لقد كان دأب أهل العلم التلخيص و الشرح و التعقيب فتجد أن كتابا قد يكون له تلخيص و تلخيص التلخيص و الشرح و شرحه و شرح شرحه ، و هذا لم ينتشر إلا في سنة متأخرة ، و البعض من أهل العلم يعتبر ذلك قادحا في مسيرة التأليف إذ أن العلماء انهمكوا في أصول محدده فجلسوا يكررونها ، و بهذا قل الإبداع عند المتأخرين مع أن آلته متوفره عندهم .
و لذلك لم نعد نرى رسالة الشافعي و موافقات الشاطبي أو عروض الخليل بن أحمد و الكتاب لصاحب الكتاب ( سيبويه ) سيَّب الله من سيَّبه !! كما قال البعض .
و فريق آخر من أهل العلم يرى أن هذه ميزة عند أهل العلم و هي تدل على تواضع هؤلاء الجهابذة الذين امتلكوا آلة الإبداع و التأليف و لكن لحرصهم على أن يرتبطوا بسلف لهم ، انكبوا على كتبهم و بينوها و شرحوها و حرروها ، وبل إن أبرز ميزة عند هؤلاء أنهم لم يعتدوا برأيهم ، بل ذكر كثير من أهل العلم ما كان يؤلف إلا بعد أن يلح عليه الطلبة و يكثرون عليه السؤال ، كما ذكر ذلك النووي و ابن الصلاح و ابن حجر و من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي و غيرهم كثير .
و من دليل إبداعهم ان بعض هذه الفروع التي صنفوها فاقت الأصول ، بل إن بعض الأصول لا يذكر إلا و معه شرحه و تلخيصه .
و إلا فمن يشك في قدرة و إبداع ابن القيم و النووي و ابن حجر و غيرهم .
و لعلي أضرب مثلا أدبيا - مع أن حديثنا خاص بالكتب الشرعية و من أراد تعميمه فلا بأس و لكني أذكر هذا المثال استئناسا - و هو الرويات التي ترجمها المنفلوطي من الأدب الفرنسي ، فقيل أن المؤلف الأصلي لو أراد أن يجعلها كما جعلها المنفلوطي لم يستطع !!
و لذلك فهناك فروع فاقت الأصول، و هناك أصول لن تعرف إلا بفروعها بل إن فروعها هي التي أشهرتها ... فاذكر ما تعرف منها .
و سأبدأ بذكر بعض الأمثلة و لعل الإخوة يزيدون ما يعرفون :
1 - شرح ابن أبي العز للطحاوية ، فقد فاق أصله .
2 - مدارج السالكين لإبن القيم فقد فاق كتاب الهروي .
3 - المجموع للنووي فاق المهذب للشيرازي .
4 - المغني لابن قدامة فاق مختصر الخرقي .
و الأمثلة كثيرة و لكن هذا ما يحضرني و لعل الإخوة يضيفون ما يعرفون .