تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: العدالة عند المحدِّثين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي العدالة عند المحدِّثين

    العدالة لغة:يقال رَجُلٌ عَدْلٌ: وهو مَا قَامَ فِي النُّفُوسِ أَنه مُسْتقيم، وَهُوَ ضِدُّ الجَوْر، وهو الَّذِي لَا يَمِيلُ بِهِ الْهَوَى فيَجورَ فِي الْحُكْمِ، والعَدْلُ مِنَ النَّاسِ: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه([1]).والعدالة اصطلاحًا:قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:((والمراد بالعدل: مَنْ لهُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُه على مُلازَمة التَّقوى والمُروءةِ. والمُرادُ بالتَّقوى: اجْتِنابُ الأعمالِ السَّيِّئةِ؛ مِن شِرْك أو فسقٍ أو بدعةٍ([2]))).كيف تثبت العدالة؟قال ابن الصلاح – رحمه الله -:((تَارَةً تَثْبُتُ بِتَنْصِيصِ مُعَدِّلَيْنِ عَلَى عَدَالَتِهِ([3])، وَتَارَةً تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَ ةِ؛ فَمَنِ اشْتَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ أَوْ نَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، اسْتُغْنِيَ فِيهِ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِعَدَالَتِهِ تَنْصِيصًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي فَنِّ أُصُولِ الْفِقْهِ.وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ، وَمَثَّلَ لِذَلِكَ بِمَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَالسُّفْيَانَي ْنِ، وَالْأَوْزَاعِي ِّ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ([4]))).

    [1])) ((لسان العرب)) (11/ 430).

    [2])) ((نزهة النظر)) (69).

    [3])) ظاهر كلام ابن الصلاح – رحمه الله –. هنا أنه يشترط مُعَدِّلَيْنِ لإثبات العدالة، ولكنه بيَّنَ في موضع آخر أنَّ الصواب الاكتفاء بمعدِّلٍ واحدٍ، حيث قال – رحمه الله – ((علوم الحديث)) (109): ((اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ؟
    فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، كَمَا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي الشَّهَادَاتِ.
    وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ - :أَنَّهُ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ، لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي جَرْحِ رَاوِيهِ وَتَعْدِيلِهِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ)).

    [4])) ((علوم الحديث)) (105).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: العدالة عند المحدِّثين

