إذا كان هذا في المخلوقات... فما شأن الخالق؟!



إذا كَانَ هذا في المَخْلُوقَاتْ.. . فَمَا شَأْنُ الخَالِقْ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ)) الأرْض هل المُرادُ بها ما يَعْهَدُهُ النَّاس مِمَّا بَاشَرُوهُ من هذهِ الأرض التِّي هُم عليها أو جِنْس الأرْض، فَيَشْمَل الأرَضِينْ كُلَّها؟ اللَّفْظ مُحتمل، ((تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ)) كيف ما يَتَكَفَّؤُها في الحضر؟ لكن حَاجَتُهُ إليها في السَّفر أعْظَم، يُقَلِّبُها بِيَدِهِ، ويَنْظُرُ إليها إشْفَاقاً عليها أنْ تَنْتَهِي، في السَّفر ما عِندهُ غيرها؛ لكنْ في الحَضَر يمكن إذا انتهت؛ لكنْ هُو يُقَلِّبُها شَفَقَةً عليها في السَّفر، ويُحتمل أنْ تكُون يُقَلِّبُهَا أَثْنَاء صُنْعِهَا على النَّار ((نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ‏)) الأرض هذه كُلَّها تُعدّ نُزُلاً طَعَام لأهل الجنَّة، ((نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ ‏ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ‏:‏ بَلَى‏، قَالَ تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً)) هذا من أخبارِ بني إسرائيل، وجاءَ التَّحديثُ عنهم ((حَدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وجاء أيضاً: ((فإنَّ فيهم الأعَاجِيب)) هذا مِمَّا لم يُحَرَّف مِنْ شَرْعِهِمْ؛ ولِذا وَافقَ ما عند هذا اليهودي ما عِنْدَ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وهُم أهلُ عِلْم وأهلُ كتاب، عِلْمُهُم لولا ما دَخَلَهُ من التَّحريف؛ لكانَ حق مُنَزَّلٌ من عند الله -جَلَّ وعلا-، التَّوراة كَتَبها اللهُ بِيَدِهِ؛ لكنْ حَرَّفُوا وبَدَّلُوا بَقِيَتْ عِنْدَهُم بقايا، منها مثل هذا فقال اليَهُودِيُّ: ((بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ)) هل سَمِع هذا الكلام بعدما سَمِع النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقول؟ أو قالَهُ منْ غَيْرِ سَمَاعٍ لكلام النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ فاتَّفَق ما عند النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- معَ ما عِنْدَ اليَهُودِيّ؛ ولِذا ضَحِكَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ‏:‏ بَلَى‏، قَالَ تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً)) كما قال النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يعني كلام هذا الصَّحابي يقول: إنَّ اليهُودي قال كما قال النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ)) هذا دليلٌ على أنَّ اليَهُودِي ما سَمِعْ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وهو يقُول ما قال، ما سَمِعَهُ، يعني مِمَّا بَقِيَ عند اليَهُود من الحق مِثل هذا، ومثل ما جاء في حديث قُتَيْلَة: ((نِعْمَ القَوْمُ أَنْتُم لولا أنَّكُم تُشْرِكُونْ، تقول: ما شاء الله وما شاء مُحمَّد والكَعْبَة)) هذا بَقِيَ عندَ اليَهُود مِمَّا لم يُحرَّف، وقَد يَبْقَى عندَ غيرهم ما لا ليس عند الآخر؛ لأنَّ كُل واحِد يَتَوَلَّى تحريف نُسْخَتِهِ بِيَدِهِ، فَهُم يُحَرِّفُونَ الكَلِمْ – نَسْأَلْ الله العَافِيَة – ضحكه -عليه الصلاة و السلام- حتى تبدو نواجذه، هذا دَلَّ على أنَّهُ سُمِعَ اليَهُودي، واليَهُودي لم يَسْمَع من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ و إِلاَّ لو كان سَمِع من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ما صَار فيه عَجَبْ! ما هناك عجب! ((ثُمَّ قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالاَمٌ وَنُونٌ‏)) البَالام هو الثَّوْرْ كَمَا فَسَّر ((قَالُوا وَمَا هَذَا، قَالَ: ثوْرٌ وَنُونٌ)) حُوتْ، ثَوْر وحُوتْ ((يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا‏)) سَبْعُونَ أَلْفاً من زَائِدَة! ومن الكَبِد‏! مما الكبد؟! من الزَّائِدَة المُتَعَلِّقَة بالكَبِدْ سَبْعُونَ أَلْفًا‏! هذا إذا كانت هذهِ الزَّائِدَة... طَيِّب الكَبِدْ ما حَجْمُها؟ النُّونْ والثَّوْر ما حَجْمُهُما؟ أُمُور لا تَخْطُر على البَال، هذهِ الأُمُور التِّي ذُكِرَتْ في الجَنَّة، ولها نَظَائِر في التَّسْمِيَة في الدُّنْيَا، جاءَ الخبر بأنَّهُ: "ليسَ في الجَنَّة مِمَّا في الدُّنيا إلاَّ الأسْمَاء" يعني لا تَتَشَابه إلا في الأسْمَاء، وأمَّا الحَقَائِق كبير فالتَّفَاوُت كبير شيء لا يَخْطُر على بال ((ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَرْ)) شَيْء فُوق تَصَوُّر البَشَرْ، هذهِ زَائِدَة الكَبِد ما هي الكَبِد كُلَّها! زَائِدَة الكَبِدْ، يَأْكُلُ مِنْ الزَائِدَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا! يعني كيف يَتَصَوَّر الإنْسَانْ العَظَمَة؟ يَتَدَرَّج، إذا كانت هذهِ الزَّائِدَة...فم الكبد؟! طيِّب إذا كانتْ هذهِ الكَبدْ التِّي زَائِدَتُها ويَأْكُلُ منها سَبْعُونَ أَلْفًا! يعني الكبد تتصوَّر يأكُل منها سَبْعُونْ مَليُون! أكثر، شيء أعداد لا يَخْطُر على البال! الثَّوْر والحُوتْ هذا يَأْكُلُ منهما كم؟! أشياء..! يعني كم تَتَصَوَّر خَلَقَ اللهُ -جَلَّ وعلا- من بَدء الخَلْق إلى يَوْمِكْ هذا؟! يعني إذا كان هذا السَّبْعُون الألْفْ على ما سيأتي الذِّينَ يدخُلُون الجنة بغير حِسَاب، جاء في بعضِ الأخبار مع كُل واحد سَبْعُونْ أَلْف! كم؟ اضرب، يعني إذا كان مع كُلِّ أَلْفْ سَبْعُونَ أَلْفًا أربعة ملايين وتسعمائة ألف، سهل؛ لكن لو كان مع كل واحد مع كُلِّ أَلْفْ سَبْعُونَ أَلْفًا كما جاء في بعضِ الرِّوايات جَمْعٌ غَفِيرْ، البَيْت المَعْمُور يَدْخُلُهُ في كُلِّ يَوْم من الملائِكَة كم؟ سَبْعُونَ أَلْفاً، ثُمَّ لا يَعُودُون آخِر ما عليهم، إذا كان من بدء الخَلْق إلى يَوْمِك هذا يَدْخُل هذا البيت سَبْعُونْ أَلْفْ! كمْ مِنْ يوم! أَحْقَاب، إذا كَانَ هذا في المَخْلُوقَاتْ فَمَا شَأْنُ الخَالِقْ؟! شَأْنُهُ أَعْظَمْ وأَجَلّ مِنْ أَنْ يُدْرَك بالأَوْهَامْ والأفْهَامْ.