لقد ضجّتِ الأقلامُ تبكيْ معَ الحِبرِ *** وأمست دموعُ العلمِ في خدّهِ تجري
وأعلنت الكتْبُ الحدادَ لفقده *** وزُلْزِلَ أهل العلم والفقه والذكرِ
وأكبادُ طلابِ العلومِ تقرحت *** وليس لمن يدريْ ولم يبكِ من عذرِ
لقد مات حبر من أئمة ديننا *** وذلك ثلمٌ لا يسدُّ إلى الحشرِ
لقد مات بكرٌ ما أشدّ مصابنا *** بفقد إمامٍ من أئمة ذا العصرِ
وليس بنزع العلم يحصل قبضه *** ولكن بموت العالمين أولي الذكرِ
لقد غاب بدر ساطع عن سمائنا *** وفي الليلة الظلماء يُحتاج للبدرِ
لقد كان كالنجم المضيء هدايةً *** ورجماً شياطينَ الرذيلة والعهرِ
فلو كان في مَلكي لأهديتُ راضياً *** بغبطةٍ المكتوبَ في الغيب من عمري
أياربّ فاجعله بخلدٍ مخلداً *** مع الرسْل أهلِ العزمِ في جنة البَرِّ
لئن مات ما ماتت جواهر علمه *** فتصنيفه في العلم باق مدى الدهرِ
وقد فاق تصنيف الإمام بحسنه *** فكان كياقوت وعقد من الدرِ
فقد أبدع الشيخ الجليل نظائرا *** وضمنها من رائع العلم والفكرِ
وزين طلاب العلوم بحليةٍ *** وصحح للداعين ماكان من نُكرِ
وأتحف فقه الحنبلي بمدخلٍ *** بتفصيله قد صار من أعظم الذُّخرِ
وقرب علماً قد قصى عن مريده *** بتقريبه علمَ ابنِ قيمٍ الحبرِ
وحرر فقهاً للنوازل ساطعاً *** وبين ما حق المؤلف في السِّفرِ
وأظهر تغريباً بألقاب عصرنا *** وأردى بأرباب التعالم للقبرِ
وكان على حصن الفضيلة حارساً *** فلوّحت الراياتُ بالفوز والنصرِ
وفر دعاة العهر يبكون خيبة *** يجرون أذيال الهزيمة والخسرِ
ومعجمه في النهي عن كل لفظة *** مذممة من قولة السوء والهُجرِ
وحذر تصنيف العباد جهالة *** وأبطل خلط الحق مع ملل الكفرِ
وفي مسجد المختار كم أمّ أمة *** ودرس نصف العلم في حلق الذكرِ
فرحماك ربي عد أحرف كتبه *** وعد رمال الأرض مع عدد القطرِ
ومهما أقُل في بكرنا في رثائه *** فإن مصاب الناس يربو على الشعرِ
وعذرا فحبري في حداد ولوعة *** وسطرت بالدمع الرثاء مع الحبرِ
عامر بن بهجت- المدينة النبوية