    شروط العدالة خمسة:
    1- الإسلامُ.
    2- البلوغُ.
    3- العقلُ.
    4- السلامةُ من الفسق.
    5- السلامةُ من خوارم المروءة.
    قولنا: (شروط العدالة)؛ أي: الشروط التي يجب أنْ تتوفر جَمِيعُها في الراوي كي يُحْكَم بعدالته، ولو تخلف ولو شرط واحد منها لم يُحْكَمْ بعدالته([1]).
    قولنا: (الإسلام)؛ لأنَّ الكافر ليس عدلًا، ولا يتحرز مِنَ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -:
    ((وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْأَدَاءِ مُسْلِمًا , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (إن جاءكم فاسق بنبأ) الحجرات: 6, وَإِنَّ أَعْظَمَ الْفِسْقِ الْكُفْرُ, فَإِذَا كَانَ خَبَرُ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ مَرْدُودًا مَعَ صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ, فَخَبَرُ الْكَافِرِ بِذَلِكَ أَوْلَى([2]))).
    وإنما يشترط الإسلام حال الأداء، لا حال التحمل؛ فإنْ تحمل حال كفره ثم أدَّى بعد إسلامة قُبِلَتْ روايته بالاتفاق.
    قال الذهبي – رحمه الله -:
    ((لا تُشتَرَطُ العدالةُ حالةَ التحمُّل، بل حالةَ الأداء؛ فيَصِحُّ سماعُهُ كافرًا، وفاجرًا، وصَبيًّا. فقد رَوَى جُبَير بن مُطْعِم - رضي الله عنه - أنه سَمِعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بـ "الطُّوْر"([3])، فسَمِعَ ذلك حالَ شِرْكِه، ورَوَاه مُؤْمِنًا([4]))).
    وقال السخاوي – رحمه الله -:
    وَقَبِلُوا الرِّوَايَةَ مِنْ مُسْلِمٍ مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ تَحَمَّلَ الْحَدِيثَ فِي حَال كُفْرِهِ، ثُمَّ أَدَّاهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ بِالِاتِّفَاقِ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَسَمِعَهُ حِينَئِذٍ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، قَالَ جُبَيْرٌ: وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي.
    وَفِي لَفْظٍ: فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ الْكَرْبُ، وَفِي آخَرَ: فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ أَدَّى هَذِهِ السُّنَّةَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَحُمِلَتْ عَنْهُ.
    وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ،
    وَنَحْوُ تَحْدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ بِقِصَّةِ هِرَقْلَ([5]) الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ([6]).
    قولنا: (البلوغ)؛ لأنَّ غير البالغ لا يَعِي حُرْمَةَ الكذب، ولا يَتَحَرَّز منه.
    وإنما يشترط البلوغ - أيضًا - حال الأداء، لا حال التحمل، فإنْ تحمل مميِّزًا، ثم أدَّى بعد بلوغه قُبِلَتْ روايته، ودليل ذلك قبول العلماء لأحاديث الصحابة الذين سمعوا مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم صغارًا، ثم رووا بعدما كبروا؛ مثل مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعائشة، والحسن والحسين، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين.
    وقيَّد بعضُهم سنَّ التحمل بخمس سنين؛ مستدلين بحديث مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه، قَالَ: «عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ([7])» ، وهذا التحديد خطأ؛ بل المعتبر التمييز.
    قال ابن الصلاح – رحمه الله -:
    ((وَالَّذِي يَنْبَغِي فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْتَبَرَ فِي كُلِّ صَغِيرٍ حَالُهُ عَلَى الْخُصُوصِ، فَإِنْ وَجَدْنَاهُ مُرْتَفِعًا عَنْ حَالِ مَنْ لَا يَعْقِلُ فَهْمًا لِلْخِطَابِ وَرَدًّا لِلْجَوَابِ
    وَنَحْوَ ذَلِكَ صَحَّحْنَا سَمَاعَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ خَمْسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ نُصَحِّحْ سَمَاعَهُ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ خَمْسٍ، بَلِ ابْنَ خَمْسِينَ([8]))).
    وقال القاضي عياض – رحمه الله -:
    ((وَتَابَعَ أَبَا مُسْهِرٍ عَلَى قَوْلِهِ: خَمْسُ سِنِينَ ابْنُ مُصَفًّى وَغَيْرُهُ، وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالَ أَرْبَعُ، وَلَعَلَّهُمْ إِنَّمَا رَأُوا أَنَّ هَذَا السِّنَّ أَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّبْطُ وَعَقْلُ مَا يُسْمَعُ وَحِفْظُهُ، وَإِلَّا فَمَرْجُوعُ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ؛ وَرُبَّ بَلِيدِ الطَّبْعِ غَبِيِّ الْفِطْرَةِ لَا يَضْبِطُ شَيْئًا فَوْقَ هَذَا السِّنِّ، وَنَبِيلِ الْجِبِلَّةِ ذَكِيِّ الْقَرِيحَةِ يَعْقِلُ دُونَ هَذَا السِّنِّ([9]))).
