دراسة حديثية فقهية(*)
ملخص
تناول الباحث موضوع "صيام ست من شوال" دراسة حديثية فقهية وذلك من خلال جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع، وتخريجها، ودراستها دراسة حديثية معمّقة، وتناول الأحكام الفقهية المتعلّقة به؛ لأنّ الأحكام لا تستنبط إلا ّبعد تمحيص النصوص ونقدها.
ويخلص البحث إلى ثبوت الأحاديث التي حثت على صيام هذه الأيام، وذهاب معظم الفقهاء إلى استحباب صيامها من خلال مناقشة الأدلة والترجيح بينها.
مقدمة
الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم، وأرشدنا إلى صراطه المستقيم، أحمده حمد معترف بالتقصير، وأسأله التوفيق للعمل بما يرضيه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع خطاهم إلى يوم الدين وبعد:
فإن الله تبارك وتعالى قد شرفنا بأن أنزل إلينا كتاباً فيه ذكرنا، فقال جل جلاله: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [10: الأنبياء]، وشرع لنا من الدين ما شرعه لأسلافنا، فقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [13: الشورى].
ومن هذه الشرائع التي فرضها الله على عباده: طاعة الله ورسوله؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [32: آل عمران] فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله، ووسيلة لنيل رضا الله ومحبته، يقول الله جل وعلا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[31: آل عمران]، فحبُّ الله في حبِّ رسوله، وحبُّ رسوله باتباع هديه صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى حب الله ولم يكن متبعاً لرسول الله فهو كاذب حتى يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.
ومن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ورحمته بهم، وخوفه عليهم، فقد سنّ لهم بعض الأعمال؛ لتكون صمّام أمان للفروض والواجبات، فسنَّ لنا مع كل صلاة مفروضة، سنة مختارة لتكون سياجاً للفرض، وتسد النقص إن حصل، فالعبد لا يسلم من الخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ»[1]، وكذلك باقي الفروض.
ومن السنن التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها: صيام ست من شوال، وقد دأب الناس منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على صيام هذه النافلة تقرّباً لله، وطمعاً بما عنده من الثواب.
وفي الآونة الأخيرة سمعت بعض طلبة العلم يقولون: إن صيام هذه الأيام: "بدعة"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها، ولم يثبت أن أحداً من أصحابه أو التابعين، أو من أهل العلم صام هذه الأيام، معتمدين في ذلك على قول للإمام مالك في الموطأ، وقد سألني بعض طلابي، وعدد لا بأس به من الناس عن حكم صيام هذه الأيام، فأردت أن أتناول هذه المسألة بالبحث وأبين وجه الصواب فيها، مستعيناً بالله جل وعلا، منافحاً عن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وقد وسمت هذا البحث بـ: "صيام ست من شوال- دراسة حديثية فقهية".
يتبع