من أحكام ستر العورة في الصلاة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه بعض الأحكام المتعلقة بستر العورة في الصلاة، اذكرها تذكيرا وتنبيها لأهميتها.

حكم ستر العورة في الصلاة.
يجب ستر العورة في الصلاة؛ وهي شرط من شروط صحة الصلاة، وهذا مذهب جمهور الأئمة. [المغني 577/1]
وقد دل على وجوب ستر العورة الكتابُ، والسنةُ، والإجماعُ.
قال الله عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [سورة الأعراف آية ٣١]
قال ابن عبد البر: هي الثياب الساترة للعورة؛ لأن الآية نزلت من اجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة؛ وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء اهـ [التمهيد 376/6]
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" [أخرجه أبو داود ٦٤١، والترمذي ٣٧٧، وقال: حديث حسن]
قال ابن عبد البر: استدل من جعل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به، وصلى عريانا اهـ [التمهيد 379/6]

وليس المقصود مما تقدم ستر العورة في الصلاة فقط، بل أهل العلم يستحبون لكل من قدر على لبس جميل الثياب ان يتجمل بها في صلاته، كما يفعل في جمعته، من سواكه وطيبه. [الاستذكار لابن عبد البر 434/5]

من شروط في سترة العورة:
الشرط الأول: أن يكون اللباس ساترا محل الفرض، وهو للرجل ما بين السُرَّة والركبة، وليست السرة والركبة من عورة الرجل. [الأم للشافعي 181/1، المجموع للنووي 171/3، المغني 579/1، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 300/1]
وللمرأة جميع بدنها عورة، إلا وجهها ان كانت تصلى وحدها، أو بعيدة عن الرجال الأجانب. [إيضاح العبادات للفوزان204/1]
وفي استثناء الكفين من العورة خلاف.
وأما القدمان فهما عورة، وهو مذهب الجمهور، خلافا لأبي حنيفة.
قال ابن قدامة: ما عدا الوجه والكفين والقدمين فهو عورة بالإجماع اهـ [الشرح الكبير 208/3]

وقد دل على أن ما بين سرة الرجل وركبته عورة ما روى علي، وابن عباس، ومحمد بن جحش، وجرهد رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخذ عورة".

ومما دل على اخراج السرة من العورة ان أبا هريرة رضي الله عنه قبل سُرة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقال: "أُقبّل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك"
ولو كانت السرة عورة ما قبّلها أبو هريرة، ولا مكّنه منها الحسن، ومحال ان يقبلها حتى ينظر اليها. [التمهيد لابن عبد البر 381/6، وحديث أبي هريرة اخرجه البيهقي في السنن الكبرى 232/2]

ومما دل على اخراج الركبة من العورة حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم فقد غامر" ... الحديث [اخرجه البخاري في صحيحه ٣٦٦١]
ولو كانت الركبة عورة لما أقر النبي عليه الصلاة والسلام أبا بكر على كشفها.

خلاف المالكية للجمهور:
ذهب جمهور المالكية إلى أن الفخذ ليس بعورة، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
الدليل الأول: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر رضي الله عنه، فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث... الحديث [أخرجه مسلم ٢٤٠١]

قلت: وليس في هذا الحديث دلالة على جواز كشف الفخذين، لأسباب منها:
السبب الأول: الشك في المكشوف، هل هو الفخذ ام الساق، كما في قوله: "كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه".
قال البيهقي: والذي روي في قصة وكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذيه او ساقيه حتى دخل مشكوك فيه، فليس فيه دليل على ان الفخذ ليست عورة اهـ [معرفة السنن والآثار 97/2]
وقال النووي: هذا الحديث مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن يقول ليست الفخذ عورة، ولا حجة فيه، لأنه مشكوك في المكشوف، هل هو الساقان، أم الفخذان، فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ اهـ [شرح صحيح مسلم 168/15]
قال القاضي عياض: وقد يحتج بهذا الحديث من لا يرى الفخذ عورة، وقد قدمنا الكلام عليه أول الكتاب والاختلاف فيه، وان لم يكن في هذا الحديث حجة قوية في ذلك، لشكها في كشف الفخذ او الساق، لكن يخرج منه
مذهبنا في تسوية ذلك، وانه لو كان عورة لما صح منه انكشافه عليه السلام، وقد مر من هذا في الجهاد أيضاً اهـ [إكمال المعلم بفوائد مسلم ٤٠٥/٧]
ويأتي الكلام على حديث انس قريبا.