    وأمَّا مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فلا يُقْبَلُ تحمُّلُهُ ولا أداؤه.
    قولنا: (العقل)؛ لأنَّ غير العاقل لا يتحرَّز مِنَ الكذب.
    قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -:
    ((وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي فِي وَقْتِ أَدَائِهِ عَاقِلًا مُمَيِّزًا, وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَوْنِهِ بَالِغًا عَاقِلًا مَا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى, عَنْ عَلِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ, عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ, وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»؛ وَلِأَنَّ حَالَ الرَّاوِي إِذَا كَانَ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا, دُونَ حَالِ الْفَاسِقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَذَلِكَ أَنَّ الْفَاسِقَ يَخَافُ وَيَرْجُو وَيَتَجَنَّبُ ذُنُوبًا, وَيَعْتَمِدُ قُرُبَاتٍ, وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُسَّاقِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ وَالتَّعَمُّدَ لَهُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَجُرْمٌ غَيْرُ مَغْفُورٍ, فَإِذَا كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ الَّذِي هَذِهِ حَالُهُ غَيْرَ مَقْبُولٍ, فَخَبَرُ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ أَوْلَى بِذَلِكَ, وَالْأُمَّةُ مَعَ هَذَا مُجْتَمِعَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَا نَعْرِفُ بَيْنَهَا خِلَافًا فِيهِ([10]))).
    وفاقدوا العقل على قسمين:
    قسم منهم جنونهم مُطْبِقٌ؛ أي: مستمر معهم لا يفارقهم، وهؤلاء لا تُقْبل رواياتهم على الدوام.
    والقسم الآخر؛ جنونهم مُتَقَطِّعٌ يفارقهم أحيانًا، فهؤلاء يُقْبَل منهم ما رووه حال إفاقتهم، دون ما رووه حال فقدهم العقل، كما قال السيوطي – رحمه الله -:
    وَيُقْبَلُ الْمَجْنُونُ إِنْ تَقَطَّعَا ... وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إِفَاقَةٍ مَعَا
    قولنا: (السلامة مِنَ الفسق)؛ وَالْفِسْقُ هُوَ: ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ إِصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ([11]).
    قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -:
    ((وَمَنْ سَلِمَ مِنَ الْكَذِبِ, وَأَتَى شَيْئًا مِنَ الْكَبَائِرِ, فَهُوَ فَاسِقٌ يَجِبُ رَدُّ خَبَرِهِ, وَمَنْ أَتَى صَغِيرَةً فَلَيْسَ بِفَاسِقٍ, وَمَنْ تَتَابَعَتْ مِنْهُ الصَّغَائِرُ وَكَثُرَتْ رُدَّ خَبَرُهُ([12]))).
    فلا يكون الراوي شاربًا للخمر – مثلًا - ولا زانيًا ولا قاذفًا ولا كذابًا.
    قولنا: (السلامةُ من خوارم المروءة)؛ وخوارم المروءة كثيرة ومتنوعة، كَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ، والتحدث بمَا سَخُفَ مِنَ الْكَلَامِ الْمُؤْذِي، وَالقَهْقَهَةُ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَمَا قَبُحَ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يَلْهُو بِهِ وَيُسْتَقْبَحُ بِمَعَرَّتِهِ، كَنَتْفِ اللِّحْيَةِ وَخِضَابِهَا بِالسَّوَادِ، وَكَذَا الْبَوْلُ قَائِمًا، يَعْنِي فِي الطَّرِيقِ، وَبِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَالتَّحَدُّثُ بِمَسَاوِئِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسِ فِي الْأَسْوَاقِ لِرُؤْيَةِ مَنْ يَمُرُّ مِنَ النِّسَاءِ([13]).
    كما أنَّ هناك أشياءً تختلف باختلاف الزمان والمكان؛ بحيث تُعَدُّ مِنْ خوارم المروءة في مكان ما أو زمان ما، ولا تُعَدُّ كذلك في مكان وزمان آخر.
    قال السخاوي – رحمه الله -:
    ((وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الزِّنْجَانِيِّ فِي شَرْحِ ((الْوَجِيزِ)): الْمُرُوءَةُ يُرْجَعُ فِي مَعْرِفَتِهَا إِلَى الْعُرْفِ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْعِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْأُمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تُضْبَطُ، بَلْ هِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْبُلْدَانِ، فَكَمْ مِنْ بَلَدٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ أُمُورٍ لَوْ بَاشَرَهَا غَيْرُهُمْ لَعُدَّ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ([14]))).


