قوله:
الحمد لله القدير الباري
ثم صلاته على المختار
((الْحَمْدُ)) هُوَ: الثَّنَاءُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّي َةِ.
و(الألف) و(اللام) في قوله: (الحمد) للاستغراق، فتكون مستغرقة لجميع أنواع الحمد؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي له الحمد كله، وله الحمد المطلق، وأما المخلوق فلا يحمد إلا حمدًا خاصًا؛ فتقول: أحمد فلانًا على كذا وكذا، ولا تقول: لفلان الحمد.
و(اللام) في قوله: (لله) هي لام الاستحقاق؛ أي: هو سبحانه المستحق للحمد المطلق لا أحد سواه.
و((القديم))؛ هو المتقدم على غيره.([1])
وهو ليس من أسماء الله تعالى؛ وإنما يطلق من باب الإخبار؛ والمراد به: الأول الذي ليس قبله شيء.
قال صاحب النظم رحمه الله في ((شرح الطحاوية)):
((وَأَمَّا إِدْخَالُ الْقَدِيمِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، مِنْهُمُ ابْنُ حَزْمٍ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي نَفْسِ التَّقَدُّمِ، فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحَوَادِثِ كُلِّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَا يُمْدَحُ بِهِ، وَالتَّقَدُّمُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقٌ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الْحَوَادِثِ كُلِّهَا، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَجَاءَ الشَّرْعُ بِاسْمِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ الْقَدِيمِ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ آيِلٌ إِلَيْهِ وَتَابِعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْقَدِيمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى لَا الْحَسَنَةُ([2]))).
و((الباري))؛ مِنْ أسماء الله الحسنى، ودليله قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) الحشر: 24.
ومعناه: الْمُوجِدُ مِنْ عَدَمٍ على غير مثال سابق.
قوله: ((ثُمَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ))؛ قال البخاري رحمه الله: ((قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ([3]))).
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الله عَلَى النَّبِي بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْبَرَكَةِ فمُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ اللَّهَ غَايَرَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ: (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )البقرة: 157 . وَكَذَلِكَ فَهِمَ الصَّحَابَةُ الْمُغَايَرَةَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا) الأحزاب: 56 . حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ فِي تَعْلِيمِ السَّلَامِ؛ حَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ "السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ" وَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْبَرَكَةِ لَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ([4]).
وقال ابن حجر رحمه الله: ((وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ: مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ؛ أَنَّ مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ: طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى([5]))).
قال أيضًا: ((وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَلَائِكَتِهِ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ([6])، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِنَا: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ": اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا، أَوْ تَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ لَجَازَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ([7]))).
قوله: ((الْمُخْتَارِ))؛ لِأَنَّ الله تعالى اختاره صلى الله عليه وسلم واصطفاه مِنْ بيْنِ سائر الخلق نبيًّا ورسولًا وخاتمًا للنَّبِيِّينَ.
[1])) ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز، (78).
[2])) السابق.
[3])) ((صحيح البخاري)) مع ((فتح الباري)) (8/ 392).
[4])) انظر: ((فتح الباري)) (11/ 160).
[5])) السابق.
[6])) أي: بمعنى الثناء مِنَ الله، وطلب الثناء مِنَ الملائكة والمؤمنين.
[7])) السابق (11/ 161).