::التفكير الخرافي في القرن الحادي والعشرين::.. إن مما يبعثُ على الأسى والحزن أن كثيراً ممن كتبوا في قضايا التفكير وقواعده ومنهجياته وآفاته من المسلمين وغيرهم تجاهلوا الشركَ بالله تعالى بوصفه مرضاً فكرياً قد تجذر وترسخ في كثير من العقول البشرية قديماً وحديثاً، وفرّخَ الكثير والكثير من صور الخرافات وأشكال الخُزْعَبلات والتخاريف المصادمة لصحيح الدين وصريح العقل الفطري، وهذا قصور خطير وخلل جسيم يؤكد على أن المسائلَ المتعلقةَ بتعليم التفكير أخطرُ من أن تترك لأشخاص حصيلتهم من العلوم الشرعية ضعيفة، ومعرفتهم بنصوص الوحيين ضئيلة .:.. وربما سبب ذلك أن البعض يظن أن التفكيرَ الخرافي حالةٌ تاريخية انقضت ومضت ، ولم يعد لها وجود أو حضور في القرن الحادي والعشرين، ويحاججون بقولهم أليس عصرنا عصر التقنية والتقدم والاختراعات المذهلة، فلا حياة للخرافات في مثل هذه المناخ .:.. ويكفي لدحض دعوى هؤلاء أن يقال لهم : ألم تسمعوا بظاهرة عبدة الشيطان في العالم الغربي، أليست الأديان الوثنية منتشرة في كثير من البقاع والأصقاع، وماذا تكون الوثنية إن لم تكن قائمة على التفكير الخرافي، ألا ترى المزارات والمشاهد المنتشرة في العالم الإسلامي اليوم، وكيف يطوف كثيرون بالقبور ويتوجهون إليها ويتبركون ويستعينون بها، أليست كتب الأبراج والتنجيم من أكثر الكتب مبيعاً في كثير من بلاد العالم، ألا تجدون في الصحف والمجلات صفحات مخصصة لتوقعات الأبراج فهذه نبؤات لبرج الحمل وتلك لبرج السرطان والأسد والعذراء والدلو وغيرها من أبراج الدجل والخرافة، ألا تخصص وسائل الإعلام العربية والعالمية برامج أسبوعية عن الأبراج والتوقعات يُستضاف فيها مشاهير العرافين للإجابة عن أسئلة الجمهور، بل في نهاية كل عام ميلادي تفرد كثير من وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها مساحة واسعة لنبؤات العرافين وبائعي الخُزعبلات تحت مسمى التوقعات، بل قرأت معلومات تؤكد ازدياد القنوات الفضائية في العالم الغربي مخصصة بأكملها لكشف الودع، وقراءة الحظ من الكوتشينة، والتعرف على الطالع، وما شابه هذه التُرهات والأكاذيب، وليست قنوات السحر والدجل في عالمنا العربي وما أثارته من لغط وجدل عنا ببعيد .:.. لقد صدم كثير من الناس حين قرأوا ما كتب عن اعتماد بعض زعماء دول غربية على العرافات ، وكيف يستشيرونهن حتى في تحديد مواعيد اجتماعات القمم الدولية ، بل وحتى عن محادثات الحد من التسلح النووي إلى غير ذلك ، وقل مثلَ هذا عن كثير من المشاهير في عالم السياسة والفن والرياضة ممن تحرص وسائل الإعلام على متابعة أخبارهم ، فكيف لقائل بعد ذلك أن يقول : إن التفكير الخرافي لا وجود له في عالم اليوم ، وماسبق بعض من وجوه التفكير الخرافي وليس كلها .:.. إن الموحد صاحب التفكير النقي لنقاء عقيدة التوحيد الصافية التي يعتقدُها ، تراه ينعمُ بحرية ساطعة تستنير بنور القرآن وتستهدي بهدي السنة النبوية لا يعاني من قيود الخضوع للأوثان أو كلاليبِ التسليم بالخرافات والأوهام .:.. إن عقيدة التوحيدِ الخالصةِ من الشرك بأنواعه المختلفة تحيي التفكير وتبثُ فيه دماءَ الحياة والحيوية، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يدعوهم إلى ما يحييهم . إنه ( يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوبَ والعقول, وتُطلِقُها من أوحال الجهل والخرافة; ومن مستنقع الوهم والأسطورة, ومن العبودية لغير الله، ويدعوهم إلى شريعة من عند الله; تعلن تحررَ "الإنسان" وتكريمَه، ووقوفَ البشر كلهم صفا متساوين في مواجهتها; لا يتحكم فرد في شعب, ولا طبقة في أمة, ولا جنس في جنس, ولا قوم في قوم . . ولكنهم ينطلقون بأكملهم أحراراً متساوين في ظل شريعة رب العباد . ويدعوهم إلى منهجٍ للحياة , ومنهجٍ للفكر , ومنهجٍ للتصور ; يُطلقهم من كل قيد إلا ضوابطَ الفطرة , التي وضعها خالقُ الإنسان , العليمُ بما خلق ; هذه الضوابط التي تصون طاقةَ البناءِ والإعمارِ من التبدد ; من دون كبتٍ أو كفٍ أو تحطيمٍ لها عن النشاط الإيجابي البناء . ويدعوهم إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدتهم ومنهجهم , والثقةِ بدينهم وبربهم , والانطلاقِ في "الأرض" كلِها لتحرير "الإنسان"; وإخراجه من عبودية العباد إلى عبودية الله فقط; وتحقيقِ إنسانيته العليا التي وهبها له الله, فاستلبها منه دعاةُ الباطل والدجل وأربابُ الخرافات والخُزْعَبلات والتُرهات ) .::< صفوة القول >:.. عقيدة التوحيد تضخ في شرايين الفكر دماء نقية صافية.
كتبه/خالد الدريس.
::
جريدة المدينة - ملحق الرسالة - زاوية أشعةالجمعة: 16/ 8/ 1433هـ العدد: 17971