    [1])) انظر هذه الشروط الخمسة: ((علوم الحديث)) لابن الصلاح (104)، ((شرح التبصرة والتذكرة)) للعراقي (327)، و((فتح المغيث)) (2/ 5).
    [2])) ((الكفاية)) (77).
    [3])) رواه البخاري (765)، ومسلم (436).
    [4])) ((الموقظة)) (61).
    [5])) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773).
    [6])) ((فتح المغيث)) (2/ 135، 136)، مختصرًا.
    [7])) رواه البخاري (77)، ومسلم (33).
    [8])) ((علوم الحديث)) (130).
    [9])) ((الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع)) (64).
    [10])) ((الكفاية)) (77).
    [11])) ((فتح المغيث)) (2/ 5).
    [12])) ((الكفاية)) (101).
    [13])) انظر: ((فتح المغيث)) (2/ 6)، و((فتح الباري)) (11/ 40).
    [14])) ((فتح المغيث)) (2/ 6، 7).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: العدالة عند المحدِّثين

    أسباب الطعن في العدالة خمسة:
    1- الكذب. 2- التهمة بالكذب.
    3- فسق الراوي. 4- بدعة الراوي.
    5- جهالة الراوي.
    قولنا: (أسباب الطعن في العدالة خمسة)؛ أي: الأسباب التي إذا وُجِدَت في راوٍ، أو وُجِدَ أحدُها، صار هذا الراوي مطعونًا في عدالته؛ فلا تُقبَل منه رواياته.
    قولنا: (الكذب)؛ والمقصود به هنا: تعمُّد الراوي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الكذب في حديث الناس نوع مِنْ أنواع الفسق، وقد أُفرد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشد خطرًا مِنْ مجرد الفسق.
    قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -:
    ((وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ, وَالْفِسْقُ بِهِ أَظْهَرُ وَالْوِزْرُ بِهِ أَكْبَرُ([1]))).
    والذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولو تاب مِنْ كذبه فلا تقبل منه رواياته.
    عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَلَبِيِّ , قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَدِّثٍ كَذَبَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ, قَالَ: «تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى, وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ أَبَدًا([2])».
    قال ابن الصلاح – رحمه الله -:
    ((التَّائِبُ مِنَ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ النَّاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، إِلَّا التَّائِبَ مِنَ الْكَذِبِ مُتَعَمِّدًا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا، وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ.
    وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ - فِيمَا وَجَدْتُ لَهُ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ - فَقَالَ: كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ بِكَذِبٍ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ، وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ([3]))).
    قولنا: (التهمة بالكذب)؛ وهذا دون الأول؛ لأنَّ هذا اتهام دون جزم، وأما الأول ففيه جزم بأنَّ الراوي كذاب؛ لِمَا عُرِفَ عنه مِنْ تعمده الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ويُتَّهَمُ الراوي بالكذب بأحد أمرين:
    الأول: أنْ يتفرد الراوي بحديث باطل مخالف لأصول هذا الدين وقواعده، فلا يُرْوَى إلا مِنْ جهته.
    الثاني: أنْ يُعْلَمَ عنه الكذب في حديث الناس.
    قال ابن حجر – رحمه الله -:
    ((أو تُهمته بذلكَ: بأَنْ لا يُرْوَى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكونَ مُخالِفاً للقواعِدِ المعلومةِ، وكذا مَن عُرِفَ بالكذبِ في كلامه، وإنْ لم يَظهر منهُ وقوعُ ذلك في الحَديثِ النبويّ، وهذا دُونَ الأولِ([4]))).
    قولنا: (فسق الراوي)؛ وكما تقدم أنَّ الْفِسْقَ هُوَ: ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ إِصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ([5]).
    كما قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -:
