فن الإدارة في الإسلام.. نقذ الأمة من وعكاتها!منى الموجيالقاهرة: دار الإعلام العربيةجاء الإسلام ليؤسس لقواعد صارمة وحاسمة للأمور الإدارية التي دعت إليها بعد قرون مختلف النظريات الإدارية المعاصرة، وتعرف الإدارة في الإسلام بأنها الولاية أو الرعاية التي تأتي في نطاق المسؤولية التي تلزم وجود أمانة لدى من يتصدى لشؤون الإدارة على اختلاف أنماطها ومستوياتها.. كما وضع الإسلام جملة من الركائز لفن الإدارة، من أهمها الشورى، باعتبارها أصلًا من أصول علاقات العمل.. «الوعي الإسلامي» سألت عددًا من المعنيين وجاءتكم بالتفاصيل.يقول محمد بركات، مهندس إنتاج بأحد مصانع الملابس: بحكم عملي كمهندس إنتاج أتعامل مع كثير من العمال المسؤولين مني، ويقومون بأعمالهم وفقًا للتعليمات التي أوجهها لهم، والحمد لله هم متفانون في عملهم بإخلاص لسبب رئيسي، وهو أنني أتعامل معهم برفق، وأتناقش معهم بهدوء حول الأمر الذي من المفترض القيام به.وعن كيفية اختياره لمعاونيه أكد اعتماده على عنصر الكفاءة والأمانة وحب العمل فيمن يختارهم ليكونوا معاونين له.

كفاءة وتناغمبدورها، تؤكد منار وجدي، مصممة ومديرة خط إنتاج ملابس، أنها تحافظ على مسافة معينة في حدود الاحترام بينها وبين من ترأسهم في العمل، محاولة في الوقت ذاته أن تجعلهم يقبلون على العمل وينفذون تعليماتها بصدر رحب، وترى أن المدير الناجح هو من يطبق سياسة ناجحة تتناسب مع وضع المكان وظروف العمل، مشيرة إلى أن اختيارها لمن يعاونها في العمل جاء على أساس الاجتهاد والكفاءة والتناغم مع كل الأطراف.الطيبة والحزمبينما يؤكد سعيد محمد موظف بالجهاز المركزي للمحاسبات أن الإدارة التي تقوم على أسس سليمة هي التي تؤدي إلى نجاح العمل واستمراره، وأن المدير الناجح هو القادر على أن يكون قريبًا من الموظفين الأقل منه، بشكل لا يجعلهم يتساهلون في العمل استنادًا على طيبته، وفي الوقت نفسه لا يتذمرون من حزمه، فالوسطية هي خير الأمور، واستخدام كل صفة في الوقت المناسب لها، فاللين في موضعه، والحزم أيضًا في موضعه.شورى وطاعةيقول الله سبحانه وتعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه}، وفي الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله " صلى الله عليه وسلم" يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم».. بهذه الكلمات بدأ د.عبدالستار فتح الله سعيد، أحد علماء الأزهر الشريف وعضو المجمع الفقهي بمكة المكرمة، موضحًا أن من أسس الإدارة الناجحة الشورى والطاعة، والتي لا يمكن أن تستقيم أمور الجماعات والمنظمات بدونهما، إذ يقول الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النس اء: 59).ويشير د.عبدالستار إلى أحاديث نبوية شريفة كثيرة تحدثت عن الإدارة، وسبل اختيار المسؤول أو القائد، منها ما يشير إليه قوله " صلى الله عليه وسلم" «من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فولى رجلًا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله»، وفي رواية أخرى: «من قلد رجلًا عملا على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين»، ومن دعائه " صلى الله عليه وسلم" أيضًا: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا، فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فارفق به»..ويقول النبي " صلى الله عليه وسلم" : «ما من راعٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة».. فكل هذه الأحاديث تشير إلى ضرورة أن يتولى الإدارة أهل الصلاح والمعرفة والكفاءة والإصلاح.وتابع: أما عن سبل اختيار المستشارين المعاونين للمدير أو القائد وهم أهل المشورة والخبرة، فيقول الصحابي الجليل علي بن أبي طالب: «لا تدخلن في مشورتك بخيلًا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانًا يضعف عليك الأمور، ولا حريصًا يزين لك الشره والجور».. ويشير إلى أن التاريخ الإسلامي يحفل بقصص ومواقف، منها مثلًا سؤال عبدالملك بن عمر ابن عبدالعزيز لوالده لما قال له: «يا أبت لم لا تحمل الناس على الحق جملة واحدة؟ فرد عليه قائلًا: يا بني، أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه جملة.. أما يرضيك أن أحيي فيهم كل يوم سنة وأميت بدعة؟».إدارة الأزماتإلى ذلك، يحدثنا د.محمد أبوليلة أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن مفهوم الإدارة واسع ليشمل كل أنواع الإدارات، سواء إدارة المنزل أو الدولة أو الأمن أو الحرب، والتي تعد من صميم الإسلام، وكل منها يتطلب استشعار المسؤولية تجاه المؤسسة أو الدولة أو الأزمة، إضافة إلى ضرورة توفر العلم والخبرة الكافية فيمن يتولى مهام الإدارة، أيضًا يجب أن يتمتع المسؤول عن الإدارة بأفق عقلي وثقافة واسعة بحيث يستطيع أن يلم جيدًا بما حوله من أحداث وأزمات سابقة في التعامل، هذا علاوة على أنه ينبغي أن يكون الشخص المختار من ذوي الكفاءة الخلقية، وليس انتهازيّا، ويبحث عن المصلحة العامة عند مواجهة الأزمات، ولا يزيدها تعقيدًا.ويستند د.أبوليلة إلى الحديث الشريف «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، مؤكدًا ضرورة أن تتوافر في الراعي شروط العلم والكفاءة، وأن يكون لديه شفقة تجاه من يرعاه، وبالرجوع إلى سيرة سيدنا رسول الله " صلى الله عليه وسلم" نجد أن النبي خير من علمنا حسن الإدارة، وعلى وجه الخصوص إدارة الأزمات، فكان يعتمد على مبدأ المشورة في الإدارة، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في غزوة بدر، فقد كان النبي " صلى الله عليه وسلم" يشاور الصحابة قبل أي خطوة يخطوها قبل وبعد الغزوة، وإذا طبقنا ذلك على العصر الحالي فيجب على كل مدير أن يكون لديه فريق استشاري متخصص في جميع المجالات يلجأ إليه عند أخذ القرارات أو عند مواجهة الأزمات.ويضرب مثلًا بالرسول " صلى الله عليه وسلم" حينما نوى الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث ظل الأمر سرّا حتى على أصحابه؛ كي لا يمكن أعداءه منه، وأخفى الخبر على أبي بكر حتى جاء وقت الهجرة، حيث علم وقتها فقط.أما بالنسبة إلى علاقة المدير بمرؤوسيه، فيرى «أبوليلة» أنها علاقة عقد مع الله في المقام الأول، فالراعي يجب أن يكون عالمًا عارفًا أبًا شفوقًا لمن هو أصغر منه سنّا وأن يحترم مصالح مرؤوسيه ويوفق بينهم دون تمييز، ويدافع عن حقوقهم وأن يقيم شرع الله.. أما الرعية فعليها أن تساند المدير أو القائد وأن تتعاون معه وألا تشكك فيه أو تهينه أو تسيء إليه بالقول أو الفعل، ولا مانع من تقويمه إذا أخطأ، فسيدنا عمر بن الخطاب يقول «لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها». وكان يشير إلى أهمية إذا رأى المسلمون خطأ في إدارته أن يعلموه، وعليه أن يستمع جيدًا إلى شكواهم، كما أقرها أبوبكر الصديق "رضي الله عنه" في أول خطبة له بعد تولي الخلافة، «وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني»، وهنا نشير إلى ضرورة تقويم الرعية لراعيها لكن دون تجاوزات أو سب أو تخوين.القوي الأمينمن جانبه، يقول د.صلاح محمود العادلي أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر: الإدارة فن أقره الإسلام، وأوصى باختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، سواء على مستوى المؤسسات العامة أو المؤسسات الخاصة أو حتى مستوى الأسرة، واختيار هذا الرجل يجب أن يعتمد على شرط العلم والأمانة، فقد قال تعالى على لسان سيدنا يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وهو ما يستدل منه على أهمية العلم والأمانة في الإدارة.. كما قالتها ابنة شعيب لأبيها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}(القص ص:26)، والقوي هنا تشير إلى صاحب العلم.واستطرد قائلًا: إذن لابد من هاتين الصفتين اللتين تعدان إحدى أهم الركائز الأساسية عند اختيار المدير إضافة إلى الموهبة وحسن القبول, وهو ما يعبر عنه في فن الإدارة بإجادة التواصل، سواء على مستوى الأسرة أو الرئاسات الصغيرة أو الكبيرة.. وأعظم قائد هو سيدنا ورسولنا الكريم سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم" ، الذي علمنا أصول فن الإدارة سواء في إدارة الأزمات أو إدارته لبلاد المسلمين أو إدارته في علاقته بزوجاته وأبنائه وأصحابه، رضي الله عنهم جميعًا، فنجد أنه طبق ذلك في اختياره للقادة وعماله على البلاد، كما طبقه بين صحابته في البيئة الجديدة، حيث أدار العلاقة بين أصحابه وجعلها تستند على الإخاء والمحبة، أيضًا إدارته للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين التي اعتمدت على السلام والسماحة وتقبل الآخر.تابع العادلي: أما بالنسبة إلى العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه فيحثنا إسلامنا العظيم على أنها لابد أن تنطلق من مبدأ العدل والاحترام المتبادل وعلى المرؤوس أن يلتزم بالانقياد المطاع لرئيسه باستثناء الطاعة في المعصية أو المخالفة أو الخطأ، فعليه هنا أن يلفت نظر رئيسه في أدب دون خروج على الحق.حسن البصيرةأما مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية د.رفعت الفاعوري، فيرى أن مبادئ الإدارة لها مقومات أساسية، وهي الحكم الرشيد ونور البصيرة والتأني في أخذ أي قرارات، إضافة إلى أن علم الإدارة هو فن يمتد ليشمل جميع مستويات الحياة، فهو يعلمنا كيف نتعامل مع أزواجنا وزوجاتنا، كيف نتعامل مع أطفالنا، كيف أتعامل مع دخلي المالي وكيف أنفقه، وهو أيضًا ضمن أنواع الإدارة، إضافة إلى التعامل داخل المؤسسات الحكومية والخاصة على مستوى العمل والعلاقة بين كل من الرئيس والمرؤوس، والتي يجب أن تتضمن العدالة الكاملة والبعد تمامًا عن التمييز، وأخيرًا التعامل عند مواجهة الأزمات.وتابع: بشكل عام يجب أن يكون المدير أو أي صاحب منصب كبير كفؤًا في المقام الأول؛ كي يستحق أن توكل إليه تلك المهمة، وأن يتمتع بحسن الإدارة وأن يتحلى بالهيبة والعلم وحسن البصيرة وقوة الإرادة، والرحمة بمن تحت رئاسته والتي يجب أن تستوعب الكل.تلك المقومات تعتبر مقومات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال.وقال الفاعوري: أيضًا على الموكل إليه مهمة اختيار من يتولى مهام الإدارة أن يحسن جيدًا الاختيار، وإذا وقع الاختيار على شخص لم ير في نفسه أنه يمتلك تلك المقومات فليس عيبًا أن يعترف بذلك، فرحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.د.صلاح العادلي: اختيار القائد على أسس العلم والأمانة والموهبة وحسن القبول
ستة عناصر لإدارة ناجحة
يوضح د. رشاد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان ضرورة توافر ستة عناصر كي تصبح الإدارة ناجحة هي:
- تحديد الهدف: إذا كان الأمر يتعلق بعلاقة أسرية فلابد أن نضفي عليها الجانب الاجتماعي، وإذا كانت الإدارة تتعلق بعمل فلابد أن نضفي عليها الجانب الخدمي والإنساني.
- المساواة: العمل على عدم التفرقة بين الأفراد، ففي العمل على المسؤول ألا يفرق في المعاملة بين مرؤوسيه، بل عليه اعتماد الموضوعية في التعامل بينهم، وهو نفس الأمر فيما يتعلق بالأسرة، فلابد أن يراعي رب الأسرة طريقة التعامل بين الأبناء دون تفرقة، وبالطبع ينطبق الأمر على إدارة الدول لشؤونها، حيث تقوم الدول المتحضرة على المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عن أي اختلاف بينهم، مشددًا على أن اعتماد هذا المبدأ هو أساس النهوض بالدول.
- البسمة: الوجه العبوس يقتل البيت، الجامع، الكنيسة والمدرسة، فالبسمة تزيد من تفاؤل الإنسان وتدفعه إلى التفكير الإيجابي بعيدًا عن العبوس والتشاؤم.
- التقوى: لابد أن يتقي المسؤول عن الإدارة -سواء كانت إدارته تتعلق بالأسرة أو بالعمل أو بالدولة- الله في كل تصرفاته تجاه الآخرين.
- الذكاء الاجتماعي: لا أقصد الذكاء الفطري، ولكن أقصد أن يتسم المدير ببعد النظر في الإدارة، ولا تقتصر إدارته على الخطط قصيرة المدى فقط، وإنما يراعي المستقبل ايضًا.
- الحكمة والتواضع: وهما صفتان لابد من توافرهما في شخصية المدير.
ملف عدد مجلة (الوعي الإسلامي).