رسم حروف المد ضرورة علمية وتعليمية ومواكبة لمشاكل العصر
(1)
فرق بين أن تشتغل بمسائل العلم فقط أو بشؤون التعليم فقط، وبين أن تجمع بينهما.
كيف؟
عندما يدرس المرء مخارج الأصوات في كتب الأصوات وكتب التجويد يجد الاختلاف في عدد المخارج العامة ومن ثم الاختلاف في عدد المخارج الخاصة، ويقف على وجهتي النظر الخاصتين بحروف المد من إفرداها بمخرج أو إدراج كل من الواو والياء المديتين مع نظيرتيهما غير المديتين، وغير ذلك من مسائل علمية تتصل بهذا الباب لا يتعداها المشتغل بالعلم فقط.
وعندما يعلم معلم القراءة والكتابة أو شيخ الْكُتَّاب الألفباء ولا يكون متصلا بمسائل العلم لا يربط بين الحروف وبين ما يثار في باب المخارج، أي لا يفكر إلا في الترتيب المتوارث الذي هو "أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ت ل م ن هـ و لا ي".
يظل هذا المشتغل بالتعليم يقرئ الشداة في بدء طلبهم هذه الحروف وكأن الأمور متفقة على ذلك على الرغم من أنه لو اشتغل قليلا بالعلم لعلم أن تاريخ الحروف العربية وتطورها ينفي الثبات ويؤكد التطور على وفق حاجة كل مرحلة.
كيف؟
إذا قرأت قصة الكتابة العربية فستعلم أن العرب لم تكن أمة قراءة وكتابة بل كانت أمة صوت وسماع، وعندما استجلب العرب الحروف من جيرانهم جاءتهم هذه المجموعات فقط " أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت"، فزادوها في الطور الأول من هذا الاستيراد بقية حروفهم متمثلة في "ثخذ ضظغ".
ولم تكن هناك حاجة آنئذ إلى تمييز الحروف في رسمها؛ لأن العرب أمة سليقة تقول وتفهم، فإن كتبت فهمت أيضا. وعندما انتشر الإسلام، ودخلت أعراق أخرى في الإسلام، واستخدموا العربية- اضطر العلماء إلى النقط الذي بدأه أبو الأسود الدؤلي بنقط الضبط، ثم ثُنِّي الأمر بعد زمن في عهد الحجاج بنقط البنية لتمييز الحروف المتشابهة في الرسم، فجعلت النقطة أساسا في ذلك.
كيف؟
حروف "ب ت ث ي ن" ميزت بفوقية النقط وسفليتها وعددها كما يتضح، وحروف "ج ح خ" ميزت بموضع النقطة وخلوالحرف منها كما يظهر، وحروف " د ذ، رز، ط ظ، ع غ" ميزت بالإعجام والإهمال أي وضع النقطة وعدم وضعها كما رأيت، وحرفا "ك ل" ميزا بوضع كاف صغيرة وعدمها كما بُيِّن.
واستمر الأمر زمنا حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي وميز الألف اليابسة من الألف اللينة بوضع "ء" رأس العين على اليابسة ومِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ بالهمزة، وتركت الألف اللينة كما هي من دون همز.
(2)
هكذا رأينا أن الأمر كان يجد الحل كلما عنت مشكلة في الأفق، وفي عصرنا سيجد من يفكر في حل المشكلات حلا علميا من دون الاكتفاء بالوقوف عندها فقط- أن هناك مشكلة يجدها من يعلم الصغار القراءة في المرحلة الأولى من تعريف الحروف.
ما هي؟
عدم إتقان التاء المربوطة؛ لذا اهتم أحد المشتغلين بتعليم الكتابة بالطريقة النورانية بوضع التاء المربوطة" ضمن قائمة الألفباء، وكان هذا تصرفا جيدا منه، وحلا أزال كثيرا من اللبس قبل أن يولد في ذهن الطفل عندما يبدأ القراءة ويواجه بصورتين للتاء وهو قد حفظ واحدة فقط.