    ((وَمَنْ سَلِمَ مِنَ الْكَذِبِ, وَأَتَى شَيْئًا مِنَ الْكَبَائِرِ, فَهُوَ فَاسِقٌ يَجِبُ رَدُّ خَبَرِهِ, وَمَنْ أَتَى صَغِيرَةً فَلَيْسَ بِفَاسِقٍ, وَمَنْ تَتَابَعَتْ مِنْهُ الصَّغَائِرُ وَكَثُرَتْ رُدَّ خَبَرُهُ([6]))).
    ومَنْ تاب مِنْ فسقه فإنَّه تُقْبَلُ منه رواياته، كما تقدم قول ابن الصلاح - رحمه الله -: ((التَّائِبُ مِنَ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ النَّاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، إِلَّا التَّائِبَ مِنَ الْكَذِبِ مُتَعَمِّدًا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))([7]).
    قولنا: (بدعة الراوي)؛ بأنْ يُحْدِثَ في الدِّين ما ليس منه – سواء كان متأوِّلًا أو متعمدًا – ويكون هذا هو حاله ودأبه.
    والبدع على قسمين: إمَّا بدعة مُكَفِّرة، وإمَّا غير مُكَفِّرة.
    فأما مَنْ كانت بدعته مُكَفِّرة؛ فغير مقبول الرواية على الإطلاق.
    قال ابن كثير – رحمه الله -:
    ((الْمُبْتَدِعُ إِنْ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي رَدِّ رِوَايَتِهِ([8]))).
    وأمَّا مَنْ كانت بدعته غير مُكَفِّرة ففيه تفصيل:
    قال ابن الصلاح – رحمه الله -:
    ((اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ فِي بِدْعَتِهِ.
    فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، وَكَمَا اسْتَوَى فِي الْكُفْرِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ يَسْتَوِي فِي الْفِسْقِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ.
    وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ رِوَايَةَ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعَزَا بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ: " أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّة َ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافَقِيهِم ْ ".
    وَقَالَ قَوْمٌ: " تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً "، وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الْأَكْثَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
    وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَدْعُ إِلَى بِدْعَتِهِ، وَقَالَ: أَمَّا إِذَا كَانَ دَاعِيَةً فَلَا خِلَافَ بَيْنَهِمْ فِي عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ.
    وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ أَحَدُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: " الدَّاعِيَةُ إِلَى الْبِدَعِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا ".
    وَهَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَعْدَلُهَا وَأَوْلَاهَا، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ مُبَاعِدٌ لِلشَّائِعِ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ طَافِحَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ غَيْرِ الدُّعَاةِ.
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فِي الشَّوَاهِدِ وَالْأُصُولِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ([9]))).
    قولنا: (جهالة الراوي)؛ حَيْثُ لا يُعرَفُ فيه تجريح ولا تعديل.([10])
    وقد عَدَّ الأئمةُ – عليهم رحمة الله تعالى – جهالةَ الراوي جرحًا فيه، وأدخلوا المجاهيل في كتب الجرح، وردُّوا رواياتهم.
    مِنْ ذلك:
    قال الدارقطني – رحمه الله -: ((إسحاق بن عمر مجهول يترك([11]))).
    وقال الذهبي – رحمه الله -: ((سعيد بن رواحة، بصري، لا يُدْرَى مَنْ هو، قال الأزدي: ضعيف مجهول([12]))).
    وقال أيضًا: ((سيف بن أبي المغيرة، ضعفه الدارقطني وغيره.
    روى عنه مَحْبُوب بن مِحْرِز.
    وقال الأزدي: ضعيف مجهول لا يُكْتَبُ حديثه([13]))).
    ونحو هذا كثير في كتب العلل والجرح والتعديل.
    تنبيه:
    الطعن في الراوي المجهول ليس لأنه مجروح في ذاته؛ وإلَّا فهو غير معروف؛ وإنما لأنَّ جهالته سبب لردِّ الحديث.


