛ لأن سوق الهدي مشقة ، ولأن البقاء في الإحرام مشقة أخرى ، والتمتع يخفف هاتين المشقتين ، ويحقق الجمع بين العمرة والحج بصورة منفصلة ، ففي التمتع طوافان وحلقان أو تقصيران ( وسعيان على قول) ، ولذلك فهو أفضل من القران ؛ إلا مع سوق الهدي ، فيكون القران أفضل ، لما فيه من إحياء سنة الهدي ، وقطع الهدي للمسافات ، معلنا أنه هدي بالغ الكعبة ، تعظيما لشعائر الله بين الناس .
فإن قيل : كيف تمنى النبي صلى الله عليه وسلم المفضول ( وهو التمتع في مقابل القران مع سوق هديه ) في قوله صلى الله عليه وسلم :(( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي )) ؟
قلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى المفضول ( وهو التمتع) تخفيفا على أمته ، وخوفا عليهم من مشقة القران ؛ لما رأى الصحابة رافضين التحلل ، اقتداء به . فتمنى لو أنه قد ترك سوق الهدي ، لكي يتمتع مثلهم ، فيكون ذلك أيسر لهم .
وفي هذه الحالة يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تمنى المفضول لأمر فاضل ، وهو التخفيف على الأمة ، والتيسير عليها . ولكن شاء الله تعالى له أحب الأنساك إليه في حقه صلى الله عليه وسلم ( وهو القران مع سوق الهدي ) ، ولن يضيع الله تعالى له أجر أمنيته بالتخفيف على الأمة ، فله من هذه الأمنية أجرها ( وكأنه عملها) بإذن الله تعالى ، فحاز النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الأجر من أطرافه ، وحق له وأولى : صلى الله عليه وآله وسلم .