لماذا هي مشكلة؟
لأن الصوت واحد لكن هناك فروق جوهرية تجعلهما حرفين في الرسم، وهذا سر وجود باب "التاءات" في كتب التجويد وكتب رسم الحروف الإملاء؛ فليس كل صغير يطلع على هذه الأبواب؛ لذا فلو درسهما ابتداء فلن يحتاجهما عمليا فيما بعد إلا لمعرفة كيفية الوقف عليهما، ويمكن أن يعلم ذلك وقت تعلم الألفباء في طورها الأول الذي هو أسماء الحروف. وبهذا الحل كان هذا المعلم مشاركا في تطور الألفباء تطورا عمليا تعليميا نتيجة اطلاعه على المشكلة لاشتغاله بالتعليم.
(3)
ومن يتأمل يجد أن التاء ليست هي المشكلة الوحيدة، إنما سيجد مشكلة أخرى في ثلاثة أحرف لا في حرف واحد.
كيف؟
الواو والياء قد تكونان حرفي علة فقط وقد تكونان حرفي علة ولين، وهنا تضبطان بالحركات وتنطقان، ولا يشترط مجانسة حركة ما قبلهما لهما. وقد يكونان حرفي مد، أي يرتبطان بما قبلهما نطقا ومجانسة لحركته. وهذا يجعل منهما حرفين لا حرفا واحدا، وقد راعت المخارج ذلك فأدرجت الواو والياء غير المديتين مع الجيم في مخرج واحد من وسط اللسان، وجعلت الواو والياء المديتين من مخرج واحد هو امتداد جهاز النطق الذي تسميه كتب التجويد الجوف.
وعندما يدرس الصغير الألفباء لا يجد إلا واوا واحدة وياء واحدة، وعندما يخرج للكلمات والنصوص يفاجأ بهما اثنتين فتحدث المشكلة.
والحرف الثالث هو الألف، لكن مشكلته تختلف عن مشكلة زميليه.
كيف؟
إنه يشتبه مع الياء عندما يكون مكتوبا ألفا لينة "ى" مثل كلمات "متى وحتى و... إلخ"، ويشتبه مع همزة الوصل عندما يكتب ألفا قائمة لو لو ينبه منذ البدء على الفروق والصور.
كيف؟
يُعَلَّم الصغير أن الألف لا يأتي أولا، وبهذا ينفك الاشتباه بينه وبين همزة الوصل، ويعلم أيضا أن ما قبله دائما يكون مفتوحا وبهذا تحل مشكلة مشابهته الياء في البلاد التي لا تنقط الياء المتطرفة؛ فلا يستطيع الصغير التفرقة بين "يجرى" المنتهية بياء، و"يسعى" المنتهية بألف.
ولنا أن نسأل: كيف تحل مشكلة هذه الحروف عند الصغير قبل أن تبدأ؟
لا حل إلا بإدراج حروف المد في الألفبائية وتعريف الصغير الفروق نظريا عند مرحلته الأولى مع الحروف التي هي مرحلة أسماء الحروف، وبهذا سيصل إلى المرحلة الثانية من تعليم الحروف التي هي مرحلة أصوات الحروف التي تنتجها أسماء الحروف مع الحركات والسكون والمدود والتشديد وهو مستعد علميا وتعليميا.
(4)
كيف يتم ذلك؟
يتم بالطريقة الآتية :
بدءا: "همزة، ويأخذ ما يفرق به بين همزة الوصل والقطع والمد. ثم باء، تاء مفتوحة نقف عليها تاء وتاء مربوطة نقف عليها هاء".
ومنتهى: "هاء، واو تحرك وتسكن وتنطق وتأتي بدء الكلمة ووسطها ومنتهاها، ياء تحرك وتسكن وتنطق وتأتي بدء الكلمة ووسطها ومنتهاها".
ثم نتبع الرأي الذي يحصر حروف المد في مخرج واحد فنكتبها متتابعة هكذا: "ألف ولا تكون إلا مدية مفتوحا ما قبلها ولا تأتي أول الكلمة، واو مدية مضموم ما قبلها تنطق مع ما قبلها ولا تأتي أول الكلمة، وياء مدية مكسور ما قبلها تنطق مع ما قبلها ولا تأتي أول الكلمة ".
(5)
وبهذا تحل المشكلة، ونواكب زمننا ومشاكله، ولا نخرج على العلم ومقرراته، بل نوظفها. وبهذا يتضح فضل المشتغل بالعلم والتعليم معا، لا سيما تعليم الصغار وضعاف الكبار القراءة والكتابة، ويتضح ضرر الاقتصار على واحد منهما.