( صدقة الفطر صاع تمر ....... غنى أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه ، وعلى رغم ضعفه فزكاة الفطر واجبة على الفقير )

قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده :


23664 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: سَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ نُعْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أبيه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، وَشَكَّ حَمَّادٌ، عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْطِي " (1)
__________
وقال محققو المسند :
(1) إسناده ضعيف لضعف نعمان بن راشد وسوء حفظه، وللاختلاف الذي وقع فيه على الزهري كما سيأتي بيانه، وقد ضعَّفه الإمام أحمد وابن عبد البر كما في "نصب الراية" للزيلعي 2/409.
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/45، وفي "شرح المشكل" (3410) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/122 من طريق عفان، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري في "تاريخه" 5/36، وأبو داود (1619) ، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/253، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/45، وفي "شرح المشكل" (3411) ، وابن قانع 1/122، والدارقطني في "سننه" 2/147-148 و148-149، والبيهقي 4/167، وابن الأثير فى "أسد الغابة" 1/289 من طرق عن حماد بن زيد، به.
وقد انفرد نعمان بن راشد في هذا الحديث بإيجاب صدقة الفطر على الغني والفقير، فقد رواه دون هذا الحرف بكرُ بن وائل الكوفي -وهو صدوق لا بأس به- عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن أبيه، أخرجه البخاري في "تاريخه" 5/36، وأبو داود (1620) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (629) ، وابن خزيمة (2410) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (3412) و (3413) ، وابن قانع 1/122، والطبراني في "الكبير" (1389) ، والحاكم 3/279، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1367) ، وابن الأثير 1/288. وذكر أبو نعيم بإثره طريق بحر السقاء عن الزهري مثله، وبحر ضعيف.
وخالف سفيان بن عيينة عند الدراقطني 2/148، فرواه عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن أبي هريرة روايةً -أي: مرفوعاً- أنه قال: "زكاة الفطر على الغني والفقير" ثم قال -أي: سفيان-: أُخبِرت عن الزهري. فهذا يضعف الإسناد، والراوي عن سفيان عنده هو نعيم بن حماد، وهو ليس بذاك.
قلنا: لكنه قد صَحَّ عن أبي هريرة موقوفاً، فقد رواه معمر عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، بنحو حديث النعمان بن راشد عن الزهري الذي خرَّجه المصنف هنا، وقد سلف حديث أبي هريرة برقم (7724) ، ورجاله ثقات رجال الشيخين.
وقد روي نحوه -دون إيجاب الصدقة على الغني والفقير- من غير وجه عن الزهري عن سعيد بن المسيب وغيره مرسلاً. انظر "مصنف" ابن أبي شيبة 3/170-171، و"شرح معاني الآثار" 2/45 و46، و"سنن البيهقي" 4/169.
قلنا: وقد جاء في "الصحيحين" وغيرهما عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري ما يفيد أن إخراج مُدَّين من الحنطة عن كل رأسٍ في صدقة الفطر لم يكن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل أحدثه الناس بعده، انظر "المسند" (4486) و (11182) و (11698) .
قال البيهقي في "السنن" 4/170: وقد وردت أخبار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صاع من بُرٍّ، ووردت أخبار في نصف صاع، ولا يصحُّ شيء من ذلك، قد بيَّنت عِلَّة كل واحد منها في "الخلافيات".
وقال ابن المنذر كما في "فتح الباري" 3/374: لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعتَمد عليه، ولم يكن البُرُّ بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيءَ اليسير منه، فلما كَثُر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاعٍ من شعير، وهم الأئمة..



وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوعا عليه كما في المسند :

7724 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ مَعْمَرٌ، يَقُولُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - ثُمَّ قَالَ بَعْدُ -، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ: " عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ، صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ " قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ، كَانَ يَرْوِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)
__________

(1) رجاله ثقات رجال الشيخين، وهو موقوف.
قال الشيخ أحمد شاكر: وقد بيَّن عبد الرزاق أن معمراً كان يُحدث به أولاً عن الزهري عن أبي هريرة مباشرة موقوفاً، فيكون منقطعاً، وأنه وصله بعدَ ذلك إذ تذكَّر أنه سَمِعَهُ من الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فصح الإسناد واتصل. أما رفعه فلم يثْبُتْ، لأن معمراً لم يسمعه مِن الزُّهري مرفوعاً، بل بلغه عنه أنه كان يرويه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: يسنده إليه ويرفعه، فالذي أبلغ معمراً هذا، لا نعرف مَنْ هُو.
وهو في "مصنف عبد الرزاق" (5761) ، ومن طريقه أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/45، والدارقطني 2/149-150، والبيهقي 4/164 عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة على الرواية الموصولة دون الرواية المنقطعة التي رجع عنها معمر.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3428) من طريق عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عُبيد الله بن جعفر، عن الأعرج، عن أبي هريرة = نحوه.
وقد أورد الدارقطني هذا الحديث في "العلل" 7/39-41 وذكر فيه خلافاً على الزهري، فراجعه فيه.
وانظر ما سلف في مسند ابن عمر برقم (4486) .


قلت : تجب زكاة الفطر على الفقير على الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله تعالى ، لأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة إلا إذا كان الفقير معدما ، والحديث المذكور في إسناده نظر لكن صح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا عليه .

وفي حديث ابن عمر السابق الذي رواه الجماعة: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) ،
وروى البخاري عنه قال: (فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين).

وقول ابن عمر في حديثه:
(كل حر أو عبد) يشمل الغني والفقير الذي لا يملك نصابًا، كما صرح به أبو هريرة في حديثه: (غني أو فقير) وإلى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة والجمهور، ولم يشترطوا لوجوبها إلا الإسلام وأن يكون مقدار هذه الزكاة الواجبة فاضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته وفاضلاً عن مسكنه وأثاثه وحوائجه الأصلية.
قال الشوكاني: وهذا هو الحق ؛ لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنيًا ولا فقيرًا، ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكًا له، ولا سيما والعلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهر من اللغو والرفث، واعتبار كونه واجدًا لقوت يوم وليلة أمر لا بد منه ؛ لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم، فلو لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم، لا من المأمورين بإخراج الفطرة، وإغناء غيره
(نيل الأوطار: 4/186).
وفي فقه الزكاة :
والذي أراه: أن للشارع هدفًا أخلاقيًا تربويًا -وراء الهدف المالي- من فرض هذه الزكاة على كل مسلم غني أو فقير. ذلك هو تدريب المسلم على الإنفاق في الضراء كما ينفق في السراء، والبذل في العسر، كما يبذل في اليسر، ومن صفات المتقين التي ذكرها القرآن أنهم (ينفقون في السراء والضراء) (آل عمران: 134)، وبهذا يتعلم المسلم -وإن كان فقير المال، رقيق الحال- أن تكون يده هي العليا، وأن يذوق لذة الإعطاء والإفضال على غيره، ولو كان ذلك يومًا في كل عام، ولهذا أرجح مذهب الجمهور الذين لم يشترطوا لوجوب هذه الزكاة ملك النصاب.