    [1])) ((الكفاية)) (101).
    [2])) ((الكفاية)) (117).
    [3])) ((علوم الحديث)) (116).
    [4])) ((النزهة)) (106).
    [5])) ((فتح المغيث)) (2/ 5).
    [6])) ((الكفاية)) (101).
    [7])) ((علوم الحديث)) (116).
    [8])) ((الباعث الحثيث)) (99).
    [9])) ((علوم الحديث)) (114، 115).
    [10])) ((النزهة)) (107).
    [11])) ((الضعفاء والمتروكون)) للدارقطني، (148).
    [12])) ((ميزان الاعتدال)) (2/ 135).
    [13])) السابق (2/ 258).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: العدالة عند المحدِّثين

    الجهالة نوعان:
    1- جهالة عين: وهي: أن يروي عنه راوٍ واحد فقط.
    2- جهالة حال: وهي: أن يروي عنه راويان، ولم يوثق من إمام معتبر.
    قولنا: (جهالة عين: وهي: أنْ يروي عنه راوٍ واحدٌ فقط)؛ قال الخطيب البغدادي – رحمه الله -: ((الْمَجْهُولُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ هُوَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يُشْتَهَرُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ فِي نَفْسِهِ, وَلَا عَرَفَهُ الْعُلَمَاءُ بِهِ, وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ رَاوٍ وَاحِدٍ([1]))).
    أسباب جهالة العين:
    1- أَنْ يكونَ الرَّاويَ مُقِلاًّ مِن الحديثِ؛ فلا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ.
    2- أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تكثُر نُعُوتُه: مِن اسمٍ، أو كُنيةٍ، أَو لَقَبٍ، أَو صِفةٍ، أَو حِرْفَةٍ، أَو نَسَبٍ، فَيُشْتَهَرُ بشيءٍ مِنها، فُيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِر بِهِ، لغرضٍ مِن الأغْراضِ فَيُظَنُّ أَنَّه آخَرُ، فَيَحْصُل الجهْلُ به.
    مثاله: محمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بِشْرِ الكلْبي، نَسَبَهُ بعضُهم إِلى جَدِّهِ، فقالَ: محمَّدُ بنُ بِشرٍ، وسَمَّاهُ بعضُهم حمادَ بنَ السَّائبِ، وكنَّاه بعضُهم: أبا النضر، وبعضُهم: أَبا سعيدٍ، وبعضُهم: أَبا هِشامٍ؛ فصارَ يُظَنُّ أَنَّهُ جماعةٌ، وهو واحِدٌ، ومَن لا يَعْرِفُ حقيقةَ الأمرِ فيهِ لا يعرِفُ شيئاً مِن ذلك.
    3- أنْ لَّا يُسَمَّى الرَّاوِي، اختِصَارًا مِن الرَّاوي عنهُ؛ كقولِه: أَخْبَرَني فلانٌ، أَو شيخٌ، أَو رجلٌ، أَو بعضُهم، أَو ابنُ فلانٍ؛ فَيُبْهِمُهُ.
    حكم رواية مجهول العين:
    قال الدارقطني – رحمه الله -: ((وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ رَجُلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ, وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ عِنْدَهُمْ بِالْخَبَرِ إِذَا كَانَ رَاوِيْهِ عَدْلًا مَشْهُورًا, أَوْ رَجُلٌ قَدِ ارْتَفَعَ اسْمُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ, وَارْتِفَاعُ اسْمِ الْجَهَالَةِ عَنْهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ رَجُلَانِ فَصَاعِدًا, فَإِذَا كَانَ هَذِهِ صِفَتُهُ ارْتَفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْجَهَالَةِ وَصَارَ حِينَئِذٍ مَعْرُوفًا, فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ انْفَرَدَ بِخَبَرٍ وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ خَبَرِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُوَافِقَهُ غَيْرُهُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ([2]))).
