تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 66

الموضوع: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

  1. #41

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    فائدة:
    (( ما من باب من أبواب_ كتاب التوحيد_ إلا وهو ثابت بآية أو حديث, وما وقع فيه مما تُكلم فيه, فيخرج مخرج الشواهد والمتابعات التي يستأنس بذكرها, كما هو فعل الأئمة من قبل كابراً عن كابر.
    وقد كان كتاب التوحيد شجى في حلق المبتدعة والخرافيين والمشركين, وسيبقى, فاربعوا على أنفسكم أيها الأغمار)).
    الدر النضيد تخريج كتاب التوحيد: (ص:5).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري مشاهدة المشاركة
    قوله: ( أو يدعو غيره ) معطوف على قوله: ( أن يستغيث)، فيكون المعنى: من الشرك أن يدعو غير الله، وذلك لأن الدعاء من العبادة، قال الله تعالى:{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }[غافر:60],{ عبادتي} أي: دعائي، فسمى الله الدعاء عبادة, وقال_ صلى الله عليه وسلم_:" إن الدعاء هو العبادة "([2]).
    والدعاء ينقسم إلى قسمين:
    · ما يقع عبادة، وهذا صرفه لغير الله شرك، وهو المقرون بالرهبة والرغبة، والحب، والتضرع.
    · ما لا يقع عبادة، فهذا
    لا يجوز أن يوجه إلى المخلوق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم :"من دعاكم فأجيبوه" ([3]). وقال:" إذا دعاك فأجبه"([4]).

    أليس الصواب :

    ما لا يقع عبادة ؛ فهذا يجوز أن يوجه إلى المخلوق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من دعاكم فأجبيوه )،وقال : ( إذا دعاك فأجبه ) ، وعلى هذا ؛ فمراد المؤلف بقوله : ( أو يدعو غيره ) دعاء العبادة أو دعاء المسألة فيما لا يمكن للمسئول إجابته .
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد


    فائدة :

    (( فقد كان للمشركين شيء من توحيد الألوهية حيث كانوا يحجون ويعتمرون ، وكانوا يتقربون إلى الله ببعض أنواع العبادات ، ولكنهم يشركون في الأنواع الأخرى كالذبح والنذر والدعاء والاستغاثة وغير ذلك ، فلا فرق بين هذا الذي أتى ببعض توحيد الألوهية وبين الذي جحده كله ، فلا تفريق بينهما في الحكم ، لأن الدين كله لله عز وجل ، ولا يصلح الدين إلا أن يكون كله خالصا لله ، قال تعالى : { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } . ))



    الشيخ صالح الفوزان شرح كتاب العبودية لآبن تيمية رحمه الله ص 36

    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #44

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    أليس الصواب :

    ما لا يقع عبادة ؛ فهذا يجوز أن يوجه إلى المخلوق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من دعاكم فأجبيوه )،وقال : ( إذا دعاك فأجبه ) ، وعلى هذا ؛ فمراد المؤلف بقوله : ( أو يدعو غيره ) دعاء العبادة أو دعاء المسألة فيما لا يمكن للمسئول إجابته .
    نعم بارك الله فيك الصواب ما ذكرتيه.
    وهذه الـ( لا ) زائدة.
    جزاك الله خيرا.
    تم التصحيح عندي.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    واصلوا وصلكم الله بهداه
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  7. #47

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    واصلوا وصلكم الله بهداه
    بارك الله فيك أختي وزادك الله حرصا.
    الله يعلم بظروفنا.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    نسأل الله أن ييسر أموركم ويبصركم في أمور دينكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  9. #49

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    نسأل الله أن ييسر أموركم ويبصركم في أمور دينكم
    اللهم آمين.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  10. #50

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (14)

    باب

    قول الله تعالى:{أَيُشْرِك ُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }

    وقول الله تعالى:{وَالَّذِي نَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر:14].
    وفي الصحيح(
    [1]) عن أنس_ رضي الله عنه – قال:" شج النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم". فنزلت:{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران:128].

    وفيه عن ابن عمر_ رضي الله عنهما – أنه:" سمع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر:اللهم العن فلانا وفلانا بعدما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ". فأنزل الله { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ }(
    [2]).
    وفي رواية:" يدعو على صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، فنزلت:{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ }(
    [3]).
    وفيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال:" قام رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حين أنزل عليه:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } فقال: يا معشر قريش_ أو كلمة نحوها_ اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، و يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا"(
    [4]).

    الشرح:
    في هذه الآية توبيخ وتعنيف للمشركين في عبادتهم مع الله تعالى ما لا يخلق شيئا وهو مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكا للخالق في العبادة التي خلقهم لها، وبيّن أنهم لا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون، فكيف يشركون به من لا يستطيع نصر عابديه ولا نصر نفسه؟
    وهذا برهان ظاهر على بطلان ما كانوا يعبدونه من دون الله، وهذا وصف كل مخلوق، حتى الملائكة والأنبياء والصالحين, وأشرف الخلق محمد_ صلى الله عليه وسلم_, قد كان يستنصر ربه على المشركين ويقول:" اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل "(
    [5]).

    وَإِيرَادُ هَذَا الْبَابِ بعد الأبواب المتقدمة هو من أحسن الإيراد، ومن أعظمها فقها ورسوخا في العلم ؛ ذلك أن برهان وجوب توحيد الله _ جل وعلا_ في إلهيته هو: ما ركز في الفطر من أنه_ جل وعلا_ واحد في ربوبيته ، وقد أقر بهذا، وسلم به المشركون, بل كل أحد على الإقرار بهذا والاعتراف به؛ فهي البرهان على أن المستحق للعبادة هو: من توحد في الربوبية فهذا الباب، والباب الذي بعده أيضا: برهان لاستحقاق الله العبادة وحده دون ما سواه بدليل فطري، ودليل واقعي، ودليل عقلي.

    فهذا الباب ذكر فيه الشيخ_ رحمه الله_ أحد أنواع أدلة الربوبية أو براهين التوحيد وأنه_ جل وعلا _ هو الواحد في ربوبيته ، والباب الذي يلي هو باب قول الله تعالى:{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [ سبأ:23], وفيه دليل على عظمة الله_ جل وعلا _ في صفاته ، ففي هذا الكتاب تنويع براهين توحيد العبادة بأدلة متنوعة من القرآن_ كما سيأتي_ إن شاء الله تعالى([6]).

    وقول الله تعالى:{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ.... }.
    يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو وهي الملك، وسماع الدعاء، والقدرة على استجابته، فمتى لم توجد هذه الشروط تامة بطلت دعوته فكيف إذا عُدمت بالكلية؟ فنفى عنهم الملك بقوله:{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة، وعطاء والحسن وقتادة:" القطمير: اللفافة التي تكون على نواة التمر". فبين الله عجز هذه الأصنام، وأنها لا تصلح أن تكون معبودة من أربعة وجوه، هي:

    1_ أنها لا تخلق، ومن لا يخلق لا يستحق أن يعبد.
    2_ أنهم مخلوقون من العدم، فهم مفتقرون إلى غيرهم ابتداءً ودواماً.
    3_ أنهم لا يستطيعون نصر الداعين لهم، وقوله:{لا يستطيعون} أبلغ من قوله: لا ينصرونهم، لأنه لو قال: لا ينصرونهم، فقد يقول قائل: لكنهم يستطيعون، لكن لما قال:{لا يستطيعون لهم نصراً } كان أبلغ لظهور عجزهم.
    4_ أنهم لا يستطيعون نصر أنفسهم.

    وعليه فيُشترط في المدعُو ثلاثة شروط:
    الأول: أن يكون مالكاً لما يطلب منه, ففي قوله تعالى: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} انتفى الشرط الأول.
    الثاني: أن يكون يسمع الداعي, وفي قوله:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} انتفى الشرط الثاني.
    الثالث: أن يكون يقدر على الإجابة, وفي قوله:{وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} انتفى الشرط الثالث.
    وهذه الأمور لا تتّفق إلاّ في الله _سبحانه وتعالى_، فإنه المالك، السميع، القادر على الإجابة، أما هذه المعبودات فهي أولاً: فقيرة، ليس لها ملك, ثانياً: لا تسمع من دعاها, وثالثاً: لو سمعت فإنها لا تقدر على الإجابة إذاً بَطل دعاؤها(
    [7]).

    وقوله:{ الأمر } أي: الشأن، والمراد: شأن الخلق، فشأن الخلق إلى خالقهم، حتى النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ليس له فيهم شيء. ففي الآية خطاب للرسول_ صلى الله عليه وسلم_ وقد شج وجهه، وكسرت رباعيته، ومع ذلك ما عذره الله _سبحانه_ ,في كلمة واحدة: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟،فإذا كان الأمر كذلك، فما بالك بمن سواه؟ فليس لهم من الأمر شيء، كالأصنام، والأوثان، والأولياء، والأنبياء، فالأمر كله لله وحده، كما أنه الخالق وحده، والحمد لله الذي لم يجعل أمرنا إلى أحد سواه، لأن المخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك لغيره؟*
    ونستفيد من هذا الحديث أنه يجب الحذر من إطلاق اللسان فيما إذا رأى الإنسان مبتلى بالمعاصي، فلا نستبعد رحمة الله منه، فإن الله تعالى قد يتوب عليه, فهؤلاء الذين شجوا نبيهم لما استبعد النبي _ صلى الله عليه وسلم_ فلاحهم، قيل له:{ليس لك من الأمر شيء}.


    فهذا الباب فيه بيان أن الذي يخلق هو الله وحده ، والذي يرزق هو الله وحده ، والذي يملك هو الله وحده ، وأن غير الله - جل وعلا - ليس له نصيب من الخلق ، وليس له نصيب من الرزق ، وليس له نصيب من الإحياء ، وليس له نصيب من الإماتة ، وليس له نصيب من الأمر ، وليس له ملك حقيقي في أمر من الأمور حتى أعلى الخلق مقاما ،وهو النبي - عليه الصلاة والسلام - قال له الله جل وعلا:{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران:128], يعني: لست مالكا لشيء من الأمر ، وليس من الأمر شيء تملكه ، فـ ( اللام ) هنا لام الملك, فمن الذي يملك إذا ؟! الذي يملك هو: الله جل وعلا, فإذا كان النبي _ عليه الصلاة والسلام_ ينفى عنه ذلك الأمر فإنه منفي عمن هو دونه من باب أولى, والمتوجهون إلى أصحاب القبور أو إلى الصالحين والأولياء والأنبياء يعتقدون بأن هؤلاء المتوجه إليهم يملكون شيئا من الرزق ، أو التوسط أو الشفاعة بدون إذن الله_ جل وعلا_ ومشيئته فهذا الباب _ إذا_ هو أحد الأبواب التي فيها البرهان على استحقاق الله للعبادة وحده دون ما سواه.
    وهذه الأحاديث تدل على أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يملك شيئا من ملكوت الله وهو عليه الصلاة والسلام قد بلغ ذلك وبينه ، فمن هم دونه عليه الصلاة والسلام منفي عنه هذا الأمر من باب أولى ،فالملائكة ،والأنبياء والصالحون من أتباع الرسل وأتباعه عليه الصلاة والسلام: أولى بأن ينفى عنهم ذلك، فإذا كان كذلك بطلت كل التوجهات إلى غير الله - جل وعلا - ووجب أن يتوجه بالعبادات ، وأنواع التوجهات من: دعاء واستغاثة،واستعا ذة ، وذبح ونذر ، وغير ذلك: إلى الحق -جل وعلا - وحده دون ما سواه
    ([8]).

    قوله: ( وفيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قام رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حين أنزل عليه:{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } فقال: يا معشر قريش.........).
    فهدا الحديث اشتمل على مسائل عظيمة:
    المسألة الأولى: المبادرة إلى تنفيذ أمر الله، وأن الإنسان لا يتوانى في ذلك.
    المسألة الثانية: أن الداعية يبدأ بأقرب الناس إليه، وبأهل بيته أوّلاً.
    المسألة الثالثة: أنه لا يجوز الاعتماد على الأشخاص والأولياء والصالحين، واعتقاد أنهم يقرِّبون إلى الله، بل على الإنسان أن يعمل لنفسه، وأن يتقّي الله في نفسه، وأن يتقرّب إلى الله مباشرة، بدون واسطة أحد، لأن الله قريب مجيب.
    المسألة الرابعة:_ وهي مهمة جدًّا_: أن الانتساب إلى أهل البيت، أو القرابة من الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لا تنفع إلاّ مع العمل الصالح، أما بدون ذلك فإنها لا تنفع عن الله, والواجب أن يتنبّه المسلمون لهذه الأمور([9]).

    فيه مسائل:
    الأولى : تفسير الآيتين.
    الثانية : قصة أحد.
    الثالثة : قنوت سيد المرسلين وخلفه سادات الأولياء ، يؤمنون في الصلاة .
    الرابعة : المدعو عليهم كفار .
    الخامسة : أنهم فعلوا أشياء ما فعلها غالب الكفار ؛ منها : شجهم نبيهم وحرصهم على قتله ومنها : التمثيل بالقتلى مع أنهم بنو عمهم .
    السادسة: أنزل الله عليه في ذلك { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ }.
    السابعة: قوله { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } فتاب عليهم فآمنوا.
    الثامنة: القنوت في النوازل .
    التاسعة: تسمية المدعو عليهم في الصلاة بأسمائهم وأسماء آبائهم.
    العاشرة: لعن المعين في القنوت .
    الحادية عشرة : قصته صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }.
    الثانية عشرة : جده _صلى الله عليه وسلم_ في هذا الأمر بحيث فعل ما نسب بسببه إلى الجنون ، وكذلك لو يفعله مسلم الآن.
    الثالثة عشرة : قوله للأبعد والأقرب: « لا أغني عنكم من الله شيئا » ، حتى قال: « يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا » ؛ فإذا صرح وهو سيد المرسلين بأنه لا يغني شيئا عن سيدة نساء العالمين ، وآمن الإنسان أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق ، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اليوم ، تبين له التوحيد وغربة الدين.




    ([1]) علقه البخاري في المغازي باب (ليس لك من الأمر شيء) وأخرجه مسلم (1791) ووصله أحمد في «المسند» 3( / 99 و 178 و 206) والترمذي (2005) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
    ([2]) أخرجه البخاري (4009) و (4070) و (4559) و (7346).
    ([3]) أخرجه البخاري (4070) معلقا ، ووصله الترمذي (3007) وأحمد 2 / 93 وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
    ([4]) أخرجه البخاري (2753) و (3527) و (4771) ,ومسلم (206).
    ([5]) أخرجه أبو داود (2623) في الجهاد: باب ما يدعى عند اللقاء، والترمذي (3584) في الدعوات: باب في الدعاء إذا غزا من حديث أنس. وصحح إسناده الألباني في تخريج الكلم الطيب (125) وقال: ولبعضه شاهد من حديث صهيب أخرجه أحمد (6/ 16) بسند صحيح.
    ([6]) انظر التمهيد لشرح كتاب التوحيد: (ص189_ص191),و إعانة المستفيد: (ج1_ص 204).
    ([7]) انظر فتح المجيد: (ص213),المفيد والقول :(ج1_ص284), وإعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد: (ج1_ص207).
    ([8]) القول المفيد على كتاب التوحيد: (ج1_ص290). والتمهيد لشرح كتاب التوحيد: (ص190و ص197).
    ([9]) انظر إعانة المستفيد: (ج1_ص220).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  11. #51

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (15)
    باب

    قول الله تعالى :{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [ سبأ : 23 ]

    وفي الصحيح([1]) عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال :" إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك, حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير ، فيسمعها مسترق السمع, ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض, وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه, فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها عن لسان الساحر أو الكاهن؛ فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؛ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء".
    وعن النواس بن سمعان _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:" إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي ؛ أخذت السماوات منه رجفة, أو قال رعدة شديدة خوفا من الله _عز وجل_ فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير ، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل, فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل" (
    [2]).

    الشرح:
    مُراد الشيخ _رحمه الله_ بهذا الباب: أن يبيّن تفسير هذه الآية، كما جاءت بذلك السنّة عن النبي _صلى الله عليه وسلم_، فإن هذه الآية فسّرتها السنّة بالأحاديث التي ذكرها الشيخ في هذا الباب، والغرض من ذلك إتمام ما سبق في الأبواب السابقة من بيان أدلة بُطلان الشرك, ففي الأبواب السابقة بيّن الشيخ _رحمه الله_ بيان بُطلان عبادة الأنبياء والصالحين من بني آدم، بالأدلة التي سبقت من الكتاب والسنّة.
    وفي هذا الباب يبيّن بُطلان عبادة الملائكة، لأن الملائكة عُبدوا من دون الله، فهذا الباب مكمِّلٌ للأبواب السابقة التي قبله في بيان بُطلان عبادة كل من عُبد من دون الله من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، والملائكة، لأنهم إذا بطلت عبادة هؤلاء، فبُطلان عبادة من دونهم من باب أولى، وإذا بطل ذلك في حق الملائكة وهم أقوى الخلق خِلقة، ومن أقربهم إلى الله سبحانه وتعالى منزلة فلأن تبطل عبادة من سواهم من الآدميين والجن والإنس من باب أولى، هذا فقه هذه الترجمة(
    [3]).
    أي: زال الفزع عنها قاله ابن عباس وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي والحسن وغيرهم, وقال ابن جرير: قال بعضهم: الذين فزع عن قلوبهم: الملائكة. قالوا: وإنما فزّع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماعهم كلام الله بالوحي.
    قوله:{قَالُوا الْحَقَّ} أي قال الله الحق, وذلك لأنهم إذا سمعوا كلام الله صعقوا ثم إذا أفاقوا أخذوا يسألون، فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق.
    قوله:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}. علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، فله العلو الكامل من جميع الوجوه، كما قال عبد الله بن المبارك لما قيل له: بما نعرف ربنا ؟ قال:" بأنه على عرشه بائن من خلقه".

    قوله:{الْكَبِيرُ },أي: الذي لا أكبر منه ولا أعظم منه تبارك وتعالى العلي: في ذاته وصفاته، والكبير: ذو الكبرياء وهي العظمة التي لا يدانيها شيء، أي العظيم الذي لا أعظم منه.
    هذه هي مناسبة الآية للتوحيد: أنه إذا كان منفرداً في العظمة والكبرياء، فيجب أن يكون منفرداً في العبادة (
    [4]).

    والآيات المذكورة في هذا الباب والأحاديث تقرر التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن الملك العظيم الذي تُصعق الأملاك من كلامه خوفا منه ومهابة، وترجف منه المخلوقات، الكامل في ذاته وصفاته وعلمه وقدرته وملكه وعزه، وغناه عن جميع خلقه, وافتقارهم جميعا إليه، ونفوذ تصرفه وقدره فيهم لعلمه وحكمته، لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم، فكيف يجعل المربوب ربا؟! والعبد معبودا؟! أين ذهبت عقول المشركين؟ سبحان الله عما يشركون, وقال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}.
    فإذا كان الجميع عبيداً: فَلِمَ يعبد بعضهم بعضاً بلا دليل ولا برهان بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع؟! ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك الشرك وتنهاهم عن عبادة ما سوى الله(
    [5]).

    وقوله: ( وفي الصحيح عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله.........).
    1_ فيه أن السنّة النبوية تفسر القرآن، فهذا الحديث فسر هذه الآية:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}، ففيه رد على الطائفة الخبيثة التي تريد رفض السنّة والاقتصار على القرآن، وإذا اقتصر على القرآن من أين نفسر القرآن؟، القرآن يفسر بأحد أربعة أمور:
    أولاً: يفسّر القرآن بالقرآن.
    ثانياً: إذا لم يكن فيه تفسير من القرآن يفسر بسنة الرسول _صلى الله عليه وسلم_.
    ثالثاً: إذا لم يكن فيه تفسير من الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يفسر بأقوال الصحابة، لأنهم تلاميذ الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وعنه تعلموا وتلقوا العلم فهم أدرى النّاس بسنة الرسول _صلى الله عليه وسلم_.
    رابعاً: إذا لم يكن هناك تفسير من الصحابة يفسر بمقتضى لغة العرب التي نزل بها، ينظر إلى معنى الكلمة في لغة العرب ويفسر بلغة العرب التي نزل بها.

    أما أن يفسر القرآن بغير هذه الطرق فهذا باطل، إما بالقرآن، وإما بالسنّة، وإما بقول الصحابي، وإما بلغة العرب التي نزل بها، ولا يفسر القرآن بغير هذه الوجوه.
    نعم، اختلفوا في قول التابعي: هل يفسر به القرآن؟، منهم من يرى ذلك، فيكون وجهاً خامساً: لأن التابعي له خاصية، لأنه تتلمذ على صحابة الرسول _صلى الله عليه وسلم_،
    قال الحافظ ابن كثير:" وَحِينَئِذٍ، إِذَا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ، لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ ، كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ"(
    [6]).
    وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيْرُهُ: أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً ؟ فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ؟ يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ، وَهَذَا صَحِيحٌ، أَمَّا إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ(
    [7]).

    فله ميزة على غيره ممن تتلمذ على غير الصحابة.
    2_ إثبات صفات الله _سبحانه وتعالى_، فقد أثبت في هذا الحديث علو الله على خلقه، وأنه في السماء _سبحانه وتعالى_، وأثبت أن الله يتكلم بكلام يُسمع، تسمعه الملائكة وترتعد عند سماعه.
    3_ وهي التي عقد المصنف _رحمه الله_ بهذا الباب من أجلها: بطلان التعلق على الملائكة، عكس ما كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الملائكة، واعتقاد أنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً.
    ففي هذا بطلان الشرك، لأنه إذا بطلت عبادة الملائكة وهم من هم في القوة والمكانة عند الله والقرب من الله، إذا بطل عبادتهم والتعلق عليهم وطلب الحوائج منهم فلأن يبطل ذلك في حق غيرهم من باب أولى، فالذين يتعلقون على القبور وعلى الأضرحة وعلى الأشجار والأحجار، ويتبركون بها، كل هذا باطل، لأن هذه مخلوقات ليس لها من الأمر شيء، مسخرة ليس لها من الأمر شيء، إنما التعلق يكون بالله عزّ وجلّ، والتوكل على الله، لأن الملائكة مفتقرون إلى الله، وكل المخلوقات مفتقرة إلى الله_ سبحانه وتعالى_، وهو الغني الحميد، هو غني عن غيره، وأما غيره فهم فقراء إليه سبحانه وتعالى.
    4_ في الحديث إثبات استراق السمع، وأن الشياطين قد يسترقون السمع، وهذا كان في الجاهلية كثيراً، فلما بُعث النبي _صلى الله عليه وسلم_ حُرست السماء بالشُّهب، وقلّ استراق السمع، قال بعضهم لبعض:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} يعني: هذا في الجاهلية،{فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ} يعني: بعد بعثة النبي _صلى الله عليه وسلم_:{ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}.
    5_ فيه بُطلان السحر والكِهانة، وأن مصدرهما واحد، التلقي عن الشياطين، فلا يُقبل السحر، ولا خبر الساحر، ولا تُقبل الكِهانة ولا خبر الكاهن لأن مصدرها باطل، وقد جاء في الحديث:" من أتى كاهناً أو عرّافًا لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً". وفي الحديث الآخر: "من أتى كاهناً أو عرّافاُ فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد _صلى الله عليه وسلم_". فهذا فيه بطلان السحر والكِهانة، وأنه لا يجوز تصديق السحرة، ولا تصديق الكُهَّان، ولا الذهاب إليهم.
    6 _ إثبات عظمة الله_ سبحانه وتعالى_.
    7_ إثبات الأجنحة للملائكة.
    8_ خوف الملائكة من الله_ عز وجل_ وخضوعهم له.
    9_ أن الملائكة يتكلمون ويعقلون.
    10_ أنه لا يصدر عن الله إلا الحق.
    11_ أن الله _ سبحانه_ يمكن هؤلاء الجن من الوصول إلى السماء فتنة للناس، وهي ما يلقونه على الكهان، فيحصل بذلك فتنة، والله_ عز وجل_ حكيم. وقد يوجد الله أشياء تكون ضلالاً لبعض الناس، لكنها لبعضهم هدى امتحاناً وابتلاءً(
    [8]).

