الأدب الإسلامي ليس ضد الإنسان

فوزي تاج الدين - ناقد أدبي

ليس هناك أدنى شك في أن الدين الإسلامي دين الإنسانية عامة، فهو يخاطب الإنسان الذي يعد محور الكون، ومن أجل هدايته أرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء، وجاء ذكر الإنسان في أكثر من 90 موضعًا من القرآن الكريم، هذا إلى جانب أن المولى عز وجل تكفل برزق الإنسان سواء كان مؤمنًا أو غير مؤمن،

من هنا يتبين لنا أن الإسلام- خاتم الأديان- اهتم بالإنسان أيما اهتمام، وتؤكد أدبيات التاريخ أن الرسول " صلى الله عليه وسلم" لم يقاطع الأدب وخاصة الشعر، وفي هذا إشارة إلى دور الأدب في تهذيب الإنسان، وليس أدل على ذلك من قوله " صلى الله عليه وسلم" : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقوله: «إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر حكمة»، وتروي الأدبيات موقف الرسول " صلى الله عليه وسلم" من الشاعر حسان بن ثابت المعروف بشاعر الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، حينما قال له: «اهجهم- أو هاجهم- وجبريل معك»، وكذلك تذوق الرسول " صلى الله عليه وسلم" للشعر وعدم معارضته له، وليس أدل على ذلك من استقباله «النابغة الجعدي» حينما جاء مع بعض قومه لإعلان إسلامهم بين يدي الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وأنشد بعض أبياته منها:

أتيت رسول الله إذ جاء الهدى
ويتلو كتابا كالمجرة نيّرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فسأل الرسول " صلى الله عليه وسلم" فأين المظهر يا أبا ليلى؟ فأجابه: الجنة.
فتعجب الرسول " صلى الله عليه وسلم" لهذا الرد، وقال: إن شاء الله. واسترسل الجعدي في شعره حتى اختتمه بقوله:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
فإذا برسولنا الكريم يقول له: لا يفضض الله فاك.
وفي هذه المواقف أدلة على حب الرسول " صلى الله عليه وسلم" لسماع الشعر وتذوقه.
وعمر بن الخطاب "رضي الله عنه" عرف عنه أنه كان يستحسن الكلمات الشعرية التي تتضمن حكمة أو ترشد إلى حسن الخلق، وكان دائمًا يدعو إلى الالتزام من جانب الشعراء بالأخلاق، وكان من المعجبين بالشاعر «زهير» لأنه كان لا يمدح أحدًا إلا بما فيه، وعندما استمع إلى بيت شعر أنشده عن بني الحسحاس:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
قال له: لو أنك قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك. ولاشك أن هذا النقد في محله، فالذي ينهى الإنسان عن المفاسد إسلامه وليس شيبه. كما كان معروفا عن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" أيضا نصحه لابنه بحفظ الشعر ليحسن أدبه.
الأدب الإسلامي ليس ضد الإنسان
الأدب الإسلامي نثرًا وشعرًا ليس ضد أية مذاهب أدبية أخرى، كما أنه ليس ضد الإنسان، فهو في جوهره، لا يمنع من مراجعة القديم وتقويمه منهجيا، ولا ينحاز لطبقة دون أخرى من الطبقات، لا يهتم بالعقل على حساب العاطفة أو العكس، وإنما يمزج بينهما في إطار إنساني بديع، ويراعي التجانس والتكامل بين كل من الأشكال الأدبية ومضامينها، كما أن الأدب الإسلامي ضد إعلاء شأن الانفعالات الإنسانية غير المنضبطة، ولكنه يعلي من شأن العقل، ومن جانب آخر فالفكر الإسلامي يؤكد على الترابط بين الفرد والجماعة ارتباطا عضويا، فالذات الفردية ليست مقدسة وإنما هي في خدمة الجماعة التي هي في النهاية مجموعة أفراد.
إن ما يميز الأدب الإسلامي حقا أنه ليس مادة جافة لا روح بها، وإنما مادة تعبر عن تعدد احتياجات الإنسان، ومن ثم تلبيتها في إطار قيمي، تأكيدا على أن وظيفته إصلاح المجتمع، مع عدم إغفال أن الإغراق في المثالية والغلو في التجرد من الأمور غير المبررة، وهو ضد الحرية المطلقة أو الإباحية مما يهدد الحياة البشرية.
الأدب الإسلامي يهتم بألا يعبر الكاتب أو الأديب عن نفسه فقط، وإنما يكتب من أجل الآخرين ولهم، وأن بناء المجتمع بناء حقيقيا يعتمد على عدم إغفال السلبيات للخروج بدروس مستفادة، ومن ثم الوصول إلى عالم الإيجابيات المرجوة، ولأن الإنسان محور الكون فهو ضد كل ما من شأنه إبراز الجانب الغريزي والحيواني للإنسان وشهواته، من منطلق أن الله عز وجل كرم الإنسان، وأن الأديان جميعها إنما جاءت لإسعاد وهداية البشرية، من خلال الحفاظ على العلاقات الاجتماعية، ونظام الأسرة، ومقاومة أي أفكار تدعو إلى هدم نظام التزاوج الطبيعي، وخصوصا أفكار الزواج المثلي والشذوذ التي أصبحت تمارس في ظل حماية التشريعات، وتناول الأدب الغربي لها وتقديمها على أنها النموذج الأمثل وتصديرها إلى الدول الشرقية الإسلامية.
مجمل القول: إن الأدب الإسلامي له جذور راسخة تميزه عن الثقافات والآداب الأخرى، ويؤمن بأن أديب عصر ما.. هو ابن لمن سبقه، كل أديب يحمل سمات عصره ويورثها لمن بعده، على أن الوارث يحمل صفات من القديم ويجيش صدره بطاقات من الجديد لأنه يعايشه، وفي هذا السياق يؤمن الأدب الإسلامي بأنه لا يجوز دراسة مشكلاتنا الفكرية من خلال فكر وأدب الآخرين، ولا يجوز أن يغفل مكان أمتنا وموقعها من التاريخ، ومن ثم انسجام الأفكار والعواطف وغيرها مع ما تفرضه المرحلة الراهنة، ومراعاة أن ابتداء حلول مشكلاتنا من الشرق أو الغرب هو تضييع للجهد ومضاعفة للداء، هذا إلى جانب التفريق بين ما هو فرعي وما هو أصيل، فالأصل ثابت لا يمكن التنازل عنه، والفرع يتمثل في المتغير، وفي ضوء ذلك يمكن الإفادة من المنجز الإنساني في جمال التحول والأدوات والأساليب، أما الأصول فهي تامة.
المراجع
1- وجهة العالم الإسلامي: مالك بن نبي، دار الفكر، دمشق.
2- العقد الفريد: ابن عبدربه، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م.
3- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: المؤسسة المصرية العامة، جزء 1، القاهرة، 1963م.
4- أخطاء المنهج الغربي الوافد: أنور الجندي.