قال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله -:"العلم يحتاج إلى تربية نفسية، وتربية خلقية، وتربية بدنية 1-التربية النفسية: هو أن يطلب العلم لله، لا للرياء، ولا للسمعة، ولا ليصرف وجوه الناس إليه، ولا لينال عرضاً من الدنيا، وإنما يطلب العلم لله عز وجل؛ لأن العلم عبادة من أفضل العبادات، فلا يجوز أن يصرف لغير الله، ولهذا جاء في الحديث: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) -نعوذ بالله- فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في طلب العلم، ويتحقق الإخلاص بأمور: الأول: أن ينوي بذلك التقرب إلى الله، وأنه ما من سطرٍ يقرؤه حفظاً أو فهماً إلا وهو يقربه إلى الله عز وجل، حتى تكون مراجعته للكتب ومباحثته مع أصحابه وتأمله في نفسه، تكون عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الإسلام.
لأن حفظ الشريعة يكون إما بالكتب وإما بالرجال؛ لأن العلم إما مكتوب وإما محفوظ، فينوي بطلب العلم حفظ الشريعة؛ لأن الشريعة لا تحفظ إلا برجالها.
الأمر الثالث: أن ينوي حماية الشريعة والدفاع عنها.
لأن الشريعة لها أعداء؛ أعداء باسم الإسلام، وأعداء باسم الكفر، فمن أعدائها باسم الإسلام: أصحاب البدع؛ لأنهم يدعون إلى بدعهم باسم الإسلام، ويرون أن ما هم عليه هو الإسلام، وربما يضللون غيرهم ويقولون: إن هؤلاء ضالون؛ إما فاسقون وإما كافرون، فيجب أن نحمي الشريعة من هؤلاء وبدعهم، وهذا لا يمكن إلا بالعلم: أولاً العلم بالسنة، وثانياً: العلم بهذه البدعة وشبهاتها، لا بد أن نعلم هذه البدع وشبهاتها وعلى أي شيء ركبت، حتى نتمكن من الرد عليها، إذ لا يمكن أن ترد على شيءٍ وأنت لا تدري ما هو.
ولهذا لو أن رجلاً أتى إلى مكتبة مملوءة بكتب أهل السنة، وصار يقرر البدعة في هذه المكتبة وليس عنده أحدٌ يعلم كيف يرد عليه، فهل تنفع هذه الكتب؟ لا تنفع، لا يمكن عنده أي كتاب أن يقفز ليرد عليه، لكن لو كان هناك عالم بالسنة لأمكن أن يرد على هذا ويدحر حجته.
إذاً فهيأ نفسك الآن أيها الطالب لتكون بطلاً في رد الباطل.
هناك أناس لا ينتسبون إلى الإسلام، أعداء للإسلام ولا ينتسبون إلى الإسلام.
أيضاً نحتاج إلى فهم ما هم عليه من الباطل والرد عليهم، كل هذا داخل في إخلاص النية لله عز وجل أن ينوي الإنسان الدفاع عن شريعة الله بهذه الأمور وبغيرها أيضاً من الأساليب الأخرى التي لا تحضرنا الآن.
ومما يجب على طالب العلم أن يظهر أثر العلم عليه في عبادته، وهو معاملته مع الله عز وجل، بحيث يخشى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية، ويكون قلبه دائماً معلقٌ بالله؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالعلماء حقيقة هم أهل الخشية لله، إذا رأيت أنه ليس عندك خشية من الله عز وجل ولا خوف منه فاتهم نفسك بأنك لست من أهل العلم، وإن حفظت ما حفظت من المتون، وإن فهمت ما فهمت من المعاني، لا بد أن يظهر أثر العلم على الإنسان في عبادته ومعاملته مع الله.
أيضاً: لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، لا بد من هذا، ومن لم يكن كذلك فإن علمه وبال عليه، أعاذنا الله وإياكم من هذا.
اللهم لا تجعل ما علمنا علينا وبالاً، انتبه عليك مسئولية أمام الله عز وجل، الجاهل قد يعذر بجهله لكن العالم بأي شيء يعذر؟! لا بد أن يظهر عليك أثر العلم في العبادة من خشية الله ومراقبته والتعلق به والاستعانة به والتعبد له بكثرة الطاعات، العلماء الذين هم أئمة في العلم نسمع من أخبارهم أنهم أهل عبادة أهل تهجد في الليل أهل تسبيح دائماً أهل قراءة قرآن، ففتش عن نفسك هل أنت بهذه المثابة أم لا؟لا بد أيضاً أن يكون للعلم أثر في خلق الإنسان، بأن يخالق الناس بخلق حسن.
سماحة بشاشة انشراح صدر معونة عفو إحسان، كل ما يتعلق بمعاملة الناس بالحسنة فإنه من آثار العلم.
إننا نرى الآن جحافل كثيرة تدخل الكليات والمعاهد والمدارس لا نرى عليهم أثراً في طلب العلم، إننا نرى الطلاب أنفسهم يتقابلون وهم في فصلٍ واحد لا يسلم بعضهم على بعض، نجدهم أيضاً لا يسلمون على العامة، هل هذا من خلق المسلم فضلاً عن خلق طالب العلم؟!!

الجواب
لا، وإذا كنتم تقولون: لا، فاعلموا أنها ستشهد عليكم جوارحكم يوم القيامة إذا لم تطبقوا، الآن يمر الإنسان بأخيه لا يسلم عليه وليس بينه وبينه إلا متر أو أقل لماذا؟ أليس كل تسليمة فيها عشر حسنات؟!! لو أن الإنسان يعطى درهماً واحداً على التسليمة لوجدته يسلم حتى في غير موضع التسليم لينال هذا الدرهم، فكيف لا يسلم في موضع التسليم لينال عشر حسنات تكون باقية ويزداد إيمانه ويحصل المحبة بينه وبين أخيه، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .
أين نحن من هذه النصائح ونحن طلبة علم نعرفها؟!! كيف لا ننفذها؟!! سيكون هذا الحديث وغيره من أدلة الكتاب والسنة حجة علينا إذا لم نقم بما يدل عليه من التوجيه والإرشاد.كذلك يجب أن يكون أثر العلم ظاهراً عليه بمحبته لأخيه ما يحب لنفسه، تجد بعض الطلبة -وربما العلماء الكبار- إذا برز أخوه بشيء حاول أن يغمطه ويحقره ويتتبع عوراته حتى لا يتميز عليه، وهذا الخلق من خلق اليهود، هم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا من جهل الإنسان؛ لأن الإنسان إذا تأمل من الذي أعطاه هذا الفضل؟ الله عز وجل، طيب اسأل الله الذي أعطاه، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32] اسأل الذي أعطاه أن يعطيك، أما أن تتمنى زوال نعمة الله عليه، أو أن تكره ما أنعم الله به عليه، فهذا من سفهك، ومن تخلقك بأخلاق إخوان القردة والخنازير اليهود، أترضى بهذا؟ لا، إذاً إذا رأيت أخاك قد منَّ الله عليه بتميز في الحفظ أو الفهم أو الحرص فقل: اللهم كما أنعمت عليه فأنعم عليَّ، ألسنا نقول في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) أي: كما مننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم بالصلاة عليهم فمنَّ على محمد وآله."
فهكذا خلق طالب العلم يجب أن يكون متخلياً عن الحسد قليله وكثيره.لقاء الباب المفتوح [164]