إخواني الكرام، هذا متن العقيدة الطحاوية، محقق على أربعة مخطوطات، منها النسخة الأزهرية، وقد قمت بتشكيله كاملًا، وسأنشره تباعًا إن شاء الله.
ومن كان من الإخوة له ملاحظة فليبدها لي.
وجزاكم الله خيرًا
إخواني الكرام، هذا متن العقيدة الطحاوية، محقق على أربعة مخطوطات، منها النسخة الأزهرية، وقد قمت بتشكيله كاملًا، وسأنشره تباعًا إن شاء الله.
ومن كان من الإخوة له ملاحظة فليبدها لي.
وجزاكم الله خيرًا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ، عَلَمُ الْإِسْلَامِ، حُجَّةُ الْأَنَامِ، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمِصْرِيُّ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والْعَاقِبَةُ للْمُتَّقِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
هَذَا ذِكْرُ بَيَانِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الْكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ.
لَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ، لَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَفْهَامُ، وَلَا يُشْبِهُ الْأَنَامَ، حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ، مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ.
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَاتِهِ.
وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا، لَيْسَ [بَعْدَ]([1])خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ ((الْخَالِقِ))، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ ((الْبَارِئِ))، لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ، وَمَعْنَى الْخَالِقِيَّةِ ([2]) وَلَا مَخْلُوقَ، وَكَمَا أَنَّهُ ((مُحْييِ الْمَوْتَى)) بَعْدَ مَا أَحْيَا، اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ ((الْخَالِقِ)) قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ؛ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ؛ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
[1])) في (أ)، (ب)، (ج)، (د): ((منذ))، وما أثبته من طبعة الألباني.
[2])) في (ب)، (ج)، (د): ((الخالق))، وما أثبته من (أ).
خَلَقَ الْخَلْقَ بِعِلْمِهِ، وَقَدَّرَ لَهُمْ أَقْدَارًا، وَضَرَبَ لَهُمْ آجَالًا، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ([1]) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ.
وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِقُدْرَتِهِ([2]) وَمَشِيئَتِهِ، وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ؛ لَا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا مَا شَاءَ لَهُمْ؛ فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدَلًا، وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ.
وَهُوُ مُتَعَالٍ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ؛ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا غَالِبَ لِأَمْرِهِ.
آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى، وَنَبِيُّهُ الْمُجْتَبَى، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضَى، [وَأَنَّهُ]([3]) خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامُ الْأَتْقِيَاءِ، وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكُلُّ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بَعْدَهُ فَغَيٌّ وَهَوَى([4])، وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ وَكَافَّةِ الْوَرَى بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، وَبِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ.
[1])) في: (أ)، (د): ((شيء من أفعالهم)).
[2])) في (ج): ((بقدره))، وفي (ط): ((بتقديره))، وما أثبته من (أ)، و(ب)، و(د).
[3])) ليست في النسخ المخطوطة وهي من: (ط).
[4])) هذه الجملة ساقطة من (ج)، وفي: (أ)، (ب)، (د): ((وكل دعوى نبوة بعد نبوته))، وما أثبته من: (ط).
وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا؛ وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ، لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ، فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) المدثر: ٢٦ ؛ فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ: ( إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَر)المدثر: ٢٥ ، عَلِمْنَا [وَأَيْقَنَّا]([1]) أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَشَرِ.
وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ؛ فَمَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ، وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الْكُفَّارِ انْزَجَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ لَيْسَ كَالْبَشَرِ.
[1])) ليست في النسخ المخطوطة وهي من: (ط).
وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلَا كَيْفِيَّةٍ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبِّنَا: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة: ٢٢ - ٢٣ ، وَتَفْسِيرُهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ؛ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَادَ؛ لَا نَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُتَأَوِّلِينَ بِآرَائِنَا، وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا؛ فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ.
وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِسْلَا مِ؛ فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ، وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الْإِيمْانِ، فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ: الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ؛ مُوَسْوَسًا، تَائِهًا، شَاكًّا([1])؛ لَا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، وَلَا جَاحِدًا مُكَذِّبًا.
وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ؛ إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الربوبية بترك التَّأْوِيلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ([2]).
[1])) في: (أ) زيادة: ((زائغًا)) قبل ((شاكًا))، وفي: (ج)، و(د) بعدها.
[2])) في المخطوطات الأربع: ((المرسلين))، وكذلك أشار إلى ذلك العلامة الألباني في النسخ التي تحت يده، وما أثبتناه هو الموافق للمطبوع من شرح ابن أبي العز بتحقيق العلامة أحمد شاكر.
وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ؛ فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّ ةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّ ةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ، وَتَعَالَى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ، وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَات ِ.
وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) النجم: ١١ ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى([1]).
وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ حَقٌّ.
وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ.
وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ.
[1])) ((فصلى الله عليه ...)) ليست في المخطوطات، وهي من (ط).
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا لَمْ يَزَلْ - عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ فَلَا يُزَادُ([1]) فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالَهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ.
وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ .
وَالسَّعِيدُ: مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالشَّقِيُّ: مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى.
وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ؛ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء: 23 ، فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ؛ وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.
فَهَذَا جُمْلَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَوْجُودٌ وَعِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودٌ؛ فَإِنْكَارُ الْعِلْمِ الْمَوْجُودِ كُفْرٌ، وَادِّعَاءُ الْعِلْمِ الْمَفْقُودِ كُفْرٌ؛ وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِقَبُولِ الْعِلْمِ الْمَوْجُودِ، وَتَرْكِ طَلَبِ الْعِلْمِ الْمَفْقُودِ.
[1])) هكذا في المخطوطات، وفي نسخة الشيخ أحمد شاكر، وأما في نسخة الشيخ الألباني: ((يزداد)).
وَنُؤْمِنُ بِاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَبِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَدْ رُقِمَ؛ فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لِيَجْعَلُوهُ غَيْرَ كَائِنٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَمَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَمَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ.
وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا؛ لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ، وَلَا مُعَقِّبٌ، وَلَا مُزِيلٌ، وَلَا مُغَيِّرٌ، وَلَا مُحَوِّلٌ([1])، وَلَا نَاقِصٌ، وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ؛ وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ، وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ، وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِه ِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) الفرقان: ٢ ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) الأحزاب: ٣٨.
[1])) زيادة في المخطوطات، وليست في طبعة الألباني أو شاكر.
فَوَيْلٌ لِمَنْ صَارَ للهِ تَعَالَى فِي الْقَدَرِ خَصِيمًا، وَأَحْضَرَ للنَّظَرِ فِيهِ قَلْبًا سَقِيمًا، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا، وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أَفَّاكًا أَثِيمًا.
وَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ حَقٌّ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَهُ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ، وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ.
وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، إِيمَانًا، وَتَصْدِيقًا، وَتَسْلِيمًا.
وَنُؤْمِنُ بِالْمَلَائِكَة ِ، وَالنَّبِيِّينَ ، وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ.
وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ، مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِفِينَ، وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ([1]).
[1])) في (أ) زيادة بعدها ((غير مكذبين))، وفي (د): ((غير منكرين)).
وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ، وَلَا نُمَارِي فِي دِينِ اللهِ، وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَلَا نَقُولُ بِخَلْقِهِ، وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، وَلَا نَقُولُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ، وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ.
وَالْأَمْنُ وَالْإِيَاسُ يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَسَبِيلُ الْحَقِّ بَيْنَهُمَا لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ.
وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ.
وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ كُلُّهُ حَقٌّ.
وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ([1]) وَالتُّقَى وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمُلَازَمَةِ الْأَوْلَى.
وَالْمُؤْمِنُون َ كَلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ، وَأَكْرَمُهُمْ عَنْدَ اللهِ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ.
[1])) ليست في (أ)، وفي: (ب)، (ج)، (د): ((بالحقيقة))، وما أثبته من (ط)، و(ش)، وهي طبعة الشيخ شاكر.
وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ([1])، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى مَا جَاؤوا بِهِ.
وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّارِ، لَا يُخَلَّدُونَ؛ إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ، بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ عَارِفِينَ مؤمنين، وَهُمْ فِي مَشِيئَتِهِ وَحُكْمِهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء: ٤٨ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ فِي النَّارِ – بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمْ([2]) – بِعَدْلِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ، وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ؛ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى([3]) أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ،وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِي الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نُكْرَتِهِ الَّذِينَ خَابُوا مِنْ هِدَايَتِهِ وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وَلَايَتِهِ([4]).
اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا([5]) عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ.
[1])) في المخطوطات زيادة: ((والبعث بعد الموت)).
[2])) زيادة من: (أ)، (ج)، (د).
[3])) في المخطوطات، و(ش): ((مولى))، وما أثبته من: (ط).
[4])) ((الْوِلَايَةُ))؛ بِالْكَسْرِ: السُّلْطَانُ، و((الْوَلَايَةُ)) ؛ بالفتح: النُّصْرَةُ. ((لسان)).
[5])) في المخطوطات: ((مسكنا))، وما أثبته من: (ط)، و(ش)، وقد أشار العلامة أحمد شاكر إلى اختلاف النسخ في ذلك.
وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ.
وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّيْفُ.
وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وَإِنْ جَارُوا، وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً؛ مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاةِ ([1]).
[1])) في (أ): ((بالصلاح والنجاح والمعافاة)).
وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ، وَالْخِلَافَ، وَالْفُرْقَةَ.
وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْأَمَانَةِ، وَنَبْغُضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ.
وَنَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ.
وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ.
وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ فَرْضَانِ([1]) مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ -بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ - إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لَا يُبْطِلُهُمَا شَيْءٌ وَلَا يَنْقُضُهُمَا.
[1])) زيادة في المخطوطات، وليست في (ط)، و(ش).
وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَيْنَا حَافِظِينَ.
وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ.
وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ([1]) لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا.
وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَيِّتِ([2]) فِي قَبْرِهِ عَنْ: رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَالْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ.
وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْعَرْضِ، وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَةِ الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ([3]).
[1])) زيادة من: (ب)، (د).
[2])) زيادة في المخطوطات، وليست في (ط)، و(ش).
[3])) جاء في (أ)، و(د) بعدها: ((يوزن به أعمال المؤمنين من الخير والشر والطاعة والمعصية)).
وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا، وَلَا تَبِيدَانِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ خَلْقِ([1]) الْخَلْقِ، وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا، فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ.
وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ، وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ.
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مُقَدَّرَانِ عَلَى الْعَبَادِ.
وَالِاسْتِطَاعَ ةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِهِ، تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ، وَالْوُسْعِ، وَالتَّمَكُّنِ، وَسَلَامَةِ الْآلَاتِ، فَهِيَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة: ٢٨٦.
[1])) زيادة من: (ج).
وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ هِيَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَسْبٌ مِنَ الْعِبَادِ.
وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ؛ وَهُوَ تَفْسِيرُ: ((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ))؛ نَقُولُ: لَا حِيلَةَ لِأَحَدٍ، وَلَا حَرَكَةَ لِأَحَدٍ، وَلَا تَحَوُلَ لِأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ لِأَحَدٍ عَلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللهِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِلْمِهِ، وَقَضَائِهِ، وَقَدَرِهِ؛ غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُ الْمَشِيئَاتِ كُلَّهَا، وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ الْحِيَلَ كُلَّهَا، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَبْدًا، تَقَدَّسَ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ وَحَيْنٍ، وَتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَشَيْنٍ، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء: ٢٣.
وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلْأَمْوَاتِ.
وَاللهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَيَقْضِي الْحَاجَاتِ.
وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ.
وَلَا غِنًى عَنِ اللهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْنِ([1]).
وَاللَّهُ تَعَالَى يَغْضَبُ وَيَرْضَى لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى.
[1])) في (أ): ((فقد كفر وكان من أهل الخسران))، وفي (ج): ((فقد كفر وكان من أهل الجحيم))، وفي (د)، ((فقد كفر وكان من أهل الخسران والجحيم))، وما أثبته من: (ط)، و(ش).
و((الْحَيْنُ)): الهلاكُ؛ حَانَ يَحينُ حَيْنًا، وكلُّ شيءٍ لَمْ يُوفَّقْ لِلرَّشَادِ فَقَدْ حَانَ حَيْنًا. ((العين)) (3/ 304).