    وقوله: ( وعن النواس بن سمعان_ رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي؛ أخذت السماوات منه رجفة....).
    من فوائد هذا الحديث:
    1_ إثبات الإرادة لقوله: ( إذا أراد الله )، وهي قسمان: شرعية، وكونية.
    والفرق بينهما:
    أولاً: من حيث المتعلق، فالإرادة الشرعية تتعلق بما يحبه الله_ عز وجل_, سواء وقع أو لم يقع، وأما الكونية، فتتعلق بما يقع، سواء كان مما يحبه الله أو مما لا يحبه.
    ثانياً: الفرق بينهما من حيث الحكم، أي حصول المراد، فالشرعية لا يلزم منها وقوع المراد، أما الكونية، فيلزم منها وقوع المراد.
    فقوله تعالى:{والله يريد أن يتوب عليكم } [النساء:27]. هذه إرادة شرعية، لأنها لو كانت كونية لتاب على كل الناس، وأيضاً متعلقها فيما يحبه الله وهو التوبة, وقوله:{ إن كان الله يريد أن يغويكم } [هود: 34]. هذه كونية، لأن الله لا يريد الإغواء شرعاً، أما كوناً وقدراً، فقد يريده, وقوله:{يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم } [النساء: 2]. هذه كونية، لكنها في الأصل شرعية، لأنه قال:{ ويتوب عليكم } [النساء:26]. وقوله تعالى:{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185] هذه شرعية، لأن قوله:{ولا يريد بكم العسر } لا يمكن أن تكون كونية، إذ إن العسر يقع ولو كان الله لا يريده قدراً وكوناً؛ لم يقع.
    2_ أن المخلوقات وإن كانت جماداً تحس بعظمة الخالق، قال تعالى:{تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده } [الإسراء: 44].
    3_ إثبات أن الملائكة يتكلمون ويفهمون ويعقلون لأنهم يسألون:{ ماذا قال ربكم } ؟ ويجابون: قال{ الحق }،خلافاً لمن قال: إنهم لا يوصفون بذلك، فيلزم من قولهم هذا أننا تلقينا الشريعة ممن لا عقول لهم، وهذا قدح في الشريعة بلا ريب.
    4_ إثبات تعدد السماوات، لقوله: ( كلما مر بسماء ).
    5_ أن لكل سماء ملائكة مخصصين، لقوله: ( سأله ملائكتها ).
    6_ فضيلة جبريل عليه السلام حيث إنه المعروف بأمانة الوحي، ولهذا قال ورقة بن نوفل: ( هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى). والناموس بالعبرية بمعنى صاحب السر.
    7_ أمانة جبريل عليه السلام، حيث ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله - عز وجل ـ، فيكون فيه رد على الرافضة الكفرة الذين يقولون: بأن جبريل أمر أن يوحي إلى علي فأوحى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون: خان الأمين فصدها عن حيدرة، وحيدرة لقب لعلي بن أبي طالب، لأنه كان يقول في غزوة خيبر، أنا الذي سمتني أمي حيدرة. وفي هذا تناقض منهم، لأن وصفه بالأمانة يقتضي عدم الخيانة.
    8_ إثبات العزة والجلال لله_ عز وجل _، لقوله: ( عز وجل )، والعزة بمعنى الغلبة والقوة، وللعزيز ثلاثة معان:
    1_ عزيز: بمعنى ممتنع أن يناله أحد بسوء.
    2_ عزيز: بمعنى ذي قدر لا يشاركه فيه أحد.
    3_ عزيز: بمعنى غالب قاهر.

    قال ابن القيم في النونية:
    وهو العزيز فلن يرامَ جنابه ... أَنَّى يُرَامُ جُنَابُ ذِي سلطانِ
    وهو العزيز القهار الغلاب لم ... يغلبه شيءٌ هذه صفتانِ
    وهو العزيز بقوةٍ هي وصفه ... فالعز حينئذٍ ثلاث معانِ
    وأما جل: فالجلال بمعنى العظمة التي ليس فوقها عظمة.
    9_ إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى، وهذا بإجماع أهل السنّة والجماعة، لم يخالف فيه إلاّ المبتدعة.
    10_ إثبات الإدراك للسماوات والخوف من الله، وأنها تُدرك عظمة الله، وتخافه، وهي جمادات، كما دلّت على ذلك الأدلة الأخرى فإذا كانت السماوات تخافه، فكيف لا يخافه ابن آدم هذا الضعيف المسكين؟، كيف لا يخاف من الله سبحانه وتعالى؟([9]).

    فيه مسائل:
    الأولى : تفسير الآية .
    الثانية : ما فيها من الحجة على إبطال الشرك ، خصوصا ما تعلق على الصالحين ، وهي الآية التي قيل : إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب .
    الثالثة : تفسير قوله { قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } .
    الرابعة : سبب سؤالهم عن ذلك .
    الخامسة : أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله : " قال كذا وكذا " .
    السادسة : ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل .
    السابعة : أنه يقول لأهل السماوات كلهم ، لأنهم يسألونه .
    التاسعة : ارتجاف السماوات بكلام الله .
    العاشرة : أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله .
    الحادية عشرة : ذكر استراق الشياطين .
    الثانية عشرة : صفة ركوب بعضهم بعضا .
    الثالثة عشرة : إرسال الشهاب .
    الرابعة عشرة : أنه تارة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وتارة يلقيها في أذن وليه من الإنس قبل أن يدركه .
    الخامسة عشرة : كون الكاهن يصدق بعض الأحيان .
    السادسة عشرة : كونه يكذب معها مائة كذبة .





    ([1]) أخرجه البخاري:(4701),(4800),( 7481).
    ([2]) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/463),وابن ابي عاصم في السنة (1/227رقم 515),وأبو الشيخ في العظمة (2/501رقم46) , وصححه الألباني في الصحيحة: (1293).
    ([3]) انظر إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد:(ج1_ص221).
    ([4]) نظر فتح المجيد :( ص223_ص224),والقول المفيد:(ج1_ص307).
    ([5]) انظر فتح المجيد:(ص231).
    ([6]) تفسير القرآن العظيم: (ج1_7), المقدمة.

    ([7]) تفسير القرآن العظيم: (ج1_10), المقدمة.

    ([8]) انظر القول المفيد:(ج1ص315),وإع انة المستفيد:(ج1_ص226), بتصرف .

    ([9]) انظر القول المفيد:(ج1_ص320),وإ انة المستفيد:(ج1_ص233).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  13. #53

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (16)
    باب
    الشفاعة


    وقول الله تعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51].
    وقوله:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر: 44]
    وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} [البقرة: 255].
    وقوله:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].
    وقوله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22-23].


    قال أبو العباس رحمه الله:نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]
    فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده -لا يبدأ بالشفاعة أولاً- ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع"([1]).

    وقال له أبو هريرة:" من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال صلى الله عليه وسلم:من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"([2]).
    فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله تعالى، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود.


    فالشفاعة: التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه


    : الشرح :

    الشفاعة معناها: التوسط في قضاء حاجة المحتاج لدى من هي عنده,
    سميت بذلك لأن طالب الحاجة كان منفرداً في الأول، ثمّ لما انضم إليه الشافع صار شفعاً، لأن الشفع ضد الوتر, فلما كان طالب الحاجة منفرداً، ثمّ انضم إليه الواسطة شفعه في الطلب، ولذلك سمّي شافعاً، وسمّي هذا العمل شفاعة، قال الله سبحانه وتعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}، فالذي يشفع عند السلاطين، أو عند الأغنياء، أو عند غيرهم لقضاء حاجة المحتاجين يعتبر عمله شفاعة طيبة يؤجر عليها،
    قال صلى الله عليه وسلم:"اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء"([3]).


    ذكر المؤلف_رحمه الله_:
    الشفاعة في كتاب التوحيد، لأن المشركين الذين يعبدون الأصنام يقولون:إنها شفعاء لهم عند الله، وهم يشركون بالله- سبحانه وتعالى- فيها بالدعاء والاستغاثة وما أشبه ذلك. وهم بذلك يظنون أنهم معظمون لله، ولكنهم منتقصون له، لأنه عليم بكل شيء وله الحكم التام المطلق والقدرة التامة، فلا يحتاج إلى شفعاء,ويقولون:إن نا نعبدهم ليكونوا شفعاء لنا عند الله، فيقربونا إلى الله، وهم ضالون في ذلك، فهو سبحانه عليم وقدير وذو سلطان، ومن كان كذلك، فإنه لا يحتاج إلى شفعاء, والملوك في الدنيا يحتاجون إلى شفعاء:

    1_ إما لقصور علمهم.
    2_ أو لنقص قدرتهم،فيساعدهم الشفعاء في ذلك.
    3 _ أو لقصور سلطانهم، فيتجرأ عليهم الشفعاء.

    فيشفعون بدون استئذان، ولكن الله- عز وجل- كامل العلم والقدرة والسلطان، فلا يحتاج لأحد أن يشفع عنده، ولهذا لا تكون الشفاعة عنده سبحانه إلا بإذنه لكمال سلطانه وعظمته.
    ثم الشفاعة لا يراد بها معونة الله -سبحانه - في شيء مما شفع فيه، فهذا ممتنع كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولكن يقصد بها أمران، هما:

    · إكرام الشافع.
    · نفع المشفوع له.

    وهي لغة:اسم من شفع يشفع، إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر، قال تعالى:{والشفع والوتر} [الفجر: 3].
    واصطلاحاً:
    التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

    مثال جلب المنفعة: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الجنة بدخولها.
    مثال دفعة المضرة: شفاعة النبي-صلى الله عليه وسلم - لمن استحق النار أن لا يدخلها([4]).
    والشفاعة:منها ما يكون بين الخلق ومنها ما يكون عند الخالق جل وعلا وكلام المؤلف هنا عن الشفاعة التي عنده تبارك وتعالى وهذه لها شروط وأسباب وأقسام .

    والشفاعة في كتاب الله جاءت على قسمين: مثبتة و منفية
    فالمثبتة لا بد فيها من شرطين:

    1_ الإذن:لقوله:{ إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى }.
    2_ الرضا:لقوله:{ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى }.
    فلا بد من إذنه تعالى ورضاه عن الشافع والمشفوع وهو لا يرضى إلا عن أهل التوحيد
    وفي الشفاعة أمر مهم يدل ويؤكد أن الشفاعة كلها له سبحانه وهو أنه سبحانه بعد إذنه ورضاه يحد حداً([5]).
    للشافع فتبين وتقرر أن الشفاعة كلها لله كما ذكر تعالى,
    فيشترط للشفاعة إذن الله فيها لكمال سلطانه جل وعلا، فإنه كلما كمل سلطان الملك، فإنه لا أحد يتكلم عنده ولو كان بخير إلا بعد إذنه، ولذلك يعتبر اللغط في مجلس الكبير إهانة له ودليلاً على أنه ليس كبيراً في نفوس من عنده، كان الصحابة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار وعدم الكلام إلا إذا فتح الكلام، فإنهم يتكلمون
    ,
    أما أسباب قبول الشفاعة من الملوك وغيرهم فهي:

    1_ لحاجتهم إلى ذلك: وذلك لأن الملك أو الرئيس بحاجة إلى الوزراء والمستشارين ليعينوه على أمور الملك، فلو لم يقبل شفاعتهم لنفروا منه، ولم يعينوه، والله جل وعلا غني عن خلقه، ليس بحاجة إلى أن يعينه أحد، بخلاف الملوك والسلاطين فهم بحاجة.
    2_ عدم علمهم بحاجة المشفوع لهم: وأيضاً ملوك الدّنيا والسلاطين لا يعلمون أحوال الرّعيّة، فهم بحاجة إلى هؤلاء ليبلغوا حاجات النّاس وأحوال الناس، فإذا بلغهم هؤلاء الوسائط والشفعاء، فقد بلّغوهم ما لم يعرفوا من أحوال رعيتهم، أما الله جل وعلا فإنه يعلم كل شيء، لا تخفى عليه أحوال عباده، يعلم المحتاجين والمرضى والفقراء وأصحاب الحاجات، يعلم ذلك بدون أن يخبره أحد سبحانه وتعالى، فلا يقاس الخالق بالمخلوق.
    3_ وأيضاً الملوك والرؤساء ولو علموا بأحوال الناس، فإنهم قد لا يلينون لهم، ولا يلتفتون إليهم، لكن إذا جاءهم هؤلاء الوسطاء، وتكلموا معهم أثّروا فيهم: فقبلوا الشفاعة، أما الله جل وعلا فإنه لا يؤثر عليه أحد، الله جل وعلا يريد الرحمة لعباده، ويريد المغفرة، ويريد قضاء حاجات الناس، وإعطاءهم، ورزقهم، هو مريد لذلك سبحانه وتعالى بدون أن يؤثّر عليه أحد .

    ففيه فرق بين الخالق والمخلوق من هذه الوجوه، من ناحية أن الله غني لا يحتاج إلى إعانة الشّفيع، ومن ناحية أن الله عليم لا يحتاج إلى إخبار الشفيع عن أحوال خلقه، ومن ناحية أن الله سبحانه وتعالى مريد للخير والرحمة لعباده، وقضاء حوائجهم، إذا هم طلبوا من الله بصدق، ولجؤا إليه بالإخلاص قضى حوائجهم، بدون أن يكون هناك واسطة.

    فتبيّن لنا إذاً الفرق بين الخالق والمخلوق، فغلِط المشركون في ذلك حيث سووا الخالق بالمخلوق، واتخذوا الشفعاء عنده كما يتخذون الشفعاء عند الملوك والرؤساء.

    أما الشفاعة المنفية : هي الشفاعة التي تطلب من غير الله, هذه الشفاعة منفية، لأن الشفاعة ملك لله، لا تطلب إلاّ منه، وكذلك الشفاعة التي تطلب فيمن لا تقبل فيه، وهو الكافر، فالكافر والمشرك لا تقبل فيه الشفاعة:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ}
    ([6]).


    قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الكلام على هذه الآيات:" وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ جَمِيعًا، قَطْعًا يَعْلَمُ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَعَرَفَهُ أَنَّ مَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا، أَوْ شَفِيعًا، فَهُوَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ تَعَالَى{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:23].
    فَالْمُشْرِكُ إِنَّمَا يَتَّخِذُ مَعْبُودَهُ لِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ، وَالنَّفْعُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ:

    1_ إِمَّا مَالِكٌ لِمَا يُرِيدُهُ عِبَادُهُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا.
    2_ كَانَ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا لَهُ.

    3_ كَانَ مُعِينًا لَهُ وَظَهِيرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعِينًا وَلَا ظَهِيرًا.
    4_ كَانَ شَفِيعًا عِنْدَهُ.

    فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ نَفْيًا مُتَرَتِّبًا، مُتَنَقِّلًا مِنَ الْأَعْلَى إِلَى مَا دُونَهُ، فَنَفَى الْمِلْكَ، وَالشِّرْكَةَ، وَالْمُظَاهَرَة َ، وَالشَّفَاعَةَ، الَّتِي يَظُنُّهَا الْمُشْرِكُ، وَأَثْبَتَ شَفَاعَةً لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُشْرِكٍ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِهِ. فَكَفَى بِهَذِهِ الْآيَةِ نُورًا، وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً، وَتَجْرِيدًا لِلتَّوْحِيدِ، وَقَطْعًا لِأُصُولِ الشِّرْكِ وَمُوَدَّاهُ لِمَنْ عَقَلَهَا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَمْثَالِهَا وَنَظَائِرِهَا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ بِدُخُولِ الْوَاقِعِ تَحْتَهُ، وَتَضَمُّنِهِ لَهُ، وَيَظُنُّونَهُ فِي نَوْعٍ وَفِي قَوْمٍ قَدْ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُعْقِبُوا وَارِثًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ فَهْمِ الْقُرْآنِ. وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ قَدْ خَلَوْا، فَقَدْ وَرِثَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ، أَوْ شَرٌّ مِنْهُمْ، أَوْ دُونَهُمْ، وَتَنَاوُلُ الْقُرْآنِ لَهُمْ كَتَنَاوُلِهِ لِأُولَئِكَ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ " ([7]).

    ثم قال_ رحمه الله _: وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: (أي الشرك) طَلَبُ الْحَوَائِجِ مِنَ الْمَوْتَى، وَالِاسْتِغَاثَ ةُ بِهِمْ، وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهِمْ, وَهَذَا أَصْلُ شِرْكِ الْعَالَمِ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ قَدِ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرَّا وَلَا نَفْعًا، فَضْلًا عَمَّنِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَسَأَلَهُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ، أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ إِلَى اللَّهِ فِيهَا، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ بِالشَّافِعِ وَالْمَشْفُوعِ لَهُ عِنْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ لَمْ يَجْعَلِ اسْتِغَاثَتَهُ وَسُؤَالَهُ سَبَبًا لِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ لِإِذْنِهِ كَمَالُ التَّوْحِيدِ.

    فَجَاءَ هَذَا الْمُشْرِكُ بِسَبَبٍ يَمْنَعُ الْإِذْنَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتَعَانَ فِي حَاجَةٍ بِمَا يَمْنَعُ حُصُولَهَا، وَهَذِهِ حَالَةُ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَالْمَيِّتُ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يَدْعُو لَهُ، وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ، كَمَا أَوْصَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُرْنَا قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ، وَنَسْأَلَ لَهُمُ الْعَافِيَةَ وَالْمَغْفِرَةَ ،فَعَكَسَ الْمُشْرِكُونَ هَذَا،وَزَارُوه ُمْ زِيَارَةَ الْعِبَادَةِ، وَاسْتِقْضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَالِاسْتِغَاثَ ةِ بِهِمْ، وَجَعَلُوا قُبُورَهُمْ أَوْثَانًا تُعْبَدُ، وَسَمَّوْا قَصْدَهَا حَجًّا، وَاتَّخَذُوا عِنْدَهَا الْوَقْفَةَ وَحَلَقَ الرَّأْسِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ بِالْمَعْبُودِ الْحَقِّ، وَتَغْيِيرِ دِينِهِ، وَمُعَادَاةِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَنِسْبَةِ أَهْلِهِ إِلَى التَّنَقُّصِ لِلْأَمْوَاتِ، وَهُمْ قَدْ تَنَقَّصُوا الْخَالِقَ بِالشِّرْكِ، وَأَوْلِيَاءَهُ الْمُوَحِّدِينَ لَهُ، الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا بِذَمِّهِمْ وَعَيْبِهِمْ وَمُعَادَاتِهِم ْ، وَتَنَقَّصُوا مَنْ أَشْرَكُوا بِهِ غَايَةَ التَّنَقُّصِ، إِذْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ رَاضُونَ مِنْهُمْ بِهَذَا، وَأَنَّهُمْ أَمَرُوهُمْ بِهِ، وَأَنَّهُمْ يُوَالُونَهُمْ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْدَاءُ الرُّسُلِ وَالتَّوْحِيدِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَمَا أَكْثَرَ الْمُسْتَجِيبِي نَ لَهُمْ! وَلِلَّهِ خَلِيلُهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ يَقُولُ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 35 - 36].
    وَمَا نَجَا مِنْ شَرَكِ هَذَا الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ إِلَّا مَنْ جَرَّدَ تَوْحِيدَهُ لِلَّهِ، وَعَادَى الْمُشْرِكِينَ فِي اللَّهِ، وَتَقَرَّبَ بِمَقْتِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَاتَّخَذَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلِيَّهُ وَإِلَهَهُ وَمَعْبُودَهُ، فَجَرَّدَ حُبَّهُ لِلَّهِ، وَخَوْفَهُ لِلَّهِ، وَرَجَاءَهُ لِلَّهِ، وَذُلَّهُ لِلَّهِ، وَتَوَكُّلَهُ عَلَى اللَّهِ، وَاسْتِعَانَتَه ُ بِاللَّهِ، وَالْتِجَاءَهُ إِلَى اللَّهِ، وَاسْتِغَاثَتَه ُ بِاللَّهِ، وَأَخْلَصَ قَصْدَهُ لِلَّهِ، مُتَّبِعًا لِأَمْرِهِ، مُتَطَلِّبًا لِمَرْضَاتِهِ، إِذَا سَأَلَ سَأَلَ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَانَ اسْتَعَانَ بِاللَّهِ، وَإِذَا عَمِلَ عَمِلَ لِلَّهِ، فَهُوَ لِلَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَمَعَ اللَّهِ([8]).

    فَهَذِهِ حَالُ مَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا، يَزْعُمُ أَنَّهُ يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ، وَمَا أَعَزَّ مَنْ يَخْلُصُ مِنْ هَذَا؟ بَلْ مَا أَعَزَّ مَنْ لَا يُعَادِي مَنْ أَنْكَرَهُ! وَالَّذِي فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَسَلَفِهِمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذَا عَيْنُ الشِّرْكِ، وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَأَبْطَلَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ، وَرَضِيَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ، وَهُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ،ال َّذِينَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، حَيْثُ لَمْ يَتَّخِذْهُمْ شُفَعَاءَ مِنْ دُونِهِ، فَيَكُونُ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَةِ مَنْ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ صَاحِبُ التَّوْحِيدِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ شَفِيعًا مِنْ دُونِ اللَّهِ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ.
    وَالشَّفَاعَةُ:الَّتِي أَثْبَتَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ هِيَ الشَّفَاعَةُ الصَّادِرَةُ عَنْ إِذْنِهِ لِمَنْ وَحَّدَهُ، وَالَّتِي نَفَاهَا اللَّهُ هِيَ الشَّفَاعَةُ الشِّرْكِيَّةُ، الَّتِي فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، الْمُتَّخِذِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ، فَيُعَامَلُونَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ مِنْ شُفَعَائِهِمْ، وَيَفُوزُ بِهَا الْمُوَحِّدُونَ .
    وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لِأَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ سَأَلَهُ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ"([9]).
    كَيْفَ جَعَلَ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُنَالُ بِهَا شَفَاعَتُهُ تَجْرِيدَ التَّوْحِيدِ، عَكْسَ مَا عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تُنَالُ بِاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَهُمْ شُفَعَاءَ، وَعِبَادَتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِم ْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَقَلَبَ النَّبِيُّ_ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مَا فِي زَعْمِهِمُ الْكَاذِبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ سَبَبَ الشَّفَاعَةِ هُوَ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ، فَحِينَئِذٍ يَأْذَنُ اللَّهُ لِلشَّافِعِ أَنْ يُشَفَّعَ.