السبب الثاني: مخالفة راوي هذا الحديث من هو أوثق منه في لفظ الحديث، وأكثر منه عددا.
فقد روى الامام مالك وغيره هذا الحديث عن الزهري، ولم يذكروا فيه كشف الفخذ.
قال الطحاوي: وهذا الحديث من رواية محمد بن أبي حرمة، وقد رواه من هو فوقه بخلاف ذلك.
وروى مالك عن الزهري عن يحيى بن سعيد يعني ابن العاص عن عائشة ان أبا بكر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله لابس مرطا لأم المؤمنين، ثم استأذن عمر، وهو على تلك الحال، ثم استأذن
عثمان، فاستوى جالسا، وقال لعائشة: "اجمعي عليك ثيابك" فلما خرج قلت له؟ فقال: "ان عثمان رجل كثير الحياء، ولو أذنت له على تلك الحال خشيت ان لا يبلغ اليّ في حاجته"
وقد روى علي، وابن عباس، ومحمد بن جحش، وجرهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخذ عورة" اهـ [مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 306/1]

قلت: وقد روي حديث عائشة من عدة طرق بمعنى لفظ الإمام مالك، ليس فيها فيه كشف الفخذ:
منها: عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عائشة به بمعناه. [أخرجه الإمام احمد في مسنده ١٥٥/٦، وأبو يعلى في مسنده ٤١٤/٧]
ومنها: صالح بن كيسان عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن ابيه عن عثمان وعائشة. [أخرجه ابو يعلى في مسنده ٢٤٢/٨]
ومنها: عقيل عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن العاص، إلا أنه قال هذا الاسناد عن عائشة وعثمان. وهذا خطأ . [أخرجه الامام أحمد في مسنده ٧١/١و ١٥٥/٦، ومسلم في صحيحه رقم ٢٤٠٢]
ومنها: عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن عائشة به. [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٢٣٢/١١، ومن طريقه الامام احمد في مسنده ١٦٧/٦، وابن حبان ٣٣٤/١٥]
ومنها: حميد الطويل، ومحمد بن سيرين، وثابت، كما في الصحيحين وغيرهما [انظر السنن الكبرى للبيهقي 230/2]

الدليل الثاني للمالكية: حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم، وركب ابو طلحة، وانا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى اني لأنظر الى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر...." [متفق عليه، وهذا لفظ البخاري في إحدى الروايات التي أخرجها]

قلت: و ليس في هذا الحديث دلالة على جواز كشف الفخذين أيضاً، لأسباب منها:
السبب الأول: تفرد يعقوب بن ابراهيم عن اسماعيل ابن علية عن عبدالعزيز بن صهيب عن انس، بلفظ: "ثم حسر الإزار عن فخذه"
وقد رواه غير يعقوب عن اسماعيل بن علية بلفظ آخر.
فرواه زهير بن حرب عن اسماعيل بن علية بلفظ: "وانحسر الإزار"
ورواه الامام احمد عن اسماعيل بلفظ: "فانكشف فخذه"
وفي قوله انحسر او انكشف دليل على ان ذلك لم يكن بقصده صلى الله عليه وسلم، وقد تنكشف عورة الانسان بريح او سقطة او غيرهما، فلا يكون منسوبا الى الكشف.
قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن يعقوب بن ابراهيم بهذا اللفظ، واخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن اسماعيل بن علية الا انه قال: "وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه احمد بن حنبل عن اسماعيل فقال: في الحديث: فانكشف فخذه"
وفي قوله انحسر او انكشف دليل على ان ذلك لم يكن بقصده صلى الله عليه وسلم، وقد ينكشف عورة الانسان بريح او سقطة او غيرهما، فلا يكون منسوبا الى الكشف.
وقوله في الرواية الاولى: "ثم حسر الإزار عن فخذه" يحتمل ان يكون اراد حسر ضيق الزقاق الذي جرى فيه مركوبه إزاره عن فخذه، فيكون الفعل لجدار الزقاق، لا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون موافقا لرواية غيره عن اسماعيل، موافقا لما مضى من الاحاديث في كون الفخذ عورة غير مخالف لها.
ورواه حميد الطويل عن انس، وقال في احدى الروايتين عنه: "وان ركبتي لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولم يذكر انكشاف الفخذ اهـ [السنن الكبرى ٢٣٠/٢]
قلت: وإبراهيم بن يعقوب بن كثير الدورقي قال عنه ابو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة. [تهذيب التهذيب ٢٤٠/٦]

