الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
إن الأحاديث الموضوعة هي شر أنواع الأحاديث ، وقد انتشرت بين فئام من المجتمعات الاسلامية ، وربما لا يعرف كذب هذه الأحاديث إلا فئة معينة من هذا المجتمع ، من المتخصصين وطلبة العلم ، وقد ذكر العلماء علامات يستطيع من خلالها كثير من الناس ، ممن لديه ثقافة ومعرفة لا بأس بها ، معرفة الحديث الموضوع ، ومن هذه العلامات :
( 1 ) منها المجازفات التي لا يقول مثلها الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل : من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان ، لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون له . إلخ
( 2 ) ومنها تكذيب الحس له ، كحديث : الباذنجان شفاء من كل داء . وحديث : إن القمر دخل في جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه . وحديث : رد الشمس إلى علي بن أبي طالب .
( 3 ) ومنها سخافة الكلام ، وكونه مما يسخر منه كحديث : لو كان الرز رجلاً لكان حليمًا ، ما أكله جائع إلا شبّعه .
وحديث : قدس العدس على لسان سبعين نبيًّا ، آخرهم عيسى عليه السلام . أو يكون عن طريق مصادمته للعقل الصحيح كحديث : إنًّ الله خلق خيلاً فأجراهافعرقت فخلق نفسه منها .
( 4 ) ومنها مناقضته لما جاءت به السنة الصريحة ، فمن ذلك أحاديث : مَن اسمه محمد و أحمد ، وأن كل من يسمى بهذا الاسم لا تمس جسده النار ، أو أنه في الجنة ،كحديث : من ولد له مولود ، فسماه محمدا تبركا به ، كان هو ومولوده في الجنة " . وهو مكذوب باتفاق وقد رواه ابن بكير في " فضل من اسمه أحمد ومحمد ". إذ المعلوم من الدين أن النار لا يُجَار منها بالأسماء والألقاب ، وإنما النجدة منها بالإيمان والعمل الصالح المقبول .
( 5 ) ومنها قيام الشواهد الصحيحة على بطلانه ، كحديث عوج بن عنق من أن طوله 3360 ذراعًا ، وأنه كان يشوي الحوت في عين الشمس ، وأنه قال لنوح احملني على قصعتك ، يريد السفينة ، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر وأراد أن يسحقهم بها ، فقورها الله على عنقه .. إلخ . إذ هذا يدل على أنه عاصر نوحًا و موسى وأنه ليس من ذرية نوح ، مع أن الله يقول : ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ ) . الأية . وفي هذا الهذيان مناقضات أخرى تدرك بأقل مسكة ، وكحديث إن ( ق) جبل من زمرذة خضراء محيطة بالدنيا، كإحاطة الحائط بالبستان ، والسماء واضعة أكتافها عليه فزرقتها منه .
وحديث : الأرض على صخرة ، والصخر على قرن ثور ... إلخ
( 6 ) ومنها مخالفته لصريح القرآن ، كحديث مقدار الدنيا ، وأنها سبعة آلاف سنة ، وأن الذاهب منها كذا ، فإن ذلك يدل على علم الساعة مع أن تعالى
يقول : ( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّه ) .
( 7 ) ومنها : اقترانه بما يبطله ، وما يكذبه التاريخ والوقائع الصحيحة ، كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر ؛ لأنها لم تكن نزلت إذ ذاك ، وإنما نزلت بعد عام تبوك ، وهو مما لا يصح ، فقد وضعت في عهد عمر رضي الله عنه .
ووضعها الرسول صلى الله عليه وسلم على نصارى نجران واليمن .
( 8 ) ومنها مناقضته للفضيلة ، كالأحاديث الدالة على الشره في الأكل ، كوصفهم أَكْلِه صلى الله عليه وسلم العنب بما لا مساغ لذكره ، أو الدالة على ترغيب في شهوة ، كحديث : النظر إلى الوجه الجميل عبادة .
( 9 ) ومنها مناقضته العقيدة كحديث : لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه .
ولا بد أن يكون هذا من وضع المشركين عُبَّاد الأوثان ، ولقد رسخ هذا الحديث المزور في أذهان بعض ـ أو كثير ـ من أهل هذا الزمان رسوخًا متينًا ، حتى كاد يكون معناه ملكة فيهم ، فهم يتسابقون إلى العمل بمعناه أكثر مما يتسابقون إلى الجماعة والصف الأول ، حتى لو أنك نهيتهم عن التمسك بعامود السيد في مسجد الحسين ، أو شجرة الحنفي ، أو باب زويلة ( بوابة المتولي ) أو أخشاب ضريح ، لأجابوك جميعًا بهذا الحديث ، كأن الشيطان ما ترك نسمة فيهم إلا ولقَّنَها الضلال البعيد .
( 10 ) ما ثبت من أحاديث فيها كلمات تخالف اللغة ، فقد عرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان فصيحاً بليغا ، وقد أوتي جوامع الكلم .
ومن الأحاديث التي لا أصل لها : أحاديث الحمام ، واتخاذ الدجاج ، وذم الأولاد ، والتواريخ المستقبلة ، وفضائل السور ، ومدح العزوبة ، والنهي عن الطعام في السوق ، وفضائل الأزهار والحناء ، وحديث : إن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم . وغير ذلك مما يطول إيراده ، ولست أعجب من العامة وصنيعهم هذا ، ولكن العجب العجاب من بعض من يزعم العلم الذين يرون هذا المنكر رأي العين صباح مساء ، ويتأولون له ، كأنما أعمال هؤلاء السوقة وحي سماوي متشابه يجب تأويله في رأي العلماء المتأخرين ، اللهم ألهمنا السداد ، ووفقنا إلى سبيل الرشاد .