    وَمِنْ جَهْلِ الْمُشْرِكِ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَنِ اتَّخَذَهُ وَلِيًّا أَوْ شَفِيعًا أَنَّهُ يَشْفَعُ لَهُ، وَيَنْفَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا يَكُونُ خَوَاصُّ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ تَنْفَعُ شَفَاعَتُهُمْ مَنْ وَالَاهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَأْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ،
    كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255].
    وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28].
    وَبَقِيَ فَصْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ إِلَّا التَّوْحِيدَ، وَاتِّبَاعَ الرَّسُولِ، وَعَنْ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ يَسْأَلُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَلِمَتَانِ يُسْأَلُ عَنْهُمَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ وَمَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟

    فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ، تَقْطَعُ شَجَرَةَ الشِّرْكِ مِنْ قَلْبِ مَنْ وَعَاهَا وَعَقَلَهَا لَا شَفَاعَةَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَأْذَنُ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ، وَلَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ إِلَّا تَوْحِيدَهُ، وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ شِرْكَ الْعَادِلِينَ بِهِ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُمْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمَحَبَّةِ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98]. وَكَمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}[البقرة: 165].

    وَتَرَى الْمُشْرِكَ يُكَذِّبُ حَالَهُ وَعَمَلَهُ قَوْلُهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا نُحِبُّهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَلَا نُسَوِّيهِمْ بِاللَّهِ، ثُمَّ يَغْضَبُ لَهُمْ وَلِحُرُمَاتِهِ مْ- إِذَا انْتُهِكَتْ- أَعْظَمَ مِمَّا يَغْضَبُ لِلَّهِ، وَيَسْتَبْشِرُ بِذِكْرِهِمْ، وَيَتَبَشْبَشُ بِهِ،سِيَّمَا إِذَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ إِغَاثَةِ اللَّهَفَاتِ،وَ كَشْفِ الْكُرُبَاتِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَأَنَّهُمُ الْبَابُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، فَإِنَّكَ تَرَى الْمُشْرِكَ يَفْرَحُ وَيُسَرُّ وَيَحِنُّ قَلْبُهُ، وَتَهِيجُ مِنْهُ لَوَاعِجُ التَّعْظِيمِ وَالْخُضُوعِ لَهُمْ وَالْمُوَالَاةِ ، وَإِذَا ذَكَرْتَ لَهُ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَجَرَّدْتَ تَوْحِيدَهُ لَحِقَتْهُ وَحْشَةٌ، وَضِيقٌ، وَحَرَجٌ وَرَمَاكَ بِنَقْصِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي لَهُ، وَرُبَّمَا عَادَاكَ([10])
    .


    فكل من سأل ميتاً الشفاعة فقد حرم نفسه الشفاعة؛ لأنه أشرك بالله -جل وعلا- والشفاعة المثبتة إنما هي لأهل الإخلاص، ليس لأهل الشرك فيها نصيب.

    وهاهنا سؤال: لمَ لم يتفضل الله عليهم بأن يغفر لهم بدون واسطة الشفاعة؟
    والجواب: عن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية هنا بقوله:ليكرمه:أي إظهاراً لفضل الشافع، وإكرام الله -تعالى- له في ذلك المقام، فإن من المعلوم أن الشافع -الذي قبلت شفاعته- ليس في المقام مثل المشفوع له، فالله -جل وعلا- يُظهر إكرامه لمن أذن له أن يشفع، ويظهر رحمته بالشافع، فقد تكون للشافع قرابةٌ، أو أحباب يريد أن يشفع لهم، ولذلك فإن الشفاعة يوم القيامة لأهل الكبائر ليست خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بل يشفع -أيضاً الأنبياء، والملائكة، والصالحون.
    فهذه شفاعات مختلفة في أهل الكبائر جعلها الله إكراماً للشافع، ورحمة به، وأيضاً رحمة بالمشفوع له، وإظهاراً لفضل الله -جل وعلا- على الشافع، والمشفوع له.

    فالحاصل:
    أن حقيقة الشفاعة تكون بتفضل _الله تعالى- على المأذون له بالشفاعة ليشفع وإكرامه بذلك، ثم تفضله على المشفوع له ورحمته بقبول الشفاعة فيه. وهذا كله دال -لمن كان له قلب- على عظم الله -جل وعلا- وتفرده بالملك، وتفرده بتدبير الأمر وأنه -سبحانه- الذي يجير ولا يجار عليه، وهو الذي له الشفاعة كلها، وهو الذي له ملك الأمر كله، ليس لأحد منه شيء، وإنما يُظهر -سبحانه- فضله، وإحسانه ورحمته، وكرمه لتتعلق به القلوب، فبطل -إذاً- أن يكون ثَمَّ تعلق للقلب بغير الله -جل وعلا- لأجل الشفاعة, وبطل -أيضاً- صنيع الذين تعلقوا بالأولياء، أو تعلقوا بالصالحين، أو بالأنبياء، أو بالملائكة لأجل الشفاعة، فإذا تبين هذه الشفاعة، وحقيقتها، وأنها محض فضل من الله _سبحانه وتعالى_ إكرام، أوجب ذلك تعلق القلوب به سبحانه في طلب الشفاعة، ورجائها، فالله تعالى هو المتفضل بها على الحقيقة، والعباد مكرمون بها، لا يبتدئون بالقول، ولا يسبقون بالقول، وإنما يجلون،ويخافون، ويثنون على الله، ويحمدون، حتى يؤذَن لهم بالشفاعة.


    فثبت بذلك أن المستحقين للشفاعة هم الذين أنعم الله عليهم بالإخلاص، ووفقهم لتعظيمه، وتعلقت قلوبهم به وحده دون ما سواهم، بخلاف الذين حُرموها من المشركين بالله الشرك الأكبر، فلا نصيب لهم منها؛ لأن الشفاعة فضل من الله لأهل الإخلاص, فتبين بهذا الباب أن الشفاعة التي تعلقت بها قلوب أولئك الخرافيين المشركين باطلة: وأن قولهم:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] قول باطل؛ إذ الشفاعة التي تنفع إنما هي لأهل الإخلاص، ثم إن طلبها وسؤالها من غير الله تعالى مؤذنٌ بحرمانهم إياها، ما داموا طلبوها من غير الله، ووقعوا في الشرك الصريح.



    يتبع




    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  14. #54

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    أنواع الشفاعةوقد قسم أهل العلم _رحمهم الله_ الشفاعة إلى قسمين رئيسيين، هما:القسم الأول: الشفاعة الخاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي أنواع:النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الْخَاصَّةُ بِنَبِيِّنَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِين َ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. روى البخاري في صحيحه ( 3340 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي دَعْوَةٍ،«فَرُف ِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً» وَقَالَ: أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَوْمَ القِيَامَةِ،هَل ْ تَدْرُونَ بِمَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ:أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ:أَبُوك مْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَيَأْتُونِي فَأَسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ ".النوع الثاني: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها، لأنهم إذا عبروا الصراط ووصلوا إليها وجدوها مغلقة، فيطلبون من يشفع له، فيشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله في فتح أبواب الجنة لأهلها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى:{حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } [الزمر: 73]، فقال:{وفتحت} فهناك شيء محذوف أي: وحصل ما حصل من الشفاعة، وفتحت الأبواب، أما النار، فقال فيها:{حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها..} الآية. وروى الإمام مسلم: (333) وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:"آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ:بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ".النوع الثالث: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب وهذه مستثناة من قوله تعالى:{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [المدثر: 48]، وقوله تعالى:{ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً } [طه: 109]، وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودفاع عنه، وهو لم يخرج من النار، لكن خفف عنه حتى صار - والعياذ بالله - في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا أحد يشفع في كافر أبداً إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لم تقبل الشفاعة كاملة، وإنما هي تخفيف فقط .هذه الثلاثة خاصة به صلى الله عليه وسلم .القسم الثاني: الشفاعة العامة له - صلى الله عليه وسلم - ولجميع المؤمنين.وهي أنواع:النوع الأول: الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها، وقد تواترت بها الأحاديث وأجمع عليها الصحابة، واتفق عليها أهل الملة ما عدا طائفتين، وهما: المعتزلة والخوارج، فإنهم ينكرون الشفاعة في أهل المعاصي مطلقاً لأنهم يرون أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، ومن استحق الخلود، فلا تنفع فيه الشفاعة، فهم ينكرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره يشفع في أهل الكبائر أن لا يدخلوا النار، أو إذا دخولها أن يخرجوا منها، لكن قولهم هذا باطل بالنص والإجماع. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي" ([11]). وَرَوَى الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا ، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، جَاؤُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ:اش فَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، لَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونِي،فَ أَقُولُ:أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.فَيُقَ لُ:انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ:يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ" . قَالَ:فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ، وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ:هِيهْ؟ فَحَدَّثَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهْ؟ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ:لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَا أَدْرِي، أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا؟ فَقُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا! مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ،ح َدِيثِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ:" ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ). وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، قَالَ:"فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ"([12]). الْحَدِيثَالنوع الثاني: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال - صلى الله عليه وسلم - في أبي سلمة: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه"([13]) والدعاء شفاعة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه"([14]).إشكال وجوابه:فإن قيل:إن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه، فكيف يسمى دعاء الإنسان لأخيه شفاعة وهو لم يستأذن من ربه؟ والجواب:إن الله أمر بأن يدعو الإنسان لأخيه الميت، وأمره بالدعاء إذن وزيادة([15]).وخلاصة:الباب أن تعلق أولئك بالشفاعة عاد عليهم بعكس ما أرادوا، فإنهم لما تعلقوا بالشفاعة حرموها؛ لأنهم تعلقوا بشيء لم يأذن الله -جل وعلا- به شرعاً؛ حيث استخدموا الشفاعات الشركية، وتوجّهوا إلى غير الله، وتعلقت قلوبهم بهذا الغير([16]).فيه مسائل:الأولى: تفسير الآيات.الثانية: صفة الشفاعة المنفية.الثالثة: صفة الشفاعة المثبتة.الرابعة: ذكر الشفاعة الكبرى، وهي المقام المحمود.الخامسة: صفة ما يفعله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يبدأ بالشفاعة، بل يسجد، فإذا أُذن له شَفَع.السادسة: من أسعد الناس بها؟.السابعة: أنها لا تكون لمن أشرك بالله.الثامنة: بيان حقيقتها.-----------------------------([1]) أخرجه البخاري (3340) ومسلم (194).([2]) أخرجه البخاري (6570).([3])هذا لفظ البخاري ورواه الإمام أحمد (19584) بلفظ:حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ " وأخرجه البخاري برقم: (1432) .([4]) انظر القول المفيد: (ج1_ص329), وإعانة المستفيد: (ج1_ص236).([5])روى البخاري في صحيحه: (4476) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" يَجْتَمِعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ:أَ ْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ(1) وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي، ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ، فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنَ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا} [البقرة: 162].(1) (لست هناكم) لست أهلا لهذه المرتبة وهذا العمل.([6]) انظر إعانة المستفيد : (ج1_ص 237_ص238).([7])انظر مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ( ج1_ص601), ط دار طيبة.([8])مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ( ج1_ص607 ) .([9]) البخاري كتاب العلم باب الحرص على الحديث ( 99 ).([10]) مدارج السالكين : ( ج1_ص 595_ص599 ).([11]) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ( 13222), و والترمذي (2435), وأخرجه أبو داود (4739) ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط الشيخين.([12]) رواه مسلم: (302).([13])رواه مسلم: كتاب الجنائز باب في إغماض الميت: (2/634) .([14]) رواه مسلم كتاب الجنائز باب في إغماض الميت: (2/655).([15]) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد: (ج1_ص 331_ص334).([16]) انظر التمهيد : (ص214_ص216).لحفظه بصيغه pdfتفضل هنآ[/CENTER]

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري مشاهدة المشاركة


    فالشفاعة: التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا
    لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه

    ... فثبت بذلك أن المستحقين للشفاعة هم الذين أنعم الله عليهم بالإخلاص، ووفقهم لتعظيمه، وتعلقت قلوبهم به وحده دون ما سواهم، بخلاف الذين حُرموها من المشركين بالله الشرك الأكبر، فلا نصيب لهم منها؛ لأن الشفاعة فضل من الله لأهل الإخلاص, فتبين بهذا الباب أن الشفاعة التي تعلقت بها قلوب أولئك الخرافيين المشركين باطلة: وأن قولهم:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] قول باطل؛ إذ الشفاعة التي تنفع إنما هي لأهل الإخلاص، ثم إن طلبها وسؤالها من غير الله تعالى مؤذنٌ بحرمانهم إياها، ما داموا طلبوها من غير الله، ووقعوا في الشرك الصريح.


    " فإبراهيم عليه السلام يخاف الشرك على نفسه، وهو خليل الرحمن وإمام الحنفاء; فما بالك بنا نحن إذن؟... "
    [ القول المفيد على كتاب التوحيد ]

    اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك لما لا نعلم


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  16. #56

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (17)
    باب
    قول الله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: 56]
    .

    وفي الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ وعنده عبد الله بن أبي أمية, وأبو جهل، فقال له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمةً أحاج لك بها عند الله فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فأعاد عليه النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: لأستغفرن لك، ما لم أُنه عنك, فأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113]. وأنزل الله _تبارك وتعالى_ في أبي طالب:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: 56] ([1]).
    الشرح:
    مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
    أن الهداية من أعز المطالب، وأعظم ما تعلق به المتعلقون بغير الله؛ أن يحصل لهم النفع الدنيوي والأخروي من الذين توجهوا إليهم ، واستشفعوا بهم. ولما كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو أفضل الخلق ، وسيد ولد آدم قد نفى الله عنه أن يملك الهداية _ وهي نوع من أنواع المنافع _ دل ذلك على أنه _عليه الصلاة والسلام_، ليس له من الأمر شيء، كما جاء فيما سبق في باب قول الله تعالى:{ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ الأنعام :191], في سبب نزول قول الله تعالى:{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران : 128 ], فإذا كان النبي_ عليه الصلاة والسلام_ ليس له من الأمر شيء، ولا يستطيع أن ينفع قرابته ،كما جاء في قوله:" يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا"([2]).
    أقول: إذا كان هذا في حق المصطفى_ صلى الله عليه وسلم_، وأنه لا يغني من الله _جل وعلا _ عن أحبابه شيئا، وعن أقاربه شيئا ولا يملك شيئا من الأمر, وليست بيده هداية التوفيق، فإنه أن ينتفي ذلك، وما دونه، عن غير النبي_ صلى الله عليه وسلم_ من باب أولى, فبطل_ إذا_ كل تعلق للمشركين_ من هذه الأمة_ بغير الله _ جل وعلا_ ؛ لأن كل من تعلقوا به هو دون النبي _عليه الصلاة والسلام_ بالإجماع، فإذا كانت هذه حال النبي _عليه الصلاة والسلام_، وقد نفى الله عنه ملك هذه الأمور، فإن نفي ذلك عن غيره من باب أولى, وهذا الحديث يقطع وسائل الشرك بالرسول _صلى الله عليه وسلم_ وغيره; فالذين يلجئون إليه _صلى الله عليه وسلم_: ويستنجدون به مشركون; فلا ينفعهم ذلك لأنه لم يؤذن له أن يستغفر لعمه، مع أنه قد قام معه قياما عظيما، ناصره وآزره في دعوته; فكيف بغيره ممن يشركون بالله؟! ([3]).
    قال ابن كثير_ رحمه الله تعالى_: يقول تعالى لرسوله: إنك يا محمد لا تهدي من أحببت، أي ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء, وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، كما قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. وقال تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
    قلت: والمنفي هنا هداية التوفيق والقبول, فإن أمر ذلك إلى الله، وهو القادر عليه, وأما الهداية المذكورة في قول الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. فإنها هداية الدلالة والبيان، فهو المبيِّن عن الله، والدالُّ على دينه وشرعه, فإن قلت: أليس الله _جل وعلا_ قال في الآية الأخرى:{وَإِنَّك َ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فأثبت في هذه الآية أن الرسول يهدي إلى صراط مستقيم ؟ فالجواب عن ذلك أن الهداية هدايتان:
    1_ هداية يملكها الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وهداية لا يملكها, أما الهداية التي يملكها الرسول فهي: هداية الإرشاد والدعوة والبيان ويملكها كل عالم يدعو إلى الخير.
    2_ أما الهداية المنفيّة فهي: هداية القلوب، وإدخال الإيمان في القلوب، فهذه لا يملكها أحد إلاّ الله _سبحانه وتعالى_ فنحن علينا الدعوة، وهداية الإرشاد والإبلاغ، أما هداية القلوب فهذه بيد الله _سبحانه وتعالى_، لا أحد يستطيع أن يوجد الإيمان في قلب أحد إلاّ الله_ عزّ وجلّ_، هذا هو الجواب عن الآيتين الكريمتين.
    قوله:{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ}, فلا يضع هداية القلب إلاّ فيمن يستحقّها، أما الذي لا يستحقّها فإن الله يحرمه منها، والله عليم حكيم _جلّ وعلا_ ما يُعطي هداية القلب لكل أحد، وإنما يُعطيها سبحانه من يعلم أنه يستحقّها، وأنه أهل لها، أما الذي يعلم منه أنه ليس أهلا لها، ولا يستحقّها، فإن الله يحرمه منها، ومن ذلك حرمان أبي طالب، حرمه الله من الهداية لأنه لا يستحقّها، فلذلك حرمه منها، والحرمان له أسباب:
    منها: التعصّب للباطل، وحميّة الجاهلية تسبّبان أن الإنسان لا يوفّقه الله جل وعلا، فمن تبيّن له الحق ولم يقبله فإنه يعاقب بالحرمان _والعياذ بالله_، يعاقب بالزّيغ والضلال، ولا يقبل الحق بعد ذلك، فهذا فيه الحثّ على أن من بلغه الحق وجب عليه أن يقبله مباشرة، ولا يتلكّأ ولا يتأخر، لأنه إن تأخر فحريّ أن يُحرم منه:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}, {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}(
    [4]).
    مناسبة هذا الباب لما قبله:
    مناسبته أنه نوع من الباب الذي قبله، فإذا كان لا أحد يستطيع أن ينفع أحدا بالشفاعة والخلاص: من العذاب، كذلك لا يستطيع أحد أن يهدي أحدا, فيقوم بما أمر الله به.
    وقوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}, ظاهره أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ يحب أبا طالب; فكيف يئول ذلك ؟ والجواب:
    1_ إما أن يقال: إنه على تقدير أن المفعول محذوف، والتقدير من أحببت هدايته لا من أحببته هو.
    2_ أو يقال: إنه أحب عمه محبة طبيعية كمحبة الابن أباه ولو كان كافرا.
    3_ أو يقال: إن ذلك قبل النهي عن محبة المشركين.
    والأول أقرب, أي: من أحببت هدايته لا عينه، وهذا عام لأبي طالب وغيره ويجوز أن يحبه محبة قرابة، ولا ينافي هذا المحبة الشرعية، وقد أحب أن يهتدي هذا الإنسان، وإن كنت أبغضه شخصيا لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله([5]).
    قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} أي ما ينبغي لهم ذلك وهو: خبر بمعنى النهي, والظاهر أن هذه الآية نزلت في أبي طالب, فإن الإتيان بالفاء المفيدة للترتيب ,في قوله: فأنزل الله بعد قوله: ( لاستغفرن لك ما لم أنه عنك) يفيد ذلك.
    واعلم: أن ما كان أو ما ينبغي أو لا ينبغي ونحوها إذا جاءت في القرآن والحديث; فالمراد أن ذلك ممتنع غاية الامتناع; كقوله تعالى:{ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ }، وقوله:{ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً }، وقوله:{ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } وقوله:_ صلى الله عليه وسلم_:" إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام "(
    [6]).
    وقوله: (أن يستغفروا); أي: يطلبوا المغفرة للمشركين.
    قوله:{ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى }أي: حتى ولو كانوا أقارب لهم، ولهذا لما اعتمر النبي _صلى الله عليه وسلم_: ومر بقبر أمه استأذن الله أن يستغفر لها فما أذن الله له، فاستأذنه أن يزور قبرها فأذن له; فزاره للاعتبار وبكى وأبكى من حوله من الصحابة(
    [7]), فالله منعه من طلب المغفرة للمشركين; لأن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا للمغفرة إذا دعوت الله أن يفعل ما لا يليق; فهو اعتداء في الدعاء([8]).
    قوله: ( قل لا إله إلا الله) أمره أن يقولها لعلم أبي طالب بما دلت عليه من نفي الشرك بالله وإخلاص العبادة له وحده، فإن من قالها عن علم ويقين فقد برئ من الشرك والمشركين ودخل في الإسلام؛ لأنهم يعلمون ما دلت عليه، وفي ذلك الوقت لم يكن بمكة إلا مسلم أو كافر, فلا يقولها إلا من ترك الشرك وبرئ منه, وفي هذا القدر من الحديث فائدة، وهي أن هذه الكلمة: (لا إله إلا الله) ليست كلمة مجردة عن المعنى، تنفع من قالها، ولو لم يُقرّ بمعناها, والعرب كانوا لصلابتهم، وعزتهم، ورجولتهم، ومعرفتهم بما يقولون: إذا تكلموا، أو خوطبوا بكلام يعون كل حرف، وكل كلمة خوطبوا بها، أو نطقوا بها، ولذلك لما قيل لهم قولوا: لا إله إلا الله_ مع أنها كلمة يسيرة_ أبوا؛ لأنهم يعلمون أن هذه الكلمة معناها إبطال آلهة من سوى الله _جل وعلا_ ولهذا قال جل وعلا:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} الآيات [الصافات: 37].
    وكذلك قول الله _جل وعلا _مخبراً عن قولهم في أول سورة: ,{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}[ص: 5] استنكروا قول: (لا إله إلا الله) وهذا هو الذي حصل مع أبي طالب لما قال له النبي _صلى الله عليه وسلم_: قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله, فلو كانت مجردة من المعنى عندهم، أو يمكن أن يقولها المرء دون اعتقاد ما فيها، ورضىً بما فيها ويقين وانتفاء الريب لقالها، ولكن ليس هذا هو المقصود من قول: (لا إله إلا الله) بل المقصود هو قولها مع تمام اليقين بها، وانتفاء الريب، والعلم، والمحبة، إلى آخر الشروط المعروفة (
    [9]).