السبب الثاني: أن حماد بن زيد رواه عن عبدالعزيز بن صهيب عن انس، بدون ذكر زيادة كشف الفخذ. [أخرجه البخاري ٩٤٧، ومسلم ١٣٦٥]

السبب الثالث: أن جماعة من الثقات رووه عن انس رضي الله عنه بدون ذكر زيادة كشف الفخذ.
وممن رواه عن أنس أيضاً حميدُ الطويل بلفظ: وان قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجوا إلينا، وذكر بقية الحديث، وليس فيه كشف الفخذ.[أخرجه البخاري ٦١٠و ٢٩٤٥و ٤١٩٧]
وممن رواه عن انس أيضاً محمد بن سيرين، ولم يذكر كشف الفخذ. [أخرجه البخاري ٢٩٩١و ٣٦٤٧و ٤١٩٨]
وممن رواه عن انس أيضاً ثابت، ولم يذكر كشف الفخذ. [أخرجه البخاري ٤٢٠٠، ومسلم في أول باب غزوة خيبر]

وذهب جمع من المالكية أيضا إلى وجوب تغطية الفخذ.
قال الرعيني بعد ان ذكر الخلاف عندهم: والذي يقتضيه نصوص أهل المذهب انه يجب على الرجل ان يستر من سرته إلى ركبته اهـ [مواهب الجليل 189/2]
وبهذا يتبين أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن الفخذ عورة، وقد تقدمت الأدلة في ذلك.

عورة المرأة:
مما دل على أن عورة المرأة جميع بدنها، إلا وجهها ان كانت تصلى وحدها، أو بعيدة عن الرجال الأجانب، قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"
وسئلت أم سلمة رضي الله عنها: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الدرع، والخمار السابغ، الذي يغيب ظهور قدميها.
وعلى هذا جمع من الصحابة والتابعين، وفقهاء المسلمين. [الاستذكار لابن عبد البر 442/5]
وهذا هو الراجح أن قدمي المرأة عورة، خلافا لقول أبي حنيفة في أنهما ليسا بعورة.

حكم انكشاف العورة أو شيء منها:
لو صلى الرجل أو المرأة وشيء من عورتهما مكشوفة بطلت الصلاة ووجبت إعادتها.
قال ابن عبد البر: اجمعوا ان الرجل اذا صلى وشيء من عورته مكشوفة أعاد أبدا اهـ [الاستذكار ٤٤٤/٥]
وقال ابن المنذر: أجمعوا على ان المرأة الحرة اذا صلت، وجميع رأسها مكشوف، أن عليها الإعادة؛ لأن الأصل وجوب ستر جميع العورة اهـ [الشرح الكبير ٢٢٣/٣]

يستثنى مما سبق أمران:
أحدهما: العفو عن انكشاف قدر يسير من العورة سهوا لا عمدا، ولو طيلة الصلاة.
والآخر: العفو عن انكشاف العورة زمنا يسيرا سهوا لا عمدا.
لأن كشف الكثير من العورة في الزمن القصير، كالكشف اليسير في الزمن الطويل. [الانصاف للمرداوي 233/3، فتح الباري لابن رجب 158/2]
قال ابن قدامة: وحد اليسير ما لا يفحش في النظر عادة.
ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما، إلا ان العورة المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غيرها، فيعتبر ذلك، سواء في ذلك الرجل والمرأة اهـ [الشرح الكبير 221/3]
فلو انكشف من العورة قدر يسير من غير تعمد داخل الصلاة لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يفرط، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة. [مجموع فتاوى تقي الدين ابن تيمية 123/22، المغني لابن قدامة 580/1، إيضاح العبادات للفوزان 206/1]
قال ابن عثيمين: يوجد بعض الناس يكون عليه بنطلون، ثم اذا سجد انكشف بعض الظهر من أعلى الظهر بعيدا عن الدبر، فإذا كان انكشافا يسيرا في العرف، كأن يكون كخط الإصبع مثلا، فهذا يسير لا يضر، أما اذا كان السروال قصيرا ثم لما سجد وصل الى حد يبين فيه ساق الدبر فهذا فاحش اهـ [الشرح الممتع 166/2]

وكذلك لو انكشفت عورته كلها في زمن يسير عن غير عمد، فسترها في الحال، لم تبطل صلاته. [المغني 580/1، الشرح الممتع لابن عثيمين 167/2]
قال ابن عثيمين: ويتصور ذلك فيما لو هبت ريح، وهو راكع وانكشف الثوب، ولكن في الحال أعاده فالصحيح أنها لا تبطل اهـ بتصرف يسير [الشرح الممتع 167/2]

أما لو كُشِفَ يسير العورة قصدا، فإنها تبطل الصلاة. [الإنصاف للمرداوي 222/3]
والدليل على ما تقدم حديث عمرو بن سلمة الجرمي قال: انطلق أبي وافدا الى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، يعلمهم الصلاة، فقال: "يؤمكم اقرؤكم" فكنت أقرأهم، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة، فكنت اذا سجدت انكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم ... الحديث. [أخرجه البخاري في صحيحه ٤٣٠٢ أبو داود ٥٨٥، والنسائي]
وهذا ينتشر ولم ينكر، ولم يبلغنا ان النبي صلى الله عليه وسلم أنكره، ولا أحد من أصحابه، ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر، فُرِّقَ بين قليله وكثيره في غير حال العذر، كالمشي، ولأن اليسير يشق الاحتراز منه، فعفي عنه كيسير الدم، إذ ثياب الفقراء لا تخلو غالبا من خرق، وثياب الأغنياء من فتق اهـ [الشرح الكبير 221/3، شرح منتهى الإرادات 303/1]
الشرط الثاني:أن يكون اللباس لا يصف البشرة، فيتبين من ورائه لون الجلد، من بياضه أو حمرته أو سمرته.
فهذا لا يستر العورة، واذا صلى به لا تصح صلاته. [إيضاح العبادات لابن فوزان 204/1]
فالملابس الخفيفة التي تُظْهِرُ لونُ العورة، لا يجوز لبسها في الصلاة ولا خارجها؛ لأنها لا تستر العورة.
وهذا مثل كثير من الثياب والسراويل والأُزر الصيفية الخفيفة التي لا تستر لون الجلد.
فالواجب ان يلبس المصلي تحتها ما يستر لون الجلد.
فلو صلى في ثوب خفيف لزمه لبس سروالا طويلا تحته، او سروالا يغطي الفخذين كاملين، او يلبس تحت الثوب إزارا، او غيرها، المهم ان يغطي لون بشرته.

وكذلك بعض النساء تلبس أمام أولادها، أو إخوانها أو غيرهم من محارمها لباسا خفيفا، يُرى من ورائه لون العورة، بل والعياذ بالله قد يُرى من ورائه لون وشكل ملابسها الداخلية!!
ولبس هذه الملابس الخفيفة يوجب إثم فاعلها، وبطلان صلاته؛ لأنه كشف عن شيء من العورة، التي أمر بحفظها داخل الصلاة وخارجها. [انظر إيضاح العبادات للفوزان 204/1]
وحكى ابن عبد البر عن جماعة من الصحابة والتابعين انهم أجازوا الصلاة في القميص الواحد، اذا كان لا يصف.
قال: وهو قول عامة فقهاء الأمصار في جميع الأقطار اهـ [التمهيد لابن عبد البر 375/6]
وأما الملابس الصفيقة التي تستر اللون وتصف الخلقة فتجوز الصلاة بها؛ لأن هذا لا يمكن التحرز منه، مثل السراويل الرياضية، أو ما يسمى بالبناطيل، التي ليست بضيقة. [المجموع 176/3، المغني 579/1، رد المحتار على الدر المختار 93/2 وما بعدها]

الشرط الثالث: أن يستر المصلي عورته عن غيره، وعن نفسه، والدليل حديث سلمة بن الأكوع قال: قلت يا رسول الله، إني أكون في الصيد، فأصلي في القميص الواحد؟ قال "نعم، وازروه ولو بشوكة" [أخرجه أبو داود ٦٣٢ والنسائي]
فلو صلى أحد في ثوب واسع ليس له أزرار، بحيث يرى عورة نفسه خلال الركوع أو السجود لم تصح صلاته.
وهل يلزم المصلي ستر عورته من أسفل ثيابه؟ بحيث لو صلى فوق سطح مرتفع، فمر احد من أسفل فرأى عورته من تحت ثوبه، فيه خلاف بين العلماء.
قال المرداوي: ولا يعتبر سترها من أسفل، على الصحيح من المذهب اهـ [الإنصاف 199/3]

و لا يشكل على ما تقدم آنفا حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأزر خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: يا معشر النساء لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال" [متفق عليه، البخاري ٣٦٢، ومسلم ٤٤١]
قال القاضي عياض: هذا حكم الضرورة، وحالهم أول الاسلام، لضيق الحال، وعدم الثياب.
وعقدها حياطة لئلا تنفلت فينكشف.
وقال أيضا: وفيه ان ما كان من مثل هذا في الصلاة من غير قصد ولا تعمد لا يضر المنكشف، ولا الناظر من غير عمد في صلاته اهـ [إكمال المعلم بفوائد مسلم 352/2]
وببعضه قال النووي في شرح مسلم ١٦٠/٤
وليس في الحديث ذكر انكشاف العورة حقيقة، انما فيه خشية ذلك. [فتح الباري لابن رجب ٢/١٥٨]

ختاما أيها الكرام فانه يسن للرجل الصلاة في ثوبين، وحكى بعض أهل العلم الإجماع على ذلك.
والمراد بالثوب: اللباس، وليس المراد به الثوب المعروف عندنا الان، فان هذا يسمى بالقميص.
واللباس في الصلاة منه ما كان لباساً مجزئا، ومنه ما كان لباسَ فضيلةٍ.

اللباس الأفضل: هو الصلاة في ثوبين، فانهما ابلغ في الستر، والتجمل.
فعن عمرَ رضي الله عنه انه قال: اذا وسّع الله فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تبان وقباء، في تبان وقميص، وأحسبه قال: في تبان ورداء. [أخرجه البخاري]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه رأى نافعا يصلي في ثوب واحد، فقال: ألم تكسَ ثوبين؟ قال نافع: بلى، قال: فلو أرسلت خارجا من الدار، أكنت تذهب في ثوب واحد؟ قلت لا، قال: فالله أحق ان تزين له أم الناس؟ قلت: بل الله.
ومثله في زماننا الصلاة في الثوب، تحته السراويل والفانيلة، وفوقه الطاقية والشماغ أو الغترة.
وبهذا يعلم خطأ من يصلي بثياب رثة، وهو يملك غيرها، مثل من يصلي بقميص النوم، أو الثياب المتسخة، ونحوهما.

اللباس المجزئ: هو الصلاة بثوب واحد فقط يستر عورته، زاد الحنابلة و تغطية عاتقه ان كان الثوب كافيا.
والدليل حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة، قد ألقى طرفيه على عاتقه. [متفق عليه]

أما المرأة فيستحب لها أن تصلي في ثلاثة أثواب.
درع: وهو القميص السابغ الذي يصل القدمين.
وخمار: وهو ما يلف على الرأس.
وملحفة: وهو ما يلف على الجسم كله، مثل العباءة، أو ما يعرف عندنا باسم "الجلال".
روي استحباب ذلك عن عمر، وابنه عبدالله، وعائشة رضي الله عنهم.

والحكمة من لبس المرأة هذه الأثواب الثلاثة هو المبالغة في سترها.
فان اقتصرت المرأة على ستر عورتها أجزأها ذلك، لما روي عن أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما أنهما كانتا تصليان في درع وخمار، ليس عليهما إزار.
قال ابن عثيمين: لو تلفلفت المرأة بثوب يستر رأسها، وكفيها، وقدميها، وبقية بدنها، ولا يخرج منه إلا الوجه، أجزأ اهـ

هذا ما تيسر لي ذكره من بعض احكام ستر العورة في الصلاة، فان أصبت فمن الله، وان أخطأت فمني ومن الشيطان.
أسأل الله عز وجل ان ينفع به قارئها، وناشرها، وكاتبها.

كتبه: فؤاد بن عبدالله الحاتم.
1434/6/30هـ