تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 79

الموضوع: دعوة لمدارسة منظومة ابن أبي العز في السيرة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي دعوة لمدارسة منظومة ابن أبي العز في السيرة

    قوله:
    الحمد لله القدير الباري

    ثم صلاته على المختار

    ((الْحَمْدُ)) هُوَ: الثَّنَاءُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّي َةِ.
    و(الألف) و(اللام) في قوله: (الحمد) للاستغراق، فتكون مستغرقة لجميع أنواع الحمد؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي له الحمد كله، وله الحمد المطلق، وأما المخلوق فلا يحمد إلا حمدًا خاصًا؛ فتقول: أحمد فلانًا على كذا وكذا، ولا تقول: لفلان الحمد.
    و(اللام) في قوله: (لله) هي لام الاستحقاق؛ أي: هو سبحانه المستحق للحمد المطلق لا أحد سواه.
    و((القديم))؛ هو المتقدم على غيره.([1])
    وهو ليس من أسماء الله تعالى؛ وإنما يطلق من باب الإخبار؛ والمراد به: الأول الذي ليس قبله شيء.
    قال صاحب النظم رحمه الله في ((شرح الطحاوية)):
    ((وَأَمَّا إِدْخَالُ الْقَدِيمِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، مِنْهُمُ ابْنُ حَزْمٍ.
    وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي نَفْسِ التَّقَدُّمِ، فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحَوَادِثِ كُلِّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَا يُمْدَحُ بِهِ، وَالتَّقَدُّمُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقٌ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الْحَوَادِثِ كُلِّهَا، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَجَاءَ الشَّرْعُ بِاسْمِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ الْقَدِيمِ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ آيِلٌ إِلَيْهِ وَتَابِعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْقَدِيمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى لَا الْحَسَنَةُ([2]))).
    و((الباري))؛ مِنْ أسماء الله الحسنى، ودليله قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) الحشر: 24.
    ومعناه: الْمُوجِدُ مِنْ عَدَمٍ على غير مثال سابق.
    قوله: ((ثُمَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ))؛ قال البخاري رحمه الله: ((قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ([3]))).
    وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الله عَلَى النَّبِي بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْبَرَكَةِ فمُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ اللَّهَ غَايَرَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ: (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )البقرة: 157 . وَكَذَلِكَ فَهِمَ الصَّحَابَةُ الْمُغَايَرَةَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا) الأحزاب: 56 . حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ فِي تَعْلِيمِ السَّلَامِ؛ حَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ "السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ" وَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْبَرَكَةِ لَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ([4]).
    وقال ابن حجر رحمه الله: ((وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ: مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ؛ أَنَّ مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ: طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى([5]))).
    قال أيضًا: ((وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَلَائِكَتِهِ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ([6])، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِنَا: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ": اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا، أَوْ تَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ لَجَازَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ([7]))).
    قوله: ((الْمُخْتَارِ))؛ لِأَنَّ الله تعالى اختاره صلى الله عليه وسلم واصطفاه مِنْ بيْنِ سائر الخلق نبيًّا ورسولًا وخاتمًا للنَّبِيِّينَ.

    [1])) ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز، (78).

    [2])) السابق.

    [3])) ((صحيح البخاري)) مع ((فتح الباري)) (8/ 392).

    [4])) انظر: ((فتح الباري)) (11/ 160).

    [5])) السابق.

    [6])) أي: بمعنى الثناء مِنَ الله، وطلب الثناء مِنَ الملائكة والمؤمنين.

    [7])) السابق (11/ 161).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وَبَعْدُ هَاكَ سِيرَةَ الرَّسُولِ

    مَنْظُومَةً مُوجَزَةَ الفُصُولِ

    هاك؛ أي: خذ منظومة مختصرة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    قوله:
    مولده في عاشر الفضيل
    ربيع الأول عام الفيل
    لكنما المشهور ثاني عشره

    في يوم الاثنين طلوع فجره

    ووافق العشرين من نيسانا

    . . . . . . .








    تكلم صاحب النظم رحمه الله في هذه الأبيات عن تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهناك شبه اتفاق بين المؤرخين على عام مولده صلى الله عليه وسلم؛ وأنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل.
    قال ابن القيم رحمه الله:
    ((لَا خِلَافَ أَنَّهُ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوْفِ مَكَّةَ، وَأَنَّ مَوْلِدَهُ كَانَ عَامَ الْفِيلِ([1]))).
    وقال ابن كثير رحمه الله:
    ((قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَ الْفِيلِ([2])، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ([3]))).
    وقد ورد ما يدل على ذلك؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
    «وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ([4])».
    وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ، وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا([5])».
    وكان ذلك موافقًا يوم الاثنين؛ فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُّ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ([6].
    واختلف في تاريخ يوم ولادته صلى الله عليه وسلم؛ فقيل: يوم العاشر من ربيع الأول، وقيل: في الثاني عشر منه، كما ذكر الناظم، وقيل: في يوم الثامن منه، وغير ذلك.
    قال ابن كثير رحمه الله في يوم ولادته:
    ((ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقِيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ((الِاسْتِيعَابِ ))، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ، وَقِيلَ: لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ؛ حَكَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَصْحَابِ التَّارِيخِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْخُوَارِزْمِي ُّ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ ((التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ)).
    وَقِيلَ: لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَرَوَاهُ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَرَّ.
    وَقِيلَ: لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ؛ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي ((مُصَنَّفِهِ))، عَنْ عَفَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: «وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثُ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ»، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وَقِيلَ: لِسَبْعِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ.
    وَقِيلَ: لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ؛ نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ مِنْ خَطِّ الْوَزِيرِ أَبِي رَافِعٍ ابْنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ: الْأَوَّلُ; أَنَّهُ لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْهُ؛ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحُمَيْدِيُّ وَهُوَ أَثْبَتُ.
    وَالْقَوْلُ الثَّانِي; أَنَّهُ وُلِدَ فِي رَمَضَانَ؛ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ فَيَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ([7])))ا ه.
    قال الألباني رحمه الله:
    ((وأما تاريخ يوم الولادة؛ فقد ذُكر فيه وفي شَهْره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل، وكلها معلقة ــ بدون أسانيد ــ يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلا قول من قال: إنه في الثامن من ربيع الأول. فإنه رواه مالك وغيره بالسند الصحيح عن محمد بن جبير بن مُطعِم، وهو تابعي جليل، ولعله لذلك صحح هذا القول أصحاب التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه أبو الخطاب بن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه، والله أعلم([8])))ا ه.
    ووافق ذلك التاريخ العشرين من نيسان من الشهور الشمسية.
    قال السهيلي رحمه الله:
    ((وَأَهْلُ الْحِسَابِ يَقُولُونَ: وَافَقَ مَوْلِدُهُ مِنَ الشّهُورِ الشّمْسِيَّةِ نَيْسَانَ، فَكَانَتْ لِعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْهُ))ا ه.
    ونيسان هو الشهر الرابع من الشهور الشمسية، وهو شهر إبريل.

