حدثنا القرآن الكريم عن الأثر الذي تتركه آيات القرآن في نفوس مستمعيه، وحفظت لنا السيرة نماذج كثيرة لأثر القرآن الكريم في النفس البشرية، ونقلت لنا الأحداث التاريخية أخباراً غير يسيرة ونماذج غير قليلة لأناس تأثروا بالقرآن.فمن حديث القرآن عن الدور النفسي لسماع ألفاظ القرآن ، قوله تعالى في وصف المؤمنين: {إِذَا تُتْلى عَليْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً } [مريم:58]، وقوله سبحانه : {اللهُ نَزَّل أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلودُهُمْ وَقُلوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ..} [الزمر:23].كما حدثنا القرآن عن أولئك النفر الذين تفيض أعينهم من الدمع : {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِل إِلى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الحَقِّ..} [المائدة:83]، وقد كان الكفار على علم بخاصية القرآن هذه، ولهذا كانوا يتواصون بعدم السماع إليه: {وَقَال الذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لهَذَا القُرْآنِ وَالغَوْا فِيهِ لعَلكُمْ تَغْلبُونَ} [فصلت:26]، من هنا ندرك حكمة تكليف المسلم بأن يمكِّن المشركين من سماع كلام الله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلغْهُ مَأْمَنَهُ..} [التوبة:6]، ولم يكلف المسلم بما بعد الإسماع، فالسمع هو الأداة الأولى والمباشرة لنقل كلام الله إلى الآخرين، وهو الوسيلة الأنسب لفتح القلوب إلى هدى الله، قال تعالى على لسان المؤمنين من الجن: {وَأَنَّا لمَّا سَمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا } [الجن:13]، وقد كان الوسيلة الوحيدة التي بها وصلت الرسالة الجديدة إلى المدينة المنورة على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه حيث مكث يقرأ آيات الله على أهلها، فآمنوا ودعوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة، حتى قيل: “فُتحت الأمصار بالسيوف، وفُتحت المدينة بالقرآن” .والسيرة مليئة بالأحداث التاريخية التي تؤكد لنا أثر القرآن الكريم في نفوس مستمعيه، فهي من الكثرة بحيث تصعب الإحاطة بها، بعضٌ منها حدث في عصر التنزيل وبعضها الآخر حدث بعد التنزيل، وفي كل زمان تنقل لنا أحداث التاريخ طرفاً من قصص أولئك الذين تأثروا بالقرآن، بل إنّ أثر القرآن هذا لم يكن مقتصراً على من آمن به، وإنما نجد أثره في غير المؤمنين -أيضاً-.