الفطرة السوية وإنكار السنة النبوية





د. الشريف حاتم العوني
الجمعة 07/06/2013

لم ننته ممن يردّون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بحجة مخالفة العقل، وهي لا تخالف العقل الصحيح، وإنما تخالف قدرتهم هم على الفهم والتعقّل، حتى بدأ التمرد على السنة بحجة أخرى، وهي حجة مخالفة الفطرة السوية!.

وكالعادة ليس في كثير مما يذكر هؤلاء المعنيون بهذا المقال مما يخالف الفطرة السوية، لكنه قد يخالف بعض الأمزجة وبعض الطباع وبعض العادات والأعراف، ولأنهم لا يعرفون الفرق بين الفطرة التي يجتمع عليها عامة البشر، والمزاج المعين والذوق الخاص، فقد جعلوا من أذواقهم هم وأمزجتهم فطرةً بشرية.. هكذا بطفرة فكرية واحدة !!.

وليتهم تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمَّا ‏أُتِي‏ ‏بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ ‏خَالِد بن الوليد: أَحَرَامٌ هُوَ؟، قَالَ: ‏لَا، وَلَكِنه لَا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، فَأَكَلَ ‏خَالِدٌ،‏ ‏وَرَسُولُ الله ‏صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَنْظُر.

فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله، وهو أسلم البشر فطرة، وأزكاهم نفسًا، وأصحهم مزاجًا، وأسماهم ذوقًا: لم يمنع من أكل الضب، لمجرد أن نفسه عافته ولم تستسغه، بل صرح أنه يعافه عيفان الإلف، وأنه لم يألف أكله، ولذلك فقط عافه، ولو كان أحد هؤلاء مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبادر بتحريمه، بحجة قبح الضب، وأنه عملاق وزغة، دميم (بالدال لا بالذال) الخلقة !!.

واليوم، مع انتشار كثير من مبادئ الغرب الحديث وعاداته وأمزجته، ومع تسويق أفكاره وفلسفاته ورُؤاه المعاصرة وكأنها قيم قطعية لا تقبل التشكيك، أصبح كثير من الناس عامة، ومن المسلمين خاصة، لا يفرقون بين الفطرة السوية من جهة والمزاج العام والعادة السائدة والأفكار والرُؤى المنتشرة من جهة أخرى، فكل ما خالف هذا المزاج الحديث، قالوا: هذا مخالف للفطرة !، وكل ما ناقض الأفكار السائدة هاجموه بدعوى عدم الإنسانية أو الوحشية أو الهمجية.. ونحو ذلك من عبارات الذم والتنفير!.

وتناسى الغرب المغرور والمفتونون بحضارته أن الفطرة البشرية السوية لا يمكن أن يكون البشر كلهم في كل عصورهم السابقة على خلافها، فلا يمكن أن البشر كلهم كانوا على خلاف فطرتهم، حتى جاءت القيم الغربية الحديثة فاكتشفت للبشرية فطرتها البشرية التي فقدها البشر منذ آلاف السنين أو عشرات آلافها !!!.

فمثلا: قوامة الرجل، وتعديد الأزواج للرجل الواحد، شيء كانت عليه عامة البشر في الحضارات البشرية كلها، من الشرق والغرب، كما يعرفه كل من درس شيئًا من الحضارات الأمم الغابرة ووقف على تاريخها الثقافي والديني وحياتها الاجتماعية، وهو أيضًا مما تتفق عليه عموم الملل، وتسير عليه غالب القوانين الإنسانية، وهذا معلوم حتى في التوارة الموجودة إلى اليوم وفي أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس عند النصارى، ولمجرد أن الغرب دعى للتمرد على هذه الفطرة البشرية، وتعالى على جنسه البشري بمثل هذا التمرد، ظن كثير من الناس أن هذا هو الفطرة السوية !!.
ولمجرد أن الغرب يستقبح الحدود والعقوبات الإسلامية كحد السرقة والقصاص والرجم وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب، أصبح البعض يدعي أن هذه وحشية، وتخالف الفطرة السوية !!.

ونسوا أن البشرية كلها قبل حضارة الغرور البشري المعاصرة كانت تمارس عدالاتُها تلك العقوبات كلها، وأنه يتفق مع الإسلام فيها ما هو موجود إلى اليوم في التوراة وأسفار العهد القديم.

ولا أريد أن أناقش تناقض الغرب بين استنكار تلك الأمور وممارساته هو العملية، والتي تخالفها كل المخالفة، ونفاقه الكبير في هذا الجانب.
ولا شك أن الفطرة البشرية هي ما اتفق عليه عامة البشر في جميع الأعصار، لا ما اخترعته حضارة جيل واحد، وأرادت تعميمه على الأمم والحضارات الأخرى بآلة العولمة من إعلام واتصال وغزو حضاري وفكري.
فأرجوكم دعوا الفطرة السوية للبشرية، ولا تتسلطوا عليها بأمزجتكم وأذواقكم المتقلبة!!.

http://www.al-madina.com/node/458261...A9.html/risala