    ومن حكمة الرب تعالى في عدم هداية أبي طالب إلى الإسلام ليبين لعباده أن ذلك إليه وهو القادر عليه دون من سواه, فلو كان عند النبي _صلى الله عليه وسلم_ الذي هو أفضل خلقه من هداية القلوب وتفريج الكروب ومغفرة الذنوب والنجاة من العذاب ونحو ذلك شيءٌ: لكان أحق الناس بذلك وأولاهم به عمه الذي كان يحوطه ويحميه وينصره ويؤويه، فسبحان من بهرت حكمته العقول! وأرشد العباد إلى ما يدلهم على معرفته وتوحيده، وإخلاص العمل له وتجريده.
    فإذا كان الله _عز وجل_ نهى الرسل، والأنبياء، والأولياء، وغيرهم من أهل الصلاح في حال حياتهم, عن الاستغفار لهؤلاء المشركين، فهذا يدل أنه لو فرض أنهم يقدرون على الاستغفار في حال حياتهم البرزخية فإنهم لن يستغفروا للمشركين، ولن يسألوا الله لمن توجه إليهم _حال موتهم_ لطلب الاستشفاع، أو لطلب الإغاثة، أو غيرها من العبادات، وأنواع التوجهات. والله أعلم(
    [10]).
    وكان من قول أبي طالب:
    ولقد علمت أن دين محمَّد ... من خير أديان البرية ديناً
    لو لا الملامة أو حذار مسبة ... لرأيتني سمحاً بذاك مبيناً
    ومما قاله أيضاً حمية للنبي _صلى الله عليه وسلم_:
    كذبتم وبيت الله نبزي محمداً ... ولما نطاعن دونه ونناضل
    ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
    إلى أن قال:
    ولقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
    إلى أن قال:
    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
    حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل
    إلى أن قال:
    فو الله لولا أن أجي بمسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل
    لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدًّا غير قول التهازل
    وقال في قصيدته النونية معترفاً بدينه الحق:
    والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
    إلى أن قال:
    ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
    وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا
    لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحاً بذاك مبينا([11])
    ومع هذا كله لم ينتفع, لأنه لم يأتي بالتوحيد منقادا له معترفا فيه اعتراف مستسلم منقاد, ففيه ردٌ على المرجئة الذين يزعمون أن الإيمان مجرد المعرفة.
    إشكال وجوابه:
    قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة يشكل مع قوله تعالى:{وَلَيْسَت ِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ } وظاهر الحديث قبول توبته والجواب عن ذلك من أحد وجهين:
    الأول: أن يقال لما حضرت أبا طالب الوفاة، أي ظهر عليه علامات الموت ولم ينزل به، ولكن عرف موته لا محالة، وعلى هذا; فالوصف لا ينافي الآية.
    الثاني: أن هذا خاص بأبي طالب مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ ويستدل لذلك بوجهين:
    أ- أنه قال: (كلمة أحاج لك بها عند الله)، ولم يجزم بنفعها له، ولم يقل: كلمة تخرجك من النار.
    ب _ أنه سبحانه أذن للنبي _صلى الله عليه وسلم_ بالشفاعة لعمه مع كفره، وهذا لا يستقيم إلا له، والشفاعة له ليخفف عنه العذاب ويضعف الوجه الأول أن المعنى ظهرت عليه علامات الموت, بأن قوله: ( لما حضرت أبا طالب الوفاة ). مطابقا تماما لقوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ }. وعلى هذا يكون الأوضح في الجواب أن هذا خاص بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ مع أبي طالب نفسه(
    [12]). ويؤكد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح, بَاب ُ( إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَه إِلَّا الله ), قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ:" لَمْ يَأْتِ بِجَوَابِ إِذَاً, لِأَنَّهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمَّا قَالَ لِعَمِّهِ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا, كَانَ مُحْتَمِلًا لِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ, لِأَنَّ غَيْرَهُ إِذَا قَالَهَا وَقَدْ أَيْقَنَ بِالْوَفَاةِ لَمْ يَنْفَعْهُ" ([13]).

    فيه مسائل:
    الأولى: تفسير{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
    الثانية:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
    الثالثة: وهي المسألة الكبرى تفسير قوله: (قل لا إله إلا الله) بخلاف ما عليه من يدَّعي العلم.
    الرابعة: أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قال للرجل: (قل لا إله إلا الله) فَقَبَّح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام.
    الخامسة: جِدُّه -صلى الله عليه وسلم- ومبالغته في إسلام عمه.
    السادسة: الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه.
    السابعة: كونه صلى الله عليه وسلم استغفر له فلم يُغفر له، بل نُهي عن ذلك.
    الثامنة: مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
    التاسعة: مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر.
    العاشرة: استدلال الجاهلية بذلك.
    الحادية عشرة: الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم؛ لأنه لو قالها لنفعته.
    الثانية عشرة: التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين؛ لأن في القصة أنهم لم يجادلوه إلا بها، مع مبالغته صلى الله عليه وسلم وتكريره، فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصروا عليها.





    ([1]) أخرجه البخاري: (1360) , و(3884) و(4675) و(4772) و(6681) ومسلم: (24).
    ([2]) أخرجه البخاري (4770) ومسلم (208).
    ([3]) انظر التمهيد لشرح كتاب التوحيد: (ص219),والقول المفيد: (ج1_ص353).
    ([4]) انظر فتح المجيد: (ص241),و إعانة المستفيد: (ج1_ص258).
    ([5]) انظر القول المفيد: (ج1_ص349).
    ([6]) من حديث أبي موسى, رواه مسلم _كتاب الإيمان_ باب في قوله :_عليه الصلاة والسلام_: "إن الله لا ينام", (1/160).
    ([7]) رواه مسلم _كتاب الجنائز_, باب استئذان النبي _صلى الله عليه وسلم _:ربه عز وجل زيارة أمه,( 2/671).
    ([8])ينظر فتح المجيد:( ص246), و القول المفيد: (ج1_ص352).
    ([9]) ينظر فتح المجيد: (ص 242_243), والتمهيد لشرح كتاب التوحيد: (ص222).
    ([10]) انظر فتح المجيد: (ص244),و التمهيد:(ص224).
    ([11]) ينظر فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد.
    ([12]) انظر القول المفيد: (ج1_ص354).
    ([13]) انظر فتح الباري: (ج3_ص 282), ط دار السلام .ومختصر البخاري للألباني: (ج1_398) حديث رقم: (1360) في الأصل وفي المختصر برقم: (652) .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  18. #58

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (18)
    باب
    ما جاء أن سبب كفر بني آدم
    وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
    وقول الله تعالى:{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ }[ النساء:171 ]. وفي الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال في قول الله تعالى:{ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }[ نوح:23 ].

    قال:هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم:أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت([1]).

    وقال ابن القيم:
    قال غير واحد من السلف:لما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم.
    وعن عمر أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال:« لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد ، فقولوا:عبد الله ورسوله» أخرجاه([2]).
    وقال:قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_:« إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»([3]).
    ولمسلم:عن ابن مسعود أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _قال:« هلك المتنطعون قالها ثلاثا »([4]).

    الشرح:
    يعني: ما ورد من الأدلة من أن: ( سبب كفر بني آدم..... ). والغلو في الصالحين هو: الزيادة في مدحهم، ورفعهم فوق مكانتهم؛ بأن يُجعل لهم شيءٌ من العبادة. أراد المصنف - رحمه الله تعالى - بيان ما يئول إليه الغلو في الصالحين من الشرك بالله في الإلهية الذي هو أعظم ذنب عُصي الله به،وهو ينافي التوحيد الذي دلت عليه كلمة الإخلاص:شهادة أن لا إله إلا الله([5]).

    وقد بين الشيخ - رحمه الله -
    فيما سبق من الأبواب أصولا عظيمة ،وأقام البراهين على التوحيد وبين ما يتعلق به المشركون وأبطل أصول اعتقادهم بالشريك ،أو الظهير ،أو الشفيع ،ونحو ذلك.
    فإذا كان التوحيد ظاهرا والأدلة عليه من النصوص بينة، فكيف - إذا - دخل الشرك ؟ وكيف وقع الناس فيه والأدلة على انتفائه وبطلانه وعدم جوازه ظاهرة ؟ مع أن الرسل جميعا بعثوا، ليعبد الله وحده دون ما سواه، كما قال تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ } [ النحل: 36] ، فما سبب الغواية ؟ وما سبب الشرك؟ فإذا كانت قضية التوحيد من أوضح الواضحات والأبواب السالفة دالة بظهور ووضوح على وجوب إحقاق عبادة الله وحده ، وعلى إبطال عبادة كل من سوى الله - جل جلاله وتقدست أسماؤه - فما سبب وقوع الشرك إذا ؟ وكيف وقعت فيه الأمم ؟ وللأجوبة على هذه الأسئلة أورد الشيخ - رحمه الله - هذا الباب وما بعده؛ليبين أن سبب الشرك وسبب الكفر هو:الغلو الذي نهى الله - جل وعلا - عنه، ونهى عنه رسوله _صلى الله عليه وسلم_، سواء في هذه الأمة أو في الأمم السابقة، فأحد أسباب وقوع الكفر والشرك هو:الغلو في الصالحين،بل هو سببهما الأعظم.

    قال هنا: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين). هذا ذكر للأسباب ، بعد ذكر الأصول والعقائد.
    قوله (هو الغلو في الصالحين ) الغلو:مأخوذ من غلا الشيء:يغلو ، غلوا:إذا جاوز به حده وقد جاء في الحديث:« أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ لما رمى الجمرات بحصيات قال: بمثل هذه فارموا وإياكم والغلو»([6]).

    يعني:لا تجاوزوا الحد حتى في حجم تلك الحصاة ، ومقدارها ولذلك أرشدهم إلى الحجم الذي ينبغي أن تكون عليه بقوله:« بمثل هذه فارموا » فإذا جاوز في المثلية،بأن رمى بكبيرة:فإنه قد غلا،يعني:جاوز الحد الذي حد له في ذلك فالغلو - إذا – هو: مجاوزة الحد.
    والمقصود بـ ( الغلو في الصالحين ) الذي هو سبب كفر بني آدم ، وتركهم دينهم الذي أمروا به:أنهم تجاوزوا الحد الواجب في تعظيمهم حتى آل بهم الأمر إلى الشرك. فالحد المأذون به شرعا في حقهم مطلوب،وهذه هي الحالة الأولى.

    والغلو مذموم شرعا، ومنهي عنه وهذه هي الحالة الثانية،ويقابله ا:الجفاء في حقهم وهي الحالة الثالثة. وهذا الجفاء له صور منها:عدم موالاتهم،وبخسهم حقهم ،وترك محبتهم ،فالحاصل:أن كل تقصير في حقهم يعد جفاء، وكل زيادة فيه يعد غلو.
    قوله (سبب كفر بني آدم) السبب في اللغة:ما يتوصل به إلى غيره، ومنه قوله تعالى:{ فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع } [الحج: 15]، أي: بشيء يوصله إلى السماء, ومنه أيضاً سمي الحبل سبباً، لأنه يتوصل به إلى استسقاء الماء من البئر, وأما في الاصطلاح عند أهل الأصول:فهو الذي يلزم من جوده الوجود ومن عدمه العدم. أي: إذا وجد السبب وجد المسبب، وإذا عدم عُدِمَ المسبب، إلا أن يكون هناك سبب آخر يثبت به المسبب, والصالح: هو الذي قام بحق الله وحق العباد([7]). والشاهد من هذه الآية قوله:{ لا تغلو في دينكم }، فنهى عن الغلو في الدين، لأنه يتضمن مفاسد كثيرة، منها:
    1_ أنه تنزيل للمغلو فيه فوق منزلته إن كان مدحاً، وتحتها إن كان قدحاً.
    2_ أنه يؤدي إلى عبادة هذا المغلو فيه كما هو الواقع من أهل الغلو.

    3_ أنه يصد عن تعظيم الله- سبحانه وتعالى-:لأن النفس إما أن تنشغل بالباطل أو بالحق، فإذا انشغلت بالغلو بهذا المخلوق وإطرائه وتعظيمه، تعلقت به ونسيت ما يجب لله تعالى من حقوق.

    4_ أن المغلو فيه إن كان موجوداً، فإنه يزهو بنفسه، ويتعاظم ويعجب بها، وهذه مفسدة تفسد المغلو فيه إن كانت مدحاً،وتوجب العداوة والبغضاء وقيام الحروب والبلاء بين هذا وهذا إن كانت قدحاً([8]).