    [1])) ((زاد المعاد)) (1/ 74).

    [2])) انظر ((سيرة ابن هشام)) (1/ 158).

    [3])) ))البداية والنهاية)) (3/ 377) ط. هجر.

    [4])) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4180) وقال: صحيح علىٰ شرط الشيخين ولم يخرجاه، وابن سعد في «الطبقات» (1/101)، والضياء في ((المختارة)) (348)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3152).

    [5])) أخرجه أحمد في ((المسند)) (17891)، والحاكم في ((المستدرك)) (4183)، وأبو نعيم في ((الدلائل)) (85)، والبيهقي في ((الدلائل)) (1/ 76)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (3152).
    وسمي بعام الفيل لوقوع حادثة الفيل المشهورة فيه، والتي قاد فيها أبرهة الأشرم ابن الصباح الحبشي، نائب النجاشي علىٰ اليمن، بفيله العظيم جيشه العرمرم لهدم الكعبة المشرفة بيت الله الحرام. ولكن هيهات هيهات، فما قوة أبرهة بفيله العظيم وجيشه العرمرم الكبير بجوار قوة العلي القدير، إلا كقشة ضعيفة تتقاذفها أمواج عظيمة، بل هي أضعف.
    فالله تعالىٰ هو الذي خلقهم وهو الذي أعطاهم هذه القوة فهم لا يعجزونه. فما أن وصل أبرهة إلىٰ وادي محسِّر بين مزدلفة ومني حتىٰ برك الفيل وعجز عن الحركة إلا لوجهة أخرىٰ غير وجهة الكعبة، وهنالك أرسل عليهم رب البيت طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
    وحكىٰ الله تعالىٰ ما نزل بهم من عذاب في كتابه العزيز فقال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) [الفيل: 1- 5].
    وقال نُفيل بن حبيب حين نزل بهم العذاب:
    أيـن المفر والإلـه الطالـب
    والأشـرم المغلوب غير الغالب

    وقد ذكر القصة كاملة الإمام الطبري في تفسير سورة الفيل.
    [6])) صحيح: أخرجه مسلم (1162).

    [7])) ((البداية والنهاية)) (3/ 374- 376).

    [8])) ((صحيح السيرة النبوية)) (13).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    جزاك الله خيراً يا شيخ محمد
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيراً يا شيخ محمد
    وجزاكم مثله دكتور رضا
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    . . . . . . . . . . . . . .

    وقبله حين أبيه حانا

    أي: قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم حَانَ حَيْنُ أبيه؛ أي: أجله.
    وقد اختلف في وقت وفاة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقيل: توفي عبد الله وقد مضى من عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهرًا، وقيل: سبعة شهور، وقيل توفي عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم حمل في بطن أمه؛ وهو الذي رجحه الناظم رحمه الله، وهو الصواب.
    قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ رحمه الله بعدما ذكر هذا الاختلاف في يوم ولادته صلى الله عليه وسلم:
    ((وَالأَوَّلُ أَثْبَتُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْلٌ([1]))).
    وهو ما رجحه محمد بن عمر الواقدي أيضًا([2]).
    وقال إسحاق رحمه الله:
    ((ثُمَّ لَمْ يلبثْ عبدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ هَلَكَ، وأمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلٌ بِهِ([3]))).
    وقال ابن القيم رحمه الله:
    ((وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ عبد الله، هَلْ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْلٌ، أَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْلٌ([4])))ا ه.


    [1])) ((الطبقات الكبرى)) (1/ 10) ط. صادر.

    [2])) انظر: السابق.

    [3])) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 146).

    [4])) ((زاد المعاد)) (1/ 75).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وبعد عامين غدا فطيما

