15-09-2013 | د . أحمد بن عبد الله آل سرور الغامدي
فإن لله تعالى سنن ثابتة في هذا الكون ومن هذه السنن زوال الباطل وزهوقه، واندحار الظلم وزواله ولو بعد حين
يقول الأخ السائل:هل لكم أن تبينوا باختصار أسباب سقوط الشيوعية الماركسية؟
---
الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور، ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) . سورة الأنعام (1).
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم لقاه، أما بعد :
فإن لله تعالى سنن ثابتة في هذا الكون ومن هذه السنن زوال الباطل وزهوقه، واندحار الظلم وزواله ولو بعد حين . ومن الأمور التي وقعت في سنوات مرت، سقوط الفكر الشيوعي الماركسي، وانهيار دولة الاتحاد السوفيتي التي قامت على هذا الفكر بعد تفجير الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917م.
ولا ريبَ أن الله تعالى جعل لكل شيء قدراً ولكل أمر سبباً، وقد وجدت أسباب سقوط هذا الفكر فحقت عليه السنة الإلهية، وما هي من الظالمين ببعيد .
ويمكن تقسيم أسباب سقوط الفكر الشيوعي الماركسي إلى قسمين :
القسم الأول : الأسباب الداخلية ومن أهمها :
-مصادمة الشيوعية الماركسية للفطرة الإنسانية ( فطرية التدين، فطرية التملك، فطرية الزواج والحياة الأسرية، فطرية التجمع والانتماء ) .
إن من أعظم الأسباب التي أدت لسقوط الفكر الشيوعي الماركسي مصادمته للأمور الفطرية التي تنزع إليها النفس البشرية، ومن أعظم هذه الأمور فطرية التدين، وكما هو معلوم فإن كل مولود يولد على الفطرة، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة...) متفق عليه. وهذه الفطرة هي الإسلام، فكانت مصادمة هذه الفطرة بالأفكار الإلحادية التي حملها الفكر الماركسي أقوى الأسباب في سقوطه وزواله، كيف لا، والله تبارك وتعالى أخبر عن هذه الفطرة بقوله : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . سورة الروم (30).
ومن ذلك : فطرية التملك، فالإنسان بفطرته ينزع إلى حب التملك، ولا حرج في ذلك، فإن الإسلام يقر الملكية الفردية، بالشروط والضوابط في الاكتساب والإنفاق، بينما الفكر الشيوعي الماركسي قام على محاربتها، وعدها سبب الشرور والظلم والفساد في المجتمع الإنساني، فكان هذا العداء لهذه الفطرة أحد العوامل القوية في انهيار الفكر الشيوعي الماركسي وسقوطه .
ومن ذلك : فطرية الزواج والحياة الأسرية، إن كل أحد من الناس يسعى بفطرته لأن يكون له استقلال بأولاده وأسرته، إلا أن الشيوعية قامت بمحاربة ذلك، وذهبت إلى القول بالمشاعية بين الناس، وقالت إن هذه الاستقلال عدو لانتشار الأفكار الشيوعية الماركسية .
ومن ذلك : فطرية التجمع والانتماء، فالإنسان كما قيل مدني بطبعه، ويميل إلى محبة موطنه ومسقط رأسه، إلا أن الشيوعية طالبت أتباعها في كل مكان بالتخلي عن هذه النزعة، واستبدالها بالأممية وقالت : يا عمال العالم اتحدوا، وقد فشل السوفييت كثيراً في القضاء على هذه النزعة باعتراف لينين بإفلاس الأممية .
والمقصود أن مصادمة الفكر الشيوعي الماركسي للفطرة البشرية وخاصة فطرية التدين أثر كبير في سقوطها .

- ومن الأسباب الداخلية أيضا : القضاء على الحريات. مثل : الحرية الشخصية، الحرية الدينية، الحرية الفكرية، حرية التعلم والتعليم ، الحرية السياسية، حرية العمل، حرية التنقل .
من المسلّم به أن الإنسان بطبعه يميل إلى أن يكون حراً في حياته الخاصة والعامة، وهذه الحرية حرية مقيدة لها حدود تقف عندها بما يصلح حال الفرد والجماعة.
