التوازن والإنجاز في حياة الشيخ بكر أبو زيدبسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي يوم الثلاثاء الخامس من شهر الله المحرم لعام 1429 هـ فقدت الأمة الإسلامية علماً من أعلامها ومجاهدا من مجاهديها بقلمه وكتبه، ولقد شهدت جنازته جموع غفيرة، نسأل الله أن يخلف الأمة خيرا.
وإن المتأمل لسيرة العلامة المتفنن الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد ليجد فيها مثالاً حيا للتوازن والإنجاز، وهذه الصفة من الأهمية بمكان خاصة في هذا الزمان، فمع صورٍ شاهدة لهذا :
- ففي مجال الحياة العامة: نجد الشيخ ممن تزوج وأنجب وأثمر أبناء صالحين -نسأل الله تعالى ذلك-.
- كما أن الشيخ ممن تدرّج في السلك التعليمي حتى حصل درجة العالمية العالية (الدكتوراه)، ويُذكر أن من نصائح الشيخ ألا يبدأ طالب العلم بالنشر إلا بعد هذه الدرجة، والشيخ تخرج عام 1387/1388 هـ من كلية الشريعة بالرياض (منتسبا) وكان ترتيبه الأول، وكان في عام 1384 هـ قد انتقل إلى المدينة المنورة فعمل أميناً للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية.
- وفي مجال العمل الإداري: فإن الشيخ منذ سلوكه المجال الوظيفي ما زال يتنقل من منصب إلى آخر؛ فعمل أميناً للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية عام 1384 هـ، ثم اختير للقضاء بعد تخرجه من الجامعة عام 1387/1388 هـ، ودرّس في المسجد النبوي قرابة العشر سنوات، ثم صار إماما وخطيبا في المسجد النبوي، ثم اختير وكيلاً لوزارة العدل، ثم اختير عضوا في اللجنة الدائمة للإفتاء، ثم عمل رئيسا لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي؛ مع عضويته في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، مع مشاركاته في عدد من اللجان والمؤتمرات داخل وخارج المملكة، ودرس في المعهد العالي للقضاء وفي الدراسات العليا في كلية الشريعة بالرياض = كل هذا مع إنتاج الشيخ المتميز والمحرر في كافة عطاءاته.
- وفي مجال التأليف بشكل خاص: نجد أن للشيخ مشاركة في مجالات عدة -تحقيقاً كان أو تأليفا- فله مشاركة في العقيدة والحديث والفقه وخاصة النوازل والدعوة والفكر واللغة والسلوك والأدب والتاريخ والأنساب والمعارف العامة، وما زالت بعض كتب الشيخ مخطوطة لم تطبع حتى الآن، كل هذا مع إبداع علمي يمتاز بالاستقراء والتقصي، فلم يطغ فن على آخر، فله في كل بستان زهرة.
- ومن الأشياء التي تميز بها الشيخ: رعايته للعمل العلمي الجماعي من خلال إصدار آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي.
- مشاريع العمر عند الشيخ بكر أبو زيد: ومع هذا العطاء المتدفق والمتنوع إلا أن للشيخ مشاريعاً بذل نفسه ووفّر جهده وحياته له؛ ومما أمكن الوقوف عليه -مما نص الشيخ عليه- مشروع : (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل)، طبع منه الجزء الأول ، فقد قال عنه: "أما بعد: فهذا كتاب أُراه من (مشاريع العُمر) سميته: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل)" ا.هـ. [التأصيل، ص7].
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرفع درجة الشيخ في المهديين ويعلي ذكره في الغابرين وأن يخلف الأمة خيراً، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.