سلسلة كيف نقرأ تاريخنا ونفهمه
التراجم وأماكن وجودها 1/8
بقلم الدكتور محمد موسى الشريف
تطلق كلمة الترجمة في اللغة على عدة معانٍ، منها: نقل الكلام من لغة إلى أخرى.
عناوين أبواب الكتب الحديثية، فيقال مثلاً: ترجم البخاري لباب كذا بكذا، فباب "العلم قبل القول والعمل" هو ترجمة للباب أي عنوان له.

سير حياة الأشخاص، وهذا المعنى هو المراد هاهنا.

أماكن وجود التراجم "سير حياة الأشخاص":التراجم عُني بها السلف والخلف على وجه غير مسبوق في التاريخ البشري، كما سأبين في المبحث القادم إن شاء الله تعالى، فلذلك كانت التراجم مبثوثة في أنواع عديدة من الكتب، فمن ذلك:

الكتب المخصصة للتراجم فقط:

وهي ثلاثة أقسام: قسم يحوي كل التراجم التي يريد المصنف إيرادها منذ زمن البعثة النبوية الشريفة أو بعدها بقليل إلى زمانه.
والقسم الثاني: الكتب التي تسرد تراجم كل قرن على حِدَة.
والقسم الثالث: الكتب التي حوت تراجم مجموعة محددة.

فمن القسم الأول : كتاب "طبقات ابن سعد"، و"سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي ، و"وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " لابن خَلِّكان، و"الوافي بالوفيات" للصفدي. وغيرها كثير مما لا يمكن أن يحصيه -مطبوعاً ومخطوطاً ومفقوداً- إلا الله تعالى.

وأما القسم الثاني، وهو الكتب التي سردت تراجم كل قرن على حِدَة فلا أعلم منها شيئاً قبل القرن الثامن، أما القرن الثامن فكتاب الحافظ ابن حجر "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة".
وأما التاسع فكتاب "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" للحافظ السخاوي.
وأما العاشر فكتاب الشيخ نجم الدين الغَزِّي "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة".وكتاب "النور السافر" للعيدروس.
وأما القرن الحادي عشر فكتاب "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر " للمحبي الدمشقي.
وأما الثاني عشر فكتاب "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" للمراديوجمع بين القرنين محمد بن الطيب القادري في كتابه "نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني".وأما الثالث عشر فكتاب الشيخ البيطار "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" وكل هذه الكتب مطبوعة متداولة.وأما القسم الثالث: وهو الكتب التي حوت مجموعة محددة من القرون فمثال ذلك: "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للقاضي الشوكاني، فقد جمع فيه تراجم لأهل القرن الثامن إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري.
وككتاب "المسك الأذفر في نشر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر" للشيخ محمود شكري الآلوسي .
وتراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر" لأحمد باشا تيمور.و"الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية" لزكي محمد مجاهد.
الكتب التي تسرد التاريخ العام وفي ثنايا السرد أورد مصنفوها كثيراً جداً من التراجم، وأوضح مثال على هذا كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير.

الكتب التي عَرّفت بالمدن الإسلامية:

وهي تحوي كثيراً من التراجم، وذلك نحو "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين" لتقي الدين الفاسي وهو في تاريخ مكة المكرمة لكنه حوى كثيراً جداً من التراجم.وكتاب "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للحافظ السيوطي.وكتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" لعثمان بن بشر النجدي.

الكتب التي سردت تاريخ دولة بعينها، نحو: "تاريخ الدولة العلية العثمانية" لمحمد فريد بك المحامي.

الكتب التي تترجم لمشايخ أحد العلماء، وتسمى "معاجم" وذلك نحو، "معجم الشيوخ" للحافظ السِّلَفيّ.
الكتب التي أُفردت لترجمة شيخ واحد فقط، وهي جملة ضخمة، وعدد كبير، لكن أكثرها قد فُقِد للأسف، ومن أمثلتها كتاب "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" لتلميذه الحافظ السخاويّ رحمهما الله تعالى.