وبالنظر في مبادئ الماركسية وما تزعمه من إزالة الظلم والاضطهاد وتحقيق الحرية للطبقة العاملة، فإن النظام السوفييتي الذي قام على هذه المبادئ كان نظاماً دكتاتورياً، فرض نفسه بالقوة والتعسف، بعد أن سلب الناس كآفة حرياتهم، وسكت الناس عن هذا الاضطهاد والظلم فترة من الزمن خوفاً على حياتهم، ثم كما هي السنة وقفت الشعوب في وجه الطغيان والاضطهاد، مطالبة بحريتها، ومنحها حقوقها، وقد استجاب القادة السوفييت على مضض لمنح الشعب بعض حقوقه، إلى أن أعلن قورباتشوف سياسته الجديدة التي كشفت حقيقة هذه المبادئ الجائرة، وأنها غير صالحة للتطبيق، لما تحمله من اضطهاد ومحاربة للحرية .
ومن الأسباب الداخلية أيضا: فشل النظام الاقتصادي الشيوعي.
اهتمت الشيوعية الماركسية كثيرا بمسالة الاقتصاد، وزعمت أنها تريد إرجاع الحقوق لأصحابها من العمال المضطهدين، من قبل الإقطاعيين والرأسماليين، ووعدت بمجتمع خال من الطبقات، واهتم ماركس بمسألة الاقتصاد وجاء ببعض النظريات مثل نظرية القيمة وفائض القيمة، ليثبت الاستغلال من قبل الرأسمالي لطبقة العمال، ودون الدخول في تفصيلات للنظام الاقتصادي الشيوعي فإن ماركس فسر الأحداث التاريخية تفسيرا اقتصاديا، وجعل علاقات الإنتاج هي التي تشكل المجتمع البشري، وقد أسرف في الاعتماد على العامل الاقتصادي ونسي ما عداه من عوامل، فظهر فشل هذا النظام في كثرة التناقض بين نظرياته الاقتصادية وواقعه التطبيقي لهذه النظريات، وإذا كان الاقتصاد واستقراره من عوامل نهوض البلاد واستقرار الشعوب، فإن فشل الاقتصاد وترديه من أسباب وعوامل سقوط الدول وزوال الأنظمة .
ومن الأسباب الداخلية أيضا : فساد تنبؤات الماركسية وبطلان نظرياتها .
وذلك أن الماركسية قامت على مجموعة من التنبؤات إلا أن الواقع أبطلها وكشف زيفها، ولا ريب أن هذا من العوامل التي أدت لسقوط هذا الفكر، فإن الشيوعية الماركسية تزعم أنها لا تؤمن إلا بالمحسوس والمشاهد، وكان الواقع والمشاهد يدل على بطلان نظرياتها، وفساد تنبؤاتها، فقام الدليل نفسه ببيان زيف أفكارها، فالأدلة الشرعية، والبراهين العلمية، تبطل الأفكار والنظريات الماركسية، ويظهر ذلك في بطلان قوانين المادة، و " المادية الديالكتيكية " و " المادية التاريخية " ولا ريب أن هذا من العوامل التي كشفت زيف هذا الفكر وبطلانه، وأنه مجرد أوهام وأحلام كان قادة الفكر الشيوعي يحاولون تطبيقها بالقوة على المجتمع السوفييتي .
ومن أسباب سقوط الشيوعية الماركسية أيضا : مصادمتها للواقع والتغيير في مبادئها، حيث وقع التراجع والتغيير في أفكارها منذ قيامها؛ لأنها اصطدمت بالواقع، ولا غرابة في ذلك فإن هذا الواقع يعيش فيه الناس، وهم يبحثون عن مصالحهم، وما يوافق فطرهم في الغالب، وإن كانت هذه الفطرة قد تنحرف إلى درجة الكفر، ومن تأمل الواقع السياسي للاتحاد السوفييتي سابقاً، يدرك التراجع والتغيير الذي وقع في الأفكار الماركسية منذ بدأ لينين بحكم البلاد، ومن بعده ستالين، وهو من أكثر الناس دكتاتورية في العالم، ومع ذلك وقع التراجع والتغيير رغم هذه التسلط، وذلك لأن الواقع يصادم هذه الأفكار الطوباوية التي كان يحلم بها ماركس ورفيقه، وهكذا كان حال بقية الرؤساء السوفييت فخروشوف، وصل الأمر في زمنه إلى بداية التصالح والوفاق مع مبدأ من أخطر المبادئ على الفكر الشيوعي كما يقولون، ألا وهو الفكر الرأسمالي، ثم استمر هذا التراجع والتغيير زمن بريجنيف. و اندروبوف. و تشرنينكو. إلى أن جاء غورباتشوف، وكانت سياسة إعادة البناء التي أطلقها المرحلة الأخيرة من الانعتاق من جور هذا النظام، أو قل على أقل تقدير الإعلان الصريح في أن هذه الأفكار لا يمكن تطبيقها، وإرغام الناس عليها، وبهذا يظهر أن الأسباب الداخلية كانت تنخر في هذا البناء الهش، فإن ما بني على الفاسد فاسد .
أما القسم الثاني من الأسباب فهو الأسباب الخارجية وأبرزها ثلاثة وهي :
الحرب الباردة وكانت من أسباب انهيار الفكر الماركسي وذلك لكثرة ما أنفق عليها من قبل السوفييت، في وقت كانت شعوبه تعاني من الفقر وانعدام مقومات الحياة اليومية، ولا يعزب عن البال أن هذا الأمر لا يدخل فيه أعضاء الحزب الشيوعي.
وهذا أمر غريب ولكنه يصح في قاموس الفكر الماركسي، فالشعب أو السواد الأعظم منه لا يجد قوت يومه، والحزب الشيوعي منغمس في صنوف الملذات، وخزائن الاقتصاد تصرف على سباق التسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ريب أن هذا خلف كثيرا من الآثار الاقتصادية، ومن ثمّ كان عاملاً من العوامل التي أدت لسقوط هذا الفكر والنظام القائم عليه.
ومن الأسباب الخارجية : الوفاق الدولي.
إذا تقرر أن الشيوعية الماركسية اصطدمت بالواقع الذي لم يتقبل مبادئها، فإن هذا أرغم الزعماء السوفييت إلى إجراء الكثير من التغيير والتراجع عن المبادئ الماركسية، وقل إن شئت العدول عن تطبيق هذه المبادئ لتصادمها مع الفطرة، ومصادرتها للحرية، ومخالفتها للواقع .
وهذا أجبر بعض القادة - خاصة بعد تيقنهم من فساد المبادئ الماركسية، وعجزهم عن الاستمرار في فرضها بالقوة - على التغيير في سياستهم الخارجية أيضا، فمدوا أيديهم للدول الغربية، فجاءت الدعوة بسياسة الانفتاح على الغرب، أو الدعوة للتعايش السلمي، وحصل ما يُعرف بسياسة الانفراج - وبعيداً في هذه العجالة عن دور اليهود في إسقاط الشيوعية لاستبدالها بغيرها، على طريقة التلون والخداع كما هي عادة اليهود، وكما يشهد به الواقع السياسي اليوم خاصة في البلاد العربية والإسلامية – فإن من ضمن الشروط للموافقة على هذه المصالحة والانفراج بين القطبين حينها تخلي القادة السوفييت عن المبادئ الشيوعية الماركسية، وبالفعل وقع هذا التنازل مع العالم الخارجي، وكان هذا أحد الأسباب المساعدة في انهيار هذا الفكر وسقوط الدولة الدكتاتورية . ولا ريب أن الوفاق كان له العديد من الأهداف، وكذلك الآثار التي كان من ضمنها تنازل الاتحاد السوفييتي آنذاك عن كثير من مبادئه.
ومن الأسباب الخارجية لسقوط الشيوعية الجهاد الأفغاني.
إن من المسلّمات أن الجهاد في سبيل الله تعالى من أسباب قوة أمة الإسلام وتمكينها، وهو ماض فيها إلى قيام الساعة، والمتأمل في النصوص الشرعية يدرك أهمية الجهاد والحث عليه، سواء بالمال أو النفس، كيف لا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه : " ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعموده، وذروة سنامه " ؟ قلت بلى يا رسول الله ! قال: " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد " . أخرجه الترمذي – وغيره - وقال هذا حديث حسن صحيح. فالتمسك بالدين، والأخذ بالكتاب والسنة، والسير على نهج سلف الأمة، والجهاد ضد أعداء الدين من كل ملة ونحلة، عز هذه الأمة، ومصدر علوها على أعدائها، ولذلك تجد لفظة الجهاد يهابها الأعداء، فهي تقض مضاجعهم، وتؤرق قادتهم، والجهاد الأفغاني – خاصة في بداية أمره – دليل على ذلك، فأصبح الأعداء في ذلة بسببه، وضعف من أثره، رغم عَددهم وعُددهم، فكان لهذا الجهاد أثر كبير في التعجيل بسقوط الفكر الشيوعي ودولة الاتحاد السوفييتي، فقد مني السوفييت بخسائر كبيرة سواء فكرية أم سياسية، أم اقتصادية.
فهذا إجمال لأهم الأسباب التي أدت لسقوط الفكر الشيوعي الماركسي، وهذه سنة لله تعالى في سقوط الأنظمة الظالمة وزوالها، واندحار الأفكار الفاسدة وذهاب ريحها.

وكتبه : الدكتور أحمد بن عبد الله آل سرور الغامدي .