    جاءت به مرضعه سليما
    حليمة لأمه وعادت

    به لأمه كما أرادت
    فبعد شهرين انشقاق بطنه

    وقيل بعد أربع من سنه
    يتكلم الناظم رحمه الله في هذه الأبيات عن قصة رضاع النبي صلى الله عليه وسلم عند حليمة السعدية، ثم عودتها به إلى أمه بعد فطامه، وإرادتها العودة به لَمَّا رأت من البركات التي حلَّتْ عليهم بوجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، وموافقة أمه على ذلك، ثم حادثة شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم، وهو عند حليمة في بني ساعدة.
    ولْنترك حليمة رضي الله عنها تحكي لنا تفاصيل القصةكاملة:
    فعن حليمة رضي الله عنها قالت: خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ([1]) لِي قَمْرَاءَ([2]) قَدْ أَذَمَّتْ([3])، فَزَاحَمْتُ بِالرَّكْبِ، قَالَتْ: وَخَرَجْنَا فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ([4]) لَمْ تُبْقِ شَيْئًا وَمَعِي زَوْجِيَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، قَالَتْ: وَمَعَنَا شَارِفٌ لَنَا، وَاللَّهِ إِنْ تَبِضُّ عَلَيْنَا بِقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي صَبِيٌّ لِي إِنْ نَنَامُ لَيْلَتَنَا مَعَ بُكَائِهِ؛ مَا فِي ثَدْيِي مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مِنْ لَبَنٍ نَغْذُوهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ تَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ؛ وَإِنَّمَا كُنَّا نَرْجُو كَرَامَةَ الرَّضَاعَةِ مِنْ وَالِدِ الْمَوْلُودِ، وَكَانَ يَتِيمًا، وَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمًا مَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ بِهِ؟ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ صَبِيًّا غَيْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ آخُذْ شَيْئًا وَقَدْ أَخَذَ صَوَاحِبِي، فَقُلْتُ لِزَوْجِي: وَاللَّهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ وَرَجَعْتُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ زَوْجِي: قَدْ أَخَذْتِيهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَذَاكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ خَيْرًا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَعَلْتُهُ فِي حِجْرِي، قَالَتْ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيِي بِمَا شَاءَ مِنَ اللَّبَنِ، قَالَتْ: فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبَ أَخُوهُ - تَعْنِي ابْنَهَا - حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا بِهَا حَافِلٌ([5])، فَحَلَبَ لَنَا مَا شِئْنَا، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، قَالَتْ: وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ، فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا تِلْكَ بِخَيْرٍ, شِبَاعًا رِوَاءً، وَقَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا، قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ - تَعْنِي زَوْجَهَا -: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَدْ نَامَ صَبِيُّنَا وَرَوِيَ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَوَاللَّهِ لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ قَدْ قَطَعَتْهُنَّ([6])، حَتَّى مَا يَبْلُغُونَهَا, حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ: وَيْحَكِ يَا بِنْتَ الْحَارِثِ، كُفِّي عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَتَانِكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ: بَلَى وَاللَّهِ, حَتَّى قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضِ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ حَلِيمَةَ بِيَدِهِ، إِنْ كَانُوا لَيُسْرِحُونَ أَغْنَامَهُمْ إِذَا أَصْبَحُوا، وَيَسْرَحُ رَاعِي غَنَمِي، فَتَرُوحُ غَنَمِي بِطَانًا لُبَّنًا حُفَّلًا([7])، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا هَالِكَةً, مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ، قَالَتْ: فَنَشْرَبُ مَا شِئْنَا مِنْ لَبَنٍ، وَمَا مِنَ الْحَاضِرِ أَحَدٌ يَحْلُبُ قَطْرَةً، وَلَا يَجِدُهَا، يَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ: وَيْلَكُمْ , أَلَا تَسْرَحُونَ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي حَلِيمَةَ؟ فَيَسْرَحُونَ فِي الشِّعْبِ الَّذِي يَسْرَحُ فِيهِ رَاعِينَا، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا لَهَا مِنْ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي لُبَّنًا حُفَّلًا، قَالَتْ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا([8])، قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى أُمِّهِ، فَقُلْنَا لَهَا، وَقَالَ لَهَا أَبُوهُ: رُدُّوا عَلَيْنَا ابْنِي, فَلْنَرْجِعْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ، قَالَتْ: وَنَحْنُ أَضَنُّ بِشَأْنِهِ لِمَا رَأَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى قَالَتِ: ارْجِعَا بِهِ، فَرَجَعْنَا بِهِ, فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ، قَالَتْ: فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وَأَخُوهُ يَوْمًا خَلْفَ الْبُيُوتِ يَرْعَيَانِ بَهْمًا لَنَا، إِذْ جَاءَنَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: أَدْرِكَا أَخِي الْقُرَشِيَّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْنَا نَحْوَهُ نَشْتَدُّ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَاعْتَنَقْتُهُ ، ثُمَّ قُلْنَا: مَا لَكَ أَيْ بُنَيَّ؟ قَالَ: «أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي، ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا»، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاه ُ فَرَجَعْنَا بِهِ، قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَرَجَعْنَا بِهِ إِلِيَهَا، فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا بِهِ، وَقَدْ كُنْتُمَا حَرِيصَيْنِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ, إِلَّا أَنَّا كَفَلْنَاهُ وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا فِيهِ، ثُمَّ تَخَوَّفْتُ الْأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَكُونُ فِي أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَقَالَتْ آمِنَةُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَأَخْبِرَانِي خَبَرَكُمَا وَخَبَرَهُ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ، قَالَتْ: فَتَخَوَّفْتُمَ ا عَلَيْهِ؟ كَلَّا وَاللَّهِ, إِنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنًا، أَلَا أُخْبِرُكُمَا عَنْهُ؛ إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ, فَلَمْ أَحْمِلْ حَمْلًا قَطُّ كَانَ أَخَفَّ وَلَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ نُورًا كَأَنَّهُ شِهَابٌ خَرَجَ مِنِّي حِينَ وَضَعْتُهُ أَضَاءَتْ لِي أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، ثُمَّ وَضَعْتُهُ فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَهُ بِالْأَرْضِ, رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، دَعَاهُ وَالْحَقَا بِشَأْنِكُمَا([9]))).
    وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أَمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي، وَكُنْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَاءِ، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ - يَعْنِي خِطْهُ- وَاخْتَتِمْ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرُّوا عَلَيَّ، فَقَالَا: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي، فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكَبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا أُمِّي، فَقَالَتْ: أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ([10].
    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوه ُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ([11]).

    [1])) ((الأتان)): أنثى الحمار.

    [2])) ((قمراء)): بيضاء.

    [3])) ((أذمت)): أبطأت وحُبِسَتْ.

    [4])) ((شهباء)): أي: مجدبة لا خضرة فيها ولا مطر.

    [5])) ((حافل)): أي: ممتلئة الضرع لبنًا.

    [6])) ((قطعتهن)): سبقتهن.

    [7])) ((لبنًا حفلًا)): أي: ممتلئة الضرع لبنًا.

    [8])) ((جفر)): قوي شديد.

    [9])) أخرجه أبو يعلى (7163)، وابن حبان (6335)، وابن هشام (1/ 162) عن ابن إسحاق، والآجُرِّي في ((الشريعة)) (964)، وفي سنده جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب القرشي مجهول الحال، قال أبو حاتم: روى عنه: محمد ابن إسحاق، وعبد الله العمري. وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء))ط. التوفيقية (1/ 42): إسناده جيد.

    [10])) أخرجه أحمد (17648)، والحاكم (4230)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (1545)، و((تحقيق فقه السيرة)) (64)، و((صحيح السيرة)) (160- 180).

    [11])) صحيح: أخرجه مسلم (162).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وبعد ست مع شهر جائي وفاة أمه على الأبواء

    قال ابن إسحاق رحمه الله:
    ((تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، تُزِيرُهُ إيَّاهُمْ، فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ([1]))).
    وقال ابن القيم رحمه الله:
    ((وَلَا خِلَافَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِالْأَبْوَاءِ مُنْصَرَفَهَا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ، وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إِذْ ذَاكَ سَبْعَ سِنِينَ([2]))).

    [1])) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 168).
    [2])) ((زاد المعاد)) (1/ 75).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وجده للأب عبد المطلب

    بعد ثمان مات من غير كذب
    وقد كفل النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه جَدُّهُ عبد المطلب، فظل النبي صلى الله عليه وسلم في حضانته ما يقرب من عامين ثم توفي عبد المطلب وعمر النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين.
    قال ابن إسحاق رحمه الله:
    ((فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي سِنِينَ هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِي سِنِينَ([1]))).