    قوله ( إنما أنا عبد)
    أي: ليس لي حق في الربوبية، ولا مما يختص به الله - عز وجل - أبداً.

    قوله: ( فقولوا عبد الله ورسوله) هذان الوصفان أصدق وصف وأشرفه في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأشرف وصف للإنسان أن يكون من عباد الله، قال تعالى:{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً }[الفرقان: 63]. وقال تعالى:{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات:171]. فوصفهم الله بالعبودية قبل الرسالة مع أن الرسالة شرف عظيم، لكن كونهم عباداً لله - عز وجل - أشرف وأعظم، وأشرف وصف له وأحق وصف به، ولهذا يقول الشاعر في محبوبته:

    لا تدعني إلا بيا عبادها **** فإنه أشرف أسمائي


    أي:
    أنت إذا أردت أن تكلمني قل: يا عبد فلانة، لأنه أشرف أسمائي وأبلغ في الذل, فمحمد - صلى الله عليه وسلم - عبد لا يعبد،ورسول لا يكذب، ولهذا نقول في صلاتنا عندما نسلم عليه ونشهد له بالرسالة:وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فهذا أفضل وصف اختاره النبي عليه الصلاة والسلام لنفسه. واعلم أن الحقوق ثلاثة أقسام، وهي:
    الأول: حق لله لا يشرك فيه غيره:لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهو ما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
    الثاني: حق خاص للرسل، وهو إعانتهم وتوقيرهم وتبجيلهم بما يستحقون.
    الثالث: حق مشترك، وهو الإيمان بالله ورسله، وهذه الحقوق موجودة في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:{لتؤمنوا بالله ورسوله}، فهذا حق مشترك،{وتعزروه وتوقروه} هذا خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم -:{وتسبحوه بكرة وأصيلاً} [الفتح: 9]. هذا خاص بالله - سبحانه وتعالى- والذين يغلون في الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجعلون حق الله له، فيقولون:{وتسبحوه}،أي:الرسول، فيسبحون الرسول كما يسبحون الله، ولا شك أنه شرك، لأن التسبيح من حقوق الله الخاصة به،بخلاف الإيمان، فهو من الحقوق المشتركة بين الله ورسوله([9]).

    قوله: ( المتنطعون )
    المتنطع: هو المتعمق المتقعر المتشدق، سواء كان في الكلام أو في الأفعال، فهو هالك، حتى ولو كان ذلك في الأقوال المعتادة، فبعض الناس يكون بهذه الحال، حتى إنه ربما يقترن بتعمقه وتنطعه الإعجاب بالنفس في الغالب، وربما يقترن به الكبر، فتجده إذا تكلم يتكلم بأنفه، فتسلم عليه فتسمع الرد من الأنف إلى غير ذلك من الأقوال([10]).

    ونبيّن هنا ما يُستفاد من هذه الأحاديث باختصار:
    المسألة الأولى: التحذير من الغلو في مدحه _صلى الله عليه وسلم_، لأن ذلك يؤدي إلى الشرك، كما أدى بالنصارى إلى الشرك.
    المسألة الثانية: فيه الرد على أصحاب المدائح النبوية التي غلوا فيها في حقه صلى الله عليه وسلم،كصاحب البردة، وغيره.

    المسألة الثالثة: فيه النهي عن التشبه بالنصارى لقوله:"كما أطرت النصارى ابن مريم".

    ومن الغلو في حقه _صلى الله عليه وسلم_:
    إحياء المولد كل سنة، لأن النصارى يحيون المولد بالنسبة للمسيح على رأس كل سنة من تاريخهم، فبعض المسلمين تشبّه بالنصارى فأحدث المولد في الإسلام بعد مضي القرون المفضلة،لأن المولد ليس له ذكر في القرون المفضلة كلها، وإنما حدث بعد المائة الرابعة، أو بعد المائة السادسة لما انقرض عهد القرون المفضلة، فهو بدعة، وهو من التشبه بالنصارى.


    المسألة الرابعة:
    فيه مشروعية مدحه صلى الله عليه وسلم بصفاته الكريمة:عبد الله، ورسوله، الداعي إلى الله، بلّغ البلاغ المبين، جاهد في الله حق جهاده، كل هذا من صفاته صلى الله عليه وسلم؛ فذكره طيّب.


    المسألة الخامسة:
    يُستفاد من ذلك:كمال شفقته _صلى الله عليه وسلم_ على أمته، وأنه حذّرها من الإطراء في حقه صلى الله عليه وسلم، وحذّرها من الغلو، وحذّرها من التنطع.
    ثلاثة أساليب جاء بها صلى الله عليه وسلم:الإطراء والغلو والتنطع. نوّعها _صلى الله عليه وسلم_ من باب التأكيد والتحذير من الغلو.

    المسألة السادسة:
    فيه أن من نهى عن شيء فإنه يذكر البديل الصالح عنه إن كان له بديل، فإنه صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الإطراء قال:"إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله". هذا البديل الصالح.


    المسألة السابعة:
    في الحديث:النهي عن الغلو في العبادات، ومنها حصى الجمار، قال فيها صلى الله عليه وسلم:"إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو". والغلو في العبادات، هو:الزيادة فيها عن الحد المشروع:كميّة وكيفيّة ووقتاً، إلى غير ذلك، نحن لا نُحدث شيئاً من عند أنفسنا.


    والبدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حقيقية، وبدعة إضافية.

    البدعة الحقيقية: إذا أُحدث شيء لا أصل له، مثل المولد والتبرك بالآثار.

    والإضافية: أن نُحدِث للعبادة المشروعة وقتاً أو صفة لم يشرعها الله ورسوله، كما لو قلنا: ليلة النصف من شعبان يصلون النّاس ويتهجّدون، أو نصوم النصف من شعبان. فالصيام مشروع، وقيام الليل مشروع، لكن إذا حدّدناه بوقت لا دليل عليه فهذا بدعة إضافية، لأن أصل العبادة مشروع، ولكن تقييدها بوقت محدّد، منه إضافة إلى العبادة وهي غير مشروعة، فهذه بدعة تسمى إضافية. ذكر الله مشروع؛ التسبيح والتهليل والتكبير، لكن إذا قلنا للناس: سبِّحوا ألف تسبيحة، كبروا ألف تكبيرة، قولوا: كذا ألف مرة بدون دليل. فهذا يُعتبر بدعة إضافية.

    المسألة الثامنة:
    فيه التحذير من التنطع في الكلام، والتنطع في الاستدلال، والتنطع في العبادة، وعرفنا بماذا يكون التنطع في الكلام، والتنطع في الاستدلال، والتنطع في العبادة.


    المسألة التاسعة:
    فيه تكرار النصيحة حتى ترسخ وتثبت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرّر قوله:"هلك المتنطعون". قالها ثلاثاً، من أجل أن ترسخ هذه النصيحة، وتثبت في قلوب السامعين.والله تعالى أعلم([11]).

    س/ ما الفرق بين التنطع والغلو والاجتهاد؟


    الجواب:
    الغلو مجاوزة الحد. والتنطع معناه: التشدق بالشيء والتعمق فيه، وهو من أنواع الغلو. أما الاجتهاد: فإنه بذل الجهد لإدراك الحق، وليس فيه غلو إلا إذا كان المقصود بالاجتهاد كثرة الطاعة غير المشروعة، فقد تؤدي إلى الغلو، فلو أن الإنسان مثلاً أراد أن يقوم ولا ينام، وأن يصوم النهار ولا يفطر، وأن يعتزل ملاذ الدنيا كلها، فلا يتزوج ولا يأكل اللحم ولا الفاكهة وما أشبه ذلك،فإن هذا من الغلو،وإن كان الحامل على ذلك الاجتهاد والبر، ولكن هذا الخلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -([12]).


    خلاصة الباب:
    بيان أن الغلو في الصالحين من أسباب الكفر، وليس هو السبب الوحيد للكفر, وأن خطر الغلو عظيم ونتائجه وخيمة، فالواجب تنزيل الصالحين منازلهم، فلا يستوي الصالح والفاسد، بل ينزل كل منزلته، ولكن لا نتجاوز به المنزلة فنغلو فيه، فدين الله وسط لا يعطي الإنسان أكثر مما يستحق، ولا يسلبه ما يستحق، وهذا هو العدل([13]).


    فيه مسائل:

    الأولى:
    أن من فهم هذا الباب وبابين بعده ؛ تبين له غربة الإسلام ، ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب.
    الثانية: معرفة أول شرك حدث في الأرض أنه بشبهة الصالحين.
    الثالثة: أول شيء غير به دين الأنبياء وما سبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم.
    الرابعة: قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها.
    الخامسة: أن سبب ذلك كله: مزج الحق بالباطل فالأول محبة الصالحين. والثاني: فعل أناس من أهل العلم شيئا ، أرادوا به خيرا ، فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره.
    السادسة: تفسير الآية التي في سورة نوح.
    السابعة: جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد.
    الثامنة: فيه شاهد لما نقل عن السلف ، أن البدع سبب الكفر .
    التاسعة: معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل.
    العاشرة: معرفة القاعدة الكلية وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول إليه


    .________________________


    ([1])أخرجه البخاري (4920).

    ([2])أخرجه البخاري (3445) (6830) ومسلم (1691).
    ([3])أخرجه أحمد: ( 1 / 215 ، 347 ), وابن ماجه (3064).
    ([4])أخرجه مسلم (2670).
    ([5]) فتح المجيد: (ص247),
    ([6])رواه أحمد في المسند (1 / 215 - 347) والنسائي (5 / 268) ابن ماجه (3064) وصححه الذهبي والنووي وابن تيمية في الاقتضاء: ( ص106) .
    ([7]) انظر التمهيد: (ص228_ص231),والقول المفيد: (ج1_ص362).
    ([8]) انظر القول المفيد: (ج1_ص365).
    ([9]) انظر القول المفيد: (ج1_ص370_372).
    ([10]) انظر القول المفيد: (ص377).
    ([11]) إعانة المستفيد: (ج1_ص282).
    ([12]) القول المفيد: (ج1_ص392).
    ([13]) القول المفيد: (ج1_ص391).



    لحفظه بصيغه pdf
    تفضل هنآ

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري مشاهدة المشاركة

    المسألة الثانية: فيه الرد على أصحاب المدائح النبوية التي غلوا فيها في حقه صلى الله عليه وسلم،
    كصاحب البردة، وغيره.

    السؤال: السائل يقول سمعت وقرأت قصيدة البردة والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم فهل تضر في عقيدته؟

    الجواب :

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها كان يقول مادحا للنبي صلى الله عليه وسلم

    يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
    إن لم تكن آخذا يوم الميعاد يدي عفوا وإلا فقل يا ذلـة القـدم
    فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقـلم

    هل يمكن لمؤمن أن يقول موجها الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبدا إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له ما شاء الله وشئت فقال (اجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة فضلا عن الخاصة هل يمكن لمؤمن أن يقول موجها الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم إن لم تكن آخذا يوم الميعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين هل يمكن لمؤمن أن يقول فإن من جودك الدنيا وضرتها الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله إنه إن مضمون هذا القول لم يبقى لله شيء لا دنيا ولا أخرى فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وأن الله جل وعلا ليس له فيها شيء وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم ومن علومك علم اللوح والقلم من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحي الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول إن الرسول يعلم الغيب وأن من علومه علم اللوح والقلم كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر أعني عن البصيري لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا لكنا نقول هذه المقالات كفر ومن أعتقدها فهو كافر نقول ذلك على سبيل العموم ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة لما فيها من الأمور الشركية العظيمة وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان والباطل مردود ممن جاء به أيا كان.

    http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_1482.shtml
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  20. #60

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    بارك الله فيك أختي الكريمة ونفع بك.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •