وجوب الإمساك عن الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد الأضحية

فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَن كان له ذِبحٌ يذبحه, فـإذا أهلَّ هلال ذي الحجة: فلا يأخذنَّ من شعره, ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي). رواه مسلم و ابوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه واحمد والدارمي والدارقطني والحاكم وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى وشعب الايمان والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم.


أما حديث أمنا عائشة رضي الله عنها فلا بد من سياق جميع ألفاظ الحديث حتى يتبين لنا ما هو المقصود من هذا الحديث ذلك أن الإعمال مقدم على الإهمال كما هو معلوم عند الأصوليين :

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهدي من المدينة, فأفتل قلائدَ هديه, ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحْرِم. متفق عليه
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: فتلتُ قلائدَ هدي النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أشعـرها, وقـلَّدهـا ـ أو قــلَّدتُها ـ, ثــم بَعَثَ بها إلى البيت, وأقام بالمدينة, فما حَرُم عليه شيءٌ كان له حِلّ. متفق عليه
3- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ، وَيُقِيمُ عِنْدَنَا لَايَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ " رواه الطحاوي في مشكل الاثار وصححه.
4- عن عائشة قالت :«كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ،حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ» متفق عليه ولفظ مسلم قَالَتْ: «أَنَا فَتَلْتُ تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَأَصْبَحَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا،يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ،أَوْيَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ»

وبهذا يكون توجيه حديث عائشة رضي الله عنها كالتالي :


1- أن الحديثين مؤتلفين وليسا مختلفين، فيكون الجمع بين الحديثين بالأخذ بزيادة الثقة، والزيادة هي ( من أهله ) وهكذا جمع بينهما الإمام الطحاوي ووفّق بينهما، فذكر رواية لحديث أمنا عائشة رضي الله عنها ساقها بسنده, وجعلها عمدته في الجمع, وهي: لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم من أهله حتى يرجع الناس. قال: فكان في هذ الحديث القصد الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتنبه, وهو ما كان يجتنبه من أهله مما يجب على المحرم اجتنابه من أهله في إحرامه, لا ما سواه من حلق شعره, ولا من قص أظفاره.


2- حديث عائشة يختص بحكم الهدي وليس بالأضحية، ولكل من الهدي والأضحية أحكام تختلف عن الأخرى، وهذا بيان لبعضها :
أ*- الفرق الأول: من حيث الحكم، فإن الهدي واجب في الحج عند وجود سببه من تمتع أو قران أو لزوم دم، أما الأُضحية فجمهور الفقهاء على أنها سنة مؤكدة وليست بواجبة، قال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم يرون الأُضحية سنة مؤكدة غير واجبة. إنتهى، وذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوبها.
ب- الفرق الثاني : من حيث العيوب إذا حدثت، فقد نصَّ في المدونة على أن مالكاً يفرق بين الأُضحية والهدي من هذه الحيثية، ونص المدونة: قلت لابن القاسم: أكان مالك يجيز للرجل أن يبدل أُضحيته بخير منها ؟ قال: نعم، قلت: أكان مالك يجيز للرجل أن يبدل هديه بخير منه ؟ قال: لا، قلت: فبهذا يظن أن مالكاً فرق بين الضحايا والهدي في العيوب إذا حدثت ؟ قال: نعم. انتهى وهو قول لبعض الفقهاء.
ج*- الفرق الثالث : من حيث كونه في الحج أو ليس في الحج، في المدونة: قال مالك: كل شيء في الحج إنما هو هدي، وما ليس في الحج إنما هو أضاحي. انتهى
د*- الفرق الرابع : من حيث مكان الذبح، فإن الفقهاء قد ذكروا أن ذبح الهدي يختص بالحرم، لقوله تعالى: هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]، ويجوز الذبح في أي موضع شاء من الحرم، ولا يختص بمنى؛ لما روى أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر، والأُضحية لا يختص ذبحها بمكان دون مكان، فتذبح في مكة وفي غيرها، ويذبحها الحاج وغيره. قال النووي في المجموع: قال الشافعي: الأُضحية سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى وأهل السفر والحضر والحج بمنى وغيرهم من كان معه هدي ومن لم يكن معه هدي. انتهى


3- ثم ننظر في مسألة : هل ترك الأخذ من الشعر والظفر هو للتشبه بالمحرم أم لا، والصحيح،أن لا، بل هي شروط خاصة تتعلق فيمن أراد الأضحية ليس لها علاقة بالإحرام أو التشبه بالمحرم، والدليل على ذلك :
أ*- قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له ذبح يذبحه ) وفي لفظ ( وعنده أضحية يريد أن يضحي ) فذكر صلى الله عليه وسلم المضحي ثم علق عليه أحكاماً فقال : ( فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ) فلم يقل صلى الله عليه وسلمفهو كالمحرم، أو فعليه ما على المحرم من كذا وكذا - وهذا الأصل، ومن خالف فعليه بالدليل، فالدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه.
ب*- قول أمنا عائشة رضي الله عنها : ( مما يجتنبه المحرم ) وهذا نفي لمشابهته للمحرم، وتفريق بينهما.


هذا والله ورسوله أعلم