    وذهب ابن حجر – رحمه الله – إلى أنَّ مجهول العين إذا وُثِّقَ مِنْ قِبَلِ أحد مِنْ أهل العلم – سواء كان الذي وثَّقَه الراوي عنه أو غيره – فإنَّ روايته – حينها – تكون مقبولة، إلَّا أنْ يكون مبهمًا؛ حيث قال – رحمه الله -: ((فإن سُمِّيَ الرَّاوي، وانْفَرَدَ راوٍ واحدٌ بالرِّوايةِ عنه، فهو مجهول العين، كالمبهم، إلا أن يوثقه غيرُ مَن ينفرد به عنه على الأصح، وكذا مَن ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك([3]))).
    وأما الراوي المبهم فابن حجر كغيره مِنْ أهل العلم لا يقبل روايته أبدًا إلَّا أنْ يُسَمَّى في رواية أخرى ثابتة.
    حيث قال – رحمه الله -:
    ((ولا يُقْبَلُ حديثُ المُبْهَم، ما لم يُسَمَّ، لأن شرط قبول الخبر عدالة رواته، ومَنْ أُبْهِمَ اسْمُه لا يُعرفُ عَيْنهُ؛ فكيف عدالته.
    وكذا لا يُقْبَل خَبَرُهُ وَلَو أُبْهِمَ بلفظِ التَّعْديلِ، كأَنْ يقولَ الرَّاوي عنهُ: أَخْبَرَني الثِّقُة؛ لأنَّهُ قد يكونُ ثقةً عندَه مجروحًا عندَ غيرِه([4]))).
    تنبيه:
    هذه القاعدة لا يدخل تحتها الصحابة؛ فالصحابي إذا ثبتت صُحْبتُهُ فلا يضره بعدها أنْ يَرْوِيَ عنه راوٍ واحدٌ فقط؛ بَلْ يُحْتَجُّ بروايته، ولا يوصف بالجهالة؛ وذلك لأنَّ الصحابة كلهم عدول.
    قولنا: (جهالة حال: وهي: أنْ يَرْوِيَ عنه راويان، ولم يُوَثَّقْ مِنْ إمام معتبر)؛ قال ابن حجر – رحمه الله -: ((أَوْ إنْ روى عنهُ اثنانِ فصاعِدًا، ولم يُوَثَّقْ فهو مَجْهولُ الحالِ، وهُو المَسْتورُ.
    وقد قَبِلَ رِوَايَتَهُ جَمَاعَةٌ بغيرِ قيدٍ، وردَّها الجمهورُ.
    والتحقيقُ أَنَّ روايةَ المستورِ، ونحوِهِ، ممَّا فيهِ الاحتِمالُ؛ لا يُطْلَقُ القولُ بردِّها، ولا بِقَبولِها، بل يقال: هي موقوفةٌ إِلى اسْتِبانَةِ حالِه، كما جَزَمَ بهِ إِمامُ الحَرمينِ([5]))).


    [1])) ((الكفاية)) (88)، وانظر كلام الدارقطني الآتي.

    [2])) ((سنن الدارقطني)) (4/ 226).

    [3])) ((نزهة النظر)) (125).

    [4])) السابق.

    [5])) السابق.
    قول ابن حجر – رحمه الله – ((والتحقيقُ أَنَّ روايةَ المستورِ، ونحوِهِ، ممَّا فيهِ الاحتِمالُ؛ لا يُطْلَقُ القولُ بردِّها، ولا بِقَبولِها، بل يقال: هي موقوفةٌ إِلى اسْتِبانَةِ حالِه))، هو في الحقيقة موافق لقول الجمهور، وليس مخالفًا لهم؛ وذلك لأنَّ المجهول إذا تبيَّن حاله لم يَصِرْ – حينها – مجهولًا، وهم يتكلمون عن المجهول الذي لم يتبيَّن حاله، وابن حجر يوافقهم في أنَّ مثل هذا لا تُقْبَلُ رواياته مطلقًا.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •