التاريخ الأسود للكنيسة مع العلماء([1])
تاريخ أسود من عداء الحق والحقيقة في القرون الوسطي كانت الكنيسة تحكم الغرب بتحالف بينها وبين الإقطاعيين، وتحت هذا الحكم ذاق الناس الأمرين، ليس بسبب تجبر الكنيسة وطغيانها وتحكمهم بكل صغير وكبير في حياة الشعوب فقط، ولكن أيضا لفساد القساوسة، وانحلالهم، فعندما يكون الحاكم والمتسلط فاسدا، تنبع أوامره وتصوراته من هذا الفساد، ثم تصبغ المجتمع بأسره بصبغته الفاسدة، ومن أكثر المعذبين بتجبر الكنيسة وطغيانها العلماء الذين كانوا يمثلون وقتها الحقيقة المجردة عن الأهواء والمطامع.

ولأن الكنيسة لم تكن تمثل سوى الباطل بجهله وزخرفه وحماقته، فإنها لم تطق للحظة واحدة مواجهة الحقيقة ولو جزئيا، فتاريخ الكنيسة مع العلماء تاريخ أسود، وسجل مملوء بالجبروت والطغيان والقسوة، والجميع يعلم النهاية لهذا العصر المظلم من حياة البشرية، والنهاية لم تكن دمارا على الغرب وحضارته وتاريخ تلك الحقبة التي لا زالت تسمي بعصور الظلام.... ولكنها كانت دمارا على الكنيسة نفسها في المقام الأول.

لقد خرج الناس من حظيرة الكنيسة، وقد ضجوا بظلمها وتطاولها، خرج الناس من ديانة الكنيسة، ديانة الكاهن والمذبح والأسرار والطلاسم، خرج الناس ليس من الكنيسة فحسب، بل وعليها أيضا، خرجوا عليها بحجم ما لقوه من ظلم وقسوة، وبطعم ما ذاقوه من هوان وذل واستعباد، خرجوا يصيحون "اشنقوا أخر قسيس بأمعاء أخر إمبراطور"؛ ولم تهدأ ثورتهم، ولم يسكن غضبهم، إلا بسجل جثث القساوسة، والرقص على أشلاءها، ورد الناس إلى الكنيسة نقد عاجلا ما ذاقوه منها نسيئة.

يحكى لنا التاريخ كيف حصدت المقصلة أعناق القساوسة في ما عرف بمذابح سبتمبر، وكم أخذت المعاول من جنبات الكنائس وقصورها، ويحكى لنا التاريخ كيف حلت الثورة الجمعيات الدينية، وسرحت الرهبان والراهبات، وصادرت أموال الكنيسة، وألغت كل امتيازاتها، وكيف حاربت المسيحية علناً وبشدة، وأصبح رجل الدين موظفاً مدنياً لدى الحكومة يحل لها مسائلته ومحاكمته وعقابه، وبعدها ولوقت طويل ظلت الكنيسة رمزا للطغيان، والفساد، والنفاق، وتوارت الكنيسة عن الأنظار، وانزوت بحقيقتها القبيحة عن المجتمع، كل من يقرأ التاريخ يعرف هذا.


[1] ـ المقال في الأصل بعنوان: الدكتور زغلول النجار فارس في مغارة اللصوص، ثم قمت بإضافة وإختصارات فيه فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.