المقالة الأولى:
- في رياض كتاب ( تحقيق التراث العربي - منهجه وتطوره )
لـد.عبد المجيد دياب -رحمه الله -
==============================
* وقفات مع منهج التحقيق عند علمائنا الأقدمين *
(عرض وتمثيل)
- مقدمة لا بُدَّ منها:
-----------
إنَّ مما ينبغي الوقوفُ عنده حين نريدُ أنْ نتحدثَ عن منهج تحقيق النصوص = ما وقع في وهم كثيرين من روّاد التحقيق - للأسف - أنَّ المستشرقين هم واضعوا قواعدِ هذا الفنِّ الجليل!
ومما لا شكَّ فيه أنَّ هذا الكلام عارٍ عن الصحة، فإن تحقيق النصوص وفق قواعد علمية وضوابط منهجية ليس من مبتدعات عصرنا، فقد أولى علماء المسلمين الأوائل مسألة ضبط النصوص وتوثيقها عناية فائقة، وليس أدلَّ على ذلك من العناية التي أولوها للحديث الشريف حتى وضعوا في ذلك علما مستقلًا هو علم (أصول الحديث)، وقد حذا حذوهم واقتفى أثرهم علماء اللغة والشعر العربي.
والحقيقة التي لا مفرَّ منها أنه ليس بإمكان أكابر علماء المستشرقين أن يكتبوا أفضل من القواعد والضوابط التي قعَّدها وأصَّلَها علماء الحديث عمومًا والقاضي عياض- رحمه الله - خصوصًا في مجال ضبط النصوص وتوثيقها في كتابه (الإلماع) تحت عنوان (تَحَرّي الروايةِ والمجيء باللفظ).
وهذه القواعد السديدة التي وضعها واعتمدها المحدثون للتوَثُّق من صحة الحديث النبوي وضبط نصوصه، طبقها - أيضًا - أسلافنا من علماء العربية والشعر لتنقيتهما من الزيف والنحول، مع ما ظهر من تأثرهم الواضح بالمحدثين في الاهتمام بالسند وثقة الناقلين، فكانوا يمَحِّصون ما يصلهم من أشعار لتمييز صحيحها من منحولها، وطبَّقوا هذا المنهج تطبيقًا واسعًا حتى وضع ابن سلّام فيه كتابَه (طبقات فحول الشعراء).
وإنَّ هذه القواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة لضبط المروِيّات والتَّوَثُّق من صحتها تتفق في جوهرها ومضمونها مع القواعد التي وضعها علماء التحقيق المعاصرون.
وعملًا بمقولة [بالمثال يتضح المقال] فسوف نعرض عددًا من النماذج التي تؤكد ما ذكرنا من اهتمام علمائنا الأقدمين بتوثيق المنقول وضبط نصه، مع مقارنتها بقواعد التحقيق المعاصر.
----------------------------
والله الموفِّق والمستعان.
سلام عليكم، وإلى لقاء.
* اختصره وهذبه: إبراهيم قتة - عفا الله عنه -