وكتاب الشيخ الصواف عن الشيخ أمجد الزهاوي رحمهما الله تعالى.
وفي العصر الحديث نشطت حركة ترجمة الشخصيات الحديثة وإفراد كتاب لكل منها، ومن أهم هذه السلاسل سلسلتان لدار القلم الشامية، سلسلة لعظماء سابقين، وأخرى لمعاصرين مُحْدثين من أهل هذا الزمان، وقد ساهمتا في تقليل الثغرة الكبيرة في باب التراجم المفردة.

الكتب التي يثبت فيها العالم أسماء المشايخ الذين درس عليهم، والكتب التي قرأها عليهم، والأحاديث التي رواها من طريقهم وهذا النوع من الكتب يسمى "ثَبَت" وجمعه أثبات، وفيه تراجم كثيرة، ومن ذلك "فهرس الفهارس والأثبات ، ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" للكتاني المغربي.


نوع آخر من الكتب يسمى "البرنامج" وجمعه برامج ، والبرنامج كلمة فارسية معربة ، والمقصود بها : الكتاب الذي يضم أسماء المشايخ وأسماء التلاميذ.


والعادة جرت انه فيه تراجم مبثوثة كثيرة ، ومن ذلك "برنامج ابن خير الإشبيلي".
والباحث عن التراجم يجد - غالباً- تراجم نادرة في هذين النوعين من الكتب التاريخية / الحديثية : الثَبَت والبرنامج وجمعهما أثبات وبرامج ، لا يكاد يجدها في غيرهما من الكتب.

وكتب فهارس العلوم ، وهي الكتب التي تُعرف بالعلوم والفنون وكتبها ومؤلفيها، وقد يجد القارئ في هذه الكتب تراجم لا يجدها في غيرها، ومنها فهرست ابن النديم ، وقد قال في مقدمة كتابه ما يبين منهج كتابه وأمثاله، فقال:

"هذا فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم الموجود منها بلغة العرب وقلمها في أصناف العلوم، وأخبار مصنفيها، وطبقات مؤلفيها وأنسابهم، وتاريخ مواليدهم، ومبلغ أعمارهم، وأوقات وفاتهم، وأماكن بلدانهم، ومناقبهم ومثالبهم، منذ ابتداء كل علم اختُرع إلى عصرنا هذا، وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة".ويقاربه - لكنه أوسع مدى منه - كتاب "مفتاح السعادة ومصباح دار السيادة" لطاش كوبري زاده ، وهو أحمد علماء الدولة العثمانية.ويقاربهما كذلك كتاب "كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون" لحاجي خليفة.

كتب الرحلات التي يسجل فيها العلماء والأدباء وقائع أسفارهم وتنقلاتهم في البلاد، وفيها - غالباً- تراجم كثيرة، يُعد بعضها نادراً ولا يكاد يوجد في أي كتاب آخر، ومن ذلك رحلة ابن رُشيد الفِهري المغربي إلى الحج.


كتب الجغرافية، التي كانت تسمى قديماً: "كتب البلدان" وأحسن مثال على هذا -عندي- كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي ، ففيه تراجم كثيرة جداً، لا تكاد تجد بعضها إلا في كتابه.


كتب المذكرات أو الذكريات التي يسجل فيها أصحابهما سيرة حياتهم وأطوارها ودقائقها وتفصيلاتها، ففي هذه الكتب - غالباً- يوجد تراجم لأشخاص تختلف طولاً وقصراً بحسب العلاقة بكاتب المذكرات أو الذكريات، والترجمة في هذه الكتب عادة ما تكون غير مرتبة ولا سائرة على منهج محدد واضح، وهذا مفهوم إذا عُرف أن كتب الذكريات لا ينبغي أن تسير على منهج صارم علمي أكاديمي بل هي كتب خواطرَ وعواطفَ وأشواقٍ وملاحظات ومطالعات ، مع شيء من المنهجية السردية المتعلقة بصاحب الكتاب لا بغيره من التراجم التي تُذكر استطراداً أو قصداً، لكن الباحث يجد في كتب الذكريات بعض التراجم النادرة التي قد لا توجد في أي مكان آخر.


هذا وإن كتب الذكريات -بصورتها الحالية- هي شيء جديد على الثقافة الإسلامية، لم تُعرف – على هذا النحو - إلا ابتداء من القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، ولكن كثيراً من محتويات كتب الذكريات معروف في كتب أخرى ألفها أسلافنا واشتهرت قديماً، منها كتب الرحلات والبرامج والأثبات السابقة الذكر .

بعض معاجم اللغة:

يورد بعض علماء اللغة في معاجمهم كثيراً من التراجم، وأكثر من رأيته يُعنى بهذا الزبيدي في كتابه الرائع الجليل: "تاج العروس من جواهر القاموس" وبعض هذه التراجم لا تكاد تجدها في أي مكان آخر.

كتب الأنساب:

وفيها يورد مؤلفوها كثيراً من التراجم، وأحسن مثال على هذا -عندي- كتاب "الأنساب" للسمعاني.

كتب الأدب والمُلَح:

وفي هذه الكتب يجد الباحث تراجم كثيرة جداً مسوقة غَرَضاً أو عَرَضاً، ومن ذلك:كتاب "الأغاني" للأصفهاني ففيه من أخبار الرجال والنساء الشيء الكثير.وكتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب" للمقّري ، ففيه جملة واسعة من التراجم.وكتب أبي حَيّان التوحيدي الأدبية فيها تراجم عديدة ، لكنها ليست تراجم منهجية سائرة على طريقة واحدة بل هي أخبار متفرقة وأحوال وأقوال لصاحب الترجمة ليس لها نسق محدد ، لكن الباحث قد يجد فيها من متفرقات التراجم مالا يجده في أي كتاب آخر.تلك كانت بعض مظانِّ التراجم -أي أماكن وجودها - وهي توجد في بعض الكتب الأخرى التي لم تُذكر ها هنا لكن على قلة أو نُدرة، نحو بعض كتب العقائد، أو الفتاوى، خاصة التي تسأل عن حال بعض الأشخاص.ـ وهناك مراجع ثانوية أخذت من المصادر الرئيسة فلم أعرج عليها هاهنا، وذلك نحو كتب شرح الحديث التي استقت التعريف ببعض التراجم من كتب أخرى أساسية مذكورة في هذا المبحث.

وكثير من المُحْدثين اليوم ذهب ليستقي أخبار التراجم من غير المصادر الأصلية، بل ليته عَرّج على المراجع الفرعية إذ ترك المصادر الأصلية لكنه ذهب إلى كتب غير موثوقة ليأخذ منها تراجمه، وما أحسنَ ما قاله الأستاذ الدكتور المحقق محمود الطناحي- رحمه الله تعالى - في هذا الصنيع:
"أما الذين يلتمسون تراجم الرجال من "دوائر المعارف" و"الموسوعة العربية الميسرة" ... ويجمعون تراجم الشعراء من "شعراء النصرانية" فقد سقطت كُلْفة الحديث معهم".

إذن نرى أن المكتبة الإسلامية غنية جداً بكتب التراجم ، بل إن الدكتور عماد الدين خليل يذهب إلى أن "الترجمة فن أصيل في المكتبة التراثية لأمتنا المسلمة ، وكتب التراجم تحتل أكثر من سبعين بالمائة من مساحتها".

وهو ثقة فيما ينقل ويقرر – إن شاء الله تعالى – وهذه النسبة العالية جداً تظهر مدى عناية المسلمين بالتراجم ، وهي عناية فاقت عناية أي أمة أخرى ، بل ليس بين الأمم الأخرى وأمتنا في هذا الباب أفعل تفضيل ، والله أعلم.
وفي الحلقة القادمة – إن شاء الله تعالى – سأذكر وجوه عناية الأمة المسلمة في تدوين التراجم.

المصدر
موقع التاريخ