ألم أقل لكم اخوتاه أن الجدل الفلسفي لا يجلب خيرا أبدا..
ها قد انتقل الكلام عن ابليس، مع أني لا أحسب أن الأخ الكريم الذي فتح هذا الموضوع كان يعنى بابليس بالذات، وليراجعني في هذا ان كنت مخطئا. وعلى أي حال فالمراد بكلمة المحض، على ما يبلغه فهمي المتواضع، هو الخالص المطلق، وعليه فالشر المحض يكون الشر الذي لا يرجى من ورائه خير البتة! وهذا هو ما ننزه الله عنه، وهذا أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة كما هو معلوم، فالله لا يوجد الشر الا لخير عميم يراد من ورائه، وهو تبارك وتعالى الحكيم العليم، وأدلة ذلك تملأ ما بين دفتي القرءان، فهو عز وجل القائل:
((ولَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين))َ [البقرة : 251]
فجعل سنة الدفع، والتي ظاهرها الألم والقتال والشر والنكال، هي سبيل صيانة الأرض من الفساد، بل انها لفضل من الله على العالمين كما تدل هذه الآية وما في نحو معناها، والمرض شر من وجه وخير من وجوه، والفقر شر من وجه وخير من وجوه، والقتال شر من وجه وخير من وجوه ووجوه، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وادلة هذا المعنى في الكتاب والسنة تفوق الحصر كما بينا
فالمراد بالشر المحض، والممتنع في حق الله تعالى، هو الشر الذي لا يؤدي الى خير قط، والذي هو شر من جميع الوجوه، فيرجى التنبه الى هذا المعنى. فان تناولنا ابليس وسبب خلقه وسبب ابتلائه وتقدير الله لما صار اليه من الحال، لوجدنا أنه هو الحكمة المحضة والرحمة من رب العالمين، فلولا ابليس - وما جعل الله له من وسائل في نفوس البشر ومداخل يدخل منها - لما كان ذنب وما كانت توبة، وما كان جهاد ورفعة في المنازل والدرجات، وما كان صدق واخلاص، ولهدمت مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، وهذا ظاهر واضح. فمن هذا يقال أن خلق ابليس وتصييره الى ما صار اليه، هو شر من وجه ولكنه خير من وجوه شتى لا يعلم حصرها الا الله، ولا علاقة لذلك بما كان عليه ابليس قبل أن يكفر ويستكبر ويلعن ويبتلي الرب به آدم وسائر ذريته الى قيام الساعة.