    [1])) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 169).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    ثم أبو طالب العم كفل

    خدمته، ثم إلى الشام رحل
    وذاك بعد عام اثني عشر

    وكان من أمر بحيرا ما اشتهر
    وبعد وفاة عبد المطلب كفل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عمُّهُ أبو طالب.
    قال ابن إسحاق رحمه الله:
    ((فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُوصِي بِهِ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ ابْنِ مَخْزُومٍ([1])))ا ه.
    ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر عامًا سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فكانت قصته مع بحيرا الراهب.
    عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَلْتَفِتُ، قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ العَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلاَ حَجَرٌ إِلاَّ خَرَّ سَاجِدًا وَلاَ يَسْجُدَانِ إِلاَّ لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ القَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لاَ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ ، فَالتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُ مْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا، إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلاَّ بُعِثْ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَبَايِعُوهُ، فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلاَلاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الكَعْكِ وَالزَّيْتِ([2]).
    وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ بَحِيرَا كَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً يُقَالَ لَهَا: ((الْكَفْرُ))، بَيْنَهَا وَبَيْنَ بُصْرَى سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالَ لَهَا: دَيْرُ بَحِيرَى، قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً يُقَالَ لَهَا: ((مَنْفَعَةٌ)) بِالْبَلْقَاءِ، وَرَاءَ زَيْرَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ([3]).

    [1])) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 179).
    [2])) أخرجه الترمذي (3620)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وابن أبي شيبة (36541)، والحاكم (4229) وصححه، وقال الحافظ في «الفتح» (8/587): إسناده قوي، وقال في «الإصابة»: رجاله ثقات وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ. قال الألباني في «ضعيف الترمذي» (745): صحيح، لكن ذكر بلال فيه منكر كما قيل.
    [3])) ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (3/ 298).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وسار نحو الشام أشرف الورى

    في عام خمسة وعشرين اذكرا
    لأمنا خديجة متجرا

    وعاد فيه رابحًا مستبشرا
    فكان فيه عقده عليها

    وبعده إفضاؤه إليها

    ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين من عمره تزوج خديجة رضي الله عنه، وقد ذكر ابن إسحاق رحمه الله في مغازيه تفاصيل قصة الزواج، فقال رحمه الله:
    ((وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ لَهُمْ مِنْهُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ: مَيْسَرَةُ، فَقَبِلَهُ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَمَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ، حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، قَرِيبٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلَّا نَبِيٌّ ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، فَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ، فَكَانَ مَيْسَرَةُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ- إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ([1]) أَوْ قَرِيبًا.
    وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إِيَّاهُ.
    وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللهُ، بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ عَمَّا أَخْبَرَهَا بِهِ، بَعَثَتْ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنِّي قَدْ رَغِبَتُ فِيكَ، لِقَرابَتِكَ مِنِّي، وَشَرَفِكَ فِي قَوْمِكَ، وَسِطَتِكَ فِيهِمْ([2])، وَأَمَانَتِكَ عِنْدَهُمْ، وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطَ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُمْ مَالًا، وَكُلُّ قَومِهَا قَدْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ.
    فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِك لِأَعْمَامِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ عَمُّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، فَخَطَبَهَا إلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا([3])))ا ه.
    وقال الواقدي: أَنَّ عَمَّ خَدِيجَةَ عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ هُوَ الَّذِي زَوَّجَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَإِنَّ أَبَاهَا مَاتَ يَوْمَ الْفِجَارِ، قَالَ: وَهَذَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافٌ([4]).
    قال ابن هشام رحمه الله:
    ((وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً([5])، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا([6])))ا ه.
    وذكر الواقدي أن عمر خديجة رضي الله عنها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أربعين عامًا([7]).
    وأما ابن إسحاق فذكر أن عمرها رضي الله عنها - حينها - كان ثمانية وعشرين عامًا([8]).

    [1])) أي: ربح الضعفين.

    [2])) ((الوسيط)): الحسيب في قومه.

    [3])) أخرجه ابن إسحاق في ((مغازيه)) (59- 61)، بدون إسناد، ورواه عنه ابن هشام ((سيرة ابن هشام)) (1/ 188- 190)، والبيهقي في ((الدلائل)) (2/ 66)، وأخرجه ابن سعد في ((الطبقات))، بسند متصل إلى نفيسة بنت أمية، أخت يعلى أبن أمية، ولها صحبة، ولكن في الإسناد: محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك الحديث، وإن كان إمامًا في المغازي، وعَميرة بنت عبيد الله بن كعب ابن مالك، وهي مجهولة؛ ليس لها ترجمة، ولكن قد يؤدي مجموع الطريقين أن للقصة أصلًا، والله أعلم.

    [4])) ((الطبقات)) (8/ 16). ط. صادر.

    [5])) ((البكر)): هو الفتي من الإبل، والأنثى؛ ((بكرة)). ((لسان العرب)) (4/ 79).

    [6])) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 190)، عن ابن إسحاق بدون إسناد.

    [7])) ((الطبقات)) (8/ 16).

    [8])) ((مستدرك الحاكم)) (3/ 182)، من كلام ابن إسحاق بدون إسناد.
    قال الدكتور أكرم ضياء العُمري رحمه الله: ((وقد أنجبت خديجة من رسول الله ذكرين وأربع إناث؛ مما يرجح رواية ابن إسحاق؛ فالغالب أن المرأة تبلغ سن اليأس من الإنجاب قبل الخمسين)). ((السيرة النبوية الصحيحة)) (1/ 113).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    فولده منها خلا إبراهيم

    فالأول القاسم حاز التكريم
    وزينب، رقية، وفاطمهْ

    وأم كلثوم لهن خاتمهْ
    والطيب، الطاهر، عبد الله

    وقيل كل اسم لفرد زاهي

    أنجبت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم جميع أولاده عدا إبراهيم؛ فهو من مارية القبطية رضي الله عنها، ولدته مارية في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، ومات سنة عشر، يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول([1]).
    عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ»، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ([2]) يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدِ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْسَكَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ([3].
    وأما بقية أولاده صلى الله عليه وسلم فمن خديجة رضي الله عنها.
    وهم على الترتيب:
    · القاسم:
    وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم.
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ([4])».
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ اللَّهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ([5])».
    قال ابن القيم رحمه الله:
    ((أَوَّلُهُمُ الْقَاسِمُ، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى، مَاتَ طِفْلًا، وَقِيلَ: عَاشَ إِلَى أَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ وَسَارَ عَلَى النَّجِيبَةِ([6])))ا ه.
    وقد مات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
    · زينب رضي الله عنها:
    وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم
    وَقِيلَ: هِيَ أَسَنُّ مِنَ الْقَاسِمِ([7]).
    قال ابن حجر رحمه الله:
    ((هي أكبر بناته، وأول من تزوج منهنَّ، ولدت قبل البعثة بمدة؛ قيل: إنها عشر سنين، واختلف: هل القاسم قبلها أو بعدها؟ وتزوَّجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، وأمُّه هالة بنت خويلد([8]))).
    وَوَلَدَتْ زَيْنَبُ لِأَبِي الْعَاصِ عَلِيًّا وَأُمَامَةَ([9])، فَتُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَبَقِيَتْ أُمَامَةُ، فَتَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ([10]).
    وَتُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ رضي الله عنها فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ([11]).
    عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، وَاجْعَلْنَ فِي الْخَامِسَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا، فَأَعْلِمْنَنِي »، قَالَتْ: فَأَعْلَمْنَاهُ ، فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ وَقَالَ «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ([12])».
    · رقية رضي الله عنها:
    كَانَ تَزَوَّجَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ طُلِّقَتْ مِنْهُ قَبْل أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا.
    وَتُوفِّيَتْ رضي الله عنها فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ عَوْدَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَدْرٍ.
    عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ بَعَثَ بَشِيرَيْنِ إِلَى أَهْلِ المَدِينَةِ: بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ يُبَشِّرُونَهُم ْ بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ابْنَهُ أُسَامَةَ حِينَ سَوَّى التُّرَابَ عَلَى رُقْيَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([13]).
    · فاطمة رضي الله عنها:
    وَلَدَتْهَا خَدِيجَةُ رضي الله عنها وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْبَيْتَ وَذَلِكَ قَبْلَ البَعْثَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ([14]).
    تزوجت بعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمهرها درعًا حطمية.
    عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِ بِي، قَالَ: «أَعْطِهَا شَيْئًا» قُلْتُ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: «فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ([15])؟» قُلْتُ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ: «فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ([16].
    وَتُوُفِّيَتْ رضي الله عنها بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوِهَا([17]).
    عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ([18]).
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أيضًا، قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي»، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا، ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي، فَقَالَ: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ»، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ([19]).
    · أم كلثوم رضي الله عنها:
    أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
    تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ فَارَقَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسْلَمَتْ حِينَ أَسْلَمَتْ أُمُّهَا، وَبَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ مَعَ أَخَوَاتِهَا حِينَ بَايَعَهُ النِّسَاءُ وَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ حِينَ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَتْ مَعَ عِيَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ تَزَلْ بِهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ رُقْيَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، وَكَانَتْ بِكْرًا، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَتْ، وَلَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا،
    وَمَاتَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ([20]).
    · عبد الله:
    وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَسُمِّيَ الطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ، وَمَاتَ بِمَكَّةَ([21]).
    وقيل: عبد الله والطيب والطاهر، ثلاثة أبناء، والصواب أن الطيب والطاهر لقبان لعبد الله([22]).

    [1])) ((الإصابة في تمييز الصحابة)) (1/ 318).

    [2])) ((القين)): الحداد.

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315).

    [4])) صحيح: أخرجه مسلم (2133).

    [5])) أخرجه ابن حبان (5817)، والحاكم (4187)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الألباني ((صحيح الجامع)) (1447)، و((الصحيحة)) (1628).

    [6])) ((زاد المعاد)) (1/ 100).
    و(النجيبة) بالتحريك، هي القشرة، والمقصود: القشرة الأرضية. (نهاية).

    [7])) السابق.

    [8])) ((الإصابة)) (8/ 151).

    [9])) وهي التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا». البخاري (516)، ومسلم (543).

    [10])) ((الطبقات الكبرى)) (8/ 31).

    [11])) ((الطبقات)) (8/ 34).

    [12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1253)، ومسلم (939).

    [13])) أخرجه الحاكم (4959)، وقال: علىٰ شرط مسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في ((الدلائل)) (3/ 187).

    [14])) ((الطبقات الكبرى)) (8/ 19).

    [15])) ((الحَطَمِيَّة)): هِيَ الَّتِي تَحْطِمُ السُّيُوفَ: أَيْ تَكْسِرُهَا، وَقِيلَ: هِيَ العَرِيضة الثَّقيلة، وَقِيلَ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى بطْن مِنْ عَبْد القَيس يُقَالُ لَهُمْ حُطَمَة بْنُ مُحَارِبٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ الدُّرُوعَ، وَهَذَا أشْبَه الْأَقْوَالِ.

    [16])) أخرجه النسائي (3375)، وفي ((الكبرى)) (5541)، وأحمد (603)، وابن حبان (6945)، والضياء في ((المختارة)) (610)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (6/ 350).

    [17])) ((الطبقات الكبرى)) (8/28).

    [18])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3093)، ومسلم (1759).

    [19])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3624)، ومسلم (2450).

    [20])) ((الطبقات الكبرى)) (8/ 37، 38).

    [21])) ((الطبقات)) (1/ 133).

    [22])) انظر: ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) (1819).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    والكل في حياته ذاقواالحمام

    وعده فاطمة بنصف عام

    أي: مات جميع أبنائه صلى الله عليه وسلم في حياته، عدا فاطمة رضي الله عنها، فقد ماتت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر؛ كما تقدم شرح ذلك.
    و((الْحِمَامُ))؛ جاء في ((النهاية في غريب الحديث([1]))):
    ((الْحِمَامُ: المَوْتُ، وَقِيلَ: هُوَ قَدَرُ الْمَوْتِ وَقَضَاؤُهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ حُمَّ كَذَا: أَيْ قُدِّرَ، وَمِنْهُ شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ:
    هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
    أَيْ: قَضَاؤُهُ))ا ه.
    ومنه قول أحدهم لما قتل عثمان:
    تمنى لقاء الله أول ليلة

    وآخرها لاقى حمام المقادر([2])

    [1])) (1/ 446).

    [2])) ((النهاية)) (4/ 367).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وبعد خمس وثلاثين حضر

    بنيان بيت الله لما أن دثر
    وحكموه ورضوا بما حكم

    في وضع ذاك الحجر الأسود ثم

    ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخامسة والثلاثين([1]) أرادت قريش تجديد بناء الكعبة، بعدما تهدمت بسبب عوامل الطبيعة من أمطار وسيول، وغيرها، ثم اختلفوا – بعد بنائه – فيمن يضع الحجر الأسود مكانه، فحكموا النبي صلى الله عليه وسلم، فحكم بينهم.
    عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا انْهَدَمَ الْبَيْتُ بَعْدَ جُرْهُمٍ([2])، فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا أَرَادُوا وَضْعَ الْحَجَرِ تَشَاجَرُوا مَنْ يَضَعُهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ فَوُضِعَ، فَأَخَذَ الْحَجَرَ فَوَضَعَهُ فِي وَسَطِهِ، وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ فَخِذٍ أَنْ يَأْخُذُوا بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَيَرْفَعُوهُ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ([3])».
    وَعَنِ السَّائِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يَبْنِي الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ: وَلِي حَجَرٌ أَنَا نَحَتُّهُ بِيَدَيَّ أَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَأَجِيءُ بِاللَّبَنِ الْخَاثِرِ الَّذِي أَنْفَسُهُ عَلَى نَفْسِي، فَأَصُبُّهُ عَلَيْهِ، فَيَجِيءُ الْكَلْبُ فَيَلْحَسُهُ، ثُمَّ يَشْغَرُ فَيَبُولُ، فَبَنَيْنَا حَتَّى بَلَغْنَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ، وَمَا يَرَى الْحَجَرَ أَحَدٌ، فَإِذَا هُوَ وَسْطَ حِجَارَتِنَا مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَكَادُ يَتَرَاءَى مِنْهُ وَجْهُ الرَّجُلِ، فَقَالَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْنُ نَضَعُهُ، فَقَالُوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَمًا، قَالُوا: أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنَ الْفَجِّ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْأَمِينُ، فَقَالُوا لَهُ، فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا بُطُونَهُمْ فَأَخَذُوا بِنَوَاحِيهِ مَعَهُ، فَوَضَعَهُ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([4]).
    وَعَنْ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الحِجَارَةِ، قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([5]).

    [1])) كما ذكر ذلك ابن هشام عن ابن إسحاق، ((سيرة ابن هشام)) (1/ 192).

    [2])) حيث انهدم البيت من عوامل الطبيعة والزمن، فبنته قبيلة جرهم، ثم انهدم بعدها، فبنته قريش.

    [3])) أخرجه الطيالسي (9208)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (29084)، والبيهقي في ((الكبرى)) (9208)، وفي ((الدلائل)) (2/ 56)، وحسنه الألباني في ((صحيح السيرة)) (45).

    [4])) أخرجه أحمد (15504)، وصححه الألباني في ((صحيح السيرة)) (45).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (364)، ومسلم (340).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    وبعد عام أربعين أرسلا

    في يوم الاثنين يقينًا فانقلا
    في رمضان أو ربيع الأول

    وسورة اقرأ أول المنزل

    لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره أنعم الله تعالى عليه بنور النبوة والإيمان؛ ليبدد به ظلمات الكفر والطغيان.
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً([1]).
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ القَطَطِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً([2]).
    وكان ذلك موافقًا يوم الاثنين.
    عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُّ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ - عَلَيَّ فِيهِ([3])».
    وأما الشهر الذي بُعث فيه صلى الله عليه وسلم فقيل بُعث في ربيع الأول، وقيل في رمضان؛ وهو ما ذهب إليه ابن إسحاق رحمه الله([4]).
    وهو المشهور عند الجمهور.
    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
    ((وَالْمَشْهُورُ ؛ أَنَّهُ بُعِثَ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) البقرة: 185.
    فَقِيلَ: فِي ثَانِي عَشْرِهِ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِسَبْعِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ.
    روى الإمام أحمد([5]) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ»([6])))ا ه.
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
    ((وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ([7])))ا ه.
    ولقد مهد الله تعالى لبعثة نبيه صلى الله عليه وسلم بإرهاصات وعلامات منذ ولادته؛ منها ما هو حسي بأحداث حدثت له صلى الله عليه وسلم؛ كالذي رأته أمه حين ولادته، قال صلى الله عليه وسلم: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ([8])».
    وكالحجر الذي كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم.
    عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ([9].

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3902)، ومسلم (2351)، واللفظ للبخاري.

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3548)، ومسلم (2347).

    [3])) صحيح: أخرجه مسلم (1162).

    [4])) ((مغازي ابن إسحاق)) (130)، و((سيرة ابن هشام)) (1/ 239).

    [5])) في ((المسند)) (16984)، وأخرجه أيضًا البيهقي في ((الكبرى)) (18649)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (185).

    [6])) ((البداية والنهاية)) (4/ 15، 16).

    [7])) ((فتح الباري)) (6/ 570).
    وما ذهب إليه الحافظان ابن كثير وابن حجر مِنْ أن هذا هو قول الجمهور، خلاف ما ذكره ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) (1/ 76)، حيث قال: ((وَاخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ؛ فَقِيلَ: لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)).

    [8])) أخرجه أحمد (22261)، والطيالسي (1236)، والحاكم (4174)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (1546)، و((صحيح الجامع)) (3451).

    [9])) صحيح: أخرجه مسلم (2277).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    ومن هذه العلامات والإرهاصات أيضًا ما حدث له صلى الله عليه وسلم في قصة رضاعه عند حليمة السعدية، وقصته صلى الله عليه وسلم مع بحيرا الراهب، وقد تقدم ذكرهما.
    ومن هذه العلامات ما هو معنوي ظهر في أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ كتركه الكذب، وتركه شرب الخمر، خلافًا لعادة الرجال في ذلك الوقت، وعدم سجوده صلى الله عليه وسلم لصنم، وغير ذلك من صفات الشهامة والرجولة؛ حتى قالت له خديجة رضي الله عنها: فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ([1]).
    فلما بلغ صلى الله عليه وسلم الثامنة والثلاثين من عمره ترادفت عليه علامات النبوة وتحدث بها الرهبان والكهان.
    من ذلك: ما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ، لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ؛ عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الجِنَّ وَإِبْلاَسَهَا؟ وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالقِلاَصِ، وَأَحْلاَسِهَا([2])، قَالَ: عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ([3])، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا([4]) أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ([5]).

    [1])) متفق عليه: سيأتي تخريجه.

    [2])) تقول أبلس الرجل إذا سكت ذليلًا أو مغلوبًا. ويأسها من بعد إنكاسها: اليأس ضد الرجاء، والإنكاس الإنقلاب، ومعناه: أنها يأست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته فانقلبت عن الاستراق مذ يأست من السمع.
    و((القلاص)) بكسر القاف وبالمهملة: جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي الفتية من النياق.
    و((الأحلاس)): جمع حلس بكسر فسكون وهو كساء جلد يوضع علىٰ ظهر البعير.

    [3])) ((الجليح)) معناه: الوقح المكافح بالعداوة. قال ابن حجر: ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها يا آل ذريح وهم بطن مشهور في العرب.
    ((أمر نجيح)): أي: صواب. ((لسان)) (2/ 612).

    [4])) ((نشبنا)): لبثنا.

    [5])) صحيح: أخرجه البخاري (3866). والرجل هو سواد بن قارب؛ كما صُرح به في بعض طرق الحديث. ((مستدرك الحاكم)) (6558).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    ومن ذلك: أن مُنعت الجن من استراق السمع([1]).
    وحينها قالت الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) الجن: ٨ – ٩.
    ومن ذلك: ما ورد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ، فَجَاءَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ أَبْيَضَ، فَوَقَعَ عَلَى حَائِطٍ لَهُمْ، فَقَالَتْ لَهُ: أَلَا تَنْزِلُ إِلَيْنَا فَتُحَدِّثُنَا وَنُحَدِّثُكَ، وَتُخْبِرُنَا وَنُخْبِرُكَ؟ قَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ حَرَّمَ الزِّنَا، وَمَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ([2]).
    وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَكَانَ، مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ، قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ، فَوَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا، عَلَيَّ بُرْدَةٌ، مُضْطَّجِعًا فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي، فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ وَالْحِسَابَ، وَالْمِيزَانَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ فَقَالَ: ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ، أَصْحَابِ أَوْثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ تَرَى هَذَا كَائِنًا؟ أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ ، قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ يَوَدُّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدُّنْيَا، يُحَمُّونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطْبَقُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا، قَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ، وَالْيَمَنِ، قَالُوا: وَمَتَى نَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ، قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا، فَقُلْنَا: وَيْلَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ([3]).
    وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: إنَّ مِمَّا دَعَانَا إلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُدَاهُ لَنَا؛ لَمَّا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ، وَكُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوَثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا لَنَا: إنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، فَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَبْنَاهُ، حِينَ دَعَانَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَن َا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُم ْ إلَيْهِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مِنْ الْبَقَرَةِ: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) البقرة: ٨٩([4]).

    [1])) ((صحيح البخاري)) (4921).

    [2])) أخرجه أحمد (14835)، وأبو نعيم في ((الدلائل)) (56)، والبيهقي في ((الدلائل)) (2/ 261)، وحسنه الألباني في ((صحيح السيرة)) (83).

    [3])) أخرجه أحمد (15841)، والحاكم (5764)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وابن هشام في ((السيرة)) (1/ 212)، ثلاثتهم من طريق ابن إسحاق، وصححه الألباني في ((صحيح السيرة)) (59).

    [4])) أخرجه ابن إسحاق في ((المغازي)) (84)، وعنه ابن هشام في ((السيرة)) (1/ 211)، وصححه الألباني في ((صحيح السيرة)) (57).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إسْلَامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسِيدِ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ، إخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِم ْ ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَدِمَ عَلَيْنَا قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطْ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفَضْلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إذَا قَحِطَ عَنَّا الْمَطَرُ قُلْنَا لَهُ: اخْرُجْ يَا بْنَ الْهَيْبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَنُخْرِجُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا فَيَسْتَسْقِي اللهَ لَنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ وَنُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ، قَالَ: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالَ: قُلْنَا: إنَّكَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أتَوَكَّفُ([1]) خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ([2]) زَمَانُهُ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ.
    فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ - وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا -: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيِّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهُ لَهُوَ بِصِفَّتِهِ، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ([3]).
    وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ([4])، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، واَجْتهَدْتُّ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا([5]) لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ: فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُّ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا وَاللهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ: وَبَعَثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، قَالَ: فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الْأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ، اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ: وَأَبْغَضْتُّهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟، قَالَ: قُلْتُ أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا فَصَلَبُوهُ، ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ، فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ، قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ، لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُّهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا، آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ ، فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى؛ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ، قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُمُو هَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ، قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ([6]).

    [1])) ((أتوكف)): أنتظر.

    [2])) ((أظل)): اقترب.

    [3])) أخرجه ابن هشام في ((السيرة)) (1/ 213)، عن ابن إسحاق، وصححه الألباني في ((صحيح السيرة)) (61).

    [4])) ((الدِّهْقَانُ)): بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا: رئيسُ القَرْية. ((نهاية)).

    [5])) ((قَطِنَ النَّارِ)): أَيْ: خازِنَها وخادِمَها: أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ لَازِمًا لَهَا لَا يُفارِقُها، مِنْ قَطَن فِي الْمَكَانِ إِذَا لَزِمه، ويُروْى بِفَتْحِ الطَّاءِ جَمْع قَاطِن. ((نهاية)).

    [6])) أخرجه ابن إسحاق في ((المغازي)) (87- 90)، وعنه: أحمد (23737)، وابن هشام في ((السيرة)) (1/ 214- 218)، عن ابن إسحاق، وصححه الألباني ((صحيح السيرة)) (70).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، خَرَجَا يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا صَاحِبَ الْبَعِيرِ؟ قَالَ: مِنْ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، قَالَ: وَمَا تَلْتَمِسُ؟
    قَالَ: أَلْتَمِسُ الدِّينَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَظْهَرَ الَّذِي تَطْلُبُ فِي أَرْضِكَ.
    فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ، وَأَمَّا زَيْدٌ فَعُرِضَ عَلَى النَّصْرَانِيَّ ةِ فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ:
    لبيك حقًّا حقًّا

    تعبدًا ورقًّا
    البرُّ أبغي لا الخال

    وهل مُهَجِّرٌ كمن قال

    آمَنْتُ بِمَا آمَنَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ.
    وَهُوَ يَقُولُ:
    أنفي لك عانٍ راغمُ

    مهْما تُجَشِّمْنِي فَإِنِّي جاشمُ

    ثُمَّ يَخِرُّ فَيَسْجُدُ([1])
    وقبيل مبعثه صلى الله عليه وسلم كان وحيه منامًا، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح([2]).
    ثم حبب إليه الخلوة فكان يخلو في غار حراء شهر رمضان يتعبد فيه([3]).


    [1])) أخرجه الطيالسي (231)، والبيهقي في ((الدلائل)) (2/ 124).
    وقوله: ((البر أبغي لا الخال)): أي: أبغي البر لا الكِبْر؛ فالخال: الكِبْر؛ من الخيلاء، جاء في ((النهاية)) (2/ 94): يُقَالُ هُوَ ذُو خَالٍ أَيْ: ذُو كِبْرٍ.
    وقوله: ((وهل مهجر كمن قال)): الْهَجِيرُ والْهَاجِرَةُ: اشتدادُ الحَرِّ نصفَ النهار، أَيْ: هَلْ مَنْ سَارَ فِي الْهَاجِرَةِ كَمَنْ أَقَامَ فِي الْقَائِلَةِ؟. ((نهاية)) (5/ 246).
    وقوله: ((إني لك عانٍ)): أي: لك أسير خاضع متذلل؛ جاء في ((معجم العين)) (2/ 258): وَالْعَانِي: الْخَاضِعُ المُتَذَلِّل، قال الله عزَّ وجلَّ: (وعنت الوجوه للحي القيوم) طه: 111 ، وَهِيَ تَعْنو عُنُوًّا، وَجِئْتُ إِلَيْكَ عَانِيًا: أَي: خَاضِعًا كَالْأَسِيرِ الْمُرْتَهِنِ بِذُنُوبِهِ، وَالْعَنْوَةُ: الْقَهْرُ؛ أَخَذَهَا عَنْوَةً؛ أَي: قَهْرًا بِالسَّيْفِ، وَالْعَانِي: مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَنْوَةِ، أَي: الذِّلَّةَ.
    وجاء في ((النهاية)) (3/ 314): الْعَانِي: الْأسِيرُ، وكلُّ مَنْ ذَلَّ وَاسْتَكَانَ وَخَضَعَ فَقَدَ عَنَا يَعْنُو، وَهُوَ عَانٍ، وَالْمَرْأَةُ عَانِيَةٌ، وَجَمْعُهَا: عَوَانٍ.
    وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ»، أَيْ: أُسَرَاءَ، أَوْ كَالْأُسَرَاءِ.
    وقوله: ((مهما تجشمني فإني جاشم)): أي: مهما كلَّفْتني؛ يُقَالُ: جَشِمْتُ الأمْرَ؛ بِالْكَسْرِ، وتَجَشَّمْتُهُ: إِذَا تَكَلَّفْتُهُ، وجَشَّمْتُهُ غَيْري بالتَّشْديد، وأَجْشَمْتُهُ: إِذَا كَلَّفْتَهُ إِيَّاهُ. ((نهاية)) (1/ 274).

    [2])) سيأتي معنا في الحديث المذكور.

    [3])) سيأتي معنا في حديث خديجة رضي الله عنها مع ورقة بن نوفل.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    ثم بعد ذلك نزل الوحي من السماء، من عند رب العزة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    فكيف كان نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم لأول مرة؟ وأين كان هذا؟ وما الذي حدث له صلى الله عليه وسلم حينها؟ وكيف كان موقف من حوله منه صلى الله عليه وسلم حين أخبرهم بذلك؟
    هذا ما سنعرفه من خلال الحديث الصحيح المروي في ((الصحيحين)) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:(اقرأ باسم ربك الذي خلق قلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم) العلق: ١ - ٣ ، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرًأ تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ؛ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيّ َةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.
    ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ([1]).
    · فترة الوحي:
    ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة([2])؛ كما هو مذكور في الحديث المتقدم، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً([3])».
    ولم تُذْكَرْ مدة فتور الوحي بالتحديد إلا ماورد عند ابن سعد في ((الطبقات([4])))، بسند غير صحيح؛ أنها كانت أيامًا، وما ورد من مرسل الشعبي أنها كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا([5])، ولا يصح أيضًا.
    وأما ما ذكر في بعض طرق حديث عائشة السابق عن محاولة النبي صلى الله عليه وسلم التردي من شواهق الجبال حزنًا على غياب الوحي عنه([6])؛ فهو من مراسيل الزهري، وليس موصولًا، كما قرر ذلك ابن حجر رحمه الله([7])، ومراسيل الزهري معروفة بشدة ضعفها.
    · عودة الوحي:
    ثم حَدَّثَ النبي صلى الله عليه وسلم عن عودة الوحي مرة أخرى، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ، قال: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ([8]) مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يا أيها المدثر قم فأنذر) المدثر: ١ - ٢ ، إِلَى قَوْلِهِ: (والرجز قاهجر) المدثر: ٥ ، - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ: الأَوْثَانُ - ثُمَّ حَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ([9])».

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160).

    [2])) قال ابن حجر رحمه الله: ((وَفُتُورُ الْوَحْيِ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَخُّرِهِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ؛ وَكَانَ ذَلِكَ لِيَذْهَبَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ مِنَ الرَّوْعِ، وَلِيَحْصُلَ لَهُ التَّشَوُّفُ إِلَى الْعَوْدِ)). ((فتح الباري)) (1/ 27).

    [3])) متفق عليه: سيأتي.

    [4])) (1/ 196).

    [5])) ذكره ابن حجر في ((الفتح)) (1/ 27)، وعزاه إلى ((تاريخ أحمد ابن حنبل)).

    [6])) ((صحيح البخاري)) (6982).

    [7])) ((فتح الباري)) (12/ 359).

    [8])) يُقَالُ: جُئِثَ الرَّجُلُ؛ إِذَا فَزِع. ((نهاية)) (1/ 232).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4926)، ومسلم (161).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: اتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (حصري للمجلس العلمي)

    قوله:
    ثم الوضوء والصلاة علمهْ

    جبريل؛ وهي ركعتان محكمهْ

    عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ([1]).
    وفرضت الصلاة أول ما فرضت، ركعتان.
    عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ([2]).

    [1])) أخرجه ابن ماجه (462)، وأحمد (17480)، وابن أبي شيبة (661)، والحاكم (4958)، والبيهقي في ((الكبير)) (756)، قال أبو حاتم في ((العلل)) (104): هذا حديث كذب باطل، وصححه الألباني في ((الصحيحية)) (841) بشواهده.

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •