الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على اله و صحبه:
من المبادئ التي ارتكز عليها التشيع كمذهب ديني و نظام فكري، مبدأ المظلومية لأهل البيت و ادعاء الانتصار لهم و القيام على إظهار الحقائق المغيبة على أهل السنة!!
و قد هيأ هذا الأمر نحو بلورة أفكار المذهب، على النحو الذي يجعل أتباعه حريصين كل الحرص على نشر هذا المذهب بكافة الوسائل و السبل، معتمدين في ذلك على مستبصرين زعموا!! _و المستبصر عندهم هو من كان سنيا ثم أصبح شيعيا_ يظهرون لأهل السنة ما كان خافيا عليهم من حقائق، و ناشرين بينهم قصة استبصارهم و تحولاتهم ،و ركوبهم لسفينة أهل البيت!! و متخذين إياهم الواجهة الكبرى لغزو أهل السنة في بلادهم.
و لا بأس أن نبين و ندلل على ما نقول من خلال الوقوف على بعض النماذج التي طرحت نفسها في الآونة الأخيرة على الساحة المغربية، بوصفها نماذج وحدوية تقريبية، إذ يعد محمد الصغير الحسني من ابرز هؤلاء المغاربة المعاصرين متخذين من مبدأ الوحدة و التقريب و كشف الحقائق وسيلة لهم لنشر مذهب التشيع وسط أبناء المغرب، الذين يجهل الكثير منهم حقيقة هذا المذهب و أصوله و ما بني عليه،
و هذا ما تأكدنا منه و بدا واضحا و جليا في مقاله المنشور بعنوان: "من كان عاقلا فلا يتحدى الشيعة" مبتدئا مقاله بكلام منمق، و عبارات رائقة المعنى، جميلة المبنى، متخذا من الشيخ محمد الفزازي _ له مجهودات في وقف شبح الرفض بين المغاربة_ المطية التي يركبها في نشر خرافات و أكاذيب الشيعة؛ باثا شبهات قديمة و أخرى حديثة قد انتهى منها أهل السنة مبينين و رادين عليها.
و لكي نتعرف أكثر على هذا الرجل الوحدوي و شخصيته التقريبية، أحببت أن اكتب سطورا في بعض المسائل الجوهرية المختلف فيها بين أهل السنة و الشيعة، وفقا لما طرحه هذا الوحدوي التقريبي مفندا إياها و مبينا عوارها؛ و يمكن تلخيص و إجمال ما ذكره محمد الصغير الحسني من خلال النقاط و العناوين الآتية:
تهنئة وراءها ما وراءها:
ابتدأ الشيعي الكريم محمد الصغير حديثه بتهنئة الشيخ محمد الفزازي بخروجه من السجن، و اتسامه بقيم العالم الحصيف و الذكاء المتزن، و الإنصاف في الحكم، ثم ما يلبث أن يقلب ظهر مجنه، ليقذف أول شبهة لطالما تغنى بها الشيعة من على منابرهم، و هي قوله: "أقول لولا هذه الأوزار لكنتم أبطال الدفاع عن فقه و حكمة أهل البيت عليهم السلام -و ليس محبتهم- في أصقاع الدنيا"
أقول: اعلم أن أهل السنة _و الفزازي منهم_ هم اسعد الناس بفقه و حكمة أهل البيت، لأنهم أهل عدل و إنصاف، لا غلو و لا إجحاف، و لأنهم تبرؤوا من طريقة الشيعة الذين غلوا في بعض أهل البيت غلوا مفرطا، و اجتنبوا طريقة النواصب الذين أذوهم و ابغضوهم، و هم متفقون جميعا على الدفاع و المحبة و إظهار الفضائل و نشر علمهم و سيرهم بين عموم أهل السنة، و لو انك ألزمت نفسك و لو بالاطلاع اليسير على المصنفات و المؤلفات التي كتبت في ذلك لأخذك العجب و الدهشة، و يمكن إجمال بعض مظاهر و صور ولاء آهل السنة لأهل البيت فيما يلي:
- ذكر فضائلهم و مناقبهم و حقوقهم الشرعية.
-صلاتهم على أل البيت في الصلاة الإبراهيمية.
-تصريحهم بوجوب محبة أهل البيت و معرفة حقهم دون إفراط أو تفريط.
- حرصهم على نسب أهل البيت و غلظتهم على الأدعياء.
- الاعتراف بتشريف الله تعالى بالصلاة عليهم تبعا للمصطفى صلى الله عليه و سلم في الصلاة و غيرها.
- حرمة الصدقة عليهم و استحقاقهم للخمس.
- كل سبب و نسب مقطوع إلا سببهم و نسبهم و غير ذلك ...
و لكن ما يريده الشيعة من الدفاع عن فقه و حكمة أهل البيت؛ هو ما سطر في كتبهم من التأليه و التقديس الزائف، و الغلو و الحماقة و التمرغ على قبورهم و سؤالهم من دون الله كما هو معروف.
الهجوم على مؤتمر القاهرة لنصرة سوريا:
ثم انتقل محمد الصغير إلى الهجوم على مؤتمر علماء المسلمين في القاهرة لنصرة سوريا، واصفا إياه ب: "مؤتمر الإجماع الكاذب و الفتنة المطبوخة بليل" و مكذبا الشيخ الفزازي بان البيان الختامي للمؤتمر لم ينعقد فيه الإجماع، فبالتالي كان محض كذب و افتراء، و في هذا من المغالطات الشيء الكثير الذي يجعل المرء مندهشا من سببهم للدفاع عن بشار و زمرته -دمرهم الله- و للرد على هذا لا باس أن انقل كلمة الشيخ الفزازي في المؤتمر التي تدل على عمق نظرته للأحداث الجارية في الشام، و مدركا خطر الشيعة على الأمة، قال: "...الواقع إن الحديث عن أعداء سوريا لا يحتاج إلى علم واسع و إلى تبسيط و تفصيل و شرح و طرح، العدو في سوريا واضح؛ يعلمه كل احد، العدو في سوريا؛ الشيوعية و الشيعة ،العدو في سوريا؛ الصفوية و النصيرية، العدو في سوريا؛ حزب اللات و إيران المجوس، العدو في سوريا؛ البعث الكافر المجرم، العدو في سوريا؛ الذين قال في أمثالهم رب العزة في سورة التوبة: (و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم. فقاتلوا أئمة الكفر. إنهم لا أيمان لهم. لعلهم ينتهون) و في قراءة: (إنهم لا إيمان لهم. لعلهم ينتهون) فالقوم هناك؛ نكثوا العهود، و القوم هناك ضيعوا كل عزيز على هذه الأمة، القوم هناك يكفي أن نفتح القنوات الفضائية لنرى فضائع القوم هناك، و ماذا يفعلون في أهلنا في سوريا، إذن الشيعة و حزب اللات و إيران، هذا الثالوث المجوسي، سقط القناع عن وجهه القبيح، لا نحتاج إلى تضليله و لا إلى تكفيره، فهو كافر ضال ابتداء، و القضية ليست حماسية أو قضية شحنة عاطفية و ما إلى ذلك، بل القضية حقيقية، تنبهوا إلى هذا الذي سأقوله لكم؛ تفسيراتهم للقرآن غير تفسيراتنا، و أحاديثهم غير أحاديثنا، و كتبهم غير كتبنا، و أئمتهم غير أئمتنا ،علماءهم ليسوا بعلمائنا، و علمائنا ليسوا علماء لهم، إذن كيف يمكن أن نكون على دين واحد!!؛و المشرب العقدي و الإيماني و الخلقي متباين، متضارب، مشاقق تماما، إذن هؤلاء ليسوا من ديننا، و لا من أبناء هذا الدين، و لا من جلدتنا ،و لكنهم أعداء بل أئمة في العدوان، كما قال الله عز وجل: "فقاتلوا أئمة الكفر" لأنهم طعنوا في هذا الدين، طعنوا فيه باللسان، و بالخنجر، و بالبندقية ،و بالسلاح، و بكل أنواع السلاح، و لهذا أيها الإخوة الأفاضل لنا في هذا الدين شيء اسمه الكليات الخمس ،أو الضروريات الخمس: (حفظ الدين ،و حفظ النفس، و حفظ المال، و حفظ العرض، و حفظ العقل) و كل هذه الأشياء انتهكها أعداء الله في سوريا، و عليه فواجب كل الواجب على الأمة كل الأمة، من شرقها إلى غربها؛ أن تبذل في سبيل الله حتى تطهر ارض الشام من هؤلاء الأنجاس ،من هؤلاء الذين ضحكوا على بعض أفراد هذه الأمة، أو على كثير من أبناء هذه الأمة، من خلال الإعلام الشيعي ؛من خلال التمويه بأنهم يمثلون الممانعة ،و يمثلون رأس الحربة لمحاربة إسرائيل، و كلها تمثيليات و كلها مسرحيات، الآن سقط القناع و انكشف للعالم الإسلامي كله أن هذه القلة الخبيثة لابد و أن تستأصل من الجسد الإسلامي، و من قلب هذا العالم الإسلامي الشام الجريحة..."اهـ كلامه.
عرفنا إذن سر الهجوم على الفزازي من طرف الشيعة؛ فقد استطاع أن يطلقها دوية في أرجاء المعمورة محذرا من أمثال صاحبنا هذا الذي نحن الآن في صدد بيان افتراءاته و شبهاته.
أما بخصوص البيان الختامي فقد صدر بناءا على ما ناقشه المؤتمرون و تحدثوا عنه، و الإجماع منعقد عليه فلو راجعت كتب الأصول لتبين لك ذلك؛ فما تلاه الشيخ محمد حسان في ختام المؤتمر لا يلزم لكل الحاضرين أن يتلوه واحدا واحدا حتى يحصل الإجماع على حسب ما يتبادر من حالك، فالإجماع كما هو معلوم نوعان ؛إجماع صريح، و إجماع سكوتي ،و ما حصل في بيان المؤتمر هو من الإجماع السكوتي؛ و هو حجة ما دام هناك رضا و موافقة و انتفت الاحتمالات التي تمنع من اتخاذ السكوت موافقة، و لم يصدر من المؤتمرون ما يناقض البيان ما يدل خلاف ما ذهب إليه الشيعي محمد الصغير.
أهل السنة و الاملاءات:
بناءا على ما سبق ذهب الشيعي محمد الصغير إلى ابعد من ذلك فقال: "علماء أهل السنة في ذلك الاجتماع كانوا إذن مطالبين بالخضوع للأمر الواقع" يعني حسب زعمه؛ أن المؤتمر المنعقد كان بناءا على املاءات خارجية من حكام العرب، و هذا مجانب للصواب، إذ قد بينا أن البيان صدر بإجماع المؤتمرون، و ثانيا أن أهل السنة لا يخضعون لاملاءات الملوك و الحكام ؛فهم يصدعون بالحق في وجه كل احد، و ما سجن الفزازي و تعرضه لابتلاء دام ثمان سنوات إلا دليل على ذلك.
و قد ابعد النجعة أكثر فنسب هذا إلى سلف الأمة فقال: "فلم لا تتصورون أن يكون علماء السلف قد عانوا أيضا من مثل ما عانيتم منه فخضعوا لاملاءات الملوك و الساسة ثم خاض الذين من بعدهم و كتبوا فيما لا يزال الناس إلى اليوم متخبطين فيه و مستمسكين به"
و الرد على هذا من وجوه:
- إن ديننا غير مبني على التصورات و التخمينات و إنما على حقائق ثابتة بأسانيد صحيحة؛ و ما علم المصطلح الذي انفرد به أهل السنة إلا دليل على ذلك.
- علماء السلف لم يكونوا قط ألعوبة بيد الحكام و الساسة و إنما قول الحق و الصدع به في وجه كل احد، فلو جردت مثلا كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي أو "البداية و النهاية" لابن كثير لتبين لك ذلك.
- لا باس أن أورد بعض النماذج و المواقف التي تؤكد كذب و تلبيس ما ذهب إليه الشيعي الصغير من تصوير كاذب للسلف؛ فما حصل بين سعيد بن جبير و الحجاج بن يوسف الثقفي، و بين حطيط و الحجاج ،و بين سعيد بن المسيب و هشام ابن إسماعيل ،و بين أبي حازم و سليمان بن عبد الملك، و بين عالم و سليمان بن عبد الملك، و بين مكحول و يزيد بن عبد الملك، و بين طاووس و هشام بن عبد الملك، و بين ابن أبي ذؤيب و أبي جعفر المنصور، و بين الحسن البصري و الحجاج، و بين أبي يوسف القاضي و هارون الرشيد، و بين أبي حنيفة و المنصور، و بين الاوزاعي و عبد الله بن علي، و بين سفيان الثوري و المهدي، و بين الإمام مالك و جعفر بن سليمان،... و غير ذلك من المواقف المشرقة لتاريخ السلف مع حكامهم، إلا دليل على الافتراء و المخادعة و في رسالة الشيخ وحيد عبد السلام بالي: "علماء و أمراء" بعض ذلك فراجعه غير مأمور.
ثم استنتج من كل ما بناه من تصورات، اقل ما يقال عنها أنها تلبيس إبليس ،أن ما عليه الشيخ الفزازي من عقيدة سنية يشترك فيها أكثر مليار نسمة على مستوى العالم، مجرد باطل فقال في ذلك: "ثم كيف لم تتلقفوا تلك الإشارة و الومضة الشرفة من عقلكم الحصيف لتراجعوا كل ملفات القوم لديكم فلعلها أسست كلها على باطل مفروض بالقوة أو بالمال و واضح أن ما أسس على الباطل فهو باطل" فانظر - هداني الله و إياك - فهو يقول: "فلعلها" ؛و هو حرف للتوقع؛ فهو فقط يتوقع و يرجوا أن يكون هذا البناء صحيحا، و قد بينا من قبل تهافت بنيانه، و تدليسه فيه.