في تعليقه على من يحتج بردّ أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام بالعقل، قال أستاذ أصول الفقه المشارك بكلية الشريعة بالاحساء الدكتور عبدالسلام الحصين: إنه عندما يطلق مصطلح العقل فلا بد من تعيينه وتعريفه لأنه مصطلح مجمل، وأضاف الحصين : إن العقل يطلق على عدة أمور، منها المعلومات الضرورية المشتركة بين بني آدم، والتي لا تصحّ فيها المخالفة كالمعلومات المرتبطة بالحس أو المرتبطة بالفطرة، وكالمسائل الرياضية، وغيرها، وهي التي لا تقبل الخلاف بين جميع الناس، كما أن العقل قد يقصد به مجموعة من المعلومات الاستدلالية التي يختلف فيها الناس بالنظر إلى طريقة نظرهم واستنتاجهم. وأوضح الحصين أنه عندما يقول قائل: إن هذا الحديث مخالف للعقل فيجب أن ننظر أولاً إلى درجة الحديث فإذا كان صحيحاً فإنه لا يمكن أن يكون مخالفاً للعقل الفطري الذي يشترك فيه الناس ولا يختلفون، لكنه قد يخالف أفكار بعض الناس، وهنا يكون الخلل في تفكير الشخص وليس في الحديث، وعندها لا يقال إنه يخالف العقل مطلقاً وإنما يخالف عقول بعض الناس.
وبيّن الحصين أن التفريق بين الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد إنما هي شبهة أثارها المعتزلة في وجه أهل السنة لأجل أن يردوا الأحاديث الصحيحة التي وردت في أسماء الله وصفاته؛ لأنهم لا يعرفون التمييز بين الحديث الصحيح والضعيف، ولا يدركون جوانب البحث في الرجال والأسانيد فاخترعوا هذه الكلمة لكي يسدّوا باب الاستدلال بأحاديث الآحاد، وهم يعرفون أن الأحاديث المتواترة قليلة جدة ولا تشكل نسبة 5% من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، لأن المتواتر هو ما رواه جمع كثير يستحيل تواطؤهم على الكذب من أول الإسناد إلى آخره، وهذا الجمع فيه خلاف عند أهل العلم.
وعن إنكار بعض الأحاديث الصحيحة لإنكار معناها أو متنها قال الحصين: إن من ينكر ذلك أحد شخصين إما من له علاقة بالعلم الشرعي، أو شخص ليس له علاقة به؛ وأضاف : إنه إن كان من المتخصصين فإن ذلك فنّ له شروطه وأركانه، ومعلوم أن الحديث يردّ إما بعلّة في السند أو المتن. وأوضح الحصين أنه يمكن ردّ حديث صحيح من قبل متخصصين لشبهة في المتن والتي تدل على خطأ في أحد الرواة؛ مثل حديث عائشة رضي الله عنها حينما سمعت أن ابن عمر يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقالت: «رحم الله أبا عبدالرحمن، أما إنه ما كذب لكن السمع يخطئ، إن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على يهودي قد مات وأهله يبكون عليه فقال: إنه ليعذب في قبره وإنهم ليبكون عليه» ثم تلت قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، ولكن خالفها بقية الصحابة فالحديث مرويّ من أكثر من طريق واتفق أهل العلم أن الحديث صحيح ولم يقبلوا ما قالته عائشة رضي الله عنها لكن ليس ذلك قدحاً فيها. لذلك إذا رأى أحد المتخصصين من أهل العلم أن حديثاً ما به علّة في متنه واستدل على وجود العلة بأحاديث أخرى أو بآيات من القرآن فيمكن ذلك.
وعن معارضة بعض الأحاديث للحقائق العلمية أوضح الحصين أن الأحاديث الصحيحة لا يمكن أن تعارض الحقائق العلمية. مبيناً أن الحقائق العلمية إنما هي نظريات وليست حقائق؛ فالنظرية تبنى على مجموعة من الأبحاث تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب، ولا تكون حقيقة علمية حتى يتفق عليها أهل الفن كلهم وتكون الوسائل والطرق الموصلة إليها يقينية.

وأكد الحصين أنه لا يمكن أن يقبل من غير المتخصصين أن يتكلموا في غير فنّهم كالأطباء والمهندسين وغيرهم وكذلك علم الحديث فلا بد من الرجوع إلى أهل الحديث. مشيراً إلى أن إطلاق مصطلحات الكفر والزندقة يعد من الأبواب الخطيرة التي علينا الوقاية منها، كما أوضح أن منهج أهل السنة والجماعة يفرّقون بين القول والقائل؛ فقد يكون القول كفريّ أو يؤدي إلى الزندقة لكنه ليس بالضرورة أن يكون قائله كذلك، وهذه قضية يغفل عنها كثيرون.