15-05-2013 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
أهل السنة والجماعة : هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة , الذين أخبر النبي صلى الله عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف ؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة ، المجانبون لطرق أهل الضلال .







في خضم قراءة ودراسة الفرق الضالة والباطلة , والأفكار الخبيثة المنحرفة , والتي لم يتبين كفرها وبطلانها أو ضلالها وانحرافها , إلا من خلال أصل ثابت ومقياس أصيل , نستطيع من خلاله الحكم على هذه الفرق وتلك الأفكار بالصحة أو البطلان , لا بد من العودة بين الفينة والأخرى إلى هذا الأصل وذلك المقياس, حتى لا يتيه القارئ بين هذه الفرق وتلك الأفكار , دون أن نذكره بالقاعدة الصلبة ألا وهي عقيدة أهل السنة والجماعة , التي نحكم من خلالها على الأفكار والفرق.

فالحكم على تلك الفرق بأنها ضالة أو منحرفة , وعلى تلك الأفكار بأنها كافرة أو باطلة, لم يأت من أهواء ورغبات , بل استند دائما لأدلة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , والتي هي أساس مذهب أهل السنة والجماعة , التي ينتمي إليها القارئ الكريم , فلا بد بالتالي أن يعرف أصول عقيدته وشريعته , وأركان الإيمان التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة , وبعض القواعد التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة , والتي سيكون الحديث عنها في هذا التقرير بإذن الله تعالى .

التعريف وأبرز الشخصيات:

أهل السنة والجماعة : هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة , الذين أخبر النبي صلى الله عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف ؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة ، المجانبون لطرق أهل الضلال .

وقد سموا (أهل السنة) لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم , وسموا بالجماعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " فقيل له : ما الواحدة ؟ قال : ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره , وفي إحدى روايات الحديث : ( هم الجماعة ) .

ولأنهم جماعة الإسلام الذي اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، وتابعوا منهج أئمة الحق ولم يخرجوا عليه في أي أمر من أمور العقيدة , وهم أهل الأثر أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية . (1)

ويقول الدكتور ناصر الشيخ معرفا بهم فى نص جامع : ( أهل السنة هم المتمسكون بما جاء فى الكتاب والسنة ، والتزموا بما فيهما قولاً وعملاً ، وكان معتقدهم موافقاً لما جاء فيهما ، وموافقاً لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، والتابعين لهم بإحسان ، وأتباعهم من أئمة الدين ممن شهد لهم بالإمامة ، وعرف عظم شأنهم فى الدين ، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف , دون من رمى ببدعة ، أو شهر بلقب غير مرضى ، كالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والمعتزلة والكرامية ونحو هؤلاء . (2)

أبرز الشخصيات:

شخصيات أهل السنة والجماعة كثيرة لا يمكن حصرها, فهم الأصل والمعبرعن الدين الإسلامي الذي أوحى الله تعالى به إلى خاتم الرسل والأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم , ويمكن القول بأن الصحابة الكرام والتابعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , هم شخصيات أهل السنة والجماعة .

ولا يمكن حصر أتباع أهل السنة والجماعة بطبيعة الحال بأهل الحديث وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل – وإن كان من أبرز علماء أهل السنة والجماعة – فهم أوسع من ذلك وأكثر , كما جاء فى كتاب (الفرق بين الفرق) للإمام عبد القادر البغدادى: فعلماء التوحيد والفقه والحديث والنحو والقراءات والتفسير والمجاهدون فى سبيل الله، الذين يحمون حمى المسلمين، ويذبون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون فى ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة, وعامة البلدان الذين اعتقدوا تصويب علماء السنة، ورجعوا إليهم فى معالم دينهم، وقلدوهم فى فروع الحلال والحرام ، ولم يعتقدوا شيئاً من بدع أهل الأهواء الضالة, ولعل أشهرهم مؤخرا شيخ الاسلام ابن تيمية و ابن القيم .

فهؤلاء جميعا أصناف أهل السنة والجماعة ، ومجموعهم أصحاب الدين القويم، والصراط المستقيم , الذين لم يخلط كل صنف منهم علمه بشئ من بدع أهل الأهواء الضالة ، ومن مال منهم إلى شئ من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ، ولا كان لقوله حجية فى عمله . (3)

أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:

تستند عقيدة أهل السنة والجماعة لأصول وثوابت , تستقي منها العقيدة والشريعة , وتعود إليها في معرفة الحلال من الحرام , والصحيح من الفاسد , وهذه الأصول تتركز في :

1- كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح .

2- المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص التي تبينها ، وفهم السلف الصالح ومن سار على منهجهم .

3- أصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم , فليس لأحد تحت أي ستار، أن يحدث شيئًا في الدين زاعمًا أنه منه .

4- التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا , فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشف مزعوم ولا قول شيخ موهوم ولا إمام ولا غير ذلك .

5- العقل الصريح موافق للنقل الصحيح , ولا تعارض قطعيا بينهما , وعند توهم التعارض يقدم النقل على العقل .

6- لا بد من الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية .

7- العصمة ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة ، أما آحادها فلا عصمة لأحد منهم ، والمرجع عند الخلاف يكون للكتاب والسنة , مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة .

8- يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، ولا ترد البدعة ببدعة , ولا يقابل الغلو بالتفريط ولا العكس .

9- كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .

أركان الإيمان وتوابعها عند أهل السنة والجماعة

1- الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له , توحيدا يتطابق مع توحيد السلف الصالح , الذين أثبتوا ما أثبته الله تعالى لنفسه , أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تكييف ؛ ونفوا ما نفاه الله تعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، كما قال تعالى : (ليس كمِثْلِه شيءٌ وهو السميع البصير) الشورى/11 , مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص وما دلّت عليه .

2- الله تعالى واحد أحد ، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وهو رب العالمين ، المستحق وحده لجميع أنواع العبادة , وصرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والاستعانة والنذر والذبح والتوكل والخوفوالرجاء والحبّ ونحوها لغير الله تعالى شرك أكبر، أيًّا كان المقصود بذلك ملكًا مقربا أو نبيًّا مرسلاً أو عبدًا صالحًا أو غيرهم .

3- الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً، وأما تفصيلاً فبما صحّ به الدّليل من أسمائهم وصفاتهم ، وأعمالهم بحسب علم المكلف .

4- الإيمان بالكتب المنزلة جميعها ، وأن القرآن الكريم أفضلها وناسخها ، وأن ما قبله طرأ عليه التحريف ، وأنه لذلك يجب إتباعه دون ما سبقه .

5- الإيمان بأنبياء الله ورسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر ، ومن زعم غير ذلك فقد كفر .

6- الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَر .

7- الإيمان باليوم الآخر ، وكل ما صح فيه من الأخبار ، وبما يتقدمه من العلامات والأشراط .

8- الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، وذلك : بالإيمان بأن الله تعالى علم ما يكون قبل أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فلا يكون إلا ما يشاء ، والله تعالى على كل شيء قدير وهو خالق كل شيء، فعال لما يريد .

9- الإيمان بما صحّ الدليل عليه من الغيبيات ، كالعرش والكرسي والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه والصراط والميزان ، وغيرها دون تأويل شيء من ذلك .

10 - لا يعلم الغيب إلا الله وحده ، واعتقاد أنّ أحدًا غير الله يعلم الغيب كُفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلع بعض رسله على شيء من الغيب , و اعتقاد صدق المنجمين والكهان كفر ، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة .

أهم القواعد العقائدية عند أهل السنة والجماعة

1- تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة , وشريعة تلزم العامة دون الخاصة وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل ؛ بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها ، فهو إما كفر و إما ضلال بحسب درجته .

2- التوسل عند أهل السنة والجماعة ثلاثة أنواع :

مشروع وهو التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته أو بعمل صالح من المتوسل ... و بدعي وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع ، كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين، أو جاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك .

و شركي وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك .

3- الوسائل لها حكم المقاصد ، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدّها ، فإن كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة .

4- أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع :

مشروع وهو زيارة القبورلتذكّر الآخرة ، وللسلام على أهلها والدعاء لهم .

و بدعي يُنافي كمال التوحيد ، وهو وسيلة من وسائل الشرك ، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها أو إهداء الثواب عندها والبناء عليها وتجصيصها وإسراجها واتخاذها مساجد وشدّ الرّحال إليها ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه ، أو مما لا أصل له في الشرع

وشركيّ ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر، كدعائه من دون الله والاستعانة والاستغاثة به والطواف والذبح والنذر له ونحو ذلك .

5- الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، فهو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح , فقول القلب اعتقاده وتصديقه وقول اللسان إقراره وعمل القلب تسليمه وإخلاصه وإذعانه وحبه وإرادته للأعمال الصالحة

وعمل الجوارح فعل المأمورات ، وترك المنهيات .

6- مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان ، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذِّب منهم بالنار من عذب ، ولا يخلد أحد منهم فيها قط .

7- الكفر من الألفاظ الشرعية وهو قسمان :

أكبر مخرج من الملة وأصغر غير مخرج من الملة ويسمى أحيانًا بالكفر العملي , و التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك ، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعيَّن , إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم ، ومراجعة العلماء الثقات في ذلك .

هذه هي أهم الأركان والأسس والقواعد المتعلقة بعقيدة أهل السنة والجماعة , ومن أراد الزيادة والاستزادة , فتفاصيلها أكبر من أن يشملها أو يحيط بها هذا التقرير .

عقيدة أهل السنة والجماعة تتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله تعالى عليها الناس , عقيدة سهلة واضحة , لا غموض فيها ولا تعقيد , يفهمها الصغير والكبير والعالم والمتعلم , مما جعلها العقيدة الأكثر انتشارا في العالم كله .

كما أن جميع نصوص العقيدة الإسلامية من القرآن والسنة , تتوافق توافقا تاما مع العقل , فلا خلاف بين النقل والعقل في الإسلام , مما يجعل المسلم واضحا شفافا في الإفصاح عن عقيدته ودينه , لا يخفي شيئا لأنه لا يخشى في دينه وعقيدته من شيء , فلا سرية ولا باطنية ولا خصوصيات ولا امتيازات لأحد في هذه العقيدة , فالكل فيها سواء ولا استثناء , بخلاف تلك الفرق الضالة والعقائد الفاسدة الباطلة , التي تكثر فيها الامتيازات للأشخاص التي تصل إلى التأليه وادعاء النبوة – والعياذ بالله - , كما تكثر فيها السرية والباطنية , لمخالفة الكثير من أفكارها وعقائدها لأبسط قواعد العقل البشري .

فاحمد الله تعالى أيها القارئ الكريم على نعمة الانتساب إلى هذه الطائفة والجماعة , واحرص على التمسك بها والعض عليها بالنواجذ , كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) (4)

ــــــــــــ

الفهارس

(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/1

(2) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 1/29

(3) الفرق بين الفرق للإمام عبد القادر البغدادى 276 – 279

(4) المستدرك على الصحيحين للحاكم 1/174 برقم 329 .



للاستزادة انظر في : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري , ودرء تعارض العقل والنقل، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية, وأهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى لـمحمد عبد الهادي المصري.