ابـدأ دائمًـــا بأسهــل الحلــول
قد تعتَريك مشكلةٌ في البيت مع أسرتك أو جيرانك أو عمَلك، أو صفة سلبيَّة في ذاتك تحاول التغلُّب عليها، أو عادة ترى أنَّها غير مناسبة، بل قد تكون المشكلة في أمْر من شؤون المنزل، سواء في كهرباء البيت، أم في صنابير المياه التي لا تتوقَّف، وغير ذلك.ومتى ما واجَهك شيء من ذلك، فابدأ دائمًا بالحل الأسهل؛ فقد يُغنيك عن حلول تكلِّفك مالاً وجُهدًا ووقتًا ولا تؤدِّي نتيجة، ثم ترى أن الحلَّ كان أسهل مما تتصوَّر، وأن تلك الأشياء الكبيرة التي فعلتَها لا داعي لها؛ مما قد يضطرُّك إلى التأسف والتحسر!
أعرف أنك تقول: وما شأن هذا بالسعادة؟!
أقول لك بصدق: إن كل مشكلة تتغلَّب عليها بالحلول المناسبة، ويتمُّ القضاء عليها، فإنَّ ذلك يُضيف إلى نفسك تعزيزًا ودافعيَّة ونوعًا من الإيجابية قد تلحَظه في نشاطك.
إن مشكلتنا الكبرى يقِيننا بأننا مهزومون في أنفسنا، فلا نرى أنَّنا نَصلُح لأي شيء، أو نستطيع إصلاح أي شيء، ومن لم يكن من هذا الصِّنف، فقد تَجده ممن يتبجَّح بما لم يفعَل، وهذا وإن خادَع الناس، فإنه في قرارة نفسه يرى ما يراه الصِّنف السابق.
كما أن نجاحك في حل مشكلة ما، سوف يدفَعك إلى إيجاد حلٍّ لكل ما يَعتريك أو يعتَرِض طريقك، أو ما يقعُ في حياتك اليومية، ولن تهتمَّ وتغتمَّ حين تواجِهك بعض المشكلات؛ لأن تلك الرياح قد لاقت إعصارًا.
فابدأ دائمًا بالحلول السَّهلة.
لذلك أذكر لك:
واجَه روَّاد الفضاء الأمريكيون صعوبة في الكتابة؛ نظرًا لانعدام الجاذبية وعدم نزول الحبر إلى رأس القلم! وللتغلُّب على هذه المشكلة أنفَقت وكالة الفضاء الأمريكية ملايين الدولارات على بحوث استغرَقت عدَّة سنوات، وفي النهاية أنتجَت قلمًا ذا مواصفات خاصة بتكلفة عالية جدًّا، وفي المقابل تَمكَّن العلماء الرُّوس من التغلُّب على المشكلة بلا نفقاتٍ ولا تأخير، باستخدام قلم الرصاص.
وأذكر لك أيضًا:
تلقَّى مصنع صابون ياباني شكوى من عملائه بأن بعض العبوات خالية.
اقترَح مهندسو المصنع تصميم جهاز يعمَل بأشعة الليزر؛ لاكتشاف العبوات الخالية خلال مرورها على سَير التعبئة، ثم سحْبها آليًّا من سير التعبئة، ومع أن الحل كان مناسبًا إلا أنه مكلِّف ومُعقَّد، وفي المقابل ابتكَر أحد عمال التغليف فكرة بسيطة وغير مكلِّفة، وذلك بأن توضَع مروحة كبيرة بدلاً من جهاز الليزر؛ بحيث يوجَّه هواؤها إلى السير فتقوم بإسقاط العبوات الفارغة قبل وصولها إلى التخزين.
وأذكر لك أيضًا:
كان أحد السجناء في عصر الملك (لويس الرابع عشر) محكومًا عليه بالإعدام ومسجونًا في سجن القلعة، هذا السجين لم يتبقَّ على موعد إعدامه سوى ليلة واحدة.
وقد عُرف عن (لويس الرابع عشر) ابتكاره لحيل وتصرُّفات غريبة.
وفي تلك الليلة فوجِئ السجين بالملِك - الذي اشتَهر عنه أنه صاحب مِزاج غريب - يدخل عليه مع حرَسه، ويقول له:
سأمنحك فرصةً إن نجحت في استغلالها، فسوف تنجو من الإعدام.
تعجَّب السجين وردَّ متحفِّزًا: كيف؟
قال له الملك: هناك مخرج في سجنك إن استطعتَ الوصول إليه، فاخرُج منه، وسوف أسقِط حكْم الإعدام عنك، وإن لم تتمكَّن، فإن الحراس سيأتون غدًا مع شروق الشمس لتنفيذ حُكم الإعدام.
غادَر الملك وحراسه الزنزانة بعد أن فكُّوا عنه القيود والسلاسل المكبَّل بها.
هبَّ السجين بعد خروجهم مباشرة محاولاً البحث عن هذا المخرج، بدأ يفتِّش في زنزانته، ولاح له الأمل عندما اكتَشف غطاءً وضِع على فتحة كانت مغطَّاة بسجادة بالية على الأرض، وما أن فتَحها حتى وجدها تؤدِّي إلى سُلم ينزل إلى سرداب سفلي، ويَليه درَج آخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يُحِس بتسلُّل نسيم الهواء الخارجي؛ مما بثَّ في نفْسه الأمل بالنجاة، وبعد جُهْد جهيد وجَد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق والأرض لا يكاد يراها.
عاد أدراجه حزينًا منهَكًا، ولكنه واثق أن الملك لا يخدعه، وبينما هو ملقًى على الأرض مهمومًا ومنهكًا ضربتْ قدمُه الحائطَ، وإذا به يحِس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزَح، فقفز فرحًا، بدأ يختبِر الحجر، فوجد أنَّ بالإمكان تحريكه، وما أن أزاحَه حتى وجد سردابًا ضيقًا لا يكاد يتَّسِع للزَّحف، فبدأ يزحَف محاولاً الوصول إلى أي مَخرَج للنجاة، وكلما استمرَّ بالزحف، بدأ يسمع صوت خرير المياه، ولعِلمه أن القلعة تُطلُّ على نهر بدأ يحِسُّ بالأمل يُنير طريقه، ولكنه في النهاية فوجئ بوجود نافِذة مُغلَقة بالحديد تُمكِّنه من أن يرى النهر من خلالها فقط، ولا يستطيع من خلالها الوصول إليه، فعاد يختبِر كل حجر وبقعة في السجن؛ ربما كان فيه مفتاح حجر آخر، لكن كل محاولاته ضاعت سدًى، والليل يَمضي.
واستمرَّ يحاول، ويفتش، وفي كل مرة يترَاءى له فرجٌ قريب، وفي كل مرة ينتَهي إلى نافذة حديدية، ومرة إلى سرداب طويل ذي تعرجات لا نهاية لها؛ ليجد السرداب قد أعادَه لنفْس الزنزانة.
وهكذا ظلَّ طَوال الليل يلهَث في محاولات، وبوادر أمل تَلوح له مرة من هنا، ومرة من هناك، وكلها توحي لها بادي الأمر أنَّ الفرج قريب، لكن محاولاته كلها في النهاية تبُوء بالفشل.
وأخيرًا انقضَت ليلة السجين كلها دون أن يتوصَّل للمخرَج. ولاحت له الشمس من خلال النافذة، ووجد وجه الملك يُطِل عليه من الباب ويقول له: أراك ما زلت هنا!
قال السجين: كنت أتوقَّع أنك صادق معي أيها الملك، قال له: لقد كنتُ صادقًا، سأله السجين: لم أترُك بقعة في الجناح لم أحاول فيها، فأين المخرَج الذي قلتَ لي؟!
قال له الملك: لقد كان المخرج هو بابَ الزنزانة؛ حيث إنه كان مفتوحًا ولم يُقفَل!
وأذكر لك أخيرًا:
مرَّت طفلة صغيرة مع أمها على شاحنة قد علِقت في أحد الأنفاق؛ حيث كانت تَحمل حمولة لامَست سقف النَّفق، ورجال الشرطة حولها عاجزون عن إخراجها (من النفق) بعد أن جرَّبوا عشرات الطُّرق والوسائل لحل تلك المشكلة العويصة، قالت الطفلة لأمها: أنا أعرِف كيف تخرج الشاحنة من النفق دون أن يتكسَّر الزجاج! لم تُلقِ لها الأم بالاً وأجابت ابنتها: هل يُعقَل أن كل رجال الإطفاء ورجال الشرطة غير قادرين على إيجاد الحل وأنت قادرة؟!
ولم تُكلِّف نفْسها سماع فكرة طفلتها، تقدَّمت الطفلة لضابط المطافئ وقالت له: سيدي، أفرِغوا الهواء من عجلات الشاحنة وسوف تمرُّ، وبالفعل أفرَغ بعض رجال الإطفاء الهواء في تلك العجلات، فمرَّت الشاحنة وانحلَّت المشكلة.
اعداد: أ. محمد بن سعد الفصام