يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى في شأن تواضع عائشة :وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تعلم أنها بريئة مظلومة وأن قاذفيها ظالمون لها مفترون عليها قد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها فما ظنك بمن صام يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين وقام ليلة أو ليلتين فظهر عليه شيء من الأحوال ولاحظوا بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ويغتنم صالح دعائهم وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيرهم وتوقيرهم فيتمسح بأثوابهم ويقبل ثرى أعتابهم وأنهم من الله بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقصهم في الحال وأن يؤخذ ممن أساء الأدب عليهم من غير إمهال وأن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ولكن من وراء تخلف وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم والعقل غير المستقيم فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه غافل عن جرمه وذنوبه مغتر بإمهال الله تعالى له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعله عند الله عز وجل خير منه. نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما وهو عند الله حقير. جلاء الأفهام ص 110