04-10-2013
والكتاب الذي بين أيدنا واحد من هذه الكتب , تناول فيه الكاتب ما عند اليهود من تحريف وانحراف , أدى بهم إلى ما نشاهده اليوم من قتل وتشريد للمسلمين , وقد وضع الكاتب عقائد اليهود وتعاليمهم تحت مجهر الوحي الإلهي الحق , المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.


اليهودية بين الوحي الإلهي والانحراف البشري
الدكتور : فرج الله عبد الباري أستاذ العقيدة والأديان
طباعة : دار الآفاق العربية
ــــــــــ
لا يمكن حصر الكتب والمؤلفات التي تناولت اليهود واليهودية من جميع الجوانب والمواضيع, بدء من انحراف عقائدهم وأفكارهم, مرورا بعبثهم بالديانة النصرانية وإدخال التحريف فيها, ومحاولتهم المتكررة تحريف الإسلام لولا حفظ الله تعالى لهذا الدين الخاتم, وانتهاء بمحطات فسادهم وإفسادهم في الأرض, التي لم تترك فترة من فترات التاريخ إلا و بصمات فسادهم فيها واضحة, وآثار إفسادهم عليها ظاهرة.
والكتاب الذي بين أيدنا واحد من هذه الكتب, تناول فيه الكاتب ما عند اليهود من تحريف وانحراف, أدى بهم إلى ما نشاهده اليوم من قتل وتشريد للمسلمين, وقد وضع الكاتب عقائد اليهود وتعاليمهم تحت مجهر الوحي الإلهي الحق, المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
تضمن الكتاب مدخلا وثلاثة فصول, وقد أطال الكاتب في المدخل بحيث استغرق نصف الكتاب تقريبا, متناولا فيه ثمانية مباحث, شملت تعريف الدين لغة واصطلاحا, والمعاني التي تناولها القرآن الكريم لكلمة الدين, وبيان أن الإسلام هو في الحقيقة دين الأنبياء جميعا, كما جاء على لسان الأنبياء والرسل في القرآن الكريم.
كما شمل المدخل معنى الملة والنحلة لغة واصطلاحا, مبينا الفرق بين الدين والملة والشريعة, ليدخل بعدها في موضوع اليهود في المبحث الرابع من المدخل, حيث يبرز الأسماء التي تطلق على اليهود, كالعبرانيين نظرا لكثرة انتقالهم وارتحالهم من مكان لآخر, والإسرائيليون الذي يعتبر الاسم المفضل لليهود, ولا أدل على ذلك من إطلاق هذا الاسم على دولتهم المزعومة المغتصبة في فلسطين, واليهود الذي يكثر القرآن من استخدامه للدلالة على كفرهم وجحودهم وافترائهم على الله تعالى.
في المبحث الخامس من المدخل, تناول الكاتب مصادر العقيدة اليهودية, المتمثلة بالعهد القديم والتلمود, أما العهد القديم فيتألف من ثلاث مجموعات: التوراة و أسفار الأنبياء و الكتابات والأسفار, وأما التلمود فهو التقاليد والتعاليم الشفهية التي ألقاها موسى عليه السلام على أمته أثناء تدوين التوراة, وتلقاها الخلف عن السلف بالحفظ إلى أن دونها (سي ويهوذا هناسي) كما يدعون, وقد بين الكاتب التحريف الذي لحق بأسفار العهد القديم, والانحراف الذي مارسه أحبارهم في التلمود, وكيف سطروا فيه شرا مستطيرا, و زعموا أنه من تعاليم الأنبياء.
ثم تحدث الكاتب في المبحث السادس عن افتراق اليهود وتشعبهم إلى أكثر من سبعين فرقة, مبينا أن الاختلاف والتشرذم كان ملازما لهم على مر التاريخ, بينما يحسب البعض أنهم مجتمعون موحدون, فهم كما وصفهم الله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} الحشر/14.
أما زعمهم وادعاؤهم بأنهم شعب الله المختار, تلك الدعوى التي تدفع اليهود لاحتقار غيرهم من بني البشر, وتسول لهم القتل والتشريد والتدمير, وقد رد الكاتب في المبحث السابع من المدخل على هذا الادعاء الكاذب, مستعرضا الآيات القرآنية التي تحدثت عن تفضيلهم, موضحا أن المفسرين مجمعين على آيات تفضيلهم على العالمين الواردة في القرآن الكريم, كان خاصا بزمانهم والعالمين الموجودين في أيامهم, إضافة لارتباطه بمدى التزامهم بأوامر الله تعالى ونواهيه الواردة على لسان أنبيائهم.
ثم أوجز الكاتب تاريخ بني إسرائيل في المبحث الثامن والأخير من المدخل, ليدحض فرية زعمهم بحقهم في فلسطين المحتلة, متسائلا: هل لليهود حق في الأرض المقدسة المباركة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؟؟!! وبالإجابة على هذا السؤال بالنفي طبعا, يختم الكاتب المدخل الذي استغرق نصف الكتاب كما قلت.
في الفصل الأول تناول الكاتب عقيدة الألوهية عند اليهود, موضحا فساد هذه العقيدة وبطلانها, من خلال جعلهم الإله خاصا بهم, ووصفه بصفات لا تليق بالأسوياء من البشر فضلا عن الله رب العالمين, مظهرا النزعة المادية عند اليهود في عقيدة الألوهية, تلك النزعة التي يصفون الله من خلالها بأنه يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويندم ....... تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
لقد ظهرت النزعة المادية في الألوهية عند اليهود في عدة مواقف وردت في القرآن الكريم أهمها: طلبهم من موسى أن يجعل لهم آلهة كعباد الأوثان بعد أن نجاهم من فرعون, اتخاذهم العجل وعبادته من دون الله أثناء غياب موسى للمناجاة, تعليق تصديقهم لموسى برؤيتهم لله تعالى, قولهم العزير ابن الله واتخاذهم أحبارهم أربابا من دون الله, إضافة لوصفهم الله تعالى بما لا يليق به من الصفات.
وقد اتبع الكاتب في دحضه لشبه اليهود وافتراءاتهم الأسلوب العلمي المنهجي, من خلال عرض الشبهة من كتبهم ومصادرهم, ومن ثم عرضها ومناقشتها ودحضها في ضوء ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, مستأنسا بما جاء على لسان بعض علماء الإسلام في توجيه الردود عليهم.
في الفصل الثاني عرض الكاتب لموقف اليهود وعقيدتهم من الأنبياء والمرسلين, وكيف أنهم أنزلوا الأنبياء والمرسلين منزلة البشر العاديين, بل نزلوا بهم لأدنى من ذلك, ولم يراعوا في الأنبياء عصمة ولا حرمة.
وقد عرض الكاتب لنماذج من عقيدتهم المسطرة في مصادرهم الباطلة المحرفة, كوصف نوح عليه السلام بالسكر والتعرية, وأن ولداه يافث وسام سترا عورته, فمدحهما ودعا على ولده كنعان بأن يكون عبدا لسام ويافث, الأمر الذي كذبه ودحضه القرآن, من خلال الآيات كذبت ادعاءاتهم وأباطيلهم.
كما عرض الكاتب ما قالوه عن لوط عليه السلام, واتهامهم له بأكبر الفواحش من خلال زعمهم بأنه زنا بابنتيه –والعياذ بالله تعال - حسب ما ورد في أسفارهم, ورد على هذه الفرية العظيمة بالآيات التي تمدح لوطا عليه السلام, وكيف أن الله تعالى نجاه ومن آمن معه من العذاب الأليم الذي نزل بقومه.
وختم الكاتب الفصل الثاني بحديث أسفار اليهود عن داود عليه السلام, الذي وصفوه بالزنى والقتل والمكر والخداع, مستعرضا آيات القرآن التي وصفته بالأواب والصفات الكريمة التي ترد على افتراءاتهم وتدحض مزاعمهم.
في الفصل الثالث تناول الكاتب قضية البعث عند اليهود, موضحا أن أسفار موسى الخمسة الحالية, والتي يطلق عليها اليهود اليوم اسم التوراة, خالية من الحديث عن البعث والجزاء والجنة والنار, بينما لو تأملنا أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى على حد قولهم, وجدنا بعض الإشارات عن البعث والجزاء , ولكنها مختلف فيها عند اليهود, أما التلمود والمشناة فقد أشارت إلى البعث والجزاء والحساب في الآخرة.
وبعد عرض المصادر الثلاثة لعقيدة البعث عند اليهود خلص الكاتب إلى ما يلي:
1- إن خلو التوراة الحالية من الحديث عن البعث والآخرة دليل على التحريف الذي لحق بالتوراة بعد موسى عليه السلام , لأن أمور البعث والآخرة أنزلها الله على موسى في التوراة مفصلة , كما قال الله تعالى :{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} الأنعام/154.
2- إن أسفار الأنبياء المتأخرة أشارت إلى البعث إشارات عابرة لا تعطي تفصيلات مناسبة عن اليوم الآخر, تتناسب مع ذلك الركن العقدي الهام, بينما تمتلئ تلك الأسفار بالحديث عن أمور الدنيا من زراعة ومعاملات.
3- إن علماء النصارى شاركوا اليهود في التحريف للنصوص, حيث أولوا البقية الباقية من تلك الإشارات, من خلال صرفها عن البعث الأخروي إلى البعث القومي.
4- إن التلمود وتعاليم الآباء الشفهية كانت مصدرا من أهم مصادر عقيدة البعث عند اليهود.
5- باستثناء بعض الفرق اليهودية كالصدوقيين يقر اليهود بالبعث على نحو ما ورد بأسفار الأنبياء المتأخرة والتلمود.
وبعرض بعض الأدلة على الآخرة عند اليهود يختم المؤلف كتابه القيم هذا, و الذي تناول فيه كثيرا من القضايا والمسائل التي تخص اليهود, بدء من أسمائهم وتاريخهم , مرورا بادعاءاتهم وافتراءاتهم, وانتهاء بعقائدهم وأفكارهم.
فالكتاب بحق غني بالمعلومات الموجزة القيمة عن اليهود, سيخرج القارئ منه -بلا شك- وقد أدرك الكثير من الحقائق عن العدو